أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - الثقافة الوطنية والدستور كوجهين للشرعية السياسية















المزيد.....

الثقافة الوطنية والدستور كوجهين للشرعية السياسية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1867 - 2007 / 3 / 27 - 12:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بينما ينشغل التفكير السياسي العربي بمسألة شرعية السلطة وأنواعها، يغيب عنه تمييز قد يكون أغنى بالدلالة فيما يخص الاجتماع السياسي العربي. يتصل الأمر بتمييز بين وجهين للشرعية: وجه أول يطل على القيم والغايات والمبادئ التي يفترض أنها توجه عمل السلطة المعنية، ووجه ثان يطل على قواعد ممارسة السلطة وتداولها وآليات عملها. قد نسمي الوجه الأول بالوجه الثقافي أو القومي للشرعية، لكون القيم والغايات الموجهة مستمدة من ثقافة المجتمع المحكوم وانتمائه؛ فيما يمكن أن نصف الثاني بأنه الوجه الدستوري للشرعية، أي ما يتصل بالقوانين والقواعد التي تنضبط بها السلطة السياسية.
ليس لهذا التمييز معنى في الإطار الحضاري الغربي الذي تطورت فيه الدساتير وآليات عمل السلطة وضبطها على أرضية الثقافات القومية الغربية؛ أو إن الثقافات هذه تكونت هي ذاتها في سياق تكون الدول الحديثة السيدة والمقاومات الاجتماعية المتنوعة الهادفة إلى ضبطها والتحكم بها. حصيلة ذلك انحلال الهوية القومية في الشرعية الوطنية، فلا تبرز الهوية كمطلب مستقل. أما عندنا فتستقل الهوية كمطلب أولي، ومؤسس للشرعية أيضا. في أصل ذلك أن مجتمعاتنا مرة بتجارب استعمارية على يد القوى الغربية المهيمنة عالميا. ولما كانت التجربة المكونة للدولة في أكثر بلداننا هي الاستعمار ومواجهة الاستعمار، الشرط ذاته الدافع نحو تصور المجتمع كهوية أو كوحدة مصمتة، فقد حملت الدولة دوما مشروعا سياسيا وتطلعا إلى محورة الهوية حولها. عزز من ذلك قوة الحضور الغربي في منطقتنا ومثابرته على اتخاذ أشكال غير ودية، تثير في الثقافة والسياسة روح الاستنفار والتعبئة، وتاليا كبح التعدد والاختلاف. عزز منه أيضا أن تفكير المجتمع والسياسة بلغة الهوية والثقافة مناسب لسيطرة أطقم حكم رثة وشرهة للسلطة، ولشرعية نخب ثقافية هشة اجتماعيا وإبداعيا. عزز منه أخيرا فقرنا الحضاري الذي يدفع إلى تعريف الذات بماهيتها المفترضة لا بنشاطها أو فعلها.
الحالة القصوى من فقدان الشرعية الثقافية يمثلها ائتمار طاقم السلطة بأمر قوى معادية أو أجنبية، الأمر الذي لا يمثل تجربة غريبة في تاريخنا الحديث ولا يغيب إدراكه عن تفكيرنا السياسي. فكثيرا ما نصف حكومات أو تنظيمات أو أفرادا بأنهم "عملاء"، أي أن سلوكهم وولاءاتهم السياسية تخدم أطرافا خارجية، وإن لم يعن ذلك بالضرورة أنها تتوجه بقيم ثقافية غريبة. الواقع أن "عملاء" "المرحلة القومية" كانوا محافظين ثقافيا، (بالمقابل يبدو "عملاء" المرحلة الراهنة المتسمة بهيمنة الإسلامية على الوطنية غربيين ثقافيا، ليبراليين بالخصوص).
أما الحالة القصوى من فقدان الشرعية الدستورية فتسجلها النظم الاستبدادية المحدثة التي تحكم مجتمعات تحطم فيها المجتمع التقليدي نهائيا، وتظهر حداثتها قصورا ثابتا عن التشكل في تقاليد من أي نوع. في سوريا والعراق البعثيين، وفي مصر والجزائر..، استندت نظم الحكم إلى ما يفترض أنها "الثقافة الوطنية" (مزيج متفاوت النسب من عروبة وإسلام وذاكرة وطنية محلية) بدرجة توازي ضعف مكونها الدستوري. على أنه
