أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - إدريس ولد القابلة - كيف يتحكم الجنرالات في السياسة بالمغرب؟















المزيد.....



كيف يتحكم الجنرالات في السياسة بالمغرب؟


إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)


الحوار المتمدن-العدد: 1778 - 2006 / 12 / 28 - 13:00
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


"على الجيش أن يكون ذراع الأمة وليس رأسها"
- بيو بروخا – 1913
-
"إذا كنت أود أن أقدم لكم نصيحة، فهي أن تبتعدوا عن السياسة وأن تهتموا بجمع الأموال".
- خطاب الملك الراحل الحسن الثاني في إحدى الحاميات العسكرية بالرباط – 1972

لأهمية العسكر بالمغرب، سواء في الظاهر أو الباطن، خصصت "المشعل" ملف هذا العدد لإشكالية علاقة الجيش بدواليب الحكم والسياسة وصناعة القرار وتوجيه الاختيارات الكبرى المعتمدة، وذلك لمحاولة إعادة إبرازها من خلال واجهة السؤال السياسي، بعد أن سقطت "قدسية" المؤسسة العسكرية ولم تعد ذلك الفضاء الفاعل في الظل الذي يهاب المغاربة مجرد التفكير في الاقتراب من دائرته وبالأحرى كشف أسراره وتقييم ثقله في منظومة السلطة بالمغرب.
+++++++++++++++++
على سبيل البدء
إن موضوع ملف هذا العدد يثير الكثير من الرهانات وجزءا هاما من المجازفة، اعتبارا لشح المعلومات وندرة المعطيات الخاصة بدور المؤسسة العسكرية في الأوضاع السوسيو اقتصادية للبلاد، والتي من المفروض أنها عنصر من عناصر إعادة هيكلة السلطة.
فكلما ذكرت جملة من القضايا إلا واستحضر الذهن الجيش.. قضية الصحراء واستكمال الوحدة الترابية، الهجرة السرية، الحفاظ على الأمن، حماية الحدود...
لا يخامر المرء أدنى شك أن التطرق لمثل هذه المواضيع الشائكة تعتبر مجازفة كبيرة، إذ علاوة على الصعوبات والمثبطات التي تعترض طريق من تناولها، كانت المؤسسة العسكرية بالأمس القريب جدا، ولازالت في جملة من الجوانب، سرا من أسرار الدولة و"سر دفاع".
للوهلة الأولى يبدو الجيش كآلية من آليات ممارسة القوة لضمان استمرارية النظام والاستقرار بالبلاد، وكقلعة يحرم الاقتراب منها، لاسيما وأن المؤسسة العسكرية شكلت إحدى الطابوهات، فتارة تقدم كأنها تمثل تهديدا للنظام وتارة كمصدر لقوته وضمان استمراريته.
وعلى امتداد أكثر من ثلاثة عقود بنى الملك الراحل الحسن الثاني مؤسسة الجيش وكرس نوعا من التنافر (كاد أن يتخذ شكل العداء أحيانا) بين الداخلية والمؤسسة العسكرية، اعتبارا لأنه أرادها أن تشكل قوة خاصة فوق كل القوات، وزادت قوتها أكثر بفعل مساهمة نخبة من الجنرالات في التأثير المباشر والقوي على دواليب وسيرورة صناعة القرارات وتوجيه الاختيارات المعتمدة، هذا بالرغم من أن الجيش ظل يبدو كأنه بعيد عن الصراعات المجتمعية المختلفة، أو يروج له على أنه كذلك.
ولعل أهم منعطف في تاريخ المؤسسة العسكرية تمثل في قرار الملك الراحل الحسن الثاني الإشراف بنفسه على القوات المسلحة الملكية وإلحاقها مباشرة بالمؤسسة الملكية، وألغى وزارة الدفاع ومنصب وزير الدفاع بعد خيانة الجنرال محمد أفقير له، وهو آخر وزير دفاع عرفه المغرب، ومنذئذ ظل الجيش حاضرا بقوة وفاعلا بامتياز، سواء كمؤسسة أو كنخبة من الجنرالات ظلوا يساهمون في الكواليس ومن وراء الستار، في صناعة القرار السياسي وتوجيه الاختيارات المعتمدة.
فهل المؤسسة العسكرية قوية لدرجة أنها حاضرة في كل القضايا الهامة والحساسة؟ وهل تَحمُّل بعض العسكريين مهام مدنية جسيمة هو أمر عاد أم أنه نتاج لهذه القوة، أم أن الأمر مرتبط بالكفاءة والدراية المتوفرة لهؤلاء؟ وهل جنرالات المغرب يساهمون في الحكم وفي صناعة القرار وتوجيه الاختيارات الكبرى؟ وهل يمكنهم الضغط على الملك؟
++++++++++++++++++
هل الجنرالات يحكمون بالمغرب؟
هل للجنرالات سلطة بالمغرب، وهل يساهمون في صناعة القرار وتوجيه الاختيارات الكبرى المعتمدة؟ وهل القوة التي يستمدونها من قوة المؤسسة التي يقبضون على زمام أمورها بيد من حديد، تجعلهم في موقع يمكنهم من الضغط على القصر وعلى الملك؟
هذه أسئلة ظلت قائمة، وبالأمس لم يكن مسموحا التفكير فيها، بالأحرى طرحها ومحاولة تجميع عناصر الإجابة عليها.
مما لا شك فيه أن هناك نخبة عسكرية مشكلة من الجنرالات والضباط السامين، لكن هناك أيضا نخبة النخبة العسكرية التي تساهم في حكم المغرب عن قرب وفي الخفاء، لكن الشعب المغربي، في عمومه، لا يعرف هؤلاء العسكريين ذوي القوة والنفوذ اللذان يمكنانهما من المساهمة في دواليب الحكم من وراء الستار.
نعرف الوزراء والمسؤولين السياسيين، لكن لا نعرف هؤلاء العسكريين الذين ظلوا محاطين بسرية، تكاد تكون مطلقة رغم ظهور بصماتهم في صناعة القرار وبلورة الاختيارات الكبرى المعتمدة.
فمن الأكيد أنهم يؤثرون بقوة في هذا المجال، إلا أن تأثيرهم غير مرئي وغالبا ما يكون بشكل غير مباشر وعبر استشارات وضغوط أحيانا، في الخفاء.
فهم يوجهون القرارات ويؤثرون في التوجهات، لكنهم يتركون تصريف الأمور للسياسيين، وزراء منهم وبرلمانيين وموظفين سامين أو لهيئات موازية، علما أن المكلفين بهذا التصريف يتغيرون، أما هم فلا تستطيع أي جهة تحريكهم من مواقعهم، ما عدا القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية. فنخبة النخبة العسكرية تظل في مناصبها لمدة طويلة، هذه هي القاعدة إلى حد الآن بالمغرب؛ وهذا البقاء، طويل الأمد، مكن عناصرها من تقوية مواقعهم التي تزداد قوة مع مرور الزمن، ويتسع نفوذهم بفعل إشرافهم المباشر على التحركات الرسمية للملك وتحكمهم في جملة من القطاعات، منها الاقتصادي (مصالح الجنرالات في النسيج الاقتصادي الوطني)، ومنها الاجتماعي (اضطلاعهم بمسؤوليات ومهام اجتماعية كبرى) ومنها الرياضي (حالة الجنرال حسني بنسليمان وبعض أعوانه غنية عن التعريف في هذا المضمار).
وإلى حدود بضعة شهور خلت، كان ثلاثي يشكل عصب نخبة النخبة العسكرية المُوجِهة لصناعة القرار والاختيارات العامة المعتمدة: الجنرالات حسني بنسليمان وعبد العزيز بناني وحميدو لعنيكري، لكن سقط الثالث، وظل الأول والثاني يعكسان ويجسدان قوة نفوذ المؤسسة العسكرية ودورها في صناعة القرار والمساهمة في السلطة من وراء الستار. علما أن الأول ظل اسمه حاضرا على الدوام في كل اللوائح السوداء للمنظمات الحقوقية، والثاني أشارت إليه الأصابع بخصوص مسؤوليته في استشراء الفساد والرشوة والمحسوبية والزبونية بصفوف الجيش.
وظل الموقع الذي يحتلانه، وبمعية عناصر أخرى من نخبة النخبة العسكرية، يجعلهم، في ظل سيادة "القدسية" التي كانت تحظى بها المؤسسة العسكرية، والمستمدة من ارتباطها رأسا بالملك، بمنأى عن الانتقاد والمساءلة والمحاسبة.
فنخبة النخبة العسكرية تشكلت من الجنرالات منذ مرحلة تأسيس القوات المسلحة الملكية، فخلال هذه المرحلة برز الجنرالات عبد الحفيظ العلوي وحمو الكتاني وإدريس بن عمر ومحمد بنعيسى، وكلهم كانوا يساهمون في صناعة القرار، وأغلبهم اضطلع بمسؤوليات سياسية علاوة على موقعهم العسكري فازدادوا قوة وعلى قوة، وبالتالي تضاعف تأثيرهم في توجيه القرار والاختيارات المعتمدة، وفي الستينيات برز الجنرالات لوباريس وأشهبار وعبد الحق القادري وعروب وأوفقير والمذبوح وحسني بنسليمان وجملة من الجنرالات الذين أُعدِموا بعد المحاولة الانقلابية الأولى الفاشلة.
وخلال حرب الصحراء، جاء دور الجنرالات أحمد الدليمي وبوطالب والتريكي والزياني وعبد العزيز بناني.
كل هؤلاء إما توفوا أو أحيلوا على التقاعد ولم يعد لهم أي تأثير واضح، ما عدا اثنين وهما حسني بنسليمان وعبد العزيز بناني.
ولحق بهما، في فجر العهد الجديد، الجنرال حميدو لعنيكري الذي آل مشواره إلى الانحدار غير المنتظر، بعد أن كان من المساهمين في صناعة القرار وتوجيه الاختيارات الكبرى، منذ أن بدأ على رأس الديسطي ثم الأمن الوطني، وكذلك الأمر بالنسبة للجنرال الحريشي عندما كان على رأس المخابرات العسكرية، وقبله الجنرال بلبشير.
إن الجنرال حسني بنسليمان يُعد، بشهادة الجميع، الأقوى ضمن نخبة النخبة العسكرية، من حيث السلطة والنفوذ والتأثير، وهو من الذين عايشوا عهود ثلاثة ملوك وخبر المسؤوليات العسكرية والمدنية (مندوب سامي للشباب والرياضة، وزير البريد، مدير الأمن الوطني)، كما دعمه أفقير ليعين عاملا على إقليم الغرب (القنيطرة) أسبوعا، بعد الانقلاب الفاشل الأول، وقد قيل إن الجنرال أوفقير، الذي كان يزور القنيطرة تقريبا يوميا آنذاك، أراد أن يكون بنسليمان نصب عينيه وتحت مراقبته؛ وبعد الانقلاب الثاني كلفه الملك الراحل الحسن الثاني بتطوير الدرك الملكي وتأهيله لمراقبة الجيش، ومكنه من جميع الإمكانيات المادية والبشرية والسلطات الكافية للقيام بذلك، مما قوى نفوذه ووسع سلطانه.
