رَحِمْ الزَّبَرْجَدْ (4) الاِلْحَاد الجنسي اللَّذِيذْ


حنان بن عريبية
الحوار المتمدن - العدد: 5287 - 2016 / 9 / 17 - 23:28
المحور: الادب والفن     

كانت لَهفةِ زَبَرْجدْ لمُقَابَلة عَاقِلْ كلَهفةِ سجين يرُومُ نزع أغلاله وينْطلق من جديد في رِحاب الحياة... لدرجة أنّها ارتطمتْ بالجِدار...لم تَره فلقد كانت ترى حُروف الرِّسالة ترقص كشُعلات الشّموع بزّفة عروس ....تألمّت...ولكن لم تتوقّف ووضعت يدها على مقبض الباب الخارجي لتُلبّي نداء حُرِّيتها...
كَان عَاقِلْ حينها متوّترا جدًّا بِغرفته يُريد أن يَعْرف مَصير كلماتِه...تَنهّد قائلا :
ما هَذا الاختناق سأخرج لأتمّشى قليلاً...كَانت نَظرَاتْ زَبَرْجَدْ وهي بين النّسوة تَستولي على مُخيّلته...أشعل سيجَارته وتمتم بصوت غير مَسْموع بالفعل إنّها جميلة وفاتنة .... اه لَوْ بإمكاني أن أطِير بِها إلى حَيث لا أحد...وسَار تحت الضّوء الخافت...يُمنّي نَفسه أن يَستطيع التّحرر من اختناقه...
توّقفت سيّارة بجانِبه وسمع صوتا يقول له إصعدْ يا عَاقِلْ
- أهذا أنت ... جئْت بوقتكْ...
- إصْعد بسُرْعة
- تَمهّل مَاذا بك.. أحدث شيء بالمقهى ؟
- إصْعد...
أخذ صاحب المقهى يطوي الطّريق بسرعة جنونيّة
- ماذا حدث ؟
- زَبَرْجَدْ عِنْدِي
- عِندكْ!! أتَمْزح !!
- بالفعل هي عنْدي...
- ولماذا هي عِنْدك ؟
- كنْت بصدد إغلاق المحل وشاهدْتُها بحالة يُرثى لها.. بالكاد أقنعتها أن تدخل المقهى...
- مالذّي جعلها تَخْرج في هذه السّاعة المتأخرّة ؟؟
- أنت
- أنا ؟؟
- سندخل المقهى وستعرف كلّ شيء.
شَعُرعَاقِلْ بالارتباك واسترسل يسأل نفسه هل مسكوا رسالتي عندها ؟؟ لا أرجو ذلك أبدا...
توقفّت السّيارة فنزل منها مسرعًا... وشاهد زَبَرْجَدْ جالسة على الكرسي وهي تَرْتجف...
اقترب مِنها بحذر قائلا :
- ماذا جرى؟؟ لِمَ أنت هنا زَبَرْجَدْ ؟؟ ما هذا الثّوب الّذي ترتدينه ؟؟
فقالت زَبَرْجَدْ بصوت خافت: سمعتُ عنْكِ وقسمًا بمحرابك الجلّي ...وتُرابك البهيّ...لَمْ اسألْ...فلماذا تسأل الآن ؟؟ ثَوبي الشّفاف أقصد... إذا أردت مساعدتي حقًّا لنخرج من هنا...
- إلى أين سنذهب ؟؟
- إلى الفضاء الرّحب...هيّا يا عَاقِلْ لا تترّدد
- هذا المكان آمن لَكِ
- لا أشعر بالاِرْتياح
- حسنًا... والْتفت لِصاحب المقهى قائلا :
- سَنُغادِرْ
- اِنتبه حتّى لا يشاهدكما أحد
- لا تَخفْ
طيلَة بَحث عَاقِلْ عن مكان مُنزوٍ لم يَنْبُس بكلمة ولا زَبَرْجَدْ أيضا... انعطف إلى اليَمينْ حيثُ كانت هناك أشْجارٍ كثيفة متَشابكة وجلَس على الأرْضْ يَتَلمّسها وأشاح لزَبَرْجَدْ قائلا :
- تَسْتطِيعين الجلُوس...
جَلست زَبَرْجَدْ وعمّ الصّمْت مرّةً أخرى فمسك عَاقِلْ حِجارة صغيرة يتلقّفها حينًا ويعيدها على الأرض حِينًا آخر...وكانت زَبَرْجَدْ تُتابعه بنظراتها وفجْأة مدّت يدها لعَاقِلْ قائلة :
- أتُعطيني حَتْفي ؟؟
- حَتْفك !!
