أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - اعتزال الحرب الباردة الجديدة















المزيد.....

اعتزال الحرب الباردة الجديدة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1874 - 2007 / 4 / 3 - 11:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن كان من رؤية عقلانية يأمل المرء أن تنتظم عمل الحكومات العربية فإن اعتزال الحرب الباردة الجديدة وسياسة المحاور التي تقترن بها هي الرؤية االمأمولة أو محور أساسي فيها. كانت الحرب الباردة القديمة التي انتهت في أوربا في أواخر عقد الثمانينات من القرن العشرين قد نالت تمديدا في الشرق الأوسط عبر سياسة الاحتواء المزدوج لكل من العراق وإيران. وإن يكن البعد العربي الإسرائيلي للاستقطاب الشرق أوسطي قد تخفف بفعل عملية مدريد، وما تلاها من سلام أردني إسرائيلي، واتفاق أوسلو على "المسار الفلسطيني"، والرعاية الأميركية لعملية التفاوض السورية الإسرائيلية.
أدخل 11 أيلول الشرق الأوسط (نظام إقليمي غير مستقر تهيمن عليه الولايات المتحدة ..) في مرحلة جديدة تميزت باستقطاب جديد يتمحور حول مبدأ نقل الديمقراطية إلى المنطقة. واقعة تحت تأثير "المحافظين الجدد"، عملت السياسة الأميركية وفق منهج "تصدير الثورة" الذي سبق أن ميز الثورات الإيرانية والروسية والفرنسية وغيرها. ووقعت الدول العربية الحليفة للأميركيين في حرج شديد نتيجة ما مورس عليها من ضغوط أميركية فظة. لبعض الوقت بدا كما لو أن محور الاستقطاب الجديد يتمثل في استبداد/ ديمقراطية بدلا من محور تطرف/ اعتدال الذي ساد حقبة الحرب الباردة المركزية. وبلغت السياسة الجديدة ذروتها في احتلال العراق ربيع 2003. وهنا سلك الأميركيون بطريقة بلشفية: حطموا آلة الدولة العراقية وحلوا جيشها و"اجتثوا" حزبها القائد، وأضافوا من المخيلة الاستعمارية والاستشراقية تعاملا مع العراقيين الذين لم تكن وحدتهم تزهو أصلا بمتانتها على أساس كونهم شيعة أم سنيين أم أكرادا.
على أنه لم يكد الرئيس الأميركي يعلن النصر في أيار حتى أخذت تنطلق بوادر مقاومة للمحتلين، اختلطت بطريقة تثير الريبة مع عنصر طائفي تصاعد بطريقة بشعة بعد تفجير "مرقد الإمامين" الشيعي في سامراء في شباط 2006. وبسرعة أخذ يتكشف أنه لا شيء من الديمقراطية في العراق الجديد الذي شاء الأميركيون له أن يكون نافذة عرض لشرق أوسطهم الواسع، وأن يحوز مفعول دومينو يطلق مسلسلا تغييرا في دول الشرق الأوسط الأخرى. واليوم ثمة مؤشرات تفيد أن للعراق الأميركي مفعول دومينو معاكسا، ربما أخذ الأميركيون ذاتهم بتفضيله: إعادة الاعتبار للاستقرار، والعودة إلى ترتيب الاستراتيجية الأميركية في المنطقة حول محور اعتدال/ تطرف. وراء هذا الانعطاف الحصيلة الكارثية للمشروع الأميركي من جهة، وما بدا من جهة أخرى من أن حصيلة "النضال الديمقراطي" الأميركي في كل من أفغانستان والعراق، الأخير بخاصة، هو دمار البلدين بيد الأميركيين وصعود إيران.
اليوم يعاود الأميركيون هيكلة استراتيجيتهم الشرق أوسطية حول مواجهة إيران. لدى هذه مشروع نووي، وعلاقات وثيقة مع الجماعات الشيعية الصاعد في كل من العراق لبنان، ونفط وفير، وموقع استراتيجي يطل على الخليج وبحر قزوين (أهم مستودعين للنفط في العالم)، فضلا عن مجاورة العراق الأميركي ومعاداة إسرائيل. وهي، إيران، اليوم تمر بمرحلتها القومية التي تتميز عادة بنزوعات الهيمنة الخارجية وعبادة القوة والتعبئة الداخلية والاعتزاز القومي (الشيعية هي ركن أساسي للهوية القومية الإيرانية وأداة نفوذ إقليمي فعالة، وليست مجرد عقيدة دينية في إيران).