لكن حسب جملة من الإشارات الصادرة مؤخرا من جهات عارفة بالأمور ومطلعة عليها أن الجنرال حسني بنسليمان سيحال على التقاعد عما قريب، ولربما بعد عيد الأضحى ومرور موسم الحج.
أما الجنرال حميدو لعنيكري، قبل سقوطه، كان يلعب دورا حيويا في دواليب صنع القرار وتدبير الشأن السياسي بالبلاد، وقد تمكن من ذلك، ليس بصفته ضابطا ساميا في الجيش، وإنما بفعل موقعه السابق بـ "لادجيد" والديسطي والأمن الوطني، وبمجرد إعفائه من مهمته كمدير للأمن الوطني خرج من دائرة السلطة وصناعة القرار. علما أنه في أوج قوته سبق أن صرح أن الجيش لن يقف مكتوف الأيدي إذا وصل الإسلاميون إلى الحكم ولو من بوابة الانتخابات وعبر قواعد اللعبة الديمقراطية، ولم يكن هذا التصريح يعبر عن موقفه أو موقف الجهاز الذي كان يترأسه آنذاك، وإنما كان بمثابة لسان حال نخبة النخبة العسكرية المساهمة في دواليب صناعة القرار وتوجيه الاختيارات الكبرى للبلاد.
في عهد الملك محمد السادس برز جيل الضباط السامين الشباب، بفضل احتكاكهم بالرعيل الأول من الجنرالات واستفادتهم من البعثات إلى الخارج والتكوين، وتمكنوا من تجذير مواقعهم في دوائر صناعة القرار رغم العراقيل والصعوبات التي اعترضت طريقهم، وأبرز عناصر هذا الجيل حاليا الكولونيل ماجور برادة والكولونيل ماجور الوادي.
أما بخصوص علاقة الحكومات المغربية بالمؤسسة العسكرية، فقد ظلت بعيدة كل البعد عن أمور الدفاع وعن كل ما يرتبط بالجيش، وذلك بالرغم من أن الكتلة الوطنية، التي كانت تضم حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال، سبق لها أن طالبت بإحداث مجلس أعلى للدفاع، كما أن اليازغي، في مجلس الوزراء، غداة حدوث مشكل جزيرة ليلى، استشاط غضبا بسبب عدم إخبار حكومة اليوسفي آنذاك بخبايا النازلة.
ومن مؤشرات استمرار إبعاد الحكومة والبرلمان كليا عن الشأن العسكري، مشادة عبد الرحمن السباعي، الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بإدارة الدفاع الوطني مع اللجنة البرلمانية المكلفة بدراسة ميزانية الدفاع، عندما قال إنه عرض تلك الميزانية للتصويت وليس للنقاش (للإشارة تفوق هذه الميزانية 11 مليار درهم برسم سنة 2006)، آنذاك برزت أفكار تتجه نحو المطالبة بتعيين مدني على رأس القوات المسلحة ولم يعارض القصر هذه الفكرة، بل قيل إنه من المحتمل جدا تكليف ياسين المنصوري بهذه المهمة بعد مدة يقضيها على رأس "لادجيد" للقيام على بنية مدنية تتكلف بمراقبة التسيير وإستراتيجية الجيش.
+++++++++++++++++++++++++
قوة المؤسسة العسكرية
سار الملك محمد السادس على نهج أبيه واحتفظ بأغلب الضباط السامين، وجلهم لعبوا أدوارا كبيرة على امتداد سنوات الجمر والرصاص.
وعموما تستمد مؤسسة الجيش قوتها العادية والطبيعية من القانون الخاص الذي تتميز به، والذي يكرس سيادة قواعد عمودية تقضي بصرامة انضباط الرتبة الأدنى إلى الرتبة الأعلى درجة؛ وطبيعة التنظيم العسكري للمؤسسة، يجعل بالضرورة احترام الأوامر والامتثال لها دون أي مناقشة أو اعتراض، وأحيانا كثيرة دون ضرورة فهم المقصد والغاية، وقد ساهم ذلك في تكريس قوة استثنائية علاوة على القوة الطبيعية العادية. وهذه القوة الاستثنائية هي التي عملت نخبة النخبة العسكرية على استثمارها إلى أقصى حد ممكن.
وقد سهل عليها الأمر في مرماها هذا، فعل عدم ارتباط المؤسسة العسكرية بالمغرب بأي مؤسسة أخرى ما عدا الملك، قائدها الأعلى مباشرة وبدون أي وسيط بقوة القانون.
فالقرار في المؤسسة العسكرية فردي ولا يحسمه سوى القائد، وينضبط له وينفذه الجيش. وهذا القرار لا يخضع للتداول أو النقاش، بل ينجز ويطبق فورا ولو كان على خطأ أو معتبرا كذلك.
هذا الوضع يجعل بعض الجنرالات يشكلون نخبة النخبة العسكرية ذات القدرة على التحكم في السلطة بالمغرب، وبالتالي يخترق نفوذها بمختلف القرارات المتخذة والاختيارات الكبرى المعتمدة. ولا يمكن عدم الأخذ برأيها بخصوص سيرورة صناعة القرار بالمغرب، حتى وإن كان الأمر يتم وراء الستار محجوبا عن الأنظار؛ فقوة ثلة من الجنرالات النافذين مستمدة أولا من قدرتهم على تصريف مجموعة من القرارات عن طريق خدام أوفياء لا يمكنهم الاعتراض بأي حال من الأحوال على تنفيذ الأوامر، وكذلك نظرا لاحتكارهم لقنوات هذا التصريف، هذا علاوة على ارتباطهم رأسا ومباشرة بالملك، الشيء الذي يمكنهم من المساهمة في قلب دواليب صناعة القرار وراء الحجاب، وبهامش تدخل وفرص غير متاحة لغيرهم، لتوجيه أكبر من أي مؤسسة سياسية أخرى أو نخبة أخرى.
ومن مؤشرات النفوذ، أن القائم على مدرسة استكمال الأطر لوزارة الداخلية بالقنيطرة (رجال السلطة) عسكري، وهو الجنرال امحمد علام.
وقد رأى جملة من المراقبين أن أحداث العيون كانت بمثابة "تنقية"، وهو ما اعتبر كذلك أحد المؤشرات الدالة على قوة المؤسسة العسكرية، لاسيما فيما يخص القوة الاستثنائية لنخبة النخبة العسكرية، وخلال شهر واحد بعد الأحداث تمت إقالة وزير الداخلية المخلوع، إدريس البصري.
ومن المصالح التي ساهمت في استمرار توسع مدى تلك القوة الاستثنائية، المكتب الخامس، المصلحة المكلفة بالأمن والاستخبارات العسكرية، وقد اعتبر رئيسه السابق الجنرال محمد بلبشير من الشخصيات الأكثر خشية من طرف الضباط والجنود؛ فضمن كل وحدة عسكرية، على امتداد التراب الوطني، هناك ضابط تابع لهذا المكتب مكلف بإمداد رؤسائه بتقارير منتظمة والتي يمركزها المكتب، وليس من حق قائد الوحدة التدخل في عمل ذلك الضابط ولا يتوفر على حق النظر فيما يعده من تقارير، واعتماد هذا النهج قوى الخشية والخوف وأعطى للمعلومات المتوفرة قوة أكثر مما تستوجبها أحيانا كثيرة، علما أن هذا النهج تكرس منذ 1972 إلى أن أضحى المكتب الخامس يتوفر على مركز خاص به لتكوين وإعداد ضباطه، وهو الكائن بالصخيرات.
واعتبارا لقوة التابعين له، وللدور الذي يقومون به أصبحوا يتميزون بوضع خاص في الجيش، وأغلبهم اجتازوا تداريب وتلقوا تكوينا بالولايات المتحدة، كما أنهم يستفيدون من امتيازات لا يستفيد منها باقي الضباط.
وهي كذلك من المؤشرات التي تبين الاعتبار الإستراتيجي الذي تحظى به المخابرات العسكرية، كعامل من عوامل تقوية نفوذ نخبة النخبة العسكرية.
فهناك مساحات للنفوذ تجعل أصحابها يتصرفون كما يحلو لهم دون حسيب ولا رقيب، وهذا ما قوى موقعهم، حتى بلغوا درجة شبه ضرورة التعرف على رأيهم بخصوص جملة من القرارات والتعيينات والتكليفات قبل الإقرار بها.
ولم تقتصر تجليات نفوذ النخبة على صعيد الدوائر العليا ودواليب السلطة وكواليس صناعة القرار، إنما اخترقت تجلياتها الحياة اليومية، فهناك جملة من النوازل ظلت مرتبطة بالحياة اليومية تبين نفوذ الضباط السامين داخل المجتمع، نسرد بعضها قصد الاستئناس فقط، ولا نستهدف من ورائها أي شخص أو جهة.
ومن الأمثلة الدالة ما كشفته مؤخرا الزميلة "الصحيفة"، بخصوص الكولونيل أحمد عارف المتهم بتهريب المخدرات استغلالا لموقعه كطيار، والذي يقر أنها مجرد تهمة لفقت له لأنه رفض نقل شحنات خاصة لصالح أحد الجنرالات. باعتبار أن الأمر لم يحترم القواعد المعمول بها، إذ كان ذلك يتطلب إذنا من القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية عملا بمقتضيات القانون العسكري. وبهذا الخصوص يطالب أحمد عارف إعادة التحقيق في النازلة، تضطلع به لادجيد.
ومن الحالات التي تبين نفوذ الضباط السامين في الحياة اليومية، نازلة ابن الجنرال محمد محطان، والذي ضبط في حالة تلبس بخصوص تهريب المخدرات، إلا أنه أخلي سبيله عوض تفعيل مقتضيات القانون كما هي القاعدة.
وتظل الحادثة الأكثر دلالة على قوة المؤسسة العسكرية، ما حدث يوم الجمعة 23 يوليوز 1999 بعد الإعلان عن وفاة الملك الراحل الحسن الثاني، إذ كان إدريس البصري يوجد بإحدى قاعات المشور بمعية بعض الجنرالات الذين لم يفارقوه قيد أنملة، وبعد مدة قصيرة استند الملك محمد السادس على الجيش لتنحيته من الواجهة فأبطل فعله بخلعه من أم الوزارات وإبعاده كليا عن تدبير الشأن العام.
++++++++++++++++++++++++
الجيش والسلطة والسياسة
إن مؤسسة الجيش، من خلال ثلة من جنرالاته (نخبة النخبة العسكرية) تشكل الآن، من وراء الستار، سلطة فوق السلط، إذ أنها لا تكتفي بمراقبة الركح السياسي والحقل الاجتماعي عن قرب، وإنما تعمل على توجيه سيرورة صناعة القرار وتوجيه الاختيارات الكبرى في مسار يضمن استمرار قوة هذه النخبة والحفاظ على امتيازاتها.
