أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - أطوار متعددة في حرب لبنانية واحدة















المزيد.....

أطوار متعددة في حرب لبنانية واحدة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1901 - 2007 / 4 / 30 - 11:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تنقسم الفترة بين 13 نيسان 1975 و25 نيسان 2005 من التاريخ اللبناني المعاصر إلى نصفين متساوين تقريبا. الحرب اللبنانية تغطي النصف الأول، فيما الهيمنة السورية هي عنوان النصف الثاني. وكما لم تكن الحرب اللبنانية أهلية فحسب، لم تكن الحقبة الثانية لم تكن سورية حصرا. معلوم أن اتفاق الطائف كان ثمرة توافق سوري سعودي أميركي. وأن سورية حكمت لبنان واستتبعت الطبقة السياسية اللبنانية دون مشقة كبيرة. ونعني بالهيمنة أن سورية كانت تحتل موقعا مرجعيا ممتازا يتيح لها التحكم بالتفاعلات بين الأطراف اللبنانية وتوجيه تلك التفاعلات بما يتناسب مع مقتضيات دوام النظام.
كذلك قد يمكن تقسيم مرحلة ما بعد الانسحاب السوري إلى طورين كذلك. دام الأول من نيسان 2005 حتى تموز 2006، والثاني من اندلاع حرب تموز حتى يومنا. خلال الطور الأول من ما بعد الحقبة السورية بدا أن الاستقطاب المحرك يدور حصرا حول ميراث الحقبة هذه دون أن يطال مواريث الحرب اللبنانية. زمن الحرب يتسرب من ثقوب الذاكرة. والشيء الذي نغيب دلالاته العملية عن الفاعلين السياسيين اللبنانيين هو أن الهيمنة كانت استمرارا للحرب بوسائل أخرى. لا يبدو كذلك أن أحدا تبين أن الحرب اللبنانية انتهت بدلالة من هو متعهد إنهائها، لا بدلالة ما هي قواعد الدولة اللبنانية الجديدة أو ما هي أسس السلام اللبناني الجديد. ليس اتفاق الطائف هو ما كان يعرّف لبنان بين 1989 و2005، بل التعهد السوري المكفول إقليميا ودوليا للاستقرار اللبناني. انتهاء التعهد، من ثم، قد يعني عودة الحرب لا طي صفحتها نهائيا. وهل إن ما نراه غير عودة لها، وإن بصيغة أخرى؟ وما يمكن أن نرتبه على ذلك هو أن سلما أهليا مستداما في لبنان يقتضي العودة إلى ما قبل الطائف، إلى زمن الحرب. لا شيء من ذلك جرى. بل بدا أن اللبنانيين يعيشون زمن ما بعد الطائف كالسائرين في نومهم، لا يطيقون جهدا جديا في أي مجال. يريدون أن يعيشوا فحسب. هذا حين لم تُحلُّهم نظرية "حرب الآخرين على أرضنا" من أي مسؤولية عن أنفسهم. (بالمناسبة، هل من تحقير للبنان يفوق ما تنطوي عليه هذه النظرية، التي يتداولها اللبنانيون الأشد شوفينية؟!)
لا ريب أن مسلسل الاغتيالات الذي سبق وتلا الانسحاب السوري عمق من هشاشة البلد النفسية، وجعل استعادة صنعية للحرب، استحضارها بغرض التطعيم ضدها إن صح التعبير، أمرا مستحيلا. كانت الحرب ماثلة بلحمها ودمها، والأولوية إذن لاستبعاد جسدها لا لاستحضار روحها. بيد أنه ما من دليل يثبت أن الطبقة السياسية اللبنانية كانت مدركة لضرورة استحضار الحرب وتوديعها مجددا، استحضار وتوديع تأسيسيان للبنان الجديد. لم يكرّم اللبنانيون حربهم، فبقي شبحها يقض مضاجعهم.
لقد ورثت القيادات اللبنانية البلد كما هو من زمن الهيمنة. حل طاقم قيادي محل طاقم. معظم الوجوه مشتركة بين الزمنين. كثير من حجيج دمشق في الزمن الأول كانوا من أخصامها العنيفين المعلنين في المرحلة الثانية. هذا ليس تغييرا، هو إبدال فحسب. وحده تغيير يمس تكوين النظام الطائفي أو يصوغ مشروعا وطنيا في هذا الاتجاه كان من شأنه أن يكون قاعدة تكون أكثرية لبنانية حقيقية، تجمع بين نزوع استقلالي متسق ونزوع إصلاحي ديمقراطي.
لبنان يفتقر إلى قوة اجتماعية مهيمنة توحد وعي اللبنانيين وإرادتهم حول أجندة وطنية متكاملة. هذا ليس مفاجئا. في غيابها سنرى صيغتان أحاديتان متعارضتان للوطنية اللبنانية، تجنح كل منهما إلى "تكليل" نفسها (تجعل من نفسها "كلا"، و"تكلل" نفسها بشرعية حصرية). صيغة تعرف نفسها بالاستقلال عن سورية، لكنها تفتقر إلى مشروع لإصلاح المؤسسات اللبنانية، يمكن أن يمنح الوطنية هذه مضمونا إيجابيا. وصيغة تعرّفه بمقاومة المحور الأميركي الإسرائيلي، لكنها لا تستند إلى توافق داخلي وتفاهم إقليمي حقيقي حول المواجهة هذه، ما يسلب وطنيتها أساسها المواطني، ويهدد بأن يبقى لبنان وحده في أي نزاع مع المحور المذكور. وقد حصل. لا الأولون أدركوا ضرورة إصلاح النظام الطائفي من أجل إنجاز قطيعة حقيقية مع زمني الحرب والهيمنة وضمان أن يكون مركز ثقل لبنان في داخله، ولا يبدو أن الأخيرين معنيون ببناء إجماع لبناني متوازن، هو الشرط الشارط لكل مواجهة ومقاومة.
