أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إدريس ولد القابلة - تهريب السلاح بالمغرب















المزيد.....



تهريب السلاح بالمغرب


إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)


الحوار المتمدن-العدد: 1808 - 2007 / 1 / 27 - 12:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تمهيد
إن تهريب الأسلحة الفردية والذخيرة الخفيفة والتجارة غير الشرعية بخصوصها، أضحت أنشطة مربحة أكثر من أي نشاط تهريبي آخر عبر العالم. وحسب الإحصائيات الدولية، هناك ما يناهز 800 مليون سلاح خفيف يروج عبر العالم سنويا، تسبب في مقتل نصف مليون شخص، منهم 31 ألف في نطاق حروب ومنازعات مسلحة. كما أن هناك 16 مليار ذخيرة خفيفة تنتج سنويا و15 سلاح خفيف يصنع على رأس كل دقيقة في العالم. وهي أسلحة سهلة التخزين ويمكن نقلها بيسر كبير ولا يتطلب استعمالها واستخدامها دراية خاصة، وبالتالي تشكل آلية للتقتيل ومصدرا للقلق الكبير.
فهل بلادنا في منآى عن هذا القلق الأكيد؟
++++++++++++++
على سبيل التقديم
بادئ ذي بدء نقول ليس من المهم كيف توصلنا بهذه المعلومات بخصوص ملف هذا العدد، لكن المهم هو أننا اجتهدنا لمحاولة تسليط بعض الضوء على إشكالية أقلقتنا بعد التعرف على بعض مظاهرها، فحاولنا متابعة بعض خيوطها لعرضا على القارئ والقائمين على الأمور، م بغض النظر عن قيمة ما وصلنا إليه بحد ذاته ولذاته، وإنما قصدنا التنبيه، ومادام هذا هدفنا فلم نسع إلى الكمال وإنما فقط عرض ما توصلنا به انطلاقا من إمكانياتنا المحدودة.
أضحت الأسلحة الخفيفة بيد المدنيين تمثل مشكلة كبيرة على الصعيد العالمي، وحسب جملة من المنظمات العالمية إن 60 في المائة من الأسلحة الخفيفة في العالم هي الآن في حوزة مدنيين، فهل مثل هذه الأسلحة لا تمثل أي إشكال بالمغرب؟
فالسلاح الناري الخفيف ولو من فئة العيار الصغير، يطرح جملة من الإشكاليات عندما يكون بحوزة المدنيين، لذا وجب ضبطه من طرف الدولة. علما أن التحكم في سيرورة سلاح المدنيين ظل من بين القضايا التي أولتها الدولة أهمية بالغة منذ حصول البلاد على استقلالها، لكن خلافا لما هو جار به العمل بدول أخرى، لا تتوفر أية معلومات حول حجم وطبيعة السلاح الذي هو الآن بحوزة المدنيين بالمغرب، ومن الصعب بمكان، بل من المستحيل حاليا التوفر عليها.
وهذا في وقت أضحت فيه تجارة الأسلحة الفردية والذخيرة الخفيفة وتهريبها، في الثلاث سنوات الأخيرة رائجة بشكل لم يسبق له مثيل في جنوب الصحراء على مرمى حجر من التخوم المغربية.
قد يرى البعض أن كل حدث أو معطى بملف هذا العدد قد يخفي مشروع فاجعة، وقد يراه البعض مجرد تهويل مجاني، لكن همنا الأساسي هو التنبيه لإشكالية قائمة مازال يشوبها التعتيم لغرض في نفس يعقوب.
هل السلاح الذي يتوفر عليه المدنيون، بدون وجه قانون وبدون ترخيص، مجرد طارئ وظاهرة جديدة أم أنه ظاهرة قديمة، إنما استفحلت اليوم؟ وهل يشكل خطرا؟ وما هي أوجه استعمال، أونية استعمال السلاح، الذي تم تسريبه داخل التراب الوطني؟ وقبل هذا وذاك، هل جنوب الصحراء المتاخم للحدود المغربية أضحى اليوم ملاذا للخارجين على القانون والممتهنين لتهريب السلاح؟ وهل هذا السلاح الذي بحوزة المدنيين، محصل عليه عن طريق التهريب أو الاقتناء من السوق السوداء، قابل للضبط من طرف الدولة؟ وهل هو مضبوط من طرفها؟ هذه نماذج من الأسئلة بخصوص هذه الإشكالية التي مافتئت تشغل بال الكثيرين.
+++++++++++++++++++++
سوق السلاح بالمناطق المتاخمة للحدود المغربية الجنوبية
ظلت سوق بيع السلاح الفردي والذخيرة الخفيفة المهربة بجنوب الصحراء والشمال المغربي تنشط في حدود ضيقة، لكنها في السنوات الأخيرة بدأت تعرف تزايدا مقلقا، علما أن حيازة وحمل السلاح الناري الفردي ممنوع منعا كليا بالمغرب، إلا بترخيص خاص، فيما يتعلق بسلاح الصيد البري، الذي تسهر عليه المصالح الأمنية اعتمادا على مساطر وإجراءات مشددة جدا تحت طائلة الملاحقة القانونية في إطار القانون العسكري وأمام المحكمة العسكرية.
لقد عرفت سوق الأسلحة المهربة بجنوب الصحراء نشاطا غير مسبوق في الشهور الأخيرة فيما بين نهاية سنة 2006 وبداية سنة 2007، ومما ساهم في انتعاش هذه السوق وسهل ترويج الأسلحة المهربة تكاثر المواجهات المسلحة في بعض دول المنطقة (الصومال، مالي، موريتانيا..) خلال السنوات العشر الأخيرة، إذ عمد الكثير من المدنيين إلى اقتناء الأسلحة الفردية والذخيرة الخفيفة كتدبير احترازي في ظل هواجس ومخاوف من تطورات قد تقوض دعائم السلم الداخلي بجملة من المناطق. وفي فترة الهدوء النسبي يسعى هؤلاء إلى التخلص من تلك الأسلحة بأثمنة قد ترتفع أو تتدنى حسب العرض والطلب واعتماد إجراءات المراقبة المشددة. وقد شكل هؤلاء مصدرا مهما لتزويد "السوق" بالأسلحة بطرق أسهل من اللجوء إلى المافيات التقليدية المتخصصة في تهريب السلاح.
+++++++++++++++++
مسارات المهربين
من المفارقات، أنه قبل قيام الصراع حول الصحراء، كانت الحدود المغربية الجزائرية كالغربال وكان اجتيازها سهلا جدا، لاسيما وأن أهم قبائل المنطقة الحدودية رحل، ورغم ذلك لم يكن التهريب بشكل مستفحل ولا يشكل أية خطورة بالنسبة للبلدين، وعندما رغبت كل دولة، مع تداعيات مشكل الصحراء، في مراقبة الحدود استفحلت ظاهرة التهريب إلى درجة أضحت تكتسي معها خطورة أكيدة.
وإذا كان الشمال حاليا لا يشكل قلقا كبيرا بخصوص تهريب الأسلحة والمتاجرة فيها، فإن الأمر عكس ذلك بخصوص المناطق الجنوبية المغربية والجنوبية الشرقية.
فمختلف المعطيات المتوفرة تؤكد أن مراقبة الحدود في هذه المناطق تواجهها مشاكل وصعوبات كثيرة، وهذا أمر يدعو إلى القلق الكبير باعتبار أن نشاط التهريب بكل أنواعه وأشكاله تطور بها بشكل لم يسبق له مثيل. وتزداد درجة القلق نظرا لأن هذه المنطقة أضحت مجالا لإشكاليتين عويصتين، أولهما اهتمام تنظيم "القاعدة" بهذا الجزء من إفريقيا وثانيتهما اتساع دائرة تهريب الأسلحة والاتجار بها. وتأكد هذا الخوف عندما تحولت الشواطئ الجنوبية المغربية إلى فضاء لمقايضة الشيرا بالكوكايين الواردة من بلدان أمريكا اللاتينية، ولا يخفى على أحد الآن العلاقة الوثيقة بين مافيات الاتجار بالكوكايين وتجارة الأسلحة وتهريبها، لاسيما بالقارة الإفريقية في السنوات الأخيرة.
إن مهربي السلاح بجنوب الصحراء أضحوا الآن منظمين بشكل جيد، ويتوفرون على موارد مالية هامة ووسائل جد متطورة، من آليات النقل المتطور ومعدات الاتصال وأجهزة التواصل الدائم عبر الأقمار الاصطناعية، وقد سهلت هذه الشبكات المحسوبين على القاعدة انخراطهم في هذا النشاط، بل هناك منهم من أحدثوا شبكات تهريب أسلحة خاصة بهم، كما هو الأمر بالنسبة لمختار بن مختار وبنمبروك وكلاهما قائد لجماعة مسلحة.
وتعتبر اليوم منطقة الزويرات الموريتانية حلقة وصل بين جنوب الصحراء وشمال إفريقيا ومعبرا رئيسيا للأسلحة المهربة إلى تندوف وجنوب المغرب وشماله.
وعموما، أضحى من المتعارف عليه الآن وصف المنطقة الكائنة بين شمال مالي وشمال موريتانيا والحدود المغربية الجزائرية الجنوبية، بمثلث تجارة الموت، وهي ذات المنطقة التي ترزح تحت نيران جماعات مسلحة، منها جماعات جزائرية أعلنت ولاءها للقاعدة وفئة من الطوارق وجماعات مسلحة مكونة من عناصر البوليساريو تخصصوا منذ وقف إطلاق النار بالصحراء في أنشطة التهريب بكل أنواعه، لاسيما تهريب السلاح، وهذا المثلث لا يخضع حاليا لأية مراقبة ولا لأي قانون ولا كلمة فيها إلا لقوة السلاح والنفوذ القبلي.
فهذه المناطق تشكل الآن فضاءات واسعة لمافيات التهريب بجميع أنواعه، تمتد جنوبا من الكويرة وشرقا من الحزام الأمني إلى مشارف ضواحي مدينة تارودانت، وبذلك شملت الأقاليم الصحراوية وطانطان وطرفاية وكلميم وسبت الكردان وأولاد تايمة وأيت ملول التي لا تبعد عن مدينة أكادير إلا بكلومترات معدودة.
ومن الملاحظ الآن أن مسار تنقل الأسلحة المهربة أضحى لا يختلف عن بعض مسارات الهجرة السرية. ومن المسارات الأكثر استعمالا الآن التخوم الحدودية الشمالية لمالي وموريتانيا والحدود المغربية الجنوبية الشرقية. ومما يعقد عملية المراقبة أن هذه المناطق بالذات هي التي تخزن فيها شبكات عناصر البوليساريو المتعاطية للتهريب أسلحتها، كما أن باقي المهربين أحدثوا بها مستودعات للتخزين المؤقت في انتظار وصول الأسلحة المهربة إلى وجهتها.