ومنذ نشأة القوات المسلحة الملكية ظل الخطاب الرسمي يقر أن الجيش لا سلطة سياسية له، وذهب أغلب العارفين بخبايا الأمور، لاسيما بعض العسكريين الذين تحدثنا إليهم في الموضوع، إلى أن إشكالية السلطة بخصوص الجيش لا يجب النظر إليها انطلاقا من المؤسسة العسكرية ككل، وإنما انطلاقا من بعض عناصرها؛ ففي البداية اضطلع جملة من الضباط السامين بمهام مدنية كبرى، فمثلا الجنرال بلعربي كان عاملا على إقليم الرباط والجنرال بوكرين عاملا على إقليم فاس والكولونيل هدة عاملا على وارزازات وعسكري آخر على إقليم كلميم وحسني بنسليمان عاملا على إقليم الغرب (القنيطرة).
وبعض الجنرالات اضطلعوا بمهام وزير ومهام مدنية سامية، إلا أن هذا الوضع لم يؤد إلى "عسكرة" دواليب السلطة وصناعة القرار بالمغرب، دون نفي أن نخبة النخبة العسكرية ظلت دائما تشكل ضغطا من خلال قوتها لتكون مشاركة، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، في السلطة وصناعة القرار وتوجيه الاختيارات المعتمدة.
في السابق كان الجنرال محمد أفقير والجنرال المذبوح، بحكم مهامهما الثقيلة، يساهمان في الظل في صنع القرار وفي تدبير الشأن السياسي بالبلاد، إلى جانب الجنرال عبد الحفيظ العلوي وبعض الجنرالات الآخرين الذين كانوا يشكلون نخبة النخبة العسكرية آنذاك.
وابتداء من سنة 1972، بعد إعادة هيكلة قيادة الجيش، غادر الضباط السامون ثكناتهم للاضطلاع بمهام مدنية وتدبير الشأن العام الوطني والمحلي، وقد هندس الجنرال عبد الحفيظ العلوي لجملة من تعيينات العسكريين في مناصب مدنية هامة جدا، وأغلب الضباط السامين الذين ظلوا يحتلون مواقعهم، مع حلول عهد الملك محمد السادس هم من هذا الرعيل، وقد عرفوا بولائهم الكبير للجنرال عبد الحفيظ العلوي.
إلا أنه حسب أحد الضباط السامين، إن القائمين على الجيش المغربي غير مؤهلين لتدبير الشأن السياسي ولم يُهَيَّأوا له، بل على العكس من ذلك، ظل الحرص قائما على إبعادهم عن الاهتمام بهذا الشأن، فتدبير الشأن السياسي وشؤون السلطة يتطلب حنكة ووعيا وفهما وتتبعا واهتماما بالشأن العام، وهذا ظل محرما على المؤسسة العسكرية بالمغرب، فالجندي، يقول الضابط السامي، مكون ومعد لشيء واحد لا ثاني له هو أن يَقْتُل ويتجنب أن يُقتل.
وبالنسبة للمحجوب طوبجي، فإنه يعتمد أطروحة بسيطة للغاية مفادها أن المغرب، منذ حصوله على الاستقلال، لم يسيره الملك وإنما نخبة من الجنرالات، على رأسهم الجنرال محمد أفقير، رجل الستينيات القوي، ثم أحمد الدليمي وصولا إلى الجنرال حسني بنسليمان قائد الدرك الملكي.
ويقول أحد العارفين بخبايا الأمور، إن هناك بعض الجنرالات الذين يساهمون في كل كبيرة وصغيرة عبر الاستشارة أو المساهمة في صنع القرار رغم أنهم لا يظهرون رسميا للعموم إلا كمجرد منفذين بعيدين عن السياسة ودواليبها.
ومهما يكن من أمر، هناك أكثر من علامة ومن مؤشر تؤكد مشاركة نخبة النخبة العسكرية في صناعة القرار السياسي وكل ما يتبعه من تعيينات وتكليفات، أليست مؤسسة الجيش هي أهم مؤسسة يرتكز عليها النظام لضمان استمراريته، وولاء نخبة النخبة العسكرية هو ولاء خاص تكرست قواعده ومسلكياته في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، بل منذ تأسيس القوات المسلحة الملكية العسكرية سنة 1956 حين كان الملك وليا للعهد؟
وظلت العلاقة بين الجيش والمواطن متسمة بالخوف والحذر الشديد، والعداوة أحيانا من جهة؛ ومن جهة أخرى، ظل الظاهر العام هو وفاء الجيش للقصر ضد الشعب، وهذا ما تأكد أكثر من مرة، في سنوات 1958 و1965 و1981 و1984 و1990 التي شهدت مواجهات عنيفة في جملة من المدن المغربية.
++++++++++++++++++++++++++++
الجنرالات ومجال الأعمال
(القوة الاقتصادية)
من الواضح أن جنرالات المغرب تمكنوا من جمع ثروات واستفادوا من امتيازات وأسسوا لمصالح متعددة من خلال دخولهم مجال الأعمال من بابه الواسع، وبمباركة واضحة من طرف القائمين على الأمور بالبلاد، وذلك منذ 1972 على وجه التحديد، لاعتبارات أمنية وإستراتيجية.
وبذلك إنضافت قوة اقتصادية إلى الجنرالات إضافة لقوتهم الردعية المستمدة من قيامهم على أمور الجيش، وإلى نفوذهم في صناعة القرار، اعتبارا للمواقع التي يحتلونها في المجال المدني ودرجة قربهم من الملك.
لقد أضحى من المعلوم الآن أن انطلاقة تكريس قرب الجنرالات لمجال الأعمال، أعطيت من طرف الملك الراحل الحسن الثاني بصريح العبارة سنة 1972، عبر النصيحة الشهيرة القائلة: أوصيكم بالابتعاد عن السياسة والاهتمام بجمع الثروة وتنمية المصالح.
مباشرة بعد المحاولة الانقلابية الثانية الفاشلة، لاحظ المغاربة تهافت الجنرالات على مقالع الرمال ورخص النقل والاستثمار بقوة في مجال الصيد، لاسيما الصيد في أعالي البحار، وذلك بمباركة السلطات ومساهمتهم في تسهيل المأمورية؛ ومن باب السخرية والتنكيت نعت المغاربة هذا التهافت على مقالع الرمال بـ "المسيرة البنية"، والاهتمام بمجال الصيد البحري من طرف الضباط السامين بـ "المسيرة الزرقاء"، أو "خنرالات أعالي البحار".
إلا أن مسار اهتمام الجنرالات بمجال الأعمال وجمع الثروات ظل مراقبا عن قرب من طرف القصر، سعيا منه لبقائهم في مجالات اقتصاد الريع ومنعهم من الاستثمار في القطاع الخاص (لاسيما القطاعات المهيكلة)، وقد حرص القصر على هذا لجعل العسكريين بعيدين عن القطاع الخاص، لاسيما المجال المقاولاتي، للحفاظ على صورة "الرأسمالية المغربية" المروجة في الخارج، إلا أن الجنرالات ابتدعوا أساليب ملتوية ومتعددة للهروب من المقاربة، وللتمكن من خلق مصالح وتوسيعها في القطاع الخاص المهيكل، وذلك عبر إحداث مقاولات رأسمالية كبيرة في مجالات متقدمة ورائدة في البنية الاقتصادية الوطنية، مستغلين أسماء زوجاتهم وأبنائهم أو أقاربهم أو بإبرام صفقات زواج مع عائلات ذات مصالح اقتصادية (تجارية وبنكية وصناعية) كبرى لتغليف استثمارات مهمة. وقد أضحى الآن جملة من الجنرالات مقاولين زراعيين وصناعيين كبارا، اعتبارا لأهمية المصالح التي بحوزتهم باستعمال هذه الطرق الملتوية.
ومن الملاحظ أنه بعد قضية القبطان أديب الذي كشف على جملة من الفضائح والتجاوزات لرؤسائه واستغلال نفوذهم ومواقعهم، قيل إن الملك اجتمع بكبار الضباط لوضعهم أمام اختيارين لا ثالث لهما: إما الاقتصار على استثمار المشوار الوظيفي العسكري، وإما التفرغ لإدارة أعمالهم الخاصة. وبعد هذا الاجتماع تخلى جملة من الجنرالات عن مصالح هامة كالصيد بأعالي البحار، ومن بينهم الجنرالين حسني بنسليمان وعبد الحق القادري اللذان قاما ببيع شركاتهما متخلصين منها لفائدة مستثمرين إسبان (شركة "كابن").
تلك بعض مظاهر القوة الاقتصادية الظاهرة والخفية التي يحظى بها الجنرالات بالمغرب، ومن المعلوم أن القوة الاقتصادية تفترض التأثير في القرار الاقتصادي وحتى السياسي عبر الاختيارات المعتمدة.
++++++++++++++++++
من النشأة إلى إعادة الهيكلة
كان ميلاد القوات المسلحة الملكية يوم 14 مايو 1956 تحت إمرة قائدها الملك الراحل الحسن الثاني (ولي العهد آنذاك).
وتكونت الأفواج الأولى من الضباط بأكاديمية مكناس (الدار البيضاء) أو بـ "سان سير" بفرنسا أو بالأكاديمية العسكرية بطليطلة بالديار الإسبانية أو في الأكاديميات العراقية وغيرها. وكانت مدة التكوين آنذاك قصيرة لا تتعدى سنة واحدة، اعتبارا للحالة الاستعجالية مادام الجيش المغربي لم يكن ليكتفي ببعض الضباط الكبار المغاربة الآتين من الجيش الفرنسي، من أمثال محمد الكتاني وإدريس بنعيسى وإدريس بنعمر ومحمد أفقير ومحمد مزيان وآخرين، ممن التحقوا بالجيش المغربي مباشرة بعد الاستقلال.
وقد تكونت النواة الأولى من هؤلاء، من مجموعات " ڭوم" الجيش الفرنسي و"محالة" الجيش الإسباني قبل أن تلتحق بهم سنة 1958 عناصر جيش التحرير؛ آنذاك كان الجنرالان الكتاني ومزيان هما الماسكين بجميع خيوط دواليب التسيير العسكري بدعم من فرنسا وتحت عيونها.
في مرحلة النشأة، تكلف الجنرال المذبوح بخلق الحرس الملكي الذي احتل موقعا خاصا ضمن المؤسسة العسكرية بالمغرب. إذ ضم منذ البداية أحسن العناصر وأبرزها، ومن ضمنهم عبد الحق القادري (الذي سيحتل لاحقا موقع رئيس "لادجيد") وكان قبطانا آنذاك نودي عليه من باريس، ومن بينهم كذلك عبد الرحمان لحريزي المفتش العام لاحقا للقوات المساعدة، وبوبكر سكيرج الذي سيحتل موقع مرافق للملك الراحل الحسن الثاني، وآخرون شكلوا الواجهة السياسية والعسكرية للبلاد على امتداد فترة من الزمن، آنذاك كانت الرغبة حاضرة في عدم الفصل بين الجيش والسياسة رسميا، وتأكد ذلك أكثر في الوقت الذي أصبح فيه محمد أفقير وزيرا للداخلية (منذ 1964) ومحمد المذبوح الشخصان الأقرب للملك.