في الشهور الأخيرة طور الانقسام للبناني لنفسه وعيا ورموزا وشعارات. لنأخذ شعارا واحدا من تلك التي تراشقها اللبنانيون في حرب الشعارات التي أطلقها اعتصام وسط بيروت منذ مطلع الشهر الأخير من العام الماضي. يقول أحد المعسكرين اللبنانيين: "بدنا نعيش!" الشعار يُعرِّض بمن يفترض أنهم يعتبرون الحياة كفاحا وبطولة وغضبا ومقاومة لا تنتهي. ينحاز لحياة عادية، آمنة، لعلها تناسب طبقة وسطى مرتاحة ماديا وهشة نفسيا، ولا تحتمل أية تجارب وانفعالات قوية. ضد هذا يرفع شعار آخر: "بدنا نعيش بكرامة"! المضمر أن الطرف الأول يدعو إلى حياة مغمورة، بلا كرامة، ويهمل أبعادا أخرى في الحياة كالمقاومة والتحرير والصمود إلخ. ولعل هذا شعار فئات أدنى ماديا واجتماعيا، ريفية في الغالب، وحساسة لكل ما يتصل بمكانتها.
غير أن "بدنا نعيش" شعار مناسب لجمعية من أعداء العنف أو لمجموعة شبابية تعبئ ضد الحرب الأهلية أو لمنظمة أمهات معاديات للحرب.. وليس شعارا لحكومة، بالخصوص في محيط إقليمي وعر، بل وحشي. في هذا الشعار استقالة غير مقبولة من أعباء سيادية هي من صلب التزامات الحكومة ومفهومها. مثل ذلك ينطبق على شعار "بدنا نعيش بكرامة". إنه مناسب لحزب سياسي أو تيار إيديولوجي، لكنه لا يصلح قاعدة لانتظام الحياة العامة في البلد. ولو تسنى لرافعي هذا الشعار أن يحكموا لبنان، لأفاضوا على اللبنانيين كثيرا من الكرامة وقليل من العيش، ما سيقود خلال سنوات إلى حياة ضنكة لا كرامة فيها ولا عيش. فعلاقة "العيش بكرامة" بالعيش نسخة طبق الأصل من علاقة "الديمقراطية الشعبية" بالديمقراطية. واسألوا "أشقاءكم" من أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.
هذه حرب أهلية رمزية. نرجح ألا تتحول أبدا إلى حرب حقيقية. لكن فرط التوجس من هذه فوّت على اللبنانيين وعلى المتعاطفين معهم إدراك وتدارك تمزق "الأهل" اللبناني. هكذا تعثر الحرب اللبنانية على وسائل أخرى لاستمرارها.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نمذجة تاريخية مقترحة للنظم السياسية المشرقية
- -ميدل- إيستولوجية-: في شأن المعرفة والسلطة و.. العدالة!
- انتخابات نيابية في سورية أم موسم لصناعة العصبيات؟
- شاذ، استثنائي، وغير شرعي: المعرفة والمعارضة في سورية
- ديمقراطية، علمانية، أم عقلنة الدولة؟
- في أصول التطرف معرفيا وسياسيا، عربيا وكرديا
- اعتزال الحرب الباردة الجديدة
- عوالم المعتقلين السياسيين السابقين في سوريا
- الثقافة الوطنية والدستور كوجهين للشرعية السياسية
- عناصر أولية لمقاربة أزمة الدولة الوطنية في سوريا
- تأملات في أحوال الهوية الوطنية السورية وتحولاتها
- من الاتهام بالطائفية والتبرؤ منها إلى نقدها ومقاومتها
- في أصل -اللاتناسب- الإسرائيلي و-الإرهاب- العربي
- مقام الصداقة
- أحوال الإجماع اللبناني مقياسا للسياسة السورية حيال لبنان
- بصدد تسييس ونزع تسييس قضية اللاجئين العراقيين
- بصدد السلطة السياسية والسلطة الدينية والاستقلال الاجتماعي وا ...
- صناعة الطوائف، أو الطائفية كاستراتيجية سيطرة سياسية
- في دلالة انفصال -العمل السياسي- عن السياسة العملية في بلدانن ...
- تحييد لبنان إقليميا وحياد الدولة اللبناني الطائفي


المزيد.....




- حفل -ميت غالا- 2024.. إليكم أغرب الإطلالات على السجادة الحمر ...
- خارجية الصين تدعو إسرائيل إلى وقف الهجوم على رفح: نشعر بقلق ...
- أول تعليق من خارجية مصر بعد سيطرة إسرائيل على الجانب الفلسطي ...
- -سأعمل كل ما بوسعي للدفاع عن الوطن بكل إخلاص-.. مراسم تنصيب ...
- ذروة النشاط الشمسي تنتج شفقا غير مسبوق على الكوكب الأحمر
- مينسك تعرب عن قلقها إزاء خطاب الغرب العدائي
- وسائل إعلام: زوارق مسيرة أوكرانية تسلّح بصواريخ -جو – جو- (ف ...
- الأمن الروسي: إسقاط ما يقرب من 500 طائرة مسيرة أوكرانية في د ...
- أنطونوف: روسيا تضطر للرد على سياسات الغرب الوقحة بإجراء مناو ...
- قتلى وجرحى خلال هجوم طعن جنوب غرب الصين


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - أطوار متعددة في حرب لبنانية واحدة