رَحِمْ الزَّبَرْجَدْ (6) أصْدقاء ولِكن قَراصِنة


حنان بن عريبية
الحوار المتمدن - العدد: 5537 - 2017 / 5 / 31 - 01:43
المحور: الادب والفن     

- سأُحاول كسر الباب الخلفي
- هل جُننت ماذا سيقول صاحِب المقهى !!
- لن يقُول شيئا.. سيتفهم الأمر وسأُصلح له الباب.. المكُوث بالمقهى سيُجنبنا أنياب الذّئاب وانسيابْ الثّعابين..
- وماذا سنفعل بعد ذلك.. قد نَنجو من بطش الضّواري ولكن لن نَنجو من أنياب أهل القرية

- ابتعدي قليلا..سَننجوا
ودفعَ عَاقِلْ الباب مرددا سَننجوا..سَننجوا..

دخلا للمقهى وكانت زَبَرْجَدْ تَتحسس الحائط قائلة :ألا تُوجد كهرباء هُنا ؟
- بلى..ولكن لن نضيء المكان تجنّبا للمشاكل.. تمسّكي بي... أنا أعرف المقهى جيّدا..لقد أمضينا ليالي للْفجر هنا خُصوصا عندما يكون صاحب المقهى غير راغِب في العودة لبيته..يحدثني دائما عن زوجته النّكديّة..
- لكن حديث أهل البلدة عكس ما تقوله..يقُولون أنه يمر بضائقة ماليّة وأنه يستضيف أشخاصا مشبوهين من المدينة المُجاورة... هل هذا صحيح ؟

- أهل القرية لديهم من الخيال الشّاسع ما يجعل الواحد يَلطُم سبب وجوده في هذا المكان البائس..
- وما فعلناه نحن سيجعلنا نلطم ذلك الخيال الشّاسع لأنّه حقيقة
- ههه.. أتُدافعين عنهم !!
- لا بل أدرك أنّ الاغتياب سمة لا تتجزّأ من الخيال في المجتمعات المحافظة.. أعتقد هو نوع من المحرّمات النّافعة.. على الأقل يجد المغتاب تعويضا لكبته..

- صه..اجلسي هنا.. سأحضر لك شيئا تأكلينه
- لست جائعة..القليل من الماء فقط إذا شئت
عند ذهاب عَاقِلْ باحثا عن المياه كانت الأفكار تطوف بعقل زَبَرْجَدْ..وكانت تُغمض عينيها تارة وتفتحهما تارة أخرى.. ليس بمفعول وطأة النّعاس وإنّما كانت تُحاول اكتشاف أجزاء الغرفة الضيقة في خِضم الحلكة المحيطة بها...

- تفضلي الماء
- شُكرًا
جلس عَاقِلْ بجانب زَبَرْجَدْ ولامس يدها بأطراف أصابعه قائلا:
- لديك بشرة رقيقة كبشرة الأطفال...
- أعلم ذلك..وهي ايضا حسّاسة من المراوغة ههه

- لا تخافي... بقربك أشعر أنّي ذاتي غير قادر على المراوغة.. أتعلمين هي المرّة الأُولى التّي شعرت فيها بالصّدق مع نفسي ولا أخفي عليك استمتعت جدّا.. شَعرت أنّي أمتلك حياة خالية من الحواجز
- الحواجز قد نكون نحن من يصقلها ويثبّتها...ربّما لشعورنا بذلك الوازع الأخلاقي...لست أدري
قل لي عَاقِلْ بصراحة هل لديك أصدقاء تثق بهم ؟

- الثّقة.. أجدها كتعويذة يصعب فكّها.. يكفي أن تتعرّض لبطش النّكران مرّة وخيبة أمل قاسية فتتطاير كالشّظايا لتصيب صاحبها لا من خذله..
- يبدو أنّك تعرضّت لخيبة أمل قاسية !!
- بل قولي خيبات...ههه

- وماذا عن الصّداقة؟
- أصْدقاء ولِكن قَراصِنة...
- ماذا تعني بقولك ؟

- في زماننا الصّداقة لم تعد تحمل في طيّاتها ذالك المعنى السّامي الذّي عرفناه في الطّفولة ولا نجدها كما يصفها التّقاة... بل دخلت حلبة التّنافس الغير نزيه وهي بالفعل بثقافة القراصنة... زَبَرْجَدْ.. إذا وجدوا ربّانا جيّدا يصارع العواصف تكتّلوا عليه ونهبوا منه الشّراع... أصدقاء اليوم أحبّاء ولكن ثعالب إذا وجدوا بيديك ما ليس بأيديهم سارعوا لنهشه... كرماء ولكن بثقافة البخلاء إذا اكتشفوا أن أرضك تنبت زرعا خصبا سارعوا لبتر وريد المياه عنك....ايييه زَبَرْجَد...ْ كلّ يوم أكتشف هوّة ساحقة بين العلن وبين ما وراء السّتار...
- ألم تقل أنّ الرّجل يحظى بمكانة لا تشوبها شائبة في مجتمعنا..

- الرّجل يعاني مثله مثل المرأة..لنغلق هذا الحديث....
قال عَاقِلْ ذلك وأخذ نفسا عميقا ضاغطا بشدّة على يد زَبَرْجَدْ..