علما أن العلاقة بين الأول والملك قد انكشف أمرها بجلاء حاليا، لكن علاقة الثاني به مازال يشوبها الكثير من الغموض إلى حد الآن.
وبعد سنة 1971، راكم أفقير مسؤولية وزير الداخلية ووزير الدفاع، وأمر آنذاك بمضاعفة أجر جنوده، وأرغم وزير المالية على توفير أغلفة مالية مهمة لإنجاز مساكن للعسكريين.
فأغلبية الرتب الهامة في الجيش خلال فجر الاستقلال كانت من حظ من خدموا الجيش الفرنسي وقلائل ممن خدموا الجيش الإسباني، انضمت إليهم عناصر جيش التحرير الذين كانوا يرغبون في أن يلعب الجيش دورا في الحياة السياسية؛ آنذاك بدا لفرنسا ولأمريكا أنه ما دام الجيش هو المؤسسة المؤهلة لتملك القوة الأولى واحتكار أدوات تلك القوة، فعليهما العمل على ضمان ارتباطهما به، وهذا ما تم عبر بعض الجنرالات ذوي النفوذ القوي.
بعد المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين، خضعت المؤسسة العسكرية لإعادة الهيكلة بدءا من سنة 1972، واهتمت بالبنية التنظيمية، لاسيما على مستوى الهياكل القيادية التي أضحت كلها تحت الإمرة المباشرة للملك بدون أي وسيط.
آنذاك تم إلغاء وزارة الدفاع ومنصب وزير الدفاع، وتم الحد من عدد العسكريين وحصره في الضروري اللازم بما يتطلبه حفظ الأمن، وتم التخلي عن فكرة التوفر على قوة هجومية. وتزامنت هذه القرارات مع تقوية القوات العسكرية الموازية: الدرك الملكي والمصالح المخابراتية والقوات المساعدة. في هذه الفترة سطع نجم الكولونيل أحمد الدليمي، وتقوى موقع الجنرال عبد الحفيظ العلوي الذي مكنه قربه من الملك الراحل الحسن الثاني، ضمنيا وليس رسميا، من احتكار سلطات واسعة داخل الجيش.
لكن في سنة 1974، دفعت قضية الصحراء إلى إعادة النظر في القرارات السابقة التي أملتها إعادة الهيكلة المعتمدة، وكان من الضروري تعزيز صفوف الجيش بدماء جديدة للتصدي لتحرشات الجزائر والبوليساريو آنذاك. وبذلك تم التخلي عن الصرامة المعتادة في تعيين الضباط وفي الإقرار بالترقيات. وهذا ما يفسر إلى حد كبير كثرة الضباط السامين في صفوف الجيش المغربي. وللتخلص من عدد منهم، تم اعتماد تسريحهم عبر تفعيل نظام التقاعد.
وقد بدا بجلاء أن الترقية في صفوف الضباط السامين وعموم الضباط لا يقتصر على الولاء لشعار "الله الوطن الملك"، وإنما يخضع لولاءات أخرى تمر عبر مراكز النفوذ تتحكم في رقابهم، وتستمد هذه المراكز قوتها ونفوذها من خلال مساحة قربها من الدائرة الملكية.
وإذا كان ولاء الجنرالات يرتكز دستوريا على القسم الذي يؤدونه، فإن الولاء بخصوص باقي الضباط، الذين يعدون بالمئات، يمر بالضرورة بالولاء لمراكز النفوذ، وغالبا ما تعمل مراكز النفوذ هذه في الظل، من وراء الستار.
+++++++++++++++++++++
إشكالية جنود الصحراء
هناك ما يناهز 200 ألف جندي وضابط، مرابطون بالأقاليم الصحراوية (جنوب أكادير)، وجميعهم يتقاضون ما أصطلح على تسميته بالأجر المضاعف (Double Solde).
وكل الدراسات والتحاليل المتعلقة بإشكالية علاقة الجيش المغربي بالصحراء، تقر بأن قضية استكمال الوحدة الترابية، كانت فرصة جد مواتية وسانحة لشغل الجيش عن التفكير في الانقلابات في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، لاسيما بعد المحاولتين الانقلابيتين المتتاليتين الفاشلتين (1971 و1972).
ويرى البعض حاليا أن طي ملف الصحراء سيدفع إلى عودة الجنود والضباط المرابطين بالصحراء، وبالتالي سيحرمون، بقوة القانون، من نصف الأجر الذي ظلوا يتقاضونه على امتداد عدة سنوات وكيفوا حياتهم وحياة أسرهم وذويهم مع هذا الدخل. فبين عشية وضحاها سيجدون أنفسهم مكسوري الجناح، وهذا وضع من شانه خلق أجواء عدم الرضى وربما حالة من التذمر، فكيف سيتم التعامل مع هذه الإشكالية، لاسيما بخصوص الذين مازالوا بعيدين عن سن الإحالة على التقاعد؟ إنه سؤال مطروح وجب التفكير في الإجابة عليه منذ الآن.
وفي هذا الإطار كان جيمس بيكر، المبعوث الأممي إلى الصحراء، قد حلم حلما لم يتحقق، فمنذ 2003 أفصح عن فكرة بدت غريبة للبعض، فعندما كان مستعجلا لإيجاد حل لمشكل النزاع بخصوص الصحراء على امتداد سبع سنوات، وبدعم من الأمريكيين، أثار إشكالية التعامل مع الوحدات العسكرية المرابطة بالجنوب، واقترح تعبئتها وإعدادها لتكون مؤهلة لتشكل قوات للتدخل بالخارج، وعلى وجه الخصوص بالأراضي العربية، وكان الأمريكيون يفكرون آنذاك في العراق وورطتهم فيه، لاسيما عندما تأكدوا أن القوات الغربية لا مصداقية لها هناك، في نظر أهالي العراق. وقتها بدا لهم أن قوات مسلمة آتية من بلدان ظلت محايدة في النزاع، مثل المغرب، من شأنها أن تحظى بالقبول، لكن إعداد الوحدات المغربية المرابطة بالصحراء لهذه المهمة، كان يستوجب تهييئا خاصا وتطويرا، لذلك تم التفكير في جعل المغرب شريكا إستراتيجيا للحلف الأطلسي، من شأنه أن يسهل هذه المهمة. إلا أن إعادة هيكلة تلك الوحدات وتهييئها يستوجب أموالا لا يتوفر عليها المغرب، لذا تم التفكير في مساعدة أمريكية مرصودة لهذا الغرض تكون مشروطة بإرسال قوات مغربية إلى العراق، لكن الرباط رفضت الفكرة، بعد أن صمدت لكل الضغوطات الأمريكية بخصوص إشكالية العراق. لكن جيمس بيكر لم يتمكن من حل ملف الصحراء، وتبخر حلمه.
+++++++++++++++++++
القضية الأمنية مجال العسكريين بامتياز
لجنرالات المغرب الكلمة الأولى والأخيرة في المجال الأمني بدون منازع، وصناعة القرار بهذا الخصوص تظل عسكرية مائة في المائة، وقد تأكد هذا بجلاء بعد أحداث الدار البيضاء يوم 16 مايو 2003، إذ في يوم الغد اجتمع بالديوان الملكي كل المسؤولين الأمنيين بالمملكة، حضر هذا الاجتماع 6 جنرالات كان على رأسهم الجنرال حسني بنسليمان، قائد الدرك الملكي، وهم: الجنرال حميدو لعنيكري رئيس الديسطي آنذاك، والجنرال العربي بلبشير رئيس المكتب الخامس آنذاك، والجنرال حرشي رئيس لادجيد آنذاك، والجنرال بناني قائد المنطقة الجنوبية والجنرال القادري المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقتئذ.
وكان الهدف من هذا الاجتماع الطارئ الاقتراح على الملك خطة ومنظورا جديدين لإعادة هيكلة مختلف المصالح الأمنية والمخابراتية، المدنية منها والعسكرية، وخلال هذا الاجتماع برزت فكرة إحداث وزارة الأمن الداخلي التي ستضطلع بمسؤولية كل المصالح الأمنية والمخابراتية المدنية، وذلك انطلاقا من تجميع مديرية الشؤون العامة التابعة لوزارة الداخلية ومديرية مراقبة الترب الوطني (الديسطي) والاستعلامات العامة (ليرجي).
أما فيما يتعلق بالمجال العسكري، فقد كان من المفروض أن الجنرال القاديري سيتكلف بإعداد إحالة مجموعة من الجنرالات على التقاعد وتعويضهم بضباط سامين شباب في المواقع الحساسة الحيوية، لكن المرض لم يسعفه على ذلك، فالتمس من الملك إعفاءه واقتراح تعويضه بالجنرال عبد العزيز بناني.
آنذاك عرفت البلاد جملة من الأحداث غير المسبوقة، كاختفاء بعض الأسلحة والمعدات من بعض الثكنات العسكرية وتورط بعض العناصر الأمنية العسكرية في علاقات مع المتطرفين، وكان رد الفعل هو اتخاذ قرار بإعادة هيكلة المكتب الخامس المسؤول عن الأمن العسكري وجعله مديرية للأمن العسكري، وتحددت مهمته ذات الأولوية في كشف كل العناصر المشبوهة بالجيش لإبعادها، وارتبطت هذه المديرية مباشرة بالملك. وكانت النتيجة هي إبعاد أكثر من مائة جندي وما يناهز 90 ضابط صف وبعض الضباط الآخرين، وكانت الوحدات المرابطة بالأقاليم الجنوبية هي المستهدفة أكثر، إذ حسب بعض التقارير تعد هي الأكثر عرضة للاختراق من طرف الأطروحات المتطرفة، بعد هذه التنقية تقرر تعيين ضباط سامين شباب في جملة من المواقع المهمة والحساسة، وقد لوحظ أن هؤلاء المعينين الجدد، أغلبهم شاركوا في مهمات بالخارج (الجولان 1991، قوات حفظ السلام بالصومال وكوسوفو).
لقد كانت هذه التعيينات ضروروية، لاسيما وأن جيل الجنرالات المضطلعين بأهم المسؤوليات الجسام على وشك الإحالة على التقاعد بفعل تقدم السن والشيخوخة، وبالتالي لامندوحة عن تعييئ الخلف.
++++++++++++++++++++
واقع المؤسسة العسكرية
يضم الجيش المغربي ما يناهز 250 ألف شخص، منهم 160 ألفا بالأقاليم الجنوبية، وتشكل القوات البرية أكثر القوات عدديا، في حين لا تمثل القوات البحرية إلا 10 في المائة من المجموع.