واعتبارا لسيادة هذه الوضعية أكدت جملة من التقارير، الصادرة عن معاهد الدراسات الإستراتيجية، على أن هذه المنطقة بمثابة برميل بارود قابل للانفجار في أي وقت، بل هناك من التقارير التي رصدت مسار بعض الأسلحة وخلصت إلى القول بأن بعضها قد وصل إلى أوروبا مرورا بهذه المنطقة.
+++++++++++++++
تتبع مسار عملية تهريب أسلحة
تابع أحد مصادرنا عن قرب مسار إحدى عمليات نقل بعض الأسلحة الفردية والذخيرة الخفيفة، لم يتمكن من معاينة أنواعها بالضبط، لكنه عاين صناديق خشبية تحمل حروفا لاتينية غير مقروءة بفعل عبث بعض الأيدي بها وأجزاء من سلسلة أرقام علاماتها بادية، ولفائف كتان سميك يوحي شكلها أنها تحتوي بنادق أو رشاشات.
كانت الانطلاقة من منطقة تدعى "بير"، شرق تمبوكتو، تبعد بمسافة 60 كيلومترا عن مكان يسمى "بوبجيهة"، كانت الوجهة نحو "بير كثير" ثم "بير أونان" ثم "علية" ثم "فم أولوس" ثم "تودني" و"ضايات" و"أكشاش" على الحدود المالية الموريتانية، ومن هناك إلى الزويرات حيث تم تفريغ ما بالشاحنات ليلا، بمكان غير بعيد عن الحزام الأمني.
كان في انتظار الشاحنات أشخاص ملثمون رفقة 3 سيارات من نوع "لاندروفر" و5 جمال. تسلموا البضاعة، فاتجهت السيارات الثلاثة نحو الشمال الغربي، وكانت وجهة الجمال نحو الشمال الشرقي.
بالزويرات انتهت رحلة مصدرنا الذي أكد لنا أن مهربي السلاح بالمنطقة يستفيدون من طبيعة البيئة الصحراوية، وأن عددهم لم يكن يتجاوز العشرة، استعملوا خلال هذه العملية شاحنة وسيارتين من نوع "طويوطا"، منهم مالي وتشادي ومغربي من منطقة "زوك" بإقليم وادي الذهب وموريتانيين وشخصين من تندوف، وكلهم قائمون بمهمة حيث كلفوا بإيصال البضاعة إلى الزويرات من أجل تسليمها لأشخاص يبدو أنهم على معرفة جيدة بالسائقين الثلاثة: المغربي والموريتانيين.
وعن سؤالنا حول نقط المراقبة واجتياز الحدود، أفادنا المصدر بأنه على امتداد مسار الرحلة لم تتوقف القافلة إلا مرة واحدة بحلول الفجر، ظلت الشاحنة وإحدى السيارتين بعيدتين واتجهت السيارة الثانية نحو بناية صغيرة، تبدو ككوخ، خرج منها شخصان أحدهما يحمل رشاشا والآخر يرتدي لباسا يشبه لباس الطوارق، وبعد حديث وجيز دار بينهما وبين السائق إذ لم يدم أكثر من 5 دقائق، رجعت السيارة من حيث أتت وتابعت القافلة الصغيرة طريقها.
ويضيف مصدرنا أن معظم الأشخاص الذين يظهرون في الصورة ويضطلعون بنقل الأسلحة هم مجرد وسطاء أو مكلفين بمهمة أو مجرد سائقين خبروا المنطقة وعلى علم دقيق بمسالكها وخباياها، أما القائمون الفعليون على الشبكة والمنظمون لعمليات التهريب فلا أثر لهم، ويقتصرون فقط على تدبير العمليات عن بعد وتوفير اللوجستيك (سيارات، شاحنات، أجهزة الاتصال عبر الأقمار الاصطناعية لاسيما جهاز "ثريا" لعدم إمكانية مراقبته ولصعوبة خضوعه للتنصت)، وهم الذين يبرمون الصفقات ويزودون المنفذين بالتعليمات تدريجيا وبشكل متقطع، وفي حالة سقوط السلاح بحوزة حراس الحدود يتم القبض على السائقين والمرافقين لهم الذين غالبا ما يجهلون الجهة المقصودة. وهناك بعض الشبكات تستعمل سيارات "طويوطا" مزودة بمدافع رشاشة مضادة لطائرات هيلكوبتر وتستعمل لنقل أو مرافقة الشحنات المهمة. أما المسدسات والذخيرة الخفيفة فغالبا ما يتم تمريرها بواسطة الأفارقة الراغبين في الهجرة السرية نحو أوروبا مرورا بالمغرب.
++++++++++++++++++++++++++++++++
تهريب السلاح
هناك أكثر من قرينة تبين أن العاملين بمافيات التهريب لم يعودوا يقتصرون على مواد استهلاكية من ضمنها البنزين والمخدرات، وإنما بدأ بعضهم يهتم بتهريب السلاح الفردي والذخيرة الخفيفة، علما أن نشاط تهريب المواد المدعمة من الصحراء عرف النور منذ السبعينيات (مواد غذائية ومحروقات مدعمة من طرف الدولة تشجيعا للمغاربة على الاستقرار بالأقاليم الصحراوية المسترجعة آنذاك)، ولم يكن انتشار هذا النشاط ممكنا دون ارتباطه بشخصيات وازنة بالصحراء ودون تواطؤ بعض القائمين على الأمور وعناصر الأجهزة الأمنية، المدنية منها والعسكرية.
واستفحل نشاط التهريب بالجنوب إلى حد الاهتمام به من طرف بعض القائمين على شبكات تهريب السلاح الفردي والذخيرة الخفيفة، لاسيما مع تزايد الطلب عليه في السنوات القليلة الأخيرة من طرف جهات وأشخاص مستقرين بالمغرب، خاصة وأن الصحراء الكبرى أصبحت ملاذا للمهربين وفضاءا لرواج غير مراقب وغير متحكم فيه في مختلف الممنوعات، وهنا يكمن الخطر الأكيد.
ففي سنة 2004 أجريت دراسة حول التهريب إلا أنها أهملت، جملة وتفصيلا، تهريب الأسلحة الفردية والذخيرة الخفيفة، كأن لا وجود لها على الإطلاق، في حين أنه خلال فترة انجازها برزت عدة قرائن تفيد بأن هذا النشاط بدأ في التوسع منذ سنة 2003، كما أن التحقيقات بخصوص ملفات التهريب الدولي للمخدرات أفادت حيازة أغلب عناصر شبكات التهريب أسلحة فردية وخفيفة، غير الأسلحة المحولة، المستعملة أصلا في الصيد البري.
وظلت القاعدة السائدة عندنا هي التعتيم على كل ما يرتبط بتهريب الأسلحة والمتاجرة فيها.
لا توجد معطيات دقيقة حول حجم ظاهرة الأسلحة الفردية والذخيرة الخفيفة وتسريبها إلى المغرب ولا الكم الذي هو في حوزة المدنيين.
وهذا الأمر لا يعرف عنه الرأي العام شيئا خلافا لمجالات التهريب الأخرى ومختلف الأنشطة غير المشروعة، ويبدو أن الحديث عن تهريب الأسلحة الفردية والذخيرة مازال من الطابوهات "اللاشعورية" بالمغرب، وذلك بالرغم من أن اتساع هذا النشاط استفحل بفعل الرشوة وغض طرف المسؤولين عن تمرير بضائع مهربة دون أن يعلموا أنه يتم أحيانا كثيرة دس قطع سلاح بينها؛ وحسب أكثر من مصدر مطلع تستعمل هذه الطريقة خصوصا لتسريب المسدسات والذخيرة الخفيفة إلى التراب الوطني.
وإذا كان تهريب السلاح من الجزائر نحو المغرب قد ظل ساريا على امتداد فترات طويلة، فإنه لم يتم الكشف إلا عن عمليات نادرة جدا لتهريب السلاح في الاتجاه المعاكس، من المغرب إلى الجزائر. ولعل أهم هذه العمليات تلك المرتبطة بتداعيات الهجوم على فندق "أطلس آسني" بمراكش في فجر التسعينيات، وجماعة "المجاهدين المغاربة". وأغلب السلاح الذي تم تسريبه إلى المغرب نحو الجزائر، تم اقتناؤه من أوروبا عبر وسائط إسرائيلية، فكيف يدخل السلاح إلى المغرب؟
من خلال تقصينا لجملة من المعطيات المستقاة من مصادر تعيش بعين المكان،، يبدو أن مهربي السلاح بالجنوب يستعملون سيارات 4x4 وأحيانا شاحنات لنقل الأسلحة من مكان إلى آخر، وغالبا ما يتم دسها بين علب السجائر المهربة. أما في الشرق ووالشمال فيتم تمريرها مع البضائع المهربة، وحسب مصدر جيد الإطلاع، في فترة من الفترات، لاسيما في غضون سنة 2003، تم تهريب بعض المسدسات معبأة بشكل محكم داخل ثلاجات تم تسريبها بعد "شراء الطريق"، كما هو معمول به في عرف المهربين والمسؤولين المرتشين، دون أن يعلم هؤلاء بالأمر.
ومع استفحال ظاهرة الهجرة السرية في السنتين الأخيرتين، بدأ استعمال المهاجرين الأفارقة في تهريب السلاح الخفيف، وهذا نشاط في طور التقعيد والتطور، وقد نبهت الأنتربول لهذا النشاط منذ نهاية سنة 2005، كما أثارت عدة تقارير أمنية خارجية العلاقة التي أضحت قائمة بين ظاهرة الهجرة السرية والاتجار بالمخدرات وتهريب الأسلحة الفردية والذخيرة الخفيفة.
أما بخصوص نقط التسريب واقتناء الأسلحة، برزت مؤخرا مدينة "لمغيتي" الموريتانية و"بير أم كرين" ومنطقة "الزويرات"، هذا إضافة إلى سوق "كابيتان" بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، أما بداخل المغرب فهناك جملة من النقط تحوم حولها شكوك مثيرة بخصوص تسريب بعض الأسلحة إلى التراب الوطني بكميات قليلة بواسطة أشخاص غير مرتبطين بشبكات تهريب الأسلحة، وإنما يستجيبون لطلبات شخصية، كما أن هناك نقط الحدود الشرقية والناظور وأحفير والسعيدية وبركان وبني درار، وبالجنوب الشرقي منطقة آسا ومحاميد الغزلان، وكلها مناطق لا تبتعد كثيرا عن الحدود المغربية الجزائرية ومعروفة بكثرة المسالك المؤدية إليها، وهي مناطق ظلت معروفة بغياب موارد عيش مشروعة تذر على صاحبها دخلا كافيا ومريحا لمواجهة متطلبات الحياة، لذا أضحى سكان المنطقة يعيشون من امتهان التهريب وتمكنوا عبر ذلك في فترات معينة من خلق دينامية اقتصادية بتلك المناطق.
