جَسَدُ الْغَزَوَاتْ نَهارًا والسَّرايَا لَيْلاً


حنان بن عريبية
الحوار المتمدن - العدد: 5809 - 2018 / 3 / 8 - 01:50
المحور: ملف 8 آذار / مارس يوم المرأة العالمي 2018 - أسباب وخلفيات ظاهرة التحرش الجنسي، وسبل مواجهتها     

قضيّة المرأة في العالم العربي الإسلامي لم تنعتق من التّهميش ولا سبل محاولات نفي أنّها كيان حر والحال أنّ هذا الحق بديهي من صميم القيم الكونيّة وأحد أسس مقومّات التّقدم وليس مَنًّا ولا تفضُّلا لتحدد مساحته أو كيف سيقنن كلّ ما هو لصيق به ويهم المرأة وحدها. والدونيّة المفروضة عليها فرضا تبرز في جميع مجالات الحياة وراء ستار الشّعارات التّي ترفع مزهوّة بمكتسباتها ما يلحظ فعلا هو مدى شقاء المرأة في المجتمعات الذّكوريّة التّي لم تتخلّص بعد لا من عقليّة العشيرة فقط بل نرى تجذّرا لعقليّة الغزو والغزاة التّي لا تتوانى من محاصرتها وتذكيرها أنّها أرض وطئ باستعمال أية وسيلة سواء اللّفظ النّابي أو المضايقات المباشرة وغير المباشرة واللّجوء للعنف المادّي والمعنوي لكسر جميع بوادر الانعتاق لديها لتتحوّل فعلا جَسَدا للغَزَوَاتْ..

وهذا ليس بجديد على العالم العربي فالمرأة هي الجارية هي السّبيّة هي الأمة وهي التّابعة الخانعة وينحصر دورها دنيويا في تحقيق الإشباع الجنسي للرجل والإنجاب. عدا ذلك هو وهم مهما حاولت جموع من يقحمون الدّين في كلّ شيء إثبات العكس وأنّها ملكة عندهم ويتجلّى هذا الوَهْمُ عندما نجد فقط تعدادا لمحاسنها عبر ما يرومه الذّكر ويستحسنه هو ويطلبه منها إذ كلّ الصفات والمحاسن تحصر في القماش السّاتر لتفاصيل جسدها. فأين المرأة كانسان حر في هذا المعيار؟ وحتى في الحياة الأخرويّة فإنها بالنسبة لهم هي حور عين للمتعة واللذة .

نحن أمام "إنسان مستهلك" يخشى الخروج عن المألوف الذي يقدّم له الإشباع بما يمكنه من حجب سطحيّته ويعفيه من السّؤال الوجودي الأول والأساسي من أنا ويتجاهل أنّ الكيان البشري جوهر مترامي الأطراف.. ثم نراه يمارس إثباتا لنفسه بأسانيد دينيّة وتقمص دور الصالحين بأسلوب ممجوج لا يخرج عن دائرة اجترار المحنّط والتمسك بمحاصرة المرأة...وهذا يعكس في لاوعيه نهما شديدا لعقليّات الغزو واستباحة حرمة من يختلف معه أو من لا يتجاوب مع مسلماته التي تصب كلها في بوتقة الجسد. وهذا لا يعكس معاناة المرأة فقط بل كل من يقف لجانبها ككائن حي..

مهما تعددت أهداف المعارك والغزوات والسّرايا في أحقاب تاريخيّة منصرمة لا يمكن إنكار أنّ هناك دائما الآخر الذي يتحمّل العدوان وجميع الانتهاكات. زيادة على ذلك هناك الجوانب المظلمة في التّاريخ والمسكوت عنها والتّي لا يسمح بالاقتراب منها مما يزيد البرهنة على الحيف والمظالم التي عانت منها مجتمعات كثيرة ذات ثقافات مختلفة عن معتقدات الغزاة وكانت المرأة دائما المستهدف الأول. والواقع المعاصر يثبت الإصرار على هذا النهج عبر طريق مهاجمة كل من يخوض هذه المسائل ونفي وضعية المرأة المضطهدة وتحويل الضّحية لمذنبة. وهو ما يعكس مدى شطط استفحال الجهل والهمجيّة..

انّ السّعي من أجل تحقيق هدف نبيل يهم الذّات البشريّة لا يزج الذّات الإلهية في كل موضوع بحث علمي سواء تعلق بالدين أو بالتاريخ لتفتح سيول من الأحقاد والشطط في الهجوم المبالغ فيه. فأين الأهداف الساميّة للمعارك والغزوات والسريّة اليوم ونحن أمام غزو الأجساد وغزو الفكر وغزو حياة الفرد الشخصية...

إننا نلحظ اقصاء لجوهر الذّات البشريّة دائما والتّشبث بمنطق هزلت من بعده جميع مقوّمات بناء مجتمعات قادرة على إرساء ما يمكّن فعلا رقيّها. فلا الحجاب ولا النّقاب ولا حتّى النّهل من الدّين بطريقة الحفظ والتّطبيق المجرّد من السّؤال والتّساؤل معيار لقيمة الفرد الحقيقيّة أو مزاياه. ويكفي أن ننظر لواقع اليوم لنلحظ كيف أنّ تغلل الدّين لم يجلب سوى التّناحر والتّناطح والشّقاء لا على المرأة فقط بل لكل المجتمع مما يبعدنا يوما بعد يوم عن حلم الدولة المدنيّة العادلة.