وقد عرفت المؤسسة العسكرية، في عهد الملك محمد السادس، بعض التغييرات المهمة واستبدال بعض الرؤوس الوازنة التي كانت تضطلع بمسؤوليات حساسة، بمسؤولين جدد. كما أنها بدأت تخرج بطريقة محتشمة من صمتها الرهيب بعد إسقاط "قدسيتها" القائمة على امتداد عقود من الزمن، بفعل ارتباطها مباشرة بشخص الملك.
وعموما يعكس واقع حال الجيش الواقع السائد في المجتمع، إذ هناك فوارق شاسعة بين قمة الهرم وأسفله، فوارق قل مثيلها في العالم. فبالرغم من أن المؤسسة العسكرية ظلت تحظى بفائق العناية والرعاية عبر الزيادات المتكررة في الرواتب والتعويضات والخدمات وغيرها من المنافع، فإن أغلب الجنود وضباط الصف لازالوا يكابدون من جراء أوضاعهم المزرية، لأن كل ما تحقق لم يكن يستهدفهم شخصيا، أسفل الهرم، وإنما كان مرصودا بالأساس لقمته.
فبعد التخرج من الأكاديميات يخضع التعيين بالأساس لدرجة القرب من مناطق النفوذ أو علاقات القرابة بالضباط السامين. وعموما يظل الدرك الملكي هو الاختيار الأول، في حين تقع القوات المساعدة في أسفل اللائحة، إذ يعين بها من لا سند لهم وكذلك أصحاب المراتب المتأخرة في امتحان التخرج، وصفة ابن جنرال أو كولونيل تعتبر بمثابة جواز للتعيين في أحسن الوحدات والمواقع.
وحسب أحد الضباط السامين، العارفين بخبايا الأمور، فإن الضابط السامي المضطلع بمسؤولية صغيرة، لا سلطة فعلية له في واقع الأمر، نظرا للنهج وطبيعة العلاقات التي أرساهما الملك الراحل الحسن الثاني في صفوف الجيش؛ فالضابط السامي صاحب المسؤولية الكبيرة، خلافا للظاهر، لا سلطة له، إنه خاضع حتى النخاع للتراتبية، وهو في نهاية المطاف مجرد منفذ. وكلما تألق الضابط السامي في اضطلاعه بالمسؤولية، كلما أضحى حريصا على تنفيذ الأوامر وتحقيق ما يرغب فيه القائمون على الأمور بأية وسيلة، وهذه البنية مازالت قائمة إلى حد الآن في المؤسسة العسكرية، فمهما كانت أهمية المسؤولية التي يضطلع بها الضابط السامي، سواء في النطاق العسكري أو المجال المدني، فإنه لن يتمكن لا من تعيين أحد الضباط في أي منصب أو تكليفهم بمهمة أو الأمر بتحريك وحدة عسكرية من مكان لآخر، إلا بإذن من القيادة العليا.
إن المفتش العام للقوات المسلحة الملكية نفسه، الجنرال دوكور دارمي عبد العزيز بناني، لا يمكنه تجاوز هذه القاعدة، إذ لا بد من أمر أو إذن صريح صادر عن القائد العام للقوات المسلحة (الملك)، وفي واقع الأمر إن رتبة جنرال دوكور دارمي بالمغرب لا تستجيب، من ناحية السلطة والاختصاص، للمفهوم المتعارف عليه في العالم، وإنما هي عندنا لازالت مجرد "برستيج" أكثر من دلالتها على سلطة حقيقية، ويقول أحد الضباط السامين السابقين، إذا كانت الشجاعة قد ظلت مرتبطة بالجندي في ذهن العامة، فإن الخوف هو السائد بالمؤسسة العسكرية عندنا، خوف وخشية الصغير من الأكبر منه.
+++++++++++++++++++++
وشهد شاهد من أهلها
توصلت أسبوعية "المشعل" برسالة من ضابط الصف السابق، إبراهيم جالطي، المعتقل حاليا بالسجن المحلي بتازة، مما جاء فيها...
إن المقارنة بين عسكريين، واحد برتبة جنرال والآخر برتبة جندي بسيط، هي مقارنة بين الوجود والعدم[...] بين الديناصور والحشرة، فكيف لهذه الأخيرة أن تزحزح أقدام الثاني ولو قيد ميليمتر واحدا؟!
[...] إن الأوضاع المهنية والاجتماعية المزرية التي يرزح تحت وطأتها الجندي، في وقت يعيش كبار العسكريين حياة البذخ والترف نتيجة الامتيازات الصارخة التي يحظون بها، تؤثر على نفسيته وتعرضه للإحباط الذي قد يدفع به إلى انزلاقات غير محسوبة وغير محمودة عواقبها.
وعلاوة على هذا، يزرع المكتب الخامس داخل كل ثكنة أحد عناصره، والذي غالبا ما يشغل منصب نائب قائد الثكنة، ويكون تحت إمرته ضابط صف الأمن العسكري، وهما الاثنان يعتبران عين المخابرات العسكرية داخل الوحدات العسكرية، فإذا ظهر على سبيل المثال ثراء على ضابط، يتم تفعيل سؤال: من أين لك هذا؟ وتتم متابعة خطواته وتحركاته لمعرفة سر معالم الثراء التي ظهرت عليه، [...] يتم تتبع حالة الجنود، المعنوية والاجتماعية والمهنية.
أما بخصوص أجرة الجندي، فإنه يعيش دوما في ضائقة مالية مما يضطره للجوء إلى أساليب غير محمودة كالقمار وإغراق نفسه في الديون أو الاتجار في الممنوعات...
وفيما يتعلق بالجندي العازب يعتبر قانونيا قاطنا بالثكنة، وضعيته في حقيقة الأمر هي أقرب إلى حالة السجين: الاكتظاظ، أسرّة مهترئة، أغطية وأفرشة قديمة..
أما الجنود المتزوجون القاطنون بدور العسكر المنتشرة على جنبات الثكنات فتشبه أوضاع دواوير الصفيح، وهذه الحالة تولد وضعا مأساويا وتخلق استياء عميقا لدى أبناء الجنود وربما بعض الحقد تجاه الوطن الذي يحميه آباؤهم، ومن المعلوم أن مثل هذه المعلومات لا يهتم بها ضباط الأمن العسكري.
[...] وفي يناير 2003 شن الجنرال بلبشير حملة بمختلف الثكنات، خلفت عدة ضحايا تم فصلهم ظلما وعدوانا، لا لشيء، إلا لأنهم حضروا حفلا دينيا أو أن الجندي ملتزم دينيا ويؤدي الصلاة في أوقاتها.
وأستشهد بحالة ضابط صف تخرج معي من نفس الفوج توصل بقرار الطرد، ولما استفسر عن سبب فصله، قيل له بدم بارد "إنك تصلي كثيرا" رغم أن له نصيبه من ملذات الحياة، حيث يقضي هو كذلك لياليه الحمراء وجلساته الحميمية التي تتخللها الكؤوس وعبق الحب غير المشروع.
وختم رسالته قائلا: قد تكون خلية "أنصار المهدي" وما كان وراءها من صراع الأجهزة، عجلت بتصفية الجنرال بلبشير، وقد تكون هذه القضية نسجت خيوطها لمنع أي انفتاح للمؤسسة العسكرية على المجتمع المدني وتأجيل إخضاعها بالتالي للمراقبة من طرف المؤسسات المنتخبة حتى تظل قلعة الجيش إرثا خالصا لنفوذ الجنرالات، يرتعون فيه ويزدادون غنى وثراء دون حسيب ولا رقيب.
++++++++++++++++++
خلاصة القول
إن الجيش في حالة المغرب لم يكتف بدوره الطبيعي في حماية السيادة وإنما انتقل، من وراء الستار، من حدود الوطن إلى حدود السلطة والسياسة، وذلك عبر جملة من الجنرالات شكلوا نخبة النخبة العسكرية المؤثرة في صناعة القرار والمساهمة في بلورة الاختيارات الكبرى وتوجيههما.
فالجيش المغربي ظل أداة السلطة، تتحكم به النخبة الحاكمة، وتكرََّس هذا الوضع بفعل التماهي بين السياسة والسيادة وبين الوطن والنظام السياسي. وبذلك اختلط الولاء للوطن بالولاء للنظام. وظل الجيش المؤسسة التي تمتلك قوة لا تمتلكها أي مؤسسة في المجتمع، وتحكم سيطرتها على الحقل السياسي المغربي من وراء الستار، بفعل تحكمها في الطرق الموصلة إلى السلطة والاقتراب منها.
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
محمد الحنفي محلل سياسي
+++++++++++++++++++
جنرالات الجيش جزء لا يتجز من الطبقة الحاكمة
+++++++++++++++++++++
دور الجيش في صناعة القرار السياسي، تأثير الجنرالات في تدبير الشأن السياسي وفي تعيين الحكومة وعلاقته بالبرلمان وهل يشكل قوة فاعلة، هذه محاور حديث محمد الحنفي مع "المشعل".
++++++++++++++++++++
- هل مؤسسة الجيش تلعب دورا ما في صناعة القرار السياسي؟
+ ‘ن مؤسسة الجيش هي مؤسسة مخزنية بالدرجة الأولى، وهي، لذلك، لا يمكن أن تخرج عن الإطار المخزني العام، الذي يحكم أجهزة الدولة المغربية. ولذلك، فالحديث عن موقع الجيش، في صناعة القرار السياسي، هو حديث عن موقع المخزن في صناعة ذلك القرار. فدور الجيش، كما يظهر من خلال الممارسة اليومية للأجهزة العسكرية المختلفة، هو: كيف تتم أجرأة القرار السياسي المخزني، الذي هو قرار استبدادي بالدرجة الأولى، لخدمة مصالح الطبقة الحاكمة، والمؤسسة المخزنية، التي صار كبار الضباط المغاربة جزءا لا يتجزأ منها.
- هناك من يرى بأن الجنرالات يؤثرون في تدبير الشأن السياسي، ما رأيكم ؟
+ كل من يرى بان الجنرالات يؤثرون في تدبير الشأن السياسي، إنما يسعى إلى تضليل الرأي العام، الذي قد يعتقد بان لجنرالات الجيش رغبة في فرض سياسة نقيضة للسياسة القائمة على الاختيارات اللا ديمقراطية، واللا شعبية. وهذه الرغبة غير واردة لتناقضها مع مصالح الجنرالات، الذين صاروا يمتلكون ثروات هائلة، وبدون حساب، ولا أحد يسألهم من أين لهم ذلك، ما داموا يحرصون على حماية المؤسسة المخزنية، وأجرأة القرار السياسي المخزني.
- هل للجنرالات دور في تعيين الحكومة؟
+ دور الجنرالات في تعيين الحكومات المتعاقبة في المغرب، لا يمكن أن يخرج أبدا عن دور المؤسسة المخزنية في ذلك، حتى وان كان من الوارد أن يؤخذ بعين الاعتبار رأيهم في ذلك، ومن باب الاستئناس فقط، ما داموا في خدمة المؤسسة المخزنية، وما دام النظام العسكري المغربي محكوما بالخضوع المطلق لتلك المؤسسة.