+++++++++++++++++++
شبكات تهريب السلاح بالتخوم الجنوبية للصحراء
إن أهم شبكات تهريب السلاح بجنوب الصحراء تشرف عليها عناصر وازنة بجهة البوليساريو، لاسيما القائمون على فرعها الموجود بشمال موريتانيا والمعروف بقسم الجاليات الذي يقوده المدعو "ولد موناك"، ويمتد نفوذها إلى الحدود المالية الجزائرية، فأقدم شبكة بالمنطقة تضم مقاتلين سابقين في صفوف البوليساريو.
في البداية اهتمت بتهريب السجائر ثم بالهجرة السرية، وبعد أن جمع أفراد الشبكة أموالا كثيرة وثروات مهمة، تم التخصص في تهريب السلاح والبشر معا.
وتمتلك الآن شاحنات ذات دفع رباعي ووسائل حديثة ومتطورة للاتصالات، وحسب المعلومات المستقاة من مصدر جيد الإطلاع، إن أعضاء هذه الشبكات موالون لشخصين من أبرز قياديي البوليساريو: محفوظ علي بيبا (من أصل صحراوي) ومحمد لمين أحمد (من أصل موريتاني).
وإلى جانب هذه الشبكات تناسلت شبكات أخرى نذكر منها:
- شبكة بلمختار (الأعور):
وهو جندي سابق بالجيش الجزائري سبق له أن قاتل بأفغانستان، قائم الآن على أمور جماعة الدعوة والقتال، يمول نشاطه اعتمادا على مختلف أنواع التهريب.
- شبكة خضري ولد عمر:
كانت تنشط بخصوص الهجرة السرية، لكنها مؤخرا شرعت في استعمال المرشحين للهجرة لتهريب الأسلحة الفردية والذخيرة الخفيفة، ويقوم عليها المدعو خضري ولد عمر وهو أحد أعضاء الأمن العسكري بجبهة البوليساريو، تنشط هذه الشبكة في منطقة واقعة بين "الحنك" و"أركشاش" بشمال مالي والحزام الأمني وتندوف، وتستعمل سيارات يوحي مظهرها ولونها بأنها سيارات عسكرية من نوع "طويوطا".
- شبكة النويه:
يقوم على أمورها المدعو "النويه" ويعمل سائقا لأحد قياديي البوليساريو الملقب بـ "البطل" (وهو اسم حركي)، ويشرف المدعو "الزوين" تحت إمرة "النويه" على الصفقات المرتبطة بالسلاح وكل ما يتعلق بتزوير الوثائق والمستندات لتسهيل تهريبها.
وهذه الشبكة يراقبها "ولد البوهالي"، وزير الجمهورية الوهمية وأحد القادة البارزين في الجبهة.
- شبكة ولد الميلس
متخصصة في تهريب الأسلحة، تنشط بين شمال مالي وتيندوف ولها ارتباط ببعض الجزائريين، أهم عناصر هذه الشبكة الذي يتحرك في واضحة النهار ودون أي غطاء يدعى "بولحبوس" (جزائري الأصل)، وتضم هذه الشبكة أيضا عناصر من الطوارق وتستعمل شاحنات من نوع "كازيل" و" إيماجريس"؛ تمتاز شبكة ولد المليس عن باقي الشبكات بعلاقتها مع حراس وقادة النواحي العسكرية التابعة للبوليساريو الذين يسهلون عبور شاحناتها عبر النقط التي يراقبونها مقابل أتاوات مهمة، وغالبا ما يتحرك أعضاء هذه الشبكة في منطقة "كليب الجراد" القريبة من " ـم كرين" ومنطقة " أكونتين" و "امجيك" بالصحراء و"كليب الطوش" و"كليب النصراني" و"الحفيرة" جنوب الجزائر.
++++++++++++++++++++
سلاح المدنيين بالمغرب مصدره، طرق تهريبه وعوامل انتشاره
بمناسبة الحديث عن امتلاك مدنيين سلاحا بالمغرب، أول سؤال يتبادر إلى الذهن: من هم هؤلاء؟
لا يمكن التعرف بسهولة على الأشخاص الذين بحوزتهم أسلحة، خارج المحسوبين على الدولة، ويمكن تصنيفهم كالتالي:
- شخصيات وازنة بحوزتها مسدسات لغاية الدفاع عن النفس، وهم قلة، أغلبهم من الموظفين السامين المحتلين لمواقع هامة وحساسة.
- محترفي وهواة الصيد البري، ويتعلق الأمر بخصوص هذه الفئة بأسلحة خاصة بالصيد مرخص لها حسب مسطرة مشددة.
- هواة جمع الأسلحة النارية، وعناصر هذه الفئة معروفة لدى السلطات الأمنية.
- مهربو المخدرات والعاملون في بعض الممنوعات، وسلاح هؤلاء غير مضبوط من طرف مصالح الأمن.
- عناصر متطرفة تمارس السياسة اعتمادا على العنف (الإرهاب) والمعلومات لازالت نادرة بهذا الخصوص وتلفها السرية.
- بعض المجرمين
هذه عموما الفئات المدنية التي تتوفر على أسلحة بالمغرب، وأغلبها غير مضبوط وغير مراقب من طرف الدولة.
* مصدر السلاح المهرب:
من المصادر النشيطة في نهاية 2006 وبداية سنة 2007، هناك الصومال الذي يشكل حاليا "جنة" المتاجرين في الأسلحة الفردية بالمنطقة، كما أن هناك بعض الأسلحة دخلت المغرب عبر شبكات تهريب المخدرات، ومصدرها أوروبا، لاسيما تلك التي ارتبطت بالكوكايين.
* طرق تهريب السلاح إلى المغرب:
في البداية كانت تسرب كميات قليلة من السلاح الفردي والذخيرة الخفيفة بواسطة المغاربة العاملين في الخارج، لاسيما فيما يخص المسدسات والمتفجرات، أما في السنوات الأخيرة فقد بدأت الاستفادة من شبكات تهريب المخدرات والسجائر المهربة والهجرة السرية لتسريب تلك الأسلحة.
* عوامل انتشار السلاح الفردي:
إذا كانت في السابق أجواء الحرب الباردة قد لعبت دورا حيويا في تسريب الأسلحة إلى المغرب، فاليوم برزت عوامل جديدة تعمل على انتشارها، ونذكر منها:
- بروز ظاهرة التجار بالأسلحة في الحدود الجنوبية وبالشمال.
- تزايد وتيرة التسلح من طرف مهربي المخدرات والاتجار بها.
- اهتمام تنظيم "القاعدة" بالمناطق الواقعة جنوب الصحراء.
- انتشار الإجراء المتزامن مع استمرار الأزمة الاقتصادية وانعكاساتها.
- سيرورة اتساع نشاط ونفوذ تهريب المخدرات والسجائر المهربة والهجرة السرية والمتاجرة في مختلف الممنوعات.
+++++++++++++++++++++
ارتباط تهريب السجائر بتهريب الأسلحة
قد يتساءل المرء لماذا الحديث عن تهريب السجائر في إطار ملف مخصص لتهريب السلاح الفردي والذخيرة الخفيفة، والجواب بكل بساطة هو أنه من المعروف منذ أن بدأت مافيات تهريب السلاح نشاطها على الصعيد العالمي، وكلما تم إبرام صفقة سلاح يفرض على أصحابها شراء كميات من السجائر الأمريكية الكاسدة، من أجل ترويجها بالمناطق الحرة في الدول الفقيرة، ومع مرور الوقت أصبح تهريب السجائر يخفي تهريب السلاح في العديد من مناطق العالم، وتطورت أنشطة السجائر المهربة التي لم تفلح الشركات المتعددة الجنسيات ترويجها في الأسواق الشرعية، إلى أن أصحبت اليوم تهم كذلك السجائر المقلدة المصنعة بوحدات صناعية توجد بمالي وبالنيجر وموريتانيا.
إن الكثير من التقارير الدولية ذات المصداقية العالية والصادرة عن جهات مشهود لها بالاستقلالية، أكدت بما لا يدع أدنى شك، ارتباط تهريب السجائر بتهريب السلاح، وقد أقر أحد المحللين بالقول، إذا أردت معرفة المناطق الني تروج فيها الأسلحة المهربة، عليك برصد البلدان والأماكن التي تروج فيها السجائر المهربة؛ انطلاقا من هذه الملاحظة نعاين بخصوص المغرب أن مصدر السجائر المهربة المروجة بالبلاد الآن هي الجنوب والشمال والجهة الشرقية الجنوبية، وهي ذات المناطق التي عرفت في السنوات الأخيرة انتعاش تجارة الأسلحة الفردية والذخيرة الخفيفة، علما أن فتح الله والعلو نفسه أكد أن حجم تهريب السجائر بالمغرب يمثل ما نسبته 35 في المائة من حجم المواد المهربة. ومن هنا نتساءل لماذا غاب على حكومتنا الموقرة أن تهريب السجائر يكون دائما مقرونا بتهريب السلاح أم أن الحديث في مثل هذه الأمور مازال محظورا؟ علما أن الدولة سبق لها وأن أحدثت لجنة وطنية للتصدي لتهريب السجائر، وقيل إن هذه اللجنة اتخذت استراتيجية لتكثيف عمليات المراقبة وتفتيش وملاحقة المهربين، إلا أنه لم يسبق وأن سمعنا ولو كلمة عن تهريب السلاح، فهل هو استبلاد للرأي العام أم سببه رغبة في عدم بث كل ما من شأنه بعث الخوف أو القلق في النفوس؟
وللإشارة ينشط تهريب السجائر في المناطق الجنوبية الشرقية المتاخمة للحدود المغربية الجزائرية خلال الصيف، إذ تصل درجة الحرارة فيها إلى 50 درجة، وهي منطقة شاسعة معروفة بصعوبة مسالكها، هذا في حين لا تتوفر القوات المراقبة في هذه المناطق إلا على سيارتين وتفتقد لأدنى الإمكانيات الضرورية لمواجهة قساوة الطبيعة.
ومن المناطق التي أخذ ينشط بها مهربو السجائر خلافا للسابق منطقة لمحاميد التي لا تبعد كثيرا عن الحدود الجزائرية، والقائمون على هذا التهريب هم بعض الرحل، وفي هذا الصدد سبق لأحد المنعشين السياحيين بإحدى الواحات أن دخل في نزاع مع هؤلاء بسبب أضرار يدعي أنها لحقته من جراء نشاطهم، ورغم التوجه إلى السلطات المختصة لم تول أي اهتمام للأمر، الشيء الذي دفعه إلى رفع شكاية في الموضوع ضد قائد المحاميد ووكيل الملك بزاكورة وكولونيل تاكونيت.
ومن القرائن التي تبين حجم تهريب السجائر وإغراق السوق المغربية بها، آخر عملية لمصالح الجمارك بمكناس، إذ أقدمت على اتلاف ما يناهز 9 ملايين سيجارة (450 ألف علبة) مهربة تشمل أكثر من 10 أنواع مختلفة، أغلبها انتهت صلاحيتها أو قريبة جدا من انتهاء مدة صلاحيتها، وقد قدرت قيمتها بأكثر من 14 مليون درهم، علما أن هذه الكميات ضبطت بالمناطق الجنوبية الشرقية المتاخمة للحدود المغربية الجزائرية.