- نعم حَتفِي.. أوَ ليست الحجارة من سيرجم خَطيئتي وتحقق شرف الرّامي
- لَست أدري ما أقُوله لك... فقط النّساء يتعرضّن لأبشع مُعاملة
- المُعاملة شيء والرّجم شيء آخر فهو يعدم الحياة التّي تُصارع من أجل الحياة...
- لا أستطيع أن أستَوعب كلّ تِلك الشّراسة بداخل الإنسان كيف يستطيع رجْم كائن حيّ...
- وهل تستطيع استيعاب رجم شيء غير مرئي !؟
- كيف ؟
- الشّيطان بالبقاع المُقدّسة ...
- تِلْك مسألة أخرى
فأردفتْ زَبَرْجَدْ :
- بالعكس نَفسُها طَالما العِقاب واحد...
- تَقصدين أنّ النّساء والشّيطان واحد
- أكيد...على الأقل في ذهن من يقبل برجم كائن حيّ
- أتساءل دائما لِمَ لا يحق للمرأة أن تعيش كما يَحلو لها...لمَا كلّ هذا الحِصار المشدّد عليها ؟؟
- إنّه الخوف... والتّربص بالمرأة يوَاري مَخْزون الكبت و الرُّوح الخاوية.. لك أنْ تُلاحِظ ذَلك في أدقّ أجزاء حِكايات الألسْن لديهم...
- صحيح... بِالمقهى أُجبر على الاستماع لأشياء أقلّ ما يقال عنها أنها فيروس يَنْخُرْ العقول والسّرائر... لا حديث إلا عن النّساء...
- تقصد أجسادهن...تحديدا فُروجهنّ ...العُذريّة...المضاجعة.. قُلها لِمَ الخجل!!
- بالفعل... والمُؤسف يا زَبَرْجَدْ هَلوسات التّخيل...هُناك من يُضاجع فتاة بمُجرّد مُرورها بالشّارع... ولا يشْعر حتّى أنّه معتوه ومثير للشّفقة عندما يصدّق أكاذيبه...
- إنّ هذه الفئة بمثابة شبع يتحدّث جوعًا...
فضحك عَاقِلْ وأراد تغيير الموضوع قائلا :
كيف استطعتِ الخروج من البيت ؟؟
- أن أنْفذ بجلدِي خير من أن أتحمّل سِجن الشّيخ نَبْهَانْ كلّما فعلت شيئا لا يستحسنونه... لقد آلمني كثيرا وهو يضغط على خِصري متمتما بكلمات من شدّة تكرارها شَعرت كمن بداخلي يُريد أن يصفعه ويُصمته للأبد....
- ههه ألم يُشعرك بالسّكينة وهو ينفث لُعابه بوجهك !!
- لا تُذكّرني يا عَاقِلْ... إنّه شيء مقرف
- رأيت استمتاعًا كبيرا لهؤلاء النّسوة وهنّ يتجاذبنك ويَضربنك...
- أنت لم ترى ماذا فعلوا بالغُرفة...أرجوك لا تُذكرني...
وتبادلا نظرات كشفرة في حاجة ملّحة لحلّها...واقترب عَاقِلْ من كتف زَبَرْجَدْ ومرّر أطراف أصابعه بعُنقها....لوهلة يكاد الواحد أن يقول أنّه يروم تقبيلها...لكنّه لم يفعل واكتفى بملامسة خدّها بشفتيه...
- أتريد تقبيلي ؟؟
- شفتاك جميلتان يا زَبَرْجَدْ...
- وملمس خدّك أجمل يا عَاقِلْ...
ولم يشعرا بنفسيهما وأياديهما تتشابكان بلهفة...
فاقتربت زَبَرْجَدْ من أُذن عَاقِلْ بصوتها الخافت ...
- لست عذراء !!
فانتفض عَاقِلْ مَذعورا....كيف...متى...مع من ؟؟؟
- لست عذراء ولا تسألْ...وابتسمت
- غريب...
- وماهو الغريب في ذلك ؟؟
- كيف انجرفت في هذا ؟؟
- انجرفت!! وهل الشّعور بلذّة الحب وهي تُراقص جسدي يُسمى انجرافا...بل هو ارتواء لكلينا...
- أنت سمحت بذلك؟؟
- ما أسمح به يا عَاقِلْ لا يُزعجني...ما يُزعجني حقّا ما يُفرض عليّ...انا لا أرى جسدي لا لعنة ولا خطيئة...استمتعت.