- هل هناك علاقة بين الجيش والبرلمان؟
+ نظرا لأن صيرورة جنرالات الجيش جزء لا يتجزأ من الطبقة الحاكمة، فان علاقة الجيش بالبرلمان، هي نفسها علاقة الطبقة الحاكمة بالبرلمان، لأن الطبقة الحاكمة، ومعها المؤسسة المخزنية في ذلك، تحرص على صياغة المؤسسة البرلمانية، انطلاقا من القوانين الانتخابية، بداية باللوائح وانتهاء بإعلان النتائج، بما يتناسب مع مصالحها الطبقية، وفي ارتباطها بالمؤسسات الدولية، ومع الشركات العابرة للقارات، وفي تبعيتها للنظام الرأسمالي العالمي، الذي يفتح عينيه جيدا على جيوش العالم، ومنها الجيش المغربي، بجنرالاته حتى لا يخرج منه ما قد يقف وراء قيام سياسة تتناقض مع المصالح الرأسمالية العالمية في المغرب.
- في نظركم، هل يستشير الملك جنرالاته في الأمور السياسية؟
+ الملك، بطبيعة الحال، كما يستشير مع مختلف أجهزة الدولة، التي يشرف عليها ويترأسها، بنص الدستور المخزني، لا بد أن يستشير جنرالاته في الأمور السياسية، ولا بد أن يأخذ ملاحظاتهم، بعين الاعتبار، في تدبيره للشأن السياسي العام، إلا أن ذلك لا ينفى كون الجنرالات هم مجرد ضباط في جيش يعتبر الملك قائده الأعلى، وعليهم الخضوع المطلق له، ولا يستطيعون ممارسة أي شكل من أشكال الضغط، لأخذ رأيهم بعين الاعتبار، وإلا فإنهم سيخالفون الضوابط العسكرية، وقد يتعرضون للعقاب العسكري. وهو أمر يتناقض مع حرصهم على المحافظة على مصالحهم.
- هل يهتم الجنرالات حاليا بالتخطيط للحكومة القادمة، أم أن الأمر لا يهمهم؟
+ بناء على كون الجنرالات مجرد مأمورين من قبل القائد الأعلى للجيش، ونظرا لكونهم جزءا لا يتجزأ من الطبقة الحاكمة، فان اهتمامهم بالتخطيط للحكومة القادمة، سوف لا يخرج عن اهتمام الطبقة الحاكمة، والمؤسسة المخزنية، نظرا لوحدة المصلحة الطبقية. وإلا فان اهتماما آخر، ومن منطلق اختيارات نقيضة لاختيارات الطبقة الحاكمة، والمؤسسة المخزنية، سيكون غير وارد في نظر جنرالات الجيش. أما أن يكون لهم رأي في التخطيط للحكومة القادمة، فان ذلك لا يعني إلا قيام جيش محايد. ولذلك، لا بد أن يهتم جنرالاته بالتخطيط للحكومة القادمة، ولكن من ضمن اهتمام الطبقة الحاكمة، والمؤسسة المخزنية.
- لضمان استمرار مواقعهم ومصالحهم، لا مناص للجنرالات أن تكون أعينهم مفتوحة على القضايا السياسية والركح السياسي؛ في نظركم، كيف يتم ذلك؟
+ تبعا لما ذكرنا، فان اعتبار اهتمام الجنرالات بما تهتم به الطبقة الحاكمة، والمؤسسة المخزنية، لا يخرج عن حرصهم على المحافظة على مصالحهم الطبقية، لأنهم لا يستطيعوا أن يكون لهم اهتمام خارج عن المنظومة العامة التي توجه السياسة العامة، وفي مختلف المجالات. فأعينهم مفتوحة فعلا على القضايا السياسية في المغرب، ولكن باعتبارها عيونا للطبقة الحاكمة والمؤسسة المخزنية، نظرا لوحدة المصالح الإقتصادية، والإجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي لا يمكن أن تنتج إلا هذه الكوارث، التي يعاني منها الشعب المغربي، وعلى مدى عقود بأكملها.
- هل يمكن اعتبار مؤسسة الجيش بالمغرب فاعلا سياسيا في الكواليس، وراء الستار؟
+ لا يمكن اعتبار مؤسسة الجيش في المغرب فاعلا سياسيا، لا في السر، ولا في العلن. لا لشيء، إلا لكون هذه المؤسسة هي أداة في يد الطبقة الحاكمة، وفي يد المؤسسة المخزنية. وجنرالاته يعتبرون جزءا لا يتجزأ من الطبقة الحاكمة، ومن المؤسسة المخزنية، وكون الطبقة الحاكمة، والمؤسسة المخزنية فاعلان سياسيان أساسيان في المغرب، ويعتبران امتدادا للفعل السياسي لجنرالات الجيش. حتى وان كان ذلك يتخذ مظهر الكولسة السياسية، التي لا تخدم في نهاية المطاف إلا مصالح الطبقة الحاكمة، والمؤسسة المخزنية.
- هل تشكل المؤسسة العسكرية قوة بالمغرب حاليا؟
+ لعلنا بهذه المعالجة السريعة لموضوع: "الجهاز العسكري، وعلاقته بالحياة السياسية في المغرب"، نكون قد خلصنا إلى القول: بان مؤسسة الجيش في المغرب، في الظرف الراهن، لا تخرج عن كونها مؤسسة عسكرية، تضع نفسها رهن إشارة الطبقة الحاكمة، والمؤسسة المخزنية، من أجل خدمة مصالحهما، التي هي في نفس الوقت مصالح جنرالات الجيش، الذين صاروا من كبار الملاكين في المغرب. ويبقى دور الجيش في المحافظة على وحدة التراب الوطنية، من الكويرة إلى السعيدية، ومن طنجة إلى ملتقى الحدود المغربية الموريتانية الجزائرية، رهينا بما يخدم مصلحة الطبقة الحاكمة، والمؤسسة المخزنية، أما دور الجيش في المحافظة على المصالح الحيوية لمجموع أفراد الشعب المغربي، وعلى مصالح كادحيه بالخصوص فغير وارد، كما تدل على ذلك كل الوقائع التي عاشها المغرب في عهد الاستقلال.
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
علي فقير ناشط حقوقي
+++++++++++++++
الملك يريد أن يحكم بفريق لا يجد إحراجا في العلاقات معهم
++++++++++++++++++++++++++++
في لقاء سريع عبر شبكة الانترنيت مع علي فقير بخصوص إشكالية الجيش.. السلطة والسياسة وصناعة القرار، أفادنا بما يلي:
+++++++++++++
يصعب علي أن أجيبكم بتدقيق على هذه الإشكالية بسرعة، لذا أكتفي بتسليط الضوء على الإطار العام الذي تقع ضمنه الإشكالية التي طرحتم. إن مسؤولية الأفراد في ما جرى وما يجري تتطلب المحاسبة ، وهذا شيء بديهي. وفي هذا الإطار لا يمكن إلا أن أسجل بتقدير عالي مواقف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي تناضل ضد سياسة الإفلات من العقاب في الجرائم السياسية والاقتصادية، وأحيي جرأتها على نشر لائحة المتهمين من طرف الضحايا، حيث يوجد حسني بنسليمان وحميدو العنكري من ضمن هؤلاء المتهمين، كما أقدر المجهودات التي تقوم بها بعض الصحف غير الحزبية ( ولا أقول المستقلة)، ومن ضمنها أسبوعية " المشعل" في التطرق إلى مواضيع "حساسة" تكاد تتجاوز الخطوط الحمراء. إن دور هذه الصحف ودور الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في مجال نشر أسماء الأشخاص المسؤولين، بشكل أو بآخر على الأوضاع الكارثية التي تتخبط فيها البلاد والتي تعاني الجماهير الشعبية من انعكاساتها، يعد مكسبا حقوقيا وإعلاميا جد مهم.
خلافا لدور الحركة الحقوقية الجادة ولدور الصحافة النزيهة في عملية التعرية على وجوه الخبثاء، فان المفكرين والمناضلين السياسيين يحاولون إبراز العمق الاجتماعي، والعمق الطبقي، والعمق السياسي... للفساد السائد، وللتسلط والاستبداد والاستغلال الذي يعاني منه الشعب المغربي وفي مقدمته الكادحون. فمهما كان دور ومسؤولية الأفراد في ما آلت إليه الأوضاع في المغرب، فان رحيل ( أو ترحيل) فرد أو مجموعة من الأفراد، لا ولن يحل عمق المشكل. لقد ذهب الجنرال أفقير في غشت 1972 فتسلط القمع الأسود على الجماهير وعلى قواها المناضلة ، خصوصا ابتداء من يناير 1973، وجاءت تزممارت والاختطافات الإعدامات... ذهب الجنرال الدليمي فلم تتحسن الوضعية، مات الحسن الثاني وأقيل إدريس البصري... فما ذا تغير في الواقع بالنسبة لعموم الجماهير؟ ان الأسباب في تعفن الوضع مرتبطة بطبيعة البنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية السائدة، وكذلك بطبيعة النظام السياسي القائم والذي لا يمكن أن يستمر إلا في إطار تعميم واستمرارية الفساد في مختلف المجالات وفي إطار القمع وفي إطار ديمقراطية مشوهة...
هناك بطبيعة الحال مشاكل (ثانوية بطبيعتها الطبقية والتي يمكن أن تحتد) داخل الأوساط العليا، وهي غير ناتجة على خلافات حول مفهوم السلطة أو طريقة تدبير شأن البلاد أو على تحفظات عن طبيعة النظامين الاقتصادي والسياسي. المسألة تتعلق في اعتقادي بحساسيات ذاتية ونفسيات أفراد لا تجمعهم تجربة مشتركة ولا صداقة حميمة نظرا للفرق الشاسع في العمر... فالملك يريد أن يحكم بفريق لا يجد إحراجا في العلاقات معهم ( أصدقاء الدراسة تربوا على احترام مرتبة الأمير والانصياع لأوامره) ولا يشك في نزاهتهم الفكرية، والبعيدين كل البعد عن الفكر التآمري والانقلابي، أمثال بعض قدماء اليسار وبعض المثقفين الذي بقوا خارج دائرة المتملقين للملك الراحل. لاشك أن المقربين من الملك يعملون جاهدين في رمي قشر الموز أمام أقدام غير المرغوب فيهم ، هذا من جهة، وفي عملية استقطاب من الأوساط المعارضة سابقا ومن وسط " نخب المجتمع المدني العذراء"، من جهة ثانية.