ومهما يكن من أمر تفيد أغلب التقارير الدولية في الموضوع أن عمليات التهريب أضحت أكثر تنظيما لتمكين هذه الكميات الهائلة من السجائر من الوصول بسلام إلى المغرب، واعتبارا للارتباط الوثيق بين تهريب السجائر وصفقات السلاح بشهادة الكثير من المنظمات المشهود لها بالمصداقية، فما هي ضمانة عدم تسريب السلاح الفردي والذخيرة الخفيفة مع السجائر المهربة؟ علما أن هذه الإشكالية لا زال يلفها الكثير من التعتيم الخطير بالمغرب، ويبدو أنه أضحى من الصعب الآن التصدي لهذا النشاط في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، وفي ظل سيادة اليأس وسط أغلب الشباب المغربي، علما أن هذا النشاط غير مشروع لكنه يذر ما يناهز 7 مليار سنتيما شهريا.
ونظرا لارتباط هذه التجارة بتهريب السلاح، فإن استمرار تكريس انسداد الأفق في وجه الشباب من شأنه بشكل أو بآخر، أن يؤدي إلى ممارسة هذا النشاط سعيا وراء مداخيل هامة وإن اقتصر الأمر على قبول تمرير كميات محدودة من الذخيرة الخفيفة ما دامت هناك أسلحة قد تم تسريبها إلى المغرب بالرغم أنه مازال من العسير جدا، التوصل إلى حجم هذه الكميات، إذ لم يسبق أن تم تسجيل أي تصريح رسمي بهذا الخصوص، كأن الأمر لا وجود له، فهل يمكن اعتبار هذا التصرف علامة على اختيار اعتماد سياسة النعامة بهذا الخصوص؟
++++++++++++++++++++++++++++
أسلحة واردة من الصومال
هناك كميات مهمة من الأسلحة الفردية والذخيرة الخفيفة تروج حاليا في سوق الأسلحة، في المناطق المتاخمة لجنوب المغرب، وردت عليها من الصومال.
ففي بداية هذه السنة (2007) شهدت سوق الأسلحة في العاصمة الصومالية حركة بيع وشراء نشيطة بشكل طوعي، وانخفضت أسعار الأسلحة الفردية والذخيرة الخفيفة، وسجلت هذه التخفيضات حدا غير مسبوق بالمنطقة. وحسب مصدرنا بعين المكان ترجع أسباب هذا التحول لنشاط بيع هذه الأسلحة قصد التخلص منها تحسبا لعمليات نزعها، وكانت هذه مناسبة لنقل كميات كبيرة من الأسلحة الفردية والذخيرة الخفيفة إلى مالي من طرف مهربي الأسلحة الذين كونوا مخزونا مهما، وهم الآن بصدد تسريبه من مختلف المناطق المتاخمة للحدود الجنوبية المغربية.
وقد لاحظ مصدرنا في الأسبوع الثاني من شهر يناير حركة نشيطة، غير مسبوقة لتهريب السلاح نحو منطقة الزويرات المتاخمة للحدود المغربية الموريتانية وتندوف والحدود المغربية الجزائرية الجنوبية الشرقية، وهمت بالخصوص سلاح "كلاشينكوف" والرشاشات التي تركب على السيارات الخفيفة.
ويضيف مصدرنا، مع دخول القوات الأثيوبية إلى الصومال، سعى الكثير من الصوماليين العاديين الحائزين على أسلحة فردية إلى التخلص منها. وقد استغل تجار السلاح ومهربوه هذه الفرصة فقاموا باقتناء تلك الأسلحة بأثمنة زهيدة لبيعها بأسعار أكبر، لاسيما وأنهم لاحظوا ازدياد الطلب عليها بمنطقة جنوب الصحراء، من خلال الوسائط من الطوارق النشيطين في تمرير السلاح إلى شمال موريتانيا وتندوف والحدود المغربية الجزائرية.
وفي محادثة هاتفية لمصدرنا مع أحد تجار الأسلحة بسوق "بكار" بالصومال، صرح له أنه قام باقتناء كمية مهمة من بنادق الكلاشينكوف وذخيرتها، مباشرة بعد إعلان الحكومة الصومالية عن نزع السلاح، يقينا منه أن هناك طلبا كبيرا على ذلك السلاح من طرف الطوارق الذين يلعبون دور الوسيط، في هذه المرحلة بالذات، بين تجار السلاح بالصومال وشبكة تهريب السلاح بالزويرات وتندوف وبعض مناطق الحدود المغربية الجزائرية المتاخمة للصحراء.
وحسب مصدرنا نزلت أسعار الأسلحة الفردية والقنابل اليدوية والألغام المضادة للأفراد إلى مستوى لم يسبق له نظير،، مقارنة مع الأسعار المعتمدة في عرف تسعيرة المهربين.
ولتقريب الصورة للقارئ نورد سعر بندقية الكلاشينكوف "أ ك 47"، إذ كان سعرها 320 دولارا (ما يناهز 3200 درهم) لكنه وصل خلال شهر يناير الحالي إلى 150 دولارا (1500 درهم) فقط، في حين وصل سعر الذخيرة الحية الخفيفة (الرصاص) إلى أقل من نصف السعر المعتاد.
+++++++++++++++
كيف وصل السلاح الإسرائيلي إلى المغرب؟
أكد مصدرنا بالحدود المالية الجزائرية أن الإسرائيليين شرعوا في الاهتمام جديا بتجارة السلاح في الصومال وشمال موريتانيا (الحدود المغربية الموريتانيا)، ويعتقد أن الإسرائيليين الناشطين في المنطقة، على علاقة بمصنع سلاح بإسرائيل، متخصص في تسلح الحركات الانفاصلية والمنظمات الخاصة وشركات الأمن الخاصة. كما أن هناك جملة من المعطيات تفيد بأن الكثير من الأسلحة المصنعة بذلك المصنع بدأت تروج في جنوب الصحراء، ومن المعلوم أن هناك بعض الإسرائيليين ينشطون بقوة في مجال المتاجرة في الأسلحة بإفريقيا، أضحوا الآن يهتمون أكثر من أي وقت مضى، بشمالها، وغالبا ما يقومون بدور آخر، كوسطاء في الصفقات المهمة دون أن يظهروا بالمنطقة؛ ويؤكد أكثر من تقرير دولي أن اهتمام تجار السلاح الإسرائيليين أضحى ملحوظا أكثر بشمال إفريقيا من خلال مافيات مستقرة بإقليم دارفور بالسودان.
علما انه تم الكشف عن تقديم جهات إسرائيلية مساعدات للحركات المتمردة في هذه المنطقة، لاسيما من خلال الإشراف على تدريب الكثير من المتمردين داخل إسرائيل، وقد أثارت هذه القضية ضجة كبيرة داخل الدولة العبرية نفسها، كما أفادت بعض جرائدها أن هذه الشبكة الإسرائيلية ارتبطت بأحد أقطاب تهريب السلاح، وهو الإسرائيلي "عاموس جولان"، جنرال متقاعد من الجيش الإسرائيلي، وأكدت تقارير أخرى أن شركة "شيمون نارو" الإسرائيلية للتصدير والاستيراد هي المسؤولة عن توجيه الأسلحة الفردية والذخيرة الخفيفة إلى الحدود المغربية، سواء في الجنوب أو الشمال، عبر نقط انطلاق تتواجد بالحدود الشمالية المالية والموريتانية.
وحسب مصدرنا بعين المكان، كانت الانطلاقة من السودان، ثم تم إحداث نقط تجميع وتخزين الأسلحة بالصومال، فمالي، فشمال الزويرات حتى أصبح هذا الشريط يشكل مثلثا لتروبج تهريب السلاح: شمال مالي، شمال موريتانيا، تندوف، وأيضا فضاء تجارة السلاح بجنوب الصحراء.
لكن كيف وصل السلاح الإسرائيلي إلى التخوم المغربية ومنها إلى الشمال؟ سعيا وراء كشف مسار وصول السلاح الإسرائيلي إلى المغرب، طلبنا من مصدرنا تزويدنا بمعلومات بهذا الخصوص، قبل الاستماع لمصدرنا وجبت الإشارة إلى أن الأمر يتعلق بمنطقة شاسعة ثلاثية الأضلاع: الحدود الشمالية الموريتانية والحدود الجنوبية الشرقية المغربية الجزائرية، وهي المنطقة المتاخمة للفضاء الذي بدأت القاعدة تهتم به مؤخرا بعد تضييق الخناق عليها في معاقلها التقليدية المعروفة، فكان جوابه كالتالي: إن أغلب الأسلحة الإسرائيلية التي وصلت إلى المغرب (جنوب الصحراء) ومنها إلى الشمال وإلى تندوف، كانت في الأصل مرصودة إلى دارفور بالسودان ومنها وصلت إلى الحدود المغربية الموريتانية والحدود المغربية الجزائرية.
علما أن تلك الأسلحة الإسرائيلية تم تهريبها إلى دارفور عبر الأردن، وقد سبق وأن تمكنت المصالح الأمنية الأردنية من وضع يدها على كميات من الأسلحة الإسرائيلية كانت في طور التهريب إلى دارفور بالسودان، ومن هناك (دارفور) تصل إلى مالي ثم إلى موريتانيا فتندوف وجنوب المغرب وشماله.
كما كشفت التقارير المخابراتية أن القائم على شبكة التهريب إلى إفريقيا عموما، وشمالها على وجه الخصوص، أحد أبناء المدير السابق للمخابرات الإسرائيلية ومستشار "يهود باراك"، ويقوم بهذا النشاط تحت غطاء شركة استيراد وتصدير إسرائيلية تنشط في جملة من البلدان الإفريقية، وهو ما أكده كتاب صدر مؤخرا حول تهريب السلاح إلى إفريقيا، نقلا عن مصادر تابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية، إذ مما جاء فيه أن إسرائيل هي المصدر الرئيسي للسلاح المستعمل في دارفور بالسودان، مع الإشارة أن الأسلحة الإسرائيلية المهربة إلى هناك، مصدرها مصنع الأسلحة الإسرائيلية بتل أبيب الذي يملكه "عاموس جولان".
ومهما يكن من أمر إن ظهور قرائن نشاط الإسرائيليين في تجارة السلاح بجنوب الصحراء، من المفروض أن يبين مدى قدرة الاختراق الكبير الذي يقوم به الإسرائيليون للمنطقة، ولعل أهم هذه القرائن أن السلاح الإسرائيلي المهرب بدأ يصل إلى المغرب أكثر من أي وقت مضى، سواء بالجنوب أو الشمال، وهذه ظاهرة لازالت سائرة نحو التضخم.