ينبغي التمييز هنا بين طورين في تاريخ النظم السياسية هذه. في طور أول، بين حربي 1956 و1967 بخصوص مصر، وبتأخير بضع سنوات بخصوص الدول الأخرى، انتظمت الثقافة المشرعة لهذه النظم في صيغة "قومية عربية"، تختزن تطلعات تحديثية، وتتكلم بلغة عالمية ومستقبلية، تجعل من العرب شعبا عالم ثالثيا مكافحا وصاعدا. في طور لاحق، ومع تعثر وعود الدولة التحديثية القومية هذه، أخذ وجهها الثقافي شكلا ماهويا، خصوصويا، منكفئا على الذات. ولن يتأخر هذا الشكل في العثور على "الإسلام" سندا له. العروبة في صيغتها القومية لم تكن مجرد هوية، كانت "مشروعا"، تطلعا موجها نحو المستقبل، وإن يكن أيضا مفرط التمحور حول السلطة (أي حول الحاضر أو تأبيد الحاضر). العروبة في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين لم تعد مشروعا للمستقبل، أضحت هوية، يحركها دافع تماثل مع الذات وتمايز عن الغير. وستكون الإسلامية المرسى الذي لا بديل عنه لمجتمعات فقدت ثقتها بالتاريخ وانكمشت إلى هويات. ما أبقى طريق النكوص مفتوحا بين عروبة عملية وعروبة ماهوية، عروبة مستقبلية وأخرى ماضوية، ليس هزيمة حزيران كما هو شائع، بل السلطة المطلقة، اللادستورية طبعا، كـ"مشروع" لمنع التغيير. ستنفتح أبواب الماضي بفضل تغلب مشروع سيطرة منشغل بتأبيد الحاضر، على مشروع تحويل منفتح على المستقبل. ولقد كانت هزيمة حزيران كارثة مستمرة لأنها أخفقت في المساس بـ"الأنظمة التقدمية"، أي بمشروع السلطة المطلقة المؤبدة.
مهزومة وممنوعة من الحركة، أخذت بلداننا تتفكك إلى مجتمعات عزلاء أخذت تعرف نفسها بلغة الهوية والاختلاف والماضي، وسلطة ارتدت إلى جهاز أعمى احتفظ بكامل قدرته على الفتك، ونمّاها. أبواب المستقبل انسدت، وأمسى "الاستقرار" هو المشروع الوحيد. لكن في هذا الدور، بالخصوص في مطلع النصف الثاني من السبعينات، ستأخذ المسألة الدستورية في البروز على يد فئة "الانتلجنسيا" المكونة من مثقفين وناشطين سياسيين. وفي الوقت نفسه تقريبا أخذت تدخل المسرح السياسي والثقافي العربي مطالب ليبرالية كانت مهملة (فكرة الدستور ذاتها، سيادة القانون، قائمة الحريات المقررة عالميا...)، وقوى إسلامية كانت مبعدة.
وقع هنا التباس فكري لم يتم جلاءه حتى اليوم. طرحت المطالب الليبرالية والديمقراطية ضمن حقل ثقافي سياسي هيمن فيه تصور المجتمع كهوية، أي عمليا كعروبة لا تفيض في شيء عن الإسلام (السني). سيبرز لذلك تأويل لتلك المطالب يقربها من الإسلاميين وطموحاتهم السياسية، بالخصوص في عقد الثمانينات الذي كان كابوسيا في المشرق والمغرب، وعلى الإسلاميين أكثر من غيرهم. موطن الالتباس أن الديمقراطية التي قد تبنى على تصور عضواني للمجتمع، لن تكون غير شعبوية ثقافية مستبدة تجدد شباب استبداد الشعبوية السياسية القومية الآفل. ولقد فات كذلك على فكر الربع الأخير من القرن العشرين أن المجتمعات، مجتمعاتنا كما غيرها، لا تتوحد على أية أرضية "هوياتية" أو ثقافية. حضور "الهوية" كهاجس سيعني فوريا حضور هويات كواقع، أي الانقسام الاجتماعي والوطني على أسس ماهوية، دينية ومذهبية وإثنية.
ما نريد استخلاصه هو أن تهميش البعد الدستوري في شرعية الدولة العربية قد قاد في النهاية إلى تآكل القاعدة الثقافية للدولة الوطنية بالذات. وأن إعادة بناء القاعدة هذه تمر حصرا بضبط السلطة وتطوير البعد الدستوري في سياستنا وثقافتنا. فالثقافة الوطنية ليست الإيديولوجية التي تعلي من شأن الوطنية، بل هي جملة تشكيلات الفكر والمخيلة والحساسية التي لا يتوحد المجتمع حولها إلا لأنها تتيح له وعي ذاته وتمثل واستيعاب شروط حياته التاريخية.