السؤال الذي يطرح نفسه يبقى هو مدى قدرة الملك ومحيطه، أي النظام، على تنحية عناصر استمدت قوتها ووزنها من مواقعها داخل أهم أجهزة الدولة، ومن نفوذها داخل أوساط لها وزنها، ومدى استعداد هذه العناصر للتخلي عن مواقع تؤمن لها هيبتها المعنوية وحصانتها وتضمن لها مصالحها الاقتصادية الخيالية التي راكمتها من خلال نهب المال العام واستغلال النفوذ وتشريد الفلاحين بالاستيلاء على أراضيهم ومن امتصاص دماء الكادحين... لقد استفاد هؤلاء من الفساد المرتبط بطبيعة الدولة المغربية، وهم من الذين سهروا على تعميق وإشاعة هذا الفساد. هل يمكن تنحية هذا الرهط من البشر بدون خسارة وبدون عواقب؟
أما عملية الاستقطاب فيمكن القول بأن النظام قد حقق فيها أشواطا مهمة: لقد تمكن من التدجين النهائي للقوى المعارضة الإصلاحية القديمة، من خلال مشاركتها في حكومة لا تمتلك صلاحية مهمة، حيث يعتبر وزراؤها خداما بكل معنى الكلمة للملك، ومنفذين لأوامر مساعديه. كما تمكن النظام من استقطاب عناصر فاعلة من الوسط الماركسي، تحولوا في رمشة عين من مناضلين في سبيل قضايا الكادحين ومختلف المقهورين إلى مروجين لبضائع المخزن الفاسدة وإلى بائعي الأوهام المرتبطة " بالعهد الجديد". ليست هناك ، في اعتقادي، رهانات تذكر حول تنحية البعض وتعويضهم بآخرين، لأن هذه الرتوشات تتم داخل جسم منخور في جوهره.
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
بيير فرمرن
مؤسسة الجيش حاضرة في صناعة القرار وستظل تلعب هذا الدور
بيير فرمرن PIERRE VERMEREN، فرنسي متخصص في التاريخ، عاش 8 سنوات بإفريقيا الشمالية، وخصوصا بالمغرب، حيث درّس التاريخ بثانوية ديكارت بالرباط لمدة 6 سنوات، وهو صاحب كتاب "المغرب في تحول" الصادر سنة 2001.
يعتبر بيير فرمرن أن الجيش بالمغرب ظل يلعب دورا كبيرا منذ أن وقع الجنرال ليوطي معاهدة فاس، وعلى امتداد مرحلة الحماية عوض الجيش الفرنسي باريس في تدبير "القضية المغربية".
وبعد الاستقلال، كانت مجموعة الضباط السامين المغاربة هم الذين شكلوا آنذاك المؤسسة الوحيدة المهيكلة هيكلة جيدة، التي تركتها فرنسا وراءها بعين المكان، وعلى امتداد الستينيات ساهم الجيش بدرجة كبيرة جدا في إرساء مغرب المستقبل من خلال أقوى شخصيتين آنذاك، الراحل الحسن الثاني ومحمد أفقير، اعتبارا للخصاص الحاصل في الأطر المغربية ذات الكفاءة آنذاك من جهاز الدولة. علما أن الملك الراحل الحسن الثاني (ولي العهد آنذاك)، كان أول ما بدأ به مباشرة بعد الإعلان عن الاستقلال، الشروع في تحديث وهيكلة القوات المسلحة الملكية تحت قيادته وإمرته المباشرة؛ وعلى امتداد فترة 1956 – 1972، كانت المؤسسة العسكرية حاضرة بقوة في مختلف دوائر صناعة القرار سواء المركزية منها أو المحلية.
لكن بعد موت الجنرال أفقير، تغير موقع المؤسسة العسكرية وفقدت مساحة شاسعة من هامش حريتها، إذ أضحت تحت الوصاية السياسية وأحيانا تحت رحمة وصاية الداخلية.
ولكن المغرب منذ منتصف السبعينيات إلى بداية الثمانينيات كان في حرب؛ وفي ظروف الحرب، كما هو الحال في جميع بلدان العالم، تلعب مؤسسة الجيش دورا أساسيا.
وبالنسبة لحالة المغرب، ظل القصر الملكي ووزارة الداخلية يدبران الركح السياسي والإداري، في حين لعب الجيش الدور الأهم بخصوص العلاقات الدولية (لاسيما على امتداد مرحلة الحرب الباردة) وكذلك على مستوى العلاقات مع الجزائر، هذا علاوة على تحكم جنرالاته في مجال التعاون العسكري مع إفريقيا، وقد تأكد هذا المنحى من خلال حصة الأسد التي تسيطر عليها المؤسسة العسكرية من ميزانية الدولة.
ولازالت المؤسسة العسكرية إلى حد الآن تلعب دورا أساسيا، إنها من المؤسسات القليلة التي تشتغل جيدا وتضمن أمن البلاد، وقوتها تكمن بالأساس في كونها تجعل المغرب في مكان التفاوض مع الولايات المتحدة والحلف الأطلسي وإسبانيا، وتجعل الجزائر لا تتجاوز الحدود.
كما أن دورها حيوي في مجال التعاون مع فرنسا وإفريقيا السوداء. وهذه مؤشرات جلية لقوتها وحضورها الأكيد في دواليب صناعة القرار بالمغرب وتوابعه، من تعيينات وتكليفات واختيارات، علاوة على الدور الردعي الذي ظلت تضطلع به إزاء مختلف الفاعلين بالمغرب، وهو دور مرئي للجميع لا يحتاج لبرهنة.
إن بيير فرمرن يرى أن مؤسسة الجيش بالمغرب مؤسسة قوية، ربما أقوى مؤسسة، واعتبارا لقوتها هذه، فإنها ظلت حاضرة في آليات صناعة القرار وتوابعه، وستظل تلعب هذا الدور.
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
عبد الرحيم العطري باحث في مجال السوسيولوجيا
الجيش سلطة فوق السلطة
عبد الرحيم العطري من الكتاب المغاربة القلائل الذين اهتموا بإشكالية علاقة المؤسسة العسكرية بالسلطة والسياسة وصناعة القرار بالمغرب، وهو صاحب مؤلف "صناعة النخب بالمغرب"، ويعتبر أن الجيش سلطة فوق السلط؛ وللدفاع عن هذه الأطروحة انطلق المؤلف منذ البداية، معتمدا على السيرورة التاريخية مع التركيز على تداعيات أحداث 16 مايو 2003 كأقرب محطة كرونولوجية وما حملته من تأثيرات بالغة على المجتمع المغربي قاطبة.
يرى عبد الرحيم العطري أن الجيش ظل حاضرا في الميدان رغم غيابه عن الواجهة، وما تصريح الجنرال حيمدو لعنيكري، باسم الجنرالات، إلا دليل على هذا، حيث قال إن الجيش لن يظل مكتوف الأيدي، وذلك للتأكيد على قوة المؤسسة العسكرية وموقعها الحاسم في الدائرة السياسية وسيرورة صناعة القرار بالبلاد، إذ أن للجنرالات يد طويلة في حكم المغرب نظرا وممارسة.
فبالنسبة لعبد الرحيم العطري، ظل هؤلاء الجنرالات يشكلون "نخبة النخبة العسكرية" وراء الستار، وهي نخبة تحوز سلطة فائقة تمكنها من التأثير المباشر في مختلف القرارات والاختيارات المعتمدة، وهذا الموقع ساهم إلى حد كبير في تقزيم دور الأحزاب السياسية من خلال المساهمة في صناعة القرار بالمغرب.
وإبان فترة من تاريخ البلاد عمدت بعض الفعاليات السياسية المحسوبة على المعارضة آنذاك إلى المرور، مضطرة من بوابة المؤسسة العسكرية، فاتجهت إلى الاتصال ببعض الضباط السامين ذوي النفوذ والمواقع الحساسة بنية تفعيل تغيير بالبلاد، وهذا ما كشفته جملة من الكتابات منذ منتصف التسعينيات، لاسيما بخصوص البحث عن تنسيق مجدي لقلب النظام الملكي.
وتساءل عبد الرحيم العطري، بخصوص قوة المؤسسة العسكرية، هل هي مستمدة من الصلاحيات المفوضة للقائد، للتصرف في الوحدة العسكرية، كتصرف الراعي في غنمه، لدرجة التحكم في مسار حياته العسكرية؟ أم أنها نتيجة للانضباط المفروض بدون حدود؟ أم، بكل بساطة، هي نتيجة لعملية التدجين الذي يخضع له كل من اختار الانخراط في الجيش، والتي تصل خلال مرحلة التداريب إلى درجة هدر الكرامة؟ أم أن الأمر مرتبط بالخوف السائد في صفوف الجيش؟
وأشار المؤلف إلى حالات من شأنها المساهمة في توفير عناصر الإجابة على هذه التساؤلات، ومنها حالة أديب وحالة الزعيم وجالطي وحالة القائد فنيش صاحب كتاب "علي بابا والأربعون حراميا".
وإذا كان الأمر كذلك، يتساءل عبد الرحيم العطري، متى سيهتم البرلمان بالمؤسسة العسكرية، وبهذا العرف السائد داخلها؟
ولرسم صورة عن النخبة العسكرية للقارئ، أحصى عبد الرحيم العطري عناصرها منذ حصول المغرب على الاستقلال سنة 1956، وخلص إلى عدد: 43 جنرالا ومئات من الضباط السامين، علما أن موقع الريادة بين هؤلاء، أجملهم في 5 مجموعات:
1) مجموعة تأسيس القوات المسلحة الملكية في فجر الاستقلال.
2) مجموعة الستينيات المرتبطة بحرب الرمال (تندوف).
3) مجموعة السبعينيات المرتبطة بحرب الصحراء والوحدة الترابية.
4) المجموعة التي تألقت في فجر العهد الجديد، عهد الملك محمد السادس.
5) مجموعة البعثات الدراسية إلى الخارج (جيل الضباط السامين الشباب).
وبخصوص إشكالية تدجين النخبة العسكرية، اختار عبد الرحيم العطري تناولها من خلال مواكبة سيرورة تشكل القوات المسلحة الملكية منذ نشأتها وما واكبها من عملية تفكيك للقوة التي كانت تنافسها آنذاك، جيش التحرير، والذي كان تحت هيمنة حزب الاستقلال عندما كان في أوج قوته.
إذ أن الأمر لم يكن سهلا ولا هينا، حيث كان لزاما اعتماد سياسة الترغيب أحيانا والترهيب أحيانا أخرى (سياسة الجزرة والعصا)، وكانت البداية بتعيين جملة من أعضاء جيش التحرير البارزين في مناصب سامية وإغداق الامتيازات عليهم، وبموازاة مع ذلك اعتماد سياسة منح بطاقة مقاوم التي تخول لحاملها بعض الامتيازات، وقد أثبت التاريخ، بالحجة والدليل، أنها منحت لمن هب ودب وحتى للقاصرين والخونة أحيانا بشهادة المقاومين أنفسهم، وبذلك اتضح بجلاء أن المخزن قد اعتمد مسلسلا إدماجيا نفعيا، وأحيانا انتهازيا، ضمن عبره وبفضله للمؤسسة العسكرية، منذ نشأتها، ولاءها الأكيد للقصر، وبهذا الخصوص تكون السياسة المعتمدة قد بلغت مقصدها بامتياز، حيث أضحى الجيش منذ البداية حليفا أساسيا للبلاط، وسرعان ما تأكد ذلك، وبجلاء، بمناسبة انتفاضة الريف سنة 1958 والدار البيضاء في نهاية مارس 1965.