+++++++++++++++
الاتجار بالسلاح
تمخض عن الحدود المغربية الجزائرية والحدود المغربية الموريتانية جملة من الأنشطة غير الشرعية، وأخطرها نشط خلال ثلاث سنوات الأخيرة، إنه الاتجار بالسلاح الفردي والذخيرة الخفيفة المهربة، فإلى غاية 2003 كان تهريب هذه الأسلحة شبه منعدم اعتبارا لنذرته، غير أن الوضع تغير مع حلول سنة 2004 موازاة مع الغزو المهول للسلع المهربة سواء من الجزائر أو من سبتة ومليلية، وعلى رأس هذه السلع السجائر المهربة من موريتانيا وعبر الصحراء المغربية برا وبحرا، وقد برزت هذه الظاهرة إلى حد أضحى معه البعض يعلنون قلقهم ليس بخصوص الانعكاسات الاقتصادية فقط وإنما، بالأساس، بخصوص استقرار وأمن البلاد.
وعبر أحد الأشخاص، تمكنا من جمع بعض المعلومات تهم تجار متوارين عن عيون السلطة ينشطون في المنطقة، بين مالي وشمال موريتانيا وتندوف، وتفيد أن أغلب هؤلاء لا علاقة لهم بمافيات تهريب الأسلحة والمتاجرة فيها، وإنما هم في غالبيتهم، مواطنون عاديون يعملون بمهن علانية مختلفة، لكنهم يتاجرون في فترات وظروف معينة، في الأسلحة الفردية والذخيرة الخفيفة.
وحسب أحد هؤلاء، خلال بداية هذه السنة (2007) نشطت تجارة السلاح الفردي والذخيرة الخفيفة في المنطقة الواقعة ضمن مثلث: مالي، شمال موريتانيا – تندوف الذي أضحى ينعت حاليا بفضاء تجار الموت (نسبة لتهريب السلاح وتهريب المهاجرين السريين الذي يلقى الكثير منهم حتفهم قبل الوصول إلى (الفردوس).
هؤلاء يتاجرون في كميات صغيرة من السلاح، غالبا تحت الطلب، لكنها عمليات متكررة ومتعددة، لاسيما بخصوص الأسلحة المهربة من الصومال الذي يشكل حاليا مصدرهم الأساسي.
وقد ساهم توارد الأسلحة من الصومال في تصعيد العرض، الشيء الذي أدى إلى انخفاض غير مسبوق في الأسعار المعتمدة، إلى حد أنه أضحى في مقدور الأشخاص العاديين الحصول على بندقية كلاشينكوف بثمن 600 درهم.
كما أشار وسيط من الطوارق أن الطلب على الأسلحة الفردية والذخيرة الخفيفة في تزايد مستمر بمنطقة جنوب الصحراء، وقد صادف هذا التصاعد في الطلب تكاثر العرض بخصوص مختلف أنواع هذه الأسلحة بما في ذلك الرشاشات المتوسطة.
وحسب العديد من المراقبين، لازالت حدود المغرب "مشرعة" لتمرير الأسلحة المهربة، ولازال أمر التصدي لمنع التهريب (بما في ذلك تهريب السلاح عبر الحدود) صعبا في ظل وجود الكثير من النقط السوداء المفتوحة، وكذلك بفعل تواطؤ بعض المسؤولين الذين قد لا يدرون أن غض الطرف على السلع المهربة (لاسيما السجائر) والتغاضي عن مرور المهاجرين السريين، غالبا ما يخفي بين طياته تهريبا لقطع سلاح فردي وذخيرة خفيفة.
وفي هذا الصدد نسوق جملة من الأمثلة: تهريب المسدسات وذخيرتها مختفية بين التمور أو داخل حاويات وبراميل تهريب البنزين وبعض الأواني المهربة من الجزائر، والسجائر المهربة من الشمال أو الجنوب؛ هذا علاوة على تكليف المهاجرين السريين بحقائب ظهرية لا علم لهم بما تحتويه، وأحيانا كثيرة تكون قطع سلاح خفيفة بعد ما كان الأمر يقتصر على المخدرات.
فهل الدولة على علم بأن السلاح يباع ويشترى على تخوم حدودنا كما تباع السجائر والسيارات المهربة؟ أم أن هذا النشاط في نظرها لا يشكل أي خطر ما دامت أجهزتها الأمنية والمخابراتية حازمة في هذا المجال؟
إنه تساؤل أضحى يطرح بقوة، والداعي إليه هو تساءل آخر أخطر من الأول: لماذا نشط تهريب السلاح الفردي والذخيرة الخفيفة وتصاعد الإقبال عليها في المغرب خلافا للسابق، ولاسيما في السنوات الأخيرة؟ لأي غرض هي مرصودة ومتى سيتم استخدامها، علما أن تهريب السلاح إلى المغرب ظل ظرفيا ومناسباتيا، إذ ارتبط إما بالمقاومة قبل الاستقلال أو بحركات سياسية مناهضة للنظام السياسي القائم، لاسيما على امتداد ستينيات وسبعينيات القرن الماضي أو بعض الأحداث المعزولة (عملية فندق أطلس آسني بمراكش، الهجوم على بعض الأبناك...)؟
+++++++++++++++++
أنواع الأسلحة المهربة إلى المغرب
حسب مصدرنا بإحدى مناطق الساحل، يبدو أن الأسلحة المهربة إلى المغرب والمارة عبره، همت في البداية مسدسات من نوع "براونيك" وبنادق "ماص 36" ورشاشات "سيطا" و"بيريطا" و"فال" و"7/12" و"ماك" و"كلاشينكوف" ومتفجرات "ت ن ت" و"تروتي" و"بانكالو" والقنابل الدفاعية والهجومية والذخيرة الخفيفة؛ ومن أهم أنواع الأسلحة المهربة إلى المغرب أو عبره، بنادق من عيار 36 ملم والبنادق المستعملة عموما من طرف حلف "الناتو".
ومن الأنواع الرائجة مؤخرا، نذكر مسدسات "كلوك" ورشاشات "عوزي" (من صنع إسرائيلي) و"إم 15" و"إم 4" و"إم ب 5" (من صنع أمريكي)، علما أن كلاشينكوف أضحت أكثر قابلية للتهريب بمناطق جنوب الصحراء.
وما أثار انتباه مصدرنا بعين المكان، هو ظاهرة تكاثر الأشخاص الباحثين عن رشاشات "سكوربيون" و"زاكاروف"، وهي بندقيات تستعمل بالأساس لغرض الإصابات الدقيقة. كما أبدى مصدرنا استغرابه من تنامي الطلبات المتزايدة لرشاش" إم" عيار 9 ملم وهي طلبيات كانت نادرة في السابق. علما أن هذا النوع من الرشاش يتوفر على إمكانية إضافة كاتم الصوت، وغالبا ما يتم استعماله من طرف فرق "الكوماندو" في عمليات خاصة وليس للدفاع عن النفس..
ويضيف مصدرنا، من الأسلحة التي أضحت متوفرة بسوق السلاح جنوب الصحراء، لاسيما، ضمن مثلث: الصومال – شمال موريتانيا – تندوف، يمكن ذكر: كلاشنكوف و"إم 16" ومسدسات "ماكاروف" و"توكاريف" (من صنع روسي)، وكذلك مدافع رشاشة مضادة لطائرات الهيليكوبتر والتي يمكن تجزيئها ثم إعادة تركيبها بعد وصولها إلى مقتنيها، وغالبا ما يتم تثبيتها على سيارات "لاندروفر" أو "طويوطا" المستعملة كثيرا من طرف شبكات التهريب في جنوب الصحراء.
++++++++++++++++++
الطوارق
يلعب الطوارق دورا مهما في تهريب السلاح بمناطق جنوب الصحراء وصولا إلى الحدود المغربية الجزائرية والحدود المغربية الموريتانية، لاسيما أعضاء الحركات الطوارقية (الجيش الثوري لتحرير آزواد، الجبهة الشعبية لتحرير آزواد، الحركة الشعبية لتحرير أزواد) التي دخلت بعضها في صراع عدائي مع الجماعة السلفية للدعوة والقتال والأفراد التابعين لتنظيم القاعدة المتواجدين بجنوب الصحراء، علما أن الطوارق تابعون لأكثر من دولة (مالي، موريتانيا، ليبيا، الجزائر) وينقسمون إلى بدو الصحراء وتتمركز غالبيتهم في منطقة "غدامس" بليبيا وبجنوب الجزائر وتونس، وقسم آخر يمثل "طوارق الساحل"، المتمركزين بضواحي تمبكتو عند منعطف نهر النيجر بدولة مالي وموريتانيا.
+++++++++++++++++
التدابير المتخذة
مع الشعور بالخطر الذي أضحت تشكله ظاهرة تهريب الأسلحة الخفيفة اعتمدت الدولة تدابير مستعجلة مع حلول سنة 2007، إذ هيأت مخططا وبرنامجا لتجهيز الحدود المغربية الموريتانية بوسائل تقنية حديثة، مرصودة لمراقبة الحدود وضبط عمليات تهريب الأسلحة وتسرب المشتبه فيهم القادمين من جنوب الصحراء، لاسيما بعد صدور الكثير من التقارير من جهات أوروبية نبهت من خلالها السلطات المغربية لقلقها بخصوص تنامي عمليات تهريب السلاح والبشر عبر الحدود الجنوبية.
وأضحت مثل هذه التدابير إلزامية اعتباار للشروط التي يستوجبها تطبيق مشروع الحكم الذاتي بالصحراء.
ويتضمن المخطط اعتماد التقنيات المستعملة في الحدود الأمريكية المكسيكية، من كاميرات رقمية متطورة وأجهزة إنذار مسبق ترصد عن بعد أي تحرك على امتداد مساحة تحت مراقبتها الدائمة والمستمرة ليل نهار، هذا إضافة إلى تعزيز الموارد البشرية العسكرية المكلفة بمراقبة الحدود المغربية الموريتانية وعبر خلق مراكز أمنية على طول الحدود مدعمة بقوات أمنية رصدت لهذا الغرض؛ وفي هذا الإطار تم تكوين ضباط للإشراف على عملية التنسيق المحكم بين مختلف الأجهزة الأمنية والمخابراتية وإعداد خطة متكاملة لإعادة النظر في المنظومة الأمنية المعتمدة بالأقاليم الصحراوية، لاسيما وأنها تقع قريبة من مناطق تشكو من غياب الاستقرار وهشاشة المراقبة، وهي وضعية أضحت تقلق حتى الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
وفي هذا الإطار أولت الدول الأكثر تقدما أهمية بالغة لظاهرة تهريب السلاح والبشر بإفريقيا والتي تنامت بشكل مهول بفعل سيادة الفقر وانتشار النزاعات المسلحة.
وعموما تسعى السلطات المغربية إلى إحكام القبضة الأمنية على الحدود الجنوبية تحسبا لتطبيق مشروع الحكم الذاتي بالأقاليم الصحراوية.
