أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - إدريس ولد القابلة - الجنرال حسني بنسليمان رمز من رموز سنوات الجمر و الرصاص بالمغرب















المزيد.....



الجنرال حسني بنسليمان رمز من رموز سنوات الجمر و الرصاص بالمغرب


إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)


الحوار المتمدن-العدد: 1724 - 2006 / 11 / 4 - 12:18
المحور: حقوق الانسان
    


على بعد أمتار فقط من مقر القيادة العامة للدرك الملكي، يوجد مقر الجامعة الملكية لكرة القدم المغربية التي ظل يتربع على كرسي رئاستها الجنرال حسني بنسليمان منذ أمد.
فقد كان خالدا على رأس الدرك الملكي، كما ظل خالدا على رأس الجامعة، ولا يفصل بين البنايتين إلا الشارع من الجهة الشمالية، أما من الجهة الشرقية لا يفصل مقر قيادة الدرك الملكي عن البناية التي كانت تأوي بالأمس القريب المعتقل السري "الكومبليكس" إلا طريقا ضيقا، هنا وهناك في البنايتين معا، قرر الجنرال حسني بنسليمان في مصير الكثير من المغاربة، منهم من قضى نحبه ومنهم من لازالت أجسامهم وعقولهم تحمل آثار علامات فترة الجمر والرصاص، وهي الفترة التي لعبت فيها لبنايتان المتجاورتان دور الريادة في انتهاكات حقوق الإنسان والدوس على الصفة الإنسانية.
ويعتبر الجنرال حسني بنسليمان قيدوم "ديناصورات" العهد الحسني، وظل في مكانه ولم يتزحزح عنه منذ أن تم تعيينه في السبعينيات على رأس الدرك الملكي، إنه أقدم رموز العهد القديم، وهو الوحيد الذي احتفظ بمواقعه، واستمرار حفاظه على موقعه العسكري والأمني والسياسي منذ أن عين قائدا للدرك الملكي إلى حد اليوم. يكفي وزيادة تأكيد درجة القوة والنفوذ التي يتمتع بها في دوائر السلطة ودواليب صناعة القرار بالمغرب، بحكم أن المؤسسة الملكية تعتبر أخطر مؤسسة وأكثرها سرية، وظلت من الطابوهات.
فهل ظل الجنرال حسني بنسليمان يلعب دورا جوهريا على امتداد سنوات الجمر والرصاص، وهل لازال يلعبه بخصوص السياسة الأمنية الآن، ولم يتزحزح من مكانه لأنه دعامة من دعائم مغرب الأمس، وحجر زاوية السياسة الأمنية لمغرب اليوم؟
مشوار طويل
الجنرال دو كور دارمي حسني بنسليمان، قائد الدرك الملكي، التحق بالأكاديمية بعد حصوله على الباكالوريا من "الكوليج الإسلامي"، بالدار البيضاء، في منتصف الخمسينيات.
تخرج سنة 1959 وترقى إلى رتبة قبطان سنة 1965، قبل التحاقه بديوان الجنرال محمد أوفقير، الذي سرعان ما عينه على رأس وحدات التدخل السريع (السيمي).
استفاد حسني بنسليمان من علاقاته العائلية لتقوية موقعه مبكرا، تزوج من عائلة حصار دائعة الصيت بالعدوتين، وعبد الكريم الخطيب خاله، وإسماعيل العلوي، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية ابن أخته.
في سنة 1967 التحق بمديرية الأمن الوطني، ثم شغل مناصب إدارية مهمة، إذ اضطلع بمهام عامل إقليم طنجة ثم القنيطرة لفترة وجيزة ثم مكناس. وعندما كان على رأس إقليم الغرب ربط علاقات وثيقة مع الضابط الأمريكي "بلير" والكولونيل "بنيت" بالقاعدة الأمريكية.
ترقى إلى رتبة كولونيل سنة 1976، وبعد تعيينه قائدا للدرك الملكي بدأ يحرق أشواط الترقية بسرعة، من عقيد إلى جنرال دو ديفيزيون إلى جنرال دو كور دارمي سنة 1994، وهي أعلى رتبة عسكرية في المغرب.
يقر أحد مصادرنا المطلعة أن الجنرال حسني بنسليمان هو الذي اقترح على الملك محمد السادس خلع إدريس البصري، وعندما تم ذلك قام بسد الفراغ، لاسيما في شقه الأمني.
لم يكن أحد ينافس الجنرال حسني بنسليمان على قيادة الدرك الملكي، ما عدا حميدو لعنيكري الذي كان يطمح على الدوام أن يعوضه، لكن حسني بنسليمان أعدم طموحه في المهد حينما أبعده عن الساحة و "صدره" إلى الإمارات العربية المتحدة حيث تغير مساره.
ظل الجنرال حسني بنسليمان حاضرا في مختلف المباحثات العسكرية مع الدول الحليفة أو الصديقة التي تربطها بالمغرب اتفاقيات وبروتوكولات التعاون العسكري، ومنذ أن عينه الملك الراحل الحسن الثاني على رأس الدرك لم يتزعزع من مكانه، ومع تولي الملك محمد السادس سنة 1999 ظل محتفظا بموقعه رغم الاتهامات التي وجهتها له الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وجملة من فعاليات المجتمع المغربي.
ولعل من المستجدات التي تم الكشف عنها بخصوص الجنرال حسني بنسليمان فيما يخص ملف اغتيال المهدي بنبركة، تأكد أنه اضطلع بمهمة المداومة يوم 29 أكتوبر 1965 بمقر الكاب 1، الشيء الذي دفع القاضي الفرنسي لاستدعائه كشاهد في النازلة.
وعموما ظلت بصمات الجنرال حسني بنسليمان حاضرة في آليات صناعة القرار السياسي لكن دون أثر بين. لقد ظل يؤثر في الظل لكن بقوة، علما أن تصريف الأمور تكون بيد المدنيين، السياسيين والوزراء والبرلمانيين، وزادت قوة تأثير الجنرال بحكم دوره في القطاع الرياضي وثقل مصالحه في القطاع الاقتصادي.
ومن الأمور التي أثارت جدلا كبيرا بإسبانيا توشيح الملك خوان كارلوس للجنرالين حسني بنسليمان وحميدو لعنيكري سنة 2005 بوسام قلادة "إزابيل الكاتوليكية"، إذ نددت جملة من الصحف الإسبانية بهذا التوشيح ملوحة بتورط الجنرالين في قضايا التعذيب والاختطاف والاختفاء القسري.
واستغربت جهات إسبانية عديدة بتزامن هذا التوشيح مع مطالبة إسبانيا بمحاكمة بينوشي، مصرحة أنه إذا كانت إسبانيا في حاجة إلى تعاون العناصر الأمنية المغربية، فإنها ليست ملزمة بتوشيح صدورها.