ويقر عبد الرحيم العطري أن سياسة التدجين ظلت سارية المفعول إلى الآن، غير أنه لاحظ أن الامتيازات الممنوحة للاحتواء لا تطبق على مجموع المؤسسة العسكرية، وإنما تبقى مقتصرة على النخبة و"نخبة النخبة"، لأن المعني بها هم أصحاب الرتب العليا ليظل أصحاب المواقع الدنيا محرومين من تلك الامتيازات، إنها حكر فقط على "الزعماء العسكريين".
وفي نظر عبد الرحيم العطري، إن هذا الوضع لا يبعث كثيرا عن الارتياح، علما أن البعض يخالفونه في هذا الرأي، إذ يعتبرون أن الجيش بالمغرب مؤسسة مضبوطة متحكم جيدا في خيوط لعبتها، وهي المسيطرة الحقيقية على مجموع النسق، وذات موقع متميز بدوائر صناعة القرار وتحديد التوجهات الكبرى في ظل تهميش النخبة المثقفة وشلل النخب السياسية وتدجين المجتمع المدني. إن المؤسسة العسكرية هي الأكثر تنظيما وانضباطا وجاهزة سواء للتدخل عند اللزوم أو للتأثير في صناعة القرار وتوجيه الاختيارات الكبرى المعتمدة.
ويخلص عبد الرحيم العطري إلى القول بأن الجيش بالمغرب لم يكتف بدوره الطبيعي في حماية السيادة الترابية، بل انتقل بكل ثقله المادي والرمزي من حدود الوطن إلى حدود السلطة والسياسة، بل إلى كثير من المجالات والفعاليات المجتمعية المدنية كالرياضة والثقافة والميدان الاجتماعي.
ولعل أحسن وصف اعتمده الكاتب هو قوله إن العلبة البكماء داخل النسق المغربي (الجيش) تشكل سلطة فوق السلط.
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
خالد الجامعي صحفي
لو كنا في بلد ديمقراطي لسمي جيشنا الجيش المغربي
+++++++++++
يعتبر خالد الجامعي أن مهمة الجيش الأولى هي الدفاع على النظام، وأن القائمين على الأمور عملوا على تسييسه منذ نشأته، وكان من الحتمي أن يؤدي هذا الوضع إلى انقلابات عسكرية.
++++++++++++++++++
- ما موقع مؤسسة الجيش في صناعة القرار السياسي؟
+ إذا أردنا الإجابة على هذا السؤال لا مناص من الرجوع إلى التاريخ، وقبل ذلك وجبت الإشارة إلى قضية لا ينتبه إليها الناس، فكيف نسمي الجيش ببلادنا؟ أنسميه الجيش الملكي أو القوات المسلحة الملكية، إذن اسمه يدل على مهامه، ومهمته الأولى هي الدفاع على النظام، ولو كنا في بلد ديمقراطي لسمي "الجيش المغربي"، ومادام اسمه الجيش الملكي فهذا يعطيه دورا معينا وهو دور سياسي بامتياز، وهذا أمر قليلا ما يعطيه الناس الاهتمام.
ظل النظام دائما يستعمل الجيش في مشاكل داخلية، وباستعماله في مشاكل داخلية، يكون قد سيسه، وقد تأكد هذا المنحى ابتداءا من حرب الريف، فالذي قام بالقمع هناك هو الجيش، والذي قام بقمع انتفاضة الدار البيضاء، سواء الأولى أو الثانية، هو الجيش كذلك، والذي قمع انتفاضة فاس هو الجيش، وكذلك الأمر بالنسبة لطنجة وتطوان... حيث ظل القائمون على الأمور يجعلون الجيش خارج اللعبة السياسية ما دام النظام منحه دورا سياسيا.
فدور الجيش هو دور قمعي، فلو قدر الله ووقعت أحداث غدا في الدار البيضاء مثلا، سيتدخل الجيش. والحرب الوحيدة التي شارك فيها هي حسي بيضا وتلتها قضية الصحراء.
فعندما نمنح للجيش دورا سياسيا فإن ضباطه سيضطلعون بهذا الدور. وبالتالي لعب الضباط دورا سياسيا، فأفقير لعب دورا سياسيا، والجنرال أحمد الدليمي كذلك لعب دورا سياسيا... إن القائمين على الأمور أدخلوا الجنرالات في اللعبة السياسية. وهذا الوضع كان سيؤدي حتما إلى انقلابات عسكرية، لأن الضباط عندما تم تسييسهم شعروا أن في حوزتهم قوة، وأن استمرار النظام يتوقف على وجودهم في صفه وبجانبه، والانقلابان هما في نظري نتاج لهذا المسار، حيث منح للجيش دور سياسي.
- هل للجنرالات دور ما في تعيين الحكومة؟
+ أنا لا اعتقد ذلك، فالجنرالات لا يتدخلون إلا إذا شعروا بأن مصالحهم مست أو أنها ستتضرر، فهم لا دخل لهم في الحكومة، وهذا أمر لا يهمهم.
- أقاطعه.. ربما قد يكون هناك تعيين حكومة تتعارض مع مصالحهم، وبالتالي هل يمكنهم السعي نحو تعيين حكومة لا تمس بتلك المصالح؟
+ في نظري لا يجب إعطاء الأشياء أبعادا لا تحتملها، فالملك لم يستشر يوما الجيش في تكوين الحكومة أو تعيينها، فهكذا كان الحال في عهد الملك الراحل الحسن الثاني وكذلك الأمر في عهد محمد السادس.
لكن الجنرالات يتدخلون عندما يتعلق الأمر بمصالحهم، فمثلا عندما بدأ النبش في الماضي وفي الانتهاكات الجسيمة وفي تازمامارت، عمل هؤلاء على توقيف المسار لأنه يمس مصالحهم.
- كيف تقيمون قوة الجيش بالمغرب حاليا؟
+ صراحة أنا لا علم لي بما يقع داخل المؤسسة العسكرية، وبالتالي لا يمكنني أن أتحدث عن أشياء لا علم لي بها ولا أعرفها.
فهل هناك تيارات داخل الجيش؟ وهل هناك تيار إسلامي داخله؟ أنا لا أعلم شيئا عن هذه الأمور، لكن ما أعلمه هو ما تنشره الصحافة أو ما تعلق بقضية أديب والزعيم والجالطي الذين كشفوا أن هناك خللا في المؤسسة العسكرية.
فالآن ما أعرفه هو أن هناك "إِنَّ" كبيرة كما يقال، هناك أشياء بخصوص النزاهة تدل على وجود مشاكل عويصة داخل الجيش.
وفي واقع الأمر، إن القائمين على الأمور هم الذين كانوا سببا في الوصول إلى هذا الوضع الذي عليه الجيش الآن، ألم يسبق للملك الراحل الحسن الثاني أن قال للجيش: "ديروا لفلوس وبعدوا على السياسية"، وآنذاك منحت امتيازات لبعض الضباط الكبار إلى أن أصبحوا يكونون قوة اقتصادية، بل أصبحوا طرفا في المخزن الاقتصادي.
- باعتبار أن هناك مجموعة من الجنرالات يحتلون مواقع حساسة، فهل في نظركم يستشير الملك معهم في الأمور السياسية والشأن السياسي؟
+ عموما لا أظن أن الملك يقوم بذلك، بل لدي قناعة أنه لا الملك الراحل الحسن الثاني ولا الملك محمد السادس يقومان بذلك، لأنه لو وصلنا إلى هذا الوضع، عليه أن "يطوي ويجمع"، فعندما تستشير أحدا اليوم، تعترف له بقوة، وغدا يمكنه أن يستعملها ضدك.
فأنا أعتقد أن الملك محمد السادس لا يستشير بتاتا الجنرالات في الأمور السياسية، ربما قد يحدث هذا بخصوص بعض القضايا الأمنية أو ذات الصلة بها، أما فيما يخص الشأن السياسي فلا أعتقد حدوث هذا على الإطلاق، ومهما يكن الأمر، فليس في قيادة الجيش من لديهم بعدا سياسيا، فمع مَن سيستشير؟

إدريس ولد القابلة
رئيس تحرير أسبوعية المشعل



#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جودة التعليم والسكن اللائق حلمان أجهضا منذ سنوات
- الجدال حول -لا إنسانية- عقوبة الإعدام لم ينضج بعد
- القضية رقم 502/2006 لماذا لم يجرد بيريتز من جنسيته المغربية؟
- مفهوم العمل التطوعي بالمغرب
- الشبابقراطية ضرورة تاريخية
- حل قضية الصحراء لازال بعيدا والخوف كل الخوف من تدخل أمريكي ب ...
- الأيدز بالمغرب إلى أين؟
- جولة سريعة في كتاب -ضباط جلالة الملك-
- هل ممكن محاكمة المغرب
- القضاة يحكمون باسم الملك لكن هل يثق المغاربة ب قضاءهم؟
- إعدام عقوبة الإعدام بالمغرب
- زكاري كاتنيلسون – محامي جمعية - روبرايف-
- الجنرال حسني بنسليمان رمز من رموز سنوات الجمر و الرصاص بالمغ ...
- فؤاد عالي الهمة رجل الدولة القوي الذي أنقذ العنيكري
- سبع سنوات من حكم الملك محمد السادس ، هل الملك في ورطة ؟ الجز ...
- إدريس البصري و مسؤولية قتل 5000 مغربي
- الدكتور المهدي المنجرة النص الكامل للقاء الذي أجرته معه قناة ...
- سبع سنوات من حكم الملك محمد السادس ، هل الملك في ورطة ؟ الجز ...
- النهب يرتبط أساسا بنظام الحكم في المغرب
- مافيات عهد الحسن الثاني الجزء 5


المزيد.....




- زيلينسكي يقيل رئيس حرسه الشخصي بعد إحباط مؤامرة اغتيال مزعوم ...
- شوّهت عنزة وأحدثت فجوة.. سقوط قطعة جليدية غامضة في حظيرة تثي ...
- ساعة -الكأس المقدسة- لسيلفستر ستالون تُعرض في مزاد.. بكم يُق ...
- ماذا بحث شكري ونظيره الأمريكي بأول اتصال منذ سيطرة إسرائيل ع ...
- -حماس- توضح للفصائل الفلسطينية موقفها من المفاوضات مع إسرائي ...
- آبل تطور معالجات للذكاء الاصطناعي
- نتنياهو يتحدى تهديدات بايدن ويقول إنها لن تمنع إسرائيل من اج ...
- طريق ميرتس إلى منصب مستشار ألمانيا ليست معبدة بالورود !
- حتى لا يفقد جودته.. يجب تجنب هذه الأخطاء عند تجميد الخبز
- -أكسيوس-: تقرير بلينكن سينتقد إسرائيل دون أن يتهمها بانتهاك ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - إدريس ولد القابلة - كيف يتحكم الجنرالات في السياسة بالمغرب؟