الإرهاب صنيعة الدكتاتورية


حنان بن عريبية
الحوار المتمدن - العدد: 4219 - 2013 / 9 / 18 - 23:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


من المسلم به أن الأنظمة الاستبدادية لا تحمل سوى شقاء شعوبها و لا تثمر أي تقدم. و بالتالي تتم العودة دائما إلى نقطة الصفر حتى و إن قامت انتفاضات منددة بسياسة حكامها و بتعلقهم بالحكم. زيادة على أن المستقى من حقائق الواقع يثبت أن الحاكم الدكتاتوري له دائما نفس الآليات المعتمدة من أجل تركيع الشعب و التمادي في محاصرته و قمعه رغم وضوح التجارب السابقة بأنها طريقة تخلق المزيد من التمرد و الغضب فالدكتاتور يقوم بالتوغل في مؤسسات الدولة و بالسيطرة على مفاصلها من أجل خدمة مصالحه و في الآن نفسه يقوم بزعزعة كل المصادر التي يمكن أن توقظ وعي شعبه أو أن تزرع بوادر التمرد.

بداية يقع ضرب المنظومة التعليمية و إفراغها من كل قيمها ثم المحاصرة المستديمة للإعلام و تطويعه من أجل خدمة الحزب الحاكم إضافة إلى تأصيل فكرة أن الحاكم في تأهب دائم لحماية الوطن و المواطنين من الجماعات الإرهابية و التصدي لهم بالرغم من أن تفشي ظاهرة الإرهاب داخل المجتمع المدني حتى و إن تمت السيطرة عليه هو إقرار بفشل الحاكم و نظامه و لا يعد نجاحا مثلما تخال الأغلبية التي ترفع الشعارات الداعمة والمساندة لقائدهم أو زعيمهم أو رئيسهم البطل دون دراية أنه السبب الأصلي في خلق هذا الوباء باعتماد سياسة خلق الأعداء .

من ناحية أخرى لا يخفى على العديد أن لعبة الإرهاب الحقيقية تمتلك الدول الغربية قانونها و نظامها بدءا بحيثيات تشكل القاعدة و انتهاج الفوضى المنظمة للسيطرة على الشرق الأوسط لنستخلص وجود صنفان من الإرهاب الأول انتاج غربي خــارجي و الثاني محصلة سياسة السيطرة و التسلط و التهميش التي يعتمدها جل الحكام في العالم العربي و يصب الاثنان في نفس البوتقة من أجل الاستمرارية والتسلط و التركيع.

لقد أصبح جليا أنه كلما تفاقمت الاضطرابات الداخلية و تواجد فراغ سياسي إلا و تموقعت الجماعات التكفيرية و الإرهابية مما يثير حفيظة الإرهاب الخارجي فهو كسمك القرش يجذبه كل نزيف تشكو منه دولة ما. كما أنه بالرجوع لاكتساح الإرهاب في العالم العربي نستنتج مدى المسؤولية الكبرى للحاكم بنظامه القمعي و تحفيزه لجميع الوسائل التي من شأنها أن تخلق الأعداء. فضلا عن ذلك فان المتطرفين و الإرهابيين ليسوا صنيع الساعة و الظهور الفجئي كما يريدون إيهامنا و إلا بماذا نفسر تركيز الحكام على تهميش التعليم و تفشي العدد المتزايد و المخيف من الأطفال الذين يطردون من المدارس في سن طيعة و حساسة للغاية يسهل عن طريقها تجنيد عقليات متعصبة منغلقة و متطرفة. أليس هؤلاء الأطفال مشروعا مستديم لكل توجه عنيف؟
أكثر من ذلك ما نشاهده من تنظيم محكم لقمع كل الوسائل التي من شأنها أن تنتقد نظاما ما و قمع كل وجه للاختلاف و اعتماد طريقة تكميم الأفواه. هي كلها عوامل تساهم في تصعيد التطرف حتى يفرز أوكارا إرهابية. و حتى لو افترضنا أن النظام خالي الشوائب و لا يعد طرفا في خلق الإرهاب سواء كان فكريا أو ماديا فبماذا نفسر القصور في رصد المعلومات التي تشكل خطورة على أمن البلاد و استقرارها؟ الحقيقة أن كل نظام استبدادي لا يبالي بكل هذا و لا يهم الحاكم غير تجنيد أتباع لاستمرار حكمه مع إهمال المشاكل الأساسية للدولة مما يزيد من تدهور الأوضاع ويعمق الاختلال المجتمعي. أليس من المعلوم أنه كلما تفشى الفقر و الجهل أمسى الدين ملاذا للناس...

إن سياسة خلق الأعداء ميزة كل نظام متسلط و إن بدا معتدلا. فالأنظمة الديمقراطية لا تخلق أعداء داخل أوطانها بل تسعى لنشر ثقافة الاختلاف و الاعتراف بالآخر و تصنع من المتألمين مبدعين. عكس ما يجري في العالم العربي بتحويل كل متألم إلى ناقم و تأطير نقمته عبر فسح المجال لأزلام تعنى بالترويج للعنف و التعصب وتعمل في الضوء و بمباركة من النظام للقضاء على ضحاياهم المستقبلية خدمة للنظام القمعي السائد و حشد مساندين خانعين لتوسيع دائرة الثقة الوهمية في شخص الحاكم حتى تتحول كل ثغرات حكمه و فشل افرزه نظامه إلى بطولات تمكن من تبرير طغيانه.

وعلى ذلك فلا بد من المزيد من الوعي أن كل نظام يطمح للبقاء بكرسي السيادة يستدعي استخدام هذه السياسات الهشة في جوهرها و الحذر من كل أثارها السلبية المستقبلية. و لا يسعنا إلا استخلاص أنه طالما وجد في نظام المغالاة في التمجيد و التعظيم لشخص الحاكم بصورة منمقة إضافة إلى تواجد معارضة صورية فإننا أمام نظام دكتاتوري تكون الورقة الرابحة فيه تصنيع الإرهاب كلما أحس بالخطر في سحب بساط السلطة و يقع بالتالي اللجوء إلى مشهد انتخابي كاريكاتوري لتمتين سلطته تحت غطاء الديمقراطية و التي ينتفي فيها المظهر الأهم والأساسي ألا وهو التداول على السلطة.