#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عناصر أولية لمقاربة أزمة الدولة الوطنية في سوريا
- تأملات في أحوال الهوية الوطنية السورية وتحولاتها
- من الاتهام بالطائفية والتبرؤ منها إلى نقدها ومقاومتها
- في أصل -اللاتناسب- الإسرائيلي و-الإرهاب- العربي
- مقام الصداقة
- أحوال الإجماع اللبناني مقياسا للسياسة السورية حيال لبنان
- بصدد تسييس ونزع تسييس قضية اللاجئين العراقيين
- بصدد السلطة السياسية والسلطة الدينية والاستقلال الاجتماعي وا ...
- صناعة الطوائف، أو الطائفية كاستراتيجية سيطرة سياسية
- في دلالة انفصال -العمل السياسي- عن السياسة العملية في بلدانن ...
- تحييد لبنان إقليميا وحياد الدولة اللبناني الطائفي
- في أصول تطييف السياسة وصناعة الطوائف
- أميركا الشرق أوسطية: هيمنة بلا هيمنة!
- رُبّ سيرة أنقذت من حيرة! -هويات متعددة وحيرة واحدة- لحسام عي ...
- في سورية، استقرارٌ يستبطن حصارا و..يستدعيه
- حول الطائفية: ورقة نقاش ومقدمة ملف
- عن حال القانون تحت ظلال الطغيان
- بيروتُ سوريٍ ملتبس!
- إهدار المعنى القرباني لإعدام صدام
- اللهُمَّ أعزَّ الحرية بأحد الدالَيْن: الدين أو الدولة!


المزيد.....




- روسيا توقع مع نيكاراغوا على إعلان حول التصدي للعقوبات غير ال ...
- وزير الزراعة اللبناني: أضرار الزراعة في الجنوب كبيرة ولكن أض ...
- الفيضانات تتسبب بدمار كبير في منطقة كورغان الروسية
- -ذعر- أممي بعد تقارير عن مقابر جماعية في مستشفيين بغزة
- -عندما تخسر كرامتك كيف يمكنك العيش؟-... سوريون في لبنان تضيق ...
- قمة الهلال-العين.. هل ينجح النادي السعودي في تعويض هزيمة الذ ...
- تحركات في مصر بعد زيادة السكان بشكل غير مسبوق خلال 70 يوما
- أردوغان: نتنياهو -هتلر العصر- وشركاؤه في الجريمة وحلفاء إسرا ...
- شويغو: قواتنا تمسك زمام المبادرة على كل المحاور وخسائر العدو ...
- وزير الخارجية الأوكراني يؤكد توقف الخدمات القنصلية بالخارج ل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - الثقافة الوطنية والدستور كوجهين للشرعية السياسية