إيمان الحفظ والتلقين سجن للنفس ودمار للعقل


حنان بن عريبية
الحوار المتمدن - العدد: 4782 - 2015 / 4 / 19 - 09:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

إيمان الحفظ والتلقين سجن للنفس ودمار للعقل

كونك مسلما تصلي وتصوم وتقوم بجميع الشعائر والطقوس الدينية لديك القران وتلجأ لكتيّبات على غرار أكبر الكبائر وعذاب القبر وطرد الجن والشياطين وتؤمن بالرقية الشرعية كتيّبات تعتقد أنها ستثري إيمانك وتجعله متماسكا.
كونك تعيش في مجتمع يتقهقر ويتآكل محصلة الجهل وانعدام الوعي، وتجد نفسك تفتخر به رغم حجم مساوئه بإيمانك الذي لا يخرج عن دائرة التلقين وما حفظته، مجتمع تدرك في قرارة نفسك أنه يتعفن ينحدر ويتباعد. شعوبه تغلب عليها الغطرسة والكراهية والنفاق والعجرفة، لا ترى وحدة وتكافلا وتكاتفا وسماحة. ليس هناك لا ما يعكس الإسلام بروح الإسلام ولا ما يعكس الإيمان المحض. ولا يتوانى الواحد أن يستجمع زبد ثغره ليلفظه في وجه من ينطق بفكرة أو نقد أو رؤية جديدة أو مراجعة فقهية لا تروقه. تراه ساخطا على هذه الاختراقات ويراها تسيء للإسلام وتعبث بأركان الإيمان حسب ظنه أكثر من المسكوت عنه، أكثر من المغيّب، اكثر من السيئ الملموس على أرض الواقع.

هل الموروث العقائدي الذي تراه سقفا للحقيقة منع الشرور من التغلغل؟ وذلك الإيمان الذي سجنته في العبادات وبنود الفقهاء، هل غذى إنسانيتك؟ ألا يدور بخلدك أن ذلك المسلم الذي تخاله تقيّا وناصحا قد يكون أشبه بخنزير في تعامله مع غيرك؟ هل كل ما تراه من مظلمة وسوء تدبير وانعدام لرجاحة العقل الذي ألبس الدين الإسلامي جلباب العنف والجهل عمل مقتصر على الملاحدة والكفرة أو من لا يوافقونك ؟؟ بديهي أن لا تتبصّر لأن لك مسلّمات وثوابت تمكنت من عقلك، جعلتك تقبل بإيمان على وجه التوارث أين يقع أسر ملكة التفكير والتمييز٠-;-

ماذا استوعب المسلم من دينه، من قيامه وقعوده، وحرصه على صيام شهر رمضان وغيره من أشهر السنة، وقيام الليل وتبجحه أنه يصلي النوافل جميعها ويتبع سنة رسوله في اللحية و تقليم أظافره، كيف ينام على جنبه وكيف يدخل بيمناه دون يسراه، هل كان هذا همّ الرسول وشاغله؟ أكان هذا أساس الرسالة المحمدية؟ ماذا نهل المسلم من ثقافة أن ربه يرصد جميع أعماله؟ هل أثناه كل هذا من أن يكون مسلما سيء الخلق؟ هل خاف ربه فعلا؟ هل عكس الإسلام بروح الإسلام ؟؟ هل كان إيمانه زرعا خصبا ؟؟

هل لأننا مسلمون ترى مجتمعات مشهود عليها النبالة والنزاهة تتعامل بإنسانية ورحمة وترى الأخلاق القويمة الفياضة والتسامح يجتاحون المعاملات نتاج ما اكتسبه المسلم من ثقافة فقهية وحتى قرآنية؟ هل منع القران بضوابطه وما يزخر به شخصا أن يكون محتالا نمّاما خسيسا؟ هل منعه أن يسلب حقوق غيره ؟هل سلمت أنت ممن يتحدثون كل ثانية عن إيمانهم و يلحقون بك ويلات الأذى وربما آثارا لا تندمل؟
إن المنظومة الفقهية التي تطّوع الإيمان وتجعله مجرد بنود وفروض وجب تطبيقها لم توفق في إرساء ثقافة الإنسان الإنساني التي هي جوهر الإيمان ولم توفق في تحرير النفس والعقل، لنرى إنسانا يتنفس بالماضي بالمرويّات بنصوص جعلته على قناعة تامة أن من هم في الرفات الغابر قدموا له كل شيء عن دينه عن علاقته بربه ورسوله وسطروا له طريقة إيمانه. ذلك الإيمان الذي لم يتمكن من فهم أن الإيمان لا يلقّن ولا يحفظ عن ظهر قلب ولا يجسّد عن طريق بشري مثله٠-;- الإيمان هو الانطلاق والبحث هو العقل لا النهل من مجهود بشري برؤية نبعت من حقبة منصرمة من بيئة غابرة من مصلحة منشودة آنذاك.