موقع الجنرال
منذ وفاة الجنرال الدليمي احتل حسني بنسليمان موقعا مركزيا في الرقعة السياسية بالمغرب.
وكان زواجه من إحدى بنات عائلة "حصار" السلاوية قد مكنه من التموقع بسهولة، ومنذ البداية، بدائرة أوفقير. وكان الوحيد من فوج محمد الخامس - أول فوج من الضباط تخرج بعد الاستقلال – الذي ترقى بسرعة واضطلع بمسؤوليات كبيرة، وفي سن مبكرة لم يسبق أن احتلها أحد، لا قبله ولا بعده، في سنه.
في البداية ترأس فرق التدخل السريع (السيمي)، ثم اضطلع بمهمة المندوب السامي لوزارة الشبيبة والرياضة، وكذلك البريد ومدير الأمن الوطني، ومفتش عام للقوات المساعدة، وعامل على طنجة ثم القنيطرة وأخيرا قائدا عاما للدرك الملكي منذ 1974 إلى حد الآن.
ويرى فيه محجوب الطوبجي، وريث الجنرال أحمد الدليمي منذ سنة 1983، موقعا ونفوذا.
لقد خبر الجنرال حسني بنسليمان كل دواليب الأجهزة الأمنية بالمغرب، واضطلع بمسؤولية مدير الأمن في أوج سنوات الجمر والرصاص في عهد الجنرال محمد أوفقير. وكان يرافق هذا الأخير في كل تحركاته خارج العاصمة، بما في ذلك تنقلاته إلى القاعدة الجوية بالقنيطرة قبيل الهجوم على الطائرة الملكية في غشت 1972.
ومنذ 1983 أصبح الجنرال حسني بنسليمان، أقوى رجل، بعد الملك، بالمغرب، وزادت قوته وتصاعد نفوذه بعد تثبيت رجال ثقته في العديد من مواقع المسؤولية ودوائر صناعة القرار.
وحسب محجوب الطوبجي، لتسريع تجميع شروط التخلص من إدريس البصري، افتعل الجنرال حسني بنسليمان قمع تحركات الجماهير بالعيون والسمارة، وتجاوز الحدود في التصدي إليها، لكن حرص أن يبقى في الظل كعادته، ونفس الشيء حصل مع حميدو لعنيكري، الذي برز في الصورة، وظل الجنرال في الظل.
وجاء في كتاب "ضباط صاحب الجلالة" أن الجنرال حسني بنسليمان قال يوما لأحد مقربيه: "لا يمكن قيادة الدرك الملكي دون استعمال عناصر مستعدة للقيام بأي شيء مهما كان، حتى "المهام القذرة"".
قوة الجنرال من قوة مؤسسة الجيش
ظلت مؤسسة الجيش بالمغرب وجنرالاته من المناطق الممنوع الحديث عنها، ولم يسبق في عهد الملك الراحل الحسن الثاني أن تم تسليط ولو بصيص من الضوء على موقع رجالات الجيش في النسق السياسي ودواليب صناعة القرار.
فحتى البرلمان لم يكن يتجرأ الخوض في الحديث عن المؤسسة العسكرية، ما عدا بخصوص التنويه بها أو المصادقة بالإجماع، توا وبدون مناقشة، على الميزانية الخاصة بها مهما كان الأمر. فلم يسبق في تاريخ البرلمان المغربي أن ناقش الميزانية العسكرية أو تناول موضوعا مرتبطا بها.
وتضم المؤسسة العسكرية، القوات المسلحة (البرية والجوية والبحرية) والدرك الملكي والقوات المساعدة إضافة للأمن الوطني.
لكن في نهاية عهد الحسن الثاني وبداية عهد محمد السادس، بدأت بعض الأصوات الشجاعة تكسر الصمت الذي ظل يلف هذه المؤسسة لفضح مختلف أشكال الفساد بها واستبداد بعض رجالاتها. وإذا كان أصحاب هذه الأصوات قد أدوا الثمن غاليا، فإنهم دشنوا طريق تحطيم الطابو.