وفي سياق إعادة توجيه سياستهم عاد الأميركيون إلى سياسة المحاور المميزة للحرب الباردة، وإلى خلق مناخات متوترة ومحمومة في المنطقة. ويفترض بما يسميه الأميركيون محور الاعتدال العربي أن يكون ظهيرهم في مواجهة إيران الطامحة، لكن دون أن يقدموا ثمنا لذلك. والثمن الذي ينصرف التفكير إليه تلقائيا هو تسوية ملف الصراع العربي الإسرائيلي الموروث من الحرب الباردة السابقة وفقا لتصور الأمم المتحدة عن العدالة الذي تبنته قمة بيروت العربية عام 2002.
لكن ليس ثمة ما يشير إلى أن الدول العربية تظهر عزما واضحا على رفض الانسياق في الحرب الباردة الجديدة، رغم مثابرة إسرائيل على الاحتفاظ بأسلاب الحرب السابقة وبالشعب الفلسطيني أسير حكمها العنصري أو ملاجئه غير الودودة. ثمة دول تنضوي ضمن محور المعتدلين، ودول وتنظيمات أخرى ضمن "محور الممانعة"، لكن ليس ثمة قوى عربية فاعلة تعترض على منطق الحرب الباردة وسياسة المحاور هذه. وثمة مثقفون وناشطون يعترضون على الاصطفاف في هذا الموقع أو ذاك، لكن الاعتراض على منطق الاصطفاف أو الاستقطاب ذاته وتمثيل استقلالية عربية متزنة لا يكاد يكون مسموع الصوت.
يتساءلون: هل الولايات المتحدة أخطر من إيران، أم أن إيران هي الأخطر؟ يعتقد كثيرون منا أن الجواب الصحيح هو هذا أو ذاك. لكن السؤال ملغوم، ومبرمج أصلا على ذهنية المحاور. لذلك نجد أن من يعترضون على محور الاعتدال (السعودية، مصر، الأردن، فتح محمود عباس...) لا يجدون أي بأس في الانخراط في محور يضم إيران سورية وحركة حماس وحزب الله، أي أنهم لا يعترضون على سياسة المحاور بل على محور معين. والعكس بالعكس.
لكن لماذا ينبغي أن نلتحق بأحد الطرفين؟ لماذا نرتضي أن تبقى بلادنا ساحة صراع من غير المتوقع أن نجني منه شيئا؟ قد نتذكر أن الحرب الباردة انتهت بانتصار الأميركيين. لكن هل عني ذلك للحظة واحدة أن أحدا من حلفائهم العرب كان منتصرا أو شريكا في النصر؟ ألم يقل قائل أميركي بعيد حرب الخليج الثانية عام 1991 إن العرب جميعا قد هزموا؟
.. وستمعن أحوال العرب ضعفا وتفككا إن انتصر الأميركيون في مواجهة إيران. لكنها لن تكون أحسن إن انتصرت إيران. فسيكون الخليج والعراق وسوريا ولبنان ميدان تمدد استراتيجي لها، وستعاني بلادنا من تسلطية دولة قومية فتية لا تكن ثقافتها غير مشاعر التعالي والنفور حيال العرب. فوق ذلك لن تتأخر إيران المنتصرة في السعي إلى تفاهم مع الغرب المتطور لن يكون على حساب أحد غير ضعفاء المنطقة، العرب والأكراد والأفغان ومن في حكمهم.
يشير كل ذلك إلى فقدان الدول العربية إرادة الاستقلال، وإلى عجزها المزمن عن تطوير نظام أمن جماعي وكومنولث مشترك يسهم في تقليص الفوارق الاقتصادية بين الدول بما يساعد على الاستقرار ويقتصد في الأزمات الخطيرة. وليس في اقتراح نظام كهذا أي جموح في الخيال. فما ترتب على الأطراف العربية من أكلاف حربي الخليج الثانية والثالثة، أمنيا وماليا، أكبر بكثير من أية أكلاف محتملة لنظام أمني واقتصادي مشترك. فوق ذلك تجر الأكلاف الأولى أكلافا أخرى حين تنشب أزمة جديدة كل بضع سنوات (الأزمات الأمنية الدورية من أثبت "قوانين" النظام الشرق أوسطي)، فيما من شأن نظام تعاون أمني واقتصادي أن يكون مكلفا بعض الشيء في مراحله الأولى، لكنه لن يلبث أن ينتظم على ما يضمن منافع متبادلة وخيرا عاما لسكان المنطقة ودولها. ولا يقتضي نظام أمني واقتصادي عربي مناهضة الولايات المتحدة؛ جل ما يقتضيه أن لا تكون واشنطن ممرا محتوما وحصريا لعلاقات الدول العربية وتفاعلاتها البينية. أليس تكون شبكة تفاعلات (أمنية...) مستقلة هو أصلا معنى نظام (أمني..)؟
ليس هذا مشروعا ثوريا، إنه رؤية عقلانية. الثورية قد تفرض نفسها ذات يوم إن تمادى إخفاق العقلانية. هذا إن لم تدن السيادة في عالمنا للخراب!