+++++++++++++++++++++++++++++
على سبيل الخلاصة
لا ندعي أن ما ورد في هذا الملف يمثل اكتشافا مخابراتيا أو سعيا وراء إثارة قلق خصوصا في هذا الظرف بالذات، لأن غايتنا الأولى والأخيرة هي الإشارة إلى مسار تطور سريع لظاهرة قد تكون عواقبها وخيمة، والداعي لهذا التنبيه هو التعتيم والتكتم اللذان يحيطان بهذه الإشكالية كأنها خط أحمر، لاسيما أننا لاحظنا أنه أضحى اليوم من السهل الحصول على مسدس خصوصا إذا كان بحوزة المرء 10 آلاف درهم يقبل دفعها لهذا الغرض، ونتمنى أن نكون مخطئين.
+++++++++++++++++++++
ملحوظة:
لا زالت دار لقمان على حالها
رغبة من أسبوعية "المشعل" في تسليط الضوء بخصوص حيازة السلاح الخفيف، إما لاستعماله في مزاولة الصيد البري أو للدفاع عن النفس وعن الإجراءات الأمنية الاحترازية المرتبطة به والمساطر المتبعة للحصول عليه والشروط الواجب توفيرها، بعثنا فاكسا للسيد والي الأمن بالدار البيضاء للسماح لنا بالتقاء المسؤول القائم على المصلحة ذات الاختصاص، إلا أنه، كما جرت العادة، لم نتوصل بأي جواب، لا بالرفض ولا بالقبول، هذا في وقت راسلنا فيه جهات خارجية حول جملة من المواضيع وقد توصلنا منها جميعا بردود حتى في حالة رفضها لطلبنا.
فمتى ستسود هذه الثقافة ببلادنا؟ أم أن الأمر يستوجب استصدار قانون زجري يلزم الإجابة على أية مراسلة موجهة إلى جهة عمومية مسؤولة، مادامت قد أحدثت أصلا لخدمة دافعي الضرائب التي منها يغترف المسؤولون رواتبهم وامتيازاتهم الوظيفية؟
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
شهادة مغربي يمتلك سلاحا
في حديث هاتفي مع أحد المغاربة يمتلك سلاحا لم يوضح لنا كيف حصل عليه، أكد أن امتلاك سلاح فردي بالنسبة إليه أضحى ضروريا حاليا نظرا لأنه يتنقل كثيرا في أرجاء المغرب وبحوزته مبالغ مالية هامة، وذلك تحسبا لاستعماله عند اللزوم للدفاع عن نفسه والمال الذي بحوزته في وجه أصحاب النفوس الضعيفة الذين لا يخلو منهم مجتمعنا.
وعند مساءلته حول ضرورة حيازة سلاح ناري في مجتمع كالمغرب، يسوده الاستقرار والأمن والنظام، رد علينا قائلا: "أنا أعمل بفحوى الحديث الشريف، إذ قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): "علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل".
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
أبو بكر الأنصاري رئيس المؤتمر الوطني لتحرير آزواد
لا نهرب السلاح لكن الأوضاع تشجع على ذلك
توفرت فرصة الحديث مع رئيس المؤتمر الوطني لتحرير آزواد (الطوارق)، فحاولنا استغلالها لاستفساره بخصوص موقع الطوارق في جغرافية تهريب الأسلحة جنوب الصحراء، لا سيما في المناطق المتاخمة للمغرب، لكن ما أدلى به كان أعظم من إشكالية تهريب السلاح.
ويترأس المؤتمر الوطني لتحرير آزواد حاليا أبو بكر الأنصاري الذي أسسه بعد انسحابه من الجبهة الشعبية لتحرير آزواد سنة 1992، بسبب اتفاقيات السلام المبرمة بين الحكومة المالية وجبهات الطوارق.
عندما طرحنا عليه السؤال بخصوص الاتهامات المتعلقة باستفادة "الطوارق" عموما والحركة التحررية التي يقودها، من الأوضاع غير الطبيعية في المنطقة، كانتشار تجارة السلاح والتهريب والمخدرات والهجرة السرية وتوظيفها لتحقيق جملة من الأهداف، نفى أبو بكر الأنصاري، جملة وتفصيلا، كل هذه الاتهامات واعتبرها مجرد أكاذيب، بالنسبة لعناصر المؤتمر الوطني لتحرير آزواد، لكن دون استبعاد تعاطي بعض الطوارق امتهان تهريب السلاح، لكن بصفة فردية وفي إطار شبكات لا علاقة لها بالحركات السياسية والتحررية للطوارق، لاسيما وأن الوضع الميداني بالمنطقة هو في صالح هؤلاء، في وقت تجتهد فيه الجزائر لتفعيل مواجهات لضرب خصميها (الطوارق والإسلاميين) بعضهم ببعض، سعيا وراء إضعاف الطوارق في حرب استنزافية مع الجماعات السلفية لضرب عصفورين بحجر واحد، أي التخلص منهما في ذات الوقت، مضيفا أن هدف حكام الجزائر العسكريين هو تأجيج الشعوب المغاربية ضد الجماعات السلفية والطوارق، مرة بحجة مواجهتهم من طرف الجماعات الإسلامية "الإرهابية" ومرة أخرى بسبب العلاقة الوطيدة التي أضحت تربط الطوارق بإسرائيل في إطار حلف استراتيجي يسعى إلى إشراك الأمازيغ في تحرير الأراضي السامية الطوارقية المحتلة.
وهذه طامة كبرى تفوق بكثير موضوع تهريب السلاح الذي كان الداعي للاتصال بأبي بكر الأنصاري رئيس المؤتمر الوطني لتحرير آزواد (الطوارق).
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
حمادي الغازي باحث أقام بالجزائر طويلا
++++++++++
إشكالية تهريب السلاح بين المغرب والجزائر ظلت مجرد مزايدة لا تتجاوز الخطوط الحمراء المتوافق عليها.
+++++++++++++++
حمادي الغازي، باحث مغربي مكث 38 سنة بالديار الجزائرية، وكان قريبا من الحكام ومن مختلف التيارات السياسية التي تحكمت في مسار هذا البلد، بدأ مشواره مقاوما في صفوف جيش التحرير الجزائري والمغاربي وظلت روابطه قوية بالمغرب رغم إقامته بالجزائر ما يناهز أربعة عقود.
قبل الإجابة على الأسئلة التي وضعناها عليه استحسن القيام بالتوضيح التالي:
"إن الأسئلة المطروحة دقيقة جدا وذات حساسية كبيرة، وسأتقصر على إبداء وجهة نظري الخاصة، لاسيما وأنه لا علاقة لي بهذا المجال، هذا أولا، وثانيا لأنني كنت ولازلت أسعى دائما لتوحيد المنطقة والابتعاد عن كل ما من شأنه تفريق بلدانها وشعوبها، وذلك منذ أن تعاهدنا في إطار لجنة مغاربية، حضرها بنبلة وميلي الوزير الجزائري السابق، على الاهتمام فقط بما يقرب الشعوب وتجنب كل ما يفرقهم سعيا وراء تجميع الشروط لخلق دينامية تفعيل الفكر الوحدوي، وظل هذا هو منظوري حتى عندما كنت بالجزائر".
++++++++++++
- من المعروف أن تهريب الأسلحة بين المغرب والجزائر كان نشيطا بعد ستينيات القرن الماضي لظروف سياسية إقليمية وعالمية، ما هو دور الحكومات والمسؤولين الرسميين في هذا المجال؟
+ من المعروف أنه في الستينيات سادت ظروف الحرب الباردة، وبالتالي كان كل جانب يسعى جاهدا إلى استقطاب الآخر، والخلاف بين المغرب والجزائر ظل على الدوام خلافا سياسيا، لأن الاستعمار قبل رحيله ترك أناسا أوكلهم تكريس سياسة التفرقة، وبالتالي فهم بدورهم دأبوا على خلق التفرقة بين شعوب المنطقة لتحطيم إرادتها، لاسيما تلك المتعلقة بوحدتها.
فأنا عشت طويلا بالجزائر وأعرف جيدا عقلية المسؤولين والحكام الجزائريين، فالشعب الجزائري يحب المغاربة وليس لديه أي مشكل مع نظرائه المغاربة، لقد زرت الجزائر من أدناها إلى أقصها وأعلم جيدا ما أقول، فالمشكل هو في حقيقة الأمر مع الحكام والسياسيين الجزائريين، الذين هم في أغلبهم نفذوا تعليمات الجنرال دوغول الذي قال للجزائريين المجندين في صفوف الجيش الفرنسي: "من يريد حكم الجزائر منكم عليه الالتحاق رفقة سلاحه بجيش التحرير الجزائري"، وبالتالي هؤلاء هم الذين يحكمون الجزائر الآن، أي العسكريين الذين ظلوا مرتبطين بفرنسا، وهذه هي الحقيقة.
وهؤلاء لازالت تعقدهم حقيقة أن المغرب ذو حضارة وعمق تاريخي ويحظى باستمرارية على امتداد التاريخ كدولة، وظل تأثير هذا كبير جدا في نفوسهم، وبالتالي لا يرون في المنطقة إلا قوة رائدة واحدة وهي الجزائر بأية وسيلة من الوسائل، وفي هذا الإطار سبق لي أن سئلت: من ترى أنه في إمكانه قيادة الأمة العربية؟ فكان جوابي: "إذا لم تكن مصر فهناك دولتان في العالم العربي للقيام بهذه المهمة، إما المغرب وإما سوريا"، لكن هذا الرأي لم يعجب الجزائريين، وقلت لهم أن القضية ليست قضية أشخاص أو إمكانيات مادية، وإنما مسألة حضارية وتاريخية، فالمغرب له عمق تاريخي وتراث حضاري.. وكذلك سوريا.
في هذا الإطار العام تدخل قضية تهريب السلاح التي ارتبطت بشريحة من المغاربة الذين لجأوا إلى الجزائر، آنذاك ما وقع بين الجزائر والمغرب دفع إلى استغلال أناس أو أن هؤلاء أرادوا أن يُستغلوا، وفي هذه الفترة تكاثرت نوازل تهريب السلاح إلى المغرب بهدف خلق البلبلة والقلاقل بجميع الوسائل، ما دام هدف الجزائريين كان دائما هو زعزعة أركان الحكم بالمغرب. كان الصراع حول من سيمتلك القوة، وكل عمليات تهريب السلاح آنذاك كانت مجرد مزايدات لأن الخطوط الحمراء، التي لا يجب تجاوزها كانت معلومة من طرف الجهتين (المغرب والجزائر)، وكان الجميع يعلم في الجزائر أن الجنرال محمد أوفقير كان يزور كثيرا هذا البلد وكذلك الشأن بالنسبة لقصدي مرباح الذي يتوجه كثيرا إلى المغرب، وبالتالي كان تهريب السلاح في الاتجاهين (من الجزائر نحو المغرب، ومن المغرب إلى الجزائر) وكان يقوم على هذا التهريب مخابرات البلدين.