ألا تسأل لماذا كل حديث عن الإسلام يسجن في ثنائية الجنة والنار ويعتقد من يحدثك عنهما أنه ملّم بمكامن الإسلام و الإيمان ولا يدرك أنه لم يتخلص من البعد الحسي والمادي ولا يستطيع استيعاب رؤى أشخاص لا يهتمون لا بالجنان ولا بالفردوس، لا يهتمون بالعالم الغيبي بقدر وعيهم بالإيمان كقيمة إنسانية رسالة يراها شقّ متعصب كالشفرة المغرضة تّرج الإيمان ويراها شقّ آخر واضحة تعكس الإيمان القويم بجميع أبعاده في شتى أجزاء الحياة والمعاملات والواقع المعاش .إيمان يبعث لهم اضاءات أن الزمان يتغير يتواصل وأن العقل البشري أصل البناء والتقدم أصل كل إيمان.

إن طريقك للإيمان هو تغذية النفس وتحريرها بالتساؤل والبحث و العمل واحترام ملكة العقل . والتعامل الإنساني إيمان خالص ونقي.

في المقابل لا تستطيع فئة بشرية التخلص من موروث اهترأ أن الحقيقة ثابتة وكاملة، ويفسرون الظواهر الطبيعية استنادا إلى ما ورثوه من معتقدات٠-;- فإذا حدثت زلازل أو أعاصير نجد من ينسبها ليوم القيامة ويترسخ لديهم الايمان الجازم أن الطامة الكبرى قريبة بدل من أن يهتم بالأعاصير البشرية التي تفتك بكل تحليل علمي وموضوعي بكل فكر يحاول أن يتحرر من سطحية من يجعلون الحياة كالرمال المتحركة تبتلع الخلاص من الدغمائيات، صنف بشري عاجز عن التغيير عن قبول التغيير ولا يحاول أن يتخطى أن الإنسان له عقل شاسع وأنه لاكتساب وسام المؤمن وجب التجرد من معاملة الإنسان معاملة أين تنتهك قيمته الأصلية وتهمشها و أن الالتحاق بركب الانفتاح يمر وجوبا عبر التساؤل عبر البحث عبر التأمل عبر التعامل الحسن مما يهب للشخص الوعي بمدى شساعة الإنسان ككل سواء مسلما كان أو غير مسلم٠-;-

إن في إعادة استقراء العبادة القائمة على الشكليات مكسبا لتكون أشمل من مواعيد الصلاة فحسب أو من ختم القران مئات المرات عبادة لا تقصي الشعائر ولكن تشمل العمل بإخلاص وضمير عبادة تحيي المعاملة الحسنة واللباقة في كنف احترام الذات البشرية بدون صلافة وتعجرف٠-;-