- ومن كان ذلك الذّي استمتع أيضا؟؟
- هذا أمرٌ يعنيني...
- ألا تخشين أن يتحدث في المنطقة ويشّهر بك ؟؟
- هههه.. هو ليس ممن يعيش اللّذة ويحوّلها سُخطا أو تبجّحا بالفحولة...استمتعنا وكفى...
فصمت عَاقِلْ بُرهة وترّنحت عيناه كالسّكير الهائم...
- ماذا بك ؟؟ لمَا أنت حائرْ؟؟
- الجسد جسدك وأنت حرّة بما تفعلين به ...
- أنا حرّة ههه...أتعلم شيئا...سأكون حرّة إذا استرجعت جسدي منك ...
- منّي !!
- منك والآن...
- أتقصدين أن نمارس الج....
- أقصد أن ندخل الاِلْحَاد الجنسي اللَّذِيذْ
- ماذا دهاك زَبَرْجَدْ !! كوني عَاقلة
- وهل المُتعة بدون بُنود فُجور؟؟
- أنت شيطانة...
- ههه... ها أنّك تدعم معاقبتي ....
فمسك عَاقِلْ بشدّة كتفيها ضاغطا عليها ...قائلا:
- أنا أدعم الاِلْحَاد الجنسي اللَّذِيذْ ...وأخذ يمرر يديه على جسدها إلى أن وجد نفسه ينزع عنها ثَوبها وهي مُستسلمة تماماً...
اشتدّت تجلّيات اللّذة ووجد نفسيهما في التحام كلّي...مزيج من سُخونة البراكين وهزّات الزّلازل وهدوء انبلاج الفجر...وفجأة انتفض عَاقِلْ مفزُوعًا مبتعدا عن جسد زَبَرْجَدْ....
- أنت عذراء ...أنت عذراء...
- لست عذراء يا عَاقِلْ فالجميع وطئَني...
- زَبَرْجَدْ لِمَ فعلت ذلك ؟؟ أنت عذراء وأقنعتني العكس...ياالله ماذا فعلت...
- أنا لست عذراء يا عَاقِلْ ولا تشعر بالذّنب لأنّنا استمتعنا...ألم لذيذ من عجائب الخَلق ...
- زَبَرْجَدْ...سامحيني لقد استعجلت...
- استعجلت ماذا ؟ ها أنّك تعود لسجن اللّذة المُحرّمة ...
- أنت عذراء...سيجعلني ذلك أشعر بالألم ولكنّه ألم مُوجع يا زَبَرْجَدْ وليس لذيذا إطلاقا...
فنهضت زَبَرْجَدْ وفتحت ذراعيها وأردفت تقول :
- لست عذراء ... ومَكامني سُجنت ... احتّلني السّيف وأغصاني نَزفت ... باسم السّلام وطئني السّلطان .. وباسم الدّين غَزاني الايمان ... باسم الحفاظ على نَهْدي المِعطاء استنزفني الاستعمار... وباسم البناء نكّل بحالي الدّمار... لست عذراء...وبشاعة اغتصابي دّونه التّاريخ ...ودمي مُتناثر على كلّ ضريح ... لست عذراء ... أطرافي الممتدّة ثُكلت...بِحَاري...سُهولي الخُضر...واحاتي...قُهِرتْ...دَاستني الأعراف باسم الشّرف...وعلى تعبي وقلّة حيلولتي...ترّبعت تُخمة التّرف...قالوا أنّي من البغايا...بعد أن أغلقوا عنّي كلّ الثّنايا...نهشوا صَلابتي ...حَاصروا تَجلُّدي ورقصوا على كآبتي...أطفئوا توهّجي وسُبِيتْ إرادتي...لست عذراء ... وحِصني مُحاصر وشراييني تتبعثر ... لست عذراء ... والرّوابي تُزّف لمنفى والقلب يٌطْعَنٌ غَدرا كلّ حين ويطالبونه أن ينسى...لست عذراء والشّهامة الأصيلة تتلّوى وتتألم ...والفخر يحتضر ويتحسّر...والجفون تنزف دمًا ولا أحد يتذمّر...لست عذراء وجوانبي طُعِنَتْ...ورحمي يُستباح ويجبرونه أن يكون مزهوّا ومِعْطاءْ...لست عذراء ...وعقيم الرّوح هُوَ من يُسيطرْ...جعل فُجوري في جسدي ثمّ انتقل لقَلمي مبراة تَبْتٌرْ... لست عذراء ولا أنت ولا كلّ من يُصارع ويُلطم على فمه لتندثر صرخته لتُقبرْ...