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عوالم المعتقلين السياسيين السابقين في سوريا
- الثقافة الوطنية والدستور كوجهين للشرعية السياسية
- عناصر أولية لمقاربة أزمة الدولة الوطنية في سوريا
- تأملات في أحوال الهوية الوطنية السورية وتحولاتها
- من الاتهام بالطائفية والتبرؤ منها إلى نقدها ومقاومتها
- في أصل -اللاتناسب- الإسرائيلي و-الإرهاب- العربي
- مقام الصداقة
- أحوال الإجماع اللبناني مقياسا للسياسة السورية حيال لبنان
- بصدد تسييس ونزع تسييس قضية اللاجئين العراقيين
- بصدد السلطة السياسية والسلطة الدينية والاستقلال الاجتماعي وا ...
- صناعة الطوائف، أو الطائفية كاستراتيجية سيطرة سياسية
- في دلالة انفصال -العمل السياسي- عن السياسة العملية في بلدانن ...
- تحييد لبنان إقليميا وحياد الدولة اللبناني الطائفي
- في أصول تطييف السياسة وصناعة الطوائف
- أميركا الشرق أوسطية: هيمنة بلا هيمنة!
- رُبّ سيرة أنقذت من حيرة! -هويات متعددة وحيرة واحدة- لحسام عي ...
- في سورية، استقرارٌ يستبطن حصارا و..يستدعيه
- حول الطائفية: ورقة نقاش ومقدمة ملف
- عن حال القانون تحت ظلال الطغيان
- بيروتُ سوريٍ ملتبس!


المزيد.....




- شاهد: تسليم شعلة دورة الألعاب الأولمبية رسميا إلى فرنسا
- مقتل عمّال يمنيين في قصف لأكبر حقل للغاز في كردستان العراق
- زيلينسكي: القوات الأوكرانية بصدد تشكيل ألوية جديدة
- هل أعلن عمدة ليفربول إسلامه؟ وما حقيقة الفيديو المتداول على ...
- رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية يتهرب من سؤال حول -عجز ...
- وسائل إعلام: الإدارة الأمريكية قررت عدم فرض عقوبات على وحدات ...
- مقتل -أربعة عمّال يمنيين- بقصف على حقل للغاز في كردستان العر ...
- البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة -باتريوت- متاحة الآن لتسليمها ...
- بايدن يعترف بأنه فكر في الانتحار بعد وفاة زوجته وابنته
- هل تنجح مصر بوقف الاجتياح الإسرائيلي المحتمل لرفح؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - اعتزال الحرب الباردة الجديدة