بل إن المسألة أبعد وأعمق ، فما يفترض أن يعكس مجتمعا صالحا لا يعكس سوى مجتمعا قبليا يعلن مالا يبطن، يطبق الفرائض ويترك الفرض الأصلي وهو التعامل بإنسانية وأخلاقيات قويمة في مجتمع يقوم بالشعائر الدينية ولا يتوانى على إلحاق الأذية بغيره في مخيلته إيمانه تجاه ربه، يقف عند الطقوس والشكليات في حين أن الواجب إيمان أشمل يلقي أطرافه ليعم الإنسان الخّير بملكة العقل٠-;-
لا سلطان على النفس ببنود إيمانية غير تحريرها ببنود الانطلاق وإعطائها مقاليد الشعور بقيمة الذات التي يود الفقه الصارم سجنها في قوقعة الاتهام لتعاقب نفسها فينسلخ التفكّر ويعبث بالوعي ليمرض الوجدان ويكبر اليأس وتنتهك حرمة العقل فمن سبقوك فكروا في مكانك، أن نفسك بمثابة النافذة التي تسمح بكل اختراق حتى العالم السفلي فتتشعب قيودها وتخضع للانهزام وكأن الله وهب من روحه للإنسان وجعله خليفة له ليتصارع مع مخلوقات غير مرئية كالجن والشياطين ويبقى المسلم في دائرة الخوف التي تستولي على النفس و تخضع تلك النفس العليلة الملتاعة والهائمة لشيخ يشفي النفوس بتمتمات التحصين ويدعو لإيمان يكون قاصرا وضيقا خانقا فلا خير في من يصدق أن شفاء النفس يمّر وجوبا بالمشايخ الذين حولوا الواحد كالخرقة البالية يعبث به كل شيء ...

هراء أن يجثم المسلم على عقل المسلم يمده بأكسيد لتنكمش أوردة التفّكر والتبّصر فتكسب الانغلاق في مجتمع نهل وينهل من القشور، مجتمع يريد عقلا بالتواكل والنصوص ليسير في الأرض، مجتمع يريد من يعلمه حتى كيف يتكلم في خلوته مع ربه لأنه متصّحر روحّيا، لأن جميع عبادته لم تغذي وجدانه وروحه وعقله، لأنه تعود أن يطبق فقط، وحتى محاسن السيرة النبوية والأحاديث التي تركز على المعاملات الطيبة فشلت في صقله بل وأصبحت تغيّب.
في خضمّ كل هذا هل ينتظر المسلم حقيقة نصا وفقها وشيوخ ودعاة ليكون إيمانه مكتملا؟ إن التحرر من كل هذا سيجعل الفرد يبحث عن طريقه لوحده، فإيمانه بقدراته بإنسانيته إيمان من أجل ترويض تلك النفس لتجد طريقها. فالوعي بان التعامل الإنساني بقدر ولو بسيط ينبع من جوهر الإنسان عملية عقلية ترتوي بها النفس ليتجاوز الإنسان الإنساني ما يجعله سجينا في علبة الإنسان فقط.

الإنسانية ثقافة يكتسبها الإنسان العاقل عبر ناقل عصبي ونفسي يسمى الوجدان والسريرة بمجرد سؤاله لماذا أنا إنسان ؟ يعلم نفسه أن الإيمان بالإنسان الإنساني هو الجوهر وهو نواة قيمته الحقيقية. هو كل إيمان يرشده إلى كيفية الخروج من متاهة أسر الإيمان.
من المهازل انك عندما تتحدث عن الإنسانية في جميع أشكالها وعن وجوب إمامة العقل تجد نفسك مدرجا ضمن المعزولين والبديل الدعوة لإيمان جاهز.
من المهازل أن تجد نفسك تنتمي لمجتمع لا يخرج من إطار ما ورثه أو اعتقده أو تأصل فيه بمحاسنه وسيئاته ولم يتخطى بعد أن الإنسان إذا لم يشعر بإنسانيته بمفهومها الإنساني سيفشل في تحرير روحه، سيفشل في كسر حواجز عقلية ترسخت لديه نتاج التراكمات المترهلة. إن الحل هو خروج الإنسان من علبة أنه إنسان فقط وكما تنازل عن ملكة عقله وتاج نفسه يوما لفقه صارم ومنصرم عليه أن يحاول أن يسترجع عقله عن طريق الإيمان بالانطلاق.الإيمان بالبحث والعقل.وأن يتبوأ مكانته الأصلية

امن بنفسك وبرجاحة عقلك وستكون سّدا منيعا أمام من يود سلبهما منك٠-;- فالبحث عن الله في الأرض ينير طريق أعظم إيمان ليتلاشى ذلك الإسفلت بينك وبين الإنسان الانساني فيك. فإيمان الحفظ والتلقين سجن للنفس ودمار للعقل .