فكل بلد كان يحاول اختراق الآخر، وفي اعتقادي واعتبارا لمعاينتي عن قرب لا سيما من الجزائر، أن المغرب كان مخترقا أكثر، من طرف الجزائر، فهم مطلعون على الصغيرة والكبيرة بالمغرب، وبالتالي كان من السهولة عليهم تسريب الأسلحة إلى المغرب انطلاقا من الجزائر، لكن في نظري، المغاربة بصفة عامة يمتلكون نوعا من الحصانة.
- ما هي الجهات التي كانت تولي أهمية لتهريب الأسلحة، وهل مازالت تهتم بهذا المجال؟
+ بكلمة واحدة هذه الجهات هي جهات مخابراتية من كلا الجانبين.
- هل تلعب البوليساريو أي دور في هذا الشأن؟
+ إن قضية البوليساريو مسألة أخرى، فالمغاربة هم الذين دفعوا إلى خلق البوليساريو، وفي هذا الصدد يجب أن نكون صرحاء في التعاطي مع تاريخنا، البوليساريو توجهوا إلى الجزائر فلم تقبلهم ثم لجأوا إلى ليبيا التي لم تمنحهم أية قيمة، لكن من ردهم إلى الجزائر؟ إنه المرحوم الفقيه البصري.
وأنا أعرف جميع المسؤولين الحاليين في البوليساريو، ومؤسسوه صرحوا لي نحن مغاربة وقد قصدنا جملة من المسؤولين، ولا داعي لذكر الأسماء، وفي الأخير قال لهم مسؤول كبير: "نحن لا يمكن أن نسيء لعلاقاتنا مع إسبانيا من أجل مجموعة من الرعاة"، وهذا كلام مصطفى الوالي، آنذاك التقيت الكثير من الصحراويين حتى رؤساء القبائل وكانوا جميعا يؤكدون لي أنهم مغاربة، ومع مرور الزمن أضحى البوليساريو بين كماشتين.
- لكن هل كان للبوليساريو يد في تهريب السلاح؟ وهل تظنون أن البوليساريو بإمكانها تسليح عناصرها بالمغرب؟
+ أولا يجب معرفة أن البوليساريو، مع الأسف الشديد، يعرف كل صغيرة وكبيرة عن المغرب، فما يجب علمه علم اليقين هو أن البوليساريو يسعى للقيام بأكثر من ذلك لو توفرت له الفرصة.
وبالتالي على المغاربة أن يكونوا يقظين ومستعدين لجميع الاحتمالات، لماذا؟ لأنه بكل بساطة، قد أصبح بعض الناس بين عشية وضحاها زعماء وبحوزتهم أموال ولديهم مصالح لم يكونوا يحلمون بها، فكيف تريدهم أن يقبلوا بشيء آخر؟
- هل للتيارات الإسلامية المتطرفة بالجزائر اهتمام بتسريب السلاح بين البلدين الجارتين؟
+ لا يخفى على أحد أن هناك تنسيق بينهم، على المستوى المغاربي وخارجه.
وبالتالي وبطبيعة الحال فإن أية إيديولوجية تشعر بأنها محاصرة وإلا فإنها ستلتجأ إلى جهات أخرى، وفي هذا الإطار يدخل التعاون والتواصل الذي تشيرون إليه، وهذا أمر مفروغ منه ووجب أن نكون مستعدين له ليس اليوم، بل منذ الأمس، لاسيما وأنه سبق لإسلاميين المغاربة أن تدربوا بتندوف، وهذا لا يخفى على أحد.
- اعتبارا لمعايشة ظروف الحياة في الجزائر والمغرب، ما هو مدى انتشار السلاح بين المدنيين في البلدين؟
+ هناك حقيقة يجب الإقرار بها وهي أن الشعب الجزائري كله مسلح، فالجزائريون ظلوا يمتلكون سلاحا، وكل واحد له سلاحه في الخفاء، هذا خلافا للمغرب الذي لا يعرف هذه الظاهرة، أما بالجزائر بعد الثورة فلم يتم نزع السلاح من المدنيين، بل أضحى قضية عادية وهو موجود بكثرة بين المدنيين.
- في نظركم هل تهريب وتسريب السلاح لازال قائما حاليا بين المغرب والجزائر؟
+ صراحة لا يمكنني أن أجيب عن دراية على هذا السؤال لأنني غادرت الجزائر منذ أربع سنوات، ولكن أعتقد، إلى حد كبير أن المغرب يمتلك نوعا خاصا من الحماية والمناعة، والمغاربة لا يهتمون بقضية السلاح في نفس الاتجاه الذي سار فيه الجزائريون.
- هل تعتبرون أن إشكالية تهريب السلاح بين البلدين ستظل قائمة ارتباطا بتداعيات ملف الصحراء؟
+ في واقع الأمر مشكل الصحراء يشكل قضية خطيرة، وإنني أعتقد أن المغاربة قد أخطأوا كثيرا بخصوص هذه القضية، ولعل مشروع الملك بهذا الخصوص من شأنه أن يزيح العديد من القضايا المنغصة، لكن على المغاربة أن يعلموا أن القادة الحاليين للبوليساريو مستعدون لأي شيء ما داموا حريصين على عدم تضييع جملة من المصالح التي لم يسبق أن حلموا بها.
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
شهادة من أهل "الحرفة"
++++++
الأسلحة لا تباع على مستوى الداخل للمهربين فقط إنما كذلك لبعض رجال الأعمال وأرباب الشركات
+++++++++
في محاولة من "المشعل" لاكتشاف بعض مسارات بيع الأسلحة المهربة، توجهنا إلى بعض مدن الشمال، وبعد محاولات متكررة مع عدد من باعة الحشيش بالتقسيط، وأمام إصرارنا وتعبيرنا على حسن نوايانا لأحد الباعة من أبناء المنطقة، طلب منا هذا الأخير رقم هاتفنا المحمول، ومن خلاله اتصل بنا أحد الأشخاص، الذي تتبع، حسب قوله، معظم تحركاتنا، فقابلنا حيث كنا خمسة دقائق بعد اتصاله، وقال أنه قد يساعدنا قدر المستطاع فيما نبحث عنه شريطة أن نرحل مباشرة بعد ذلك، دون أن يجيبنا عن أسبابا ضرورة الرحيل الفوري، وبعد موافقتنا وافانا بشهادته، حيث ربط تجارة الأسلحة بالمهاجرين والمهربين شمال المغرب، وبتجارة البنزين شرقه.
++++++++++++++
- ماذا تعرف عن تجارة الأسلحة غير المرخصة بالمغرب؟
+ هناك بعض المهاجرين المغاربة، عند عودتهم في العطلة الصيفية بالخصوص، وبالنظر إلى أن الازدحام في هذه الفترة يسهل عليهم تمرير أشياء كثيرة، يسربون معهم بعض المسدسات، وغالبا ما يكون هؤلاء المهاجرين ينتمون إلى شبكات أو عصابات بأوروبا وعلى معرفة ببعض المهربين المغاربة، حيث يحملون معهم مسدسات يشترونها من السوق السوداء بالمهجر، تحديدا مدينة "دوزلد ورف" و"أخن" بألمانيا، أو "تريخت" و"أرنهم" بهولندا، "بريكسيل" ببلجيكا، "ليل"، ليون" و"باريس" في فرنسا، هذه كلها مدن معروفة ببيع الأسلحة في السوق السوداء. فمثلا عندما تتجول أحياء "باربيس" أو "بيكال" في باريس وتسأل عن مسدس في السوق السوداء فكأنك تسأل على قنينة خمر في المغرب.
فهناك ثلاث حالات: الحالة الأولى، تتعلق بالمهاجرين المغاربة المرتبطين بشبكات وعصابات في أوروبا، والذين يحملون السلاح عند عودتهم للمغرب من باب الحماية، الحالة الثانية المهاجرون الذين يجدون في ذلك تجارة مربحة، فيكونون على معرفة ببعض مهربي المخدرات ومن ثمة يدخلون المسدسات ويبيعونها لهؤلاء المهربين بأثمنة جد مناسبة، الحالة الثالثة، هم المهاجرون الذين يسربون السلاح تحت الطلب، بمعنى أنهم يهربون السلاح كلما كان هناك طلب، وأهم زبناء هذه العينة يتواجدون في نواحي الناظور، تزنيت وأكادير.
- هل هناك أناس متخصصون فقط في الاتجار بالأسلحة؟
+ تهريب المخدرات دائما مرتبط بالأسلحة، سواء كان تهريبها إلى خارج المغرب أو داخله. والتهريب الداخلي للمخدرات، ساهم في إنعاش سوق الأسلحة، حيث أصبح نقل المخدرات بين مدينة وأخرى غالبا ما يكون مصحوبا بنقل قطع من الأسلحة، هذه الأخيرة لا تباع في الداخل للمهربين فقط، إنما كذلك لبعض رجال الأعمال وأرباب الشركات، إضافة إلى تجار في مجالات مختلفة، هؤلاء الزبناء يتوفرون عموما، على أسلحة قانونية ومرخصة، لكن تلك الأسلحة القانونية، تستعمل للحماية وفي ظروف جد محددة، أما الأسلحة الأخرى، فتستعمل في ظروف أخرى كثيرة، خصوصا تصفية بعض الحسابات أو التخلص من بعض الأشخاص الذين قد يشكلون خطرا ما عليهم.
بالنسبة للجهة الشرقية على الحدود الجزائرية، خصوصا طريق السعيدية، أحفير، جوج بغال (ببني درار) وطريق مغنية، هذه المناطق خبرت تهريب الأسلحة منذ مدة طويلة، الآن تتكدس الأسلحة بمدينة مغنية الجزائرية وعين ترك القريبة من وهران، ويقوم المعنيون باقتنائها بالسفر من مدينة وجدة، عبر سيارة الأجرة من النوع الكبير، إلى مغنية دون التأشيرة على الجواز، حيث أن الأمن المغربي والجزائري المتواجد على الحدود معروفين بالارتشاء لتسهيل عملية مرور الأشخاص، هناك – بمغنية – يمكن لأي كان أن يتقدم لأي من تجار البنزين، لطلب اقتناء أسلحة، هؤلاء التجار هم سماسر بالنسبة لتجار السلاح، حيث يقيمون الشخص الراغب في أسلحة بأحد الفنادق لمدة يوم أو يومين، بعد ذلك ينقلون الشخص إلى مكان ما، فيعاين الأسلحة ويختار منها ما شاء، على أساس أن يتكلف هؤلاء الأشخاص بأنفسهم بنقلها عن طريق الجبال والمسالك الوعرة إلى داخل المغرب، هذه الطريقة لا توجد فقط في نواحي مدينة وجدة، بل توجد كذلك بنواحي فكيك بني ونيس، أولاد بن دودة (ووهم رحل)، عين صفرة وبشار إلى حدود تندوف.
- كيف يمكن الحصول على سلاح في المغرب؟
+ هذه مسألة مرتبطة بعنصر الثقة، لابد من معرفة أحد يكون وسيطا لدى شخص آخر، وبشكل عام، في شمال المغرب لابد من نسج علاقة ثقة مع المهربين، سواء المتخصصين في الهجرة السرية، المخدرات أو السجائر، أما على الحدود المغربية الجزائرية، من منطقة السعيدية إلى مدينة وجدة مرورا بتندرارة إلى حدود فكيك، ففي هذه المنطقة تبرم العلاقة مع تجار البنزين، فإن نسجت هذه العلاقة على أساس اقتناء البنزين لمدة معينة، بعد ذلك بمجرد ما تطلب الأسلحة يمكن إحضارها لك بسهولة، وهذا الموضوع ليس غريبا بالنسبة لتجار البنزين هناك، فصعوبة التضاريس وقلة المراقبة تجعل هذا الأمر أسهل ما يمكن بالنسبة لتجار الربح السريع، أضف إلى ذلك أن تجار السلاح، في الجزائر يفضلون التعامل مع المغاربة مقارنة بالجزائريين، لأنهم يجدون ذلك أكثر أمنا بالنسبة لهم.
- أنت ملم بكثير من الأمور بخصوص تهريب الأسلحة، فهل كان لك احتكاك بمهربي السلاح والمتاجرين فيه؟
+ هذه المسائل معروفة لذا كل الذين اشتغلوا في نشاطات معينة في الشمال والشمال الشرقي بالمغرب، وكنت في ظروف معينة على وشك دخول شبكة ما لأجل العمل كباقي خلق الله، فلما عاينت بعض الأمور، اقتنعت أن ذلك صعب وقد يوصلني إلى مخاطرة كبيرة، فقررت الابتعاد.
- هل سبق لك أن تعاملت مع تجار أسلحة أو شاركت في ذلك؟
+ لو أردت امتهان تجارة الأسلحة، لكان ذلك أسهل شيء يمكنني القيام به، تلك التجارة ليست من النوع الذي أفضل، ولا أفكر في ولوج دهاليزها، لكن إن شئت ففي رمشة عين يمكنني إحضار ما أريد من أسلحة لأنني على علم بدروب هذا النشاط، لا أتمنى أن أكون واحدا ممن يؤزمون الوضع ويهددون الاستقرار في المغرب.
- إن كانت تجارة السلاح مربحة، فلماذا لم يتم تخلي بعضهم على تجارة المخدرات والاختصاص في تجارة السلاح؟
+ لحد الآن، تجار المخدرات وبعض رجال الأعمال والتجار في ميادين معروفة بـ "الخواض" أو المنافسة غير الشريفة هم الذين يتسلحون، لأن طبيعة هذه الأنشطة تقتضي منهم التسلح لأجل الحماية وتصفية الحسابات.
وبالتالي الطلب على الأسلحة يكون في مناسبات محدودة وظرفيات خاصة، في حين أن الطلب على المخدرات مستمر دائما وبكميات مهمة، بمعنى آخر تجارة المخدرات مضمونة على طول السنة وعقوبتها أقل، أما السلاح فيطلب من حين لآخر وعقوبته أشد، وعلى العموم يتاجر مهربو المخدرات في السلاح كلما أتيحت لهم فرصة لذلك، أو كان لهم طلب على ذلك.
- كيف تتم عملية شراء الأسلحة؟ هل تمنح للراغب في شرائه تجريبه والتفاوض حول الثمن أم أن هناك قواعد خاصة؟
+ هذا بحسب الظروف وبحسب نوع السلاح الذي تريد، فالأسلحة القديمة مثلا تسلم في الحين مقابل المبلغ الذي يتم الاتفاق عليه مسبقا، أما الأسلحة الجديدة فيمكن معاينتها في علبها أولا.
- هناك أسلحة قديمة وأخرى جديدة؟
+ بالفعل، هناك أسلحة جديدة تأتي في علبها، وهناك كذلك أسلحة مستعملة وثمنها لا يتعدى 600 درهم بخصوص المسدسات بحيث تكون قد استعملت في جرائم ما في أوروبا قبل إعادة بيعها في المغرب.
وعموما، تسلم سبعة رصاصات مع السلاح القديم، و45 مع السلاح الجديد، يصل ثمن المسدسات الجديدة إضافة إلى كاتم الصوت إلى 25 ألف درهم، ويتغير هذا الثمن حسب نوع المسدس وظروف شرائه.
- هل يتم تجريب السلاح قبل شرائه؟
+ يمكن تجريب السلاح حيث بإمكان البائع توفير المكان المناسب لذلك، وغالبا ما يتم التجريب باستعمال كاتم الصوت تفاديا لإثارة الانتباه.
- كيف يتم التسليم والدفع؟
+ لا يتم الدفع قبل معاينة السلاح، والثمن قد يختلف بظروف التسليم، فمثلا إذا طلب الشخص أن يتسلم السلاح بمدينة معينة، تحتسب مصاريف النقل فيرتفع السعر قليلا، ويمكن تسليم السلاح في أية مدينة مغربية سواء الدار البيضاء، الرباط أو أكادير وغيرها.
- هل يتم شراء الأسلحة دائما تحت الطلب أم أنه متوفر ويمكن اقتناءه في أية لحظة؟
+ القاعدة هي الشراء تحت الطلب، بمعنى أن الإنسان وإن كان يعرف البائع لابد له من انتظار أسبوع على الأقل، لأن لا أحد يحضر الأسلحة ويحتفظ بها إلى حين بيعها، فبمجرد إحضار السلاح لابد أن يستلمه صاحبه (المشتري)، لكن أحيانا تروج بعض الأسلحة ويمكن للمشتري، إذا كان النوع يناسبه، يتم اقتناؤها في الحين، وإلا وجب انتظار النوع المطلوب مدة أسبوع إلى عشرة أيام.
تحضر الأسلحة بسرعة في الفترة الممتدة بين 15 مارس و15 أكتوبر، لأن خلال هذه الفترة يعرف البحر نوع من الهدوء، فيمكن للزودياك الدخول إلى المياه الدولية في أية لحظة، حيث يتم التبادل مع البواخر وقوارب الصيد؛ خارج هذه الفترة يهيج البحر وبالتالي يتوقف الزودياك عن العمل.
- هل هذا يعني أن الزودياك هو أهم وسيلة لتهريب السلاح؟
+ الزودياك يستعمل لتهريب المخدرات، السجائر وكذا البشر (الهجرة السرية) وبمناسبة هذه الأنشطة يتم كذلك تهريب السلاح، فإذا كان ثمن الزودياك يتراوح بين 120 ألف و150 ألف درهم، إضافة إلى المحركات، ففي رحلة واحدة لابد على الأقل من إدخال قيمة هذه المصاريف، زيادة على بعض الربح، فسواء تعلق الأمر بالهجرة السرية أو تهريب المخدرات، وفي حالة عدم تحميل أية بضاعة من الضفة الآخر، يتم التخلي عن الزودياك هناك، وأحيانا يتم تحميل بضائع من إسبانيا خصوصا السلع المهربة، والتي قد تتضمن أحيانا بعض الأسلحة.
- هل هناك لغة خاصة بالسلاح أم أنه يسمى باسمه؟
+ "الفروج" (الديك) هو مرادف المسدس في أوساط المتعاملين بالأسلحة في منطقة الشمال، فعندما تسمع كلمة "فروج ترنكيل" فهذا يعني مسدس بكاتم الصوت، وتستعمل كذلك علامات أخرى لتحديد نوع الأسلحة، فإعطاء أي عنوان مثلا قد يتضمن رقم 9، الرقم غالبا ما يكون يعني المسدس من نوع mm9، وتستعمل هذه المصطلحات في معظم الحالات عند القيام باتصالات هاتفية، والحديث عن "المنجل" يعني لكلاشينكوف.
- ما هو الفرق بين المسدس من عيار mm7.65 وmm9؟
+ المسدس من عيار mm9 يطلق على مسافة أبعد وبقوة أكبر بالمقارنة مع المسدس من عيار mm7.65، وكل يقتني السلاح الذي يناسبه، والفلاحون يفضلون البنادق من نوع "الخماسية".
- هل تروج هذه النبادق بنفس الطريقة؟
+ "الخماسية" نوع من البنادق التقليدية والتي تحمل خمسة رصاصات، استعملت هذه البنادق في حرب الريف ولا زال الإسبان يبيعونها للمهربين في شمال المغرب، حيث يفضلها مزارعو الحشيش وحراس نقل المخدرات.
- ألا تعرف مناطق الشمال حملات من حين للآخر ضد تجار السلاح؟
+ لحد الآن كل الحملات التي شهدها الشمال كانت لمحاربة المخدرات، وغالبا ما تتجه الحملات إلى أماكن معروفة بمخازن المخدرات، ولا يخزن السلاح مع المخدرات حيث تكون الأسلحة على بعد 400 إلى 500 متر من المخدرات وهذه قاعدة معروفة كذلك، ولا يتم استخراج تلك الأسلحة إلى في حالة نشوب صراعات بين المافيات أو عند نقل المخدرات لتهريبها وشحنها.



#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حصيلة المفارقات
- الإسلام السياسي مشروع أثبت فشله بالمغرب
- - غادي نكتب للملك تا يخافوا ما يحشموا-
- لازلنا في حاجة ماسة لثقافة الشباب
- استحقاقات 2007 قادمة
- الملك محمد السادس والإشاعة
- أتمنى أن أكون مخطئا!
- الصحافة الحزبية و انتخابات 2007 بالمغرب - حوار مع إدريس ولد ...
- ثقافة قول -لا- عند اللزوم
- لا مواطنة مع الإقصاء والتهميش
- هل يصرح الملك بممتلكاته ليكون قدوة للآخرين؟
- كيف يتحكم الجنرالات في السياسة بالمغرب؟
- جودة التعليم والسكن اللائق حلمان أجهضا منذ سنوات
- الجدال حول -لا إنسانية- عقوبة الإعدام لم ينضج بعد
- القضية رقم 502/2006 لماذا لم يجرد بيريتز من جنسيته المغربية؟
- مفهوم العمل التطوعي بالمغرب
- الشبابقراطية ضرورة تاريخية
- حل قضية الصحراء لازال بعيدا والخوف كل الخوف من تدخل أمريكي ب ...
- الأيدز بالمغرب إلى أين؟
- جولة سريعة في كتاب -ضباط جلالة الملك-


المزيد.....




- ترامب: جامعة كولومبيا ارتكبت -خطأ فادحا- بإلغاء حضور الفصول ...
- عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف منفذي هجمات سيبرانية
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...
- رئيس الوزراء الفلسطيني يعلن حزمة إصلاحات جديدة
- الاحتلال يقتحم مناطق بالضفة ويشتبك مع فلسطينيين بالخليل
- تصاعد الاحتجاجات بجامعات أميركية للمطالبة بوقف العدوان على غ ...
- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إدريس ولد القابلة - تهريب السلاح بالمغرب