ومع انكشاف خلايا التطرف، بدأت تظهر علامات اختراق المؤسسة العسكرية من طرف الإسلاميين، وتأكد هذا الأمر مع جماعة "أنصار المهدي".
ولكن ظلت الصورة الماثلة في الذاكرة الشعبية، بخصوص الجيش المغربي، مرتبطة بالمحطات السوداء وسنوات الجمر والرصاص التي طبعت تاريخ المغرب الحديث، لاسيما تدخلات العسكر في أحداث أسقطت الكثير من الضحايا والاستياء في نفوس أغلبية المغاربة من مختلف الأجيال بدءا من نهاية الخمسينيات (الريف 1958 – 1959)والستينيات (انتفاضة مارس 1965) والثمانينيات (انتفاضة الخبز 1981 و 1984) والتسعينيات (الاحتجاجات الشعبية 1990).
لم يكن يخفى على أحد بالمغرب قوة المؤسسة العسكرية، لكن ما ظل غامضا هو موقعها إزاء السلط، وهل هي فعلا تمثل سلطة فوق مختلف السلط؟
بدأ هذا التساؤل في البروز منذ السبعينيات، بعد المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين.
وتأكد هذا الأمر بجلاء بعد أحداث 16 مايو 2003، إذ صرح الجنرال حميدو لعنيكري قائلا: "بأن الجيش لن يظل مكتوف الأيدي إذا ما وصل الإسلاميون إلى سدة الحكم".
وقد اعتبر البعض أن هذا التصريح يوحي، بشكل واضح أن مؤسسة الجيش تلعب دورا جوهريا في صناعة القرار وتوجيهه، وهذا ما جعل بعض الجنرالات الوازنين يرسمون، في الظل، خطوطا حمراء، ربما هي التي تقف وراء جملة من القضايا المستعصية، وعلى رأسها، التخلي عن رموز العهد ما قبل الجديد، ومنهم قيدوم ديناصورات العهد الحسني، الجنرال حسني بنسليمان والجنرال عبد العزيز بناني، اللذان يعتبران من أقوى وأنفذ جنرالات المملكة الذين يفوق عددهم الأربعين جنرال.
ويرى بعض المحللين، أن من بين مؤشرات قوة المؤسسة العسكرية (ومنها قوة ونفوذ بعض الجنرالات)، مسلسل التراجعات على المكتسبات المحققة في مجال حقوق الإنسان والإقرار بدولة الحق والقانون، خصوصا منذ أن بدأت فعاليات المجتمع المدني تنعت بأصابع الاتهام بعض رموز العهد الحسني، وعلى رأسهم، قيدومهم الآن، الجنرال حسني بنسليمان.
وذهب هؤلاء إلى أن سيرورة التغيير ستظل مكبحة ما دام رموز الماضي يتحكمون في المؤسسة العسكرية وفي الدرك الملكي، ولم تتخلص الأجهزة الأمنية من أحد أولائك إلا مؤخرا بفعل تداعيات ملفي "أنصار المهدي" و "الشريف بين الويدان". وكل هذه الرموز، التي لازالت تحتل مواقع وازنة في دواليب صناعة القرار (وأغلبها عسكرية أو أمنية)، لا ترغب بأي حال من الأحوال في المساءلة بخصوص الماضي.
إن المؤسسة العسكرية تشكل حاليا، حسب رأي الكثيرين، أهم عرقلة في وجه تسريع سيرورة التغيير والإصلاح، علما أنها هي الجهة المؤهلة لحماية النظام من أي استياء شعبي عارم. وقد سبق للأمير مولاي هشام أن صرح لجريدة "لباييس" الإسبانية أن الجيش ظل يشكل مصدر قلق أكيد في سيرورة الانتقال.
جيل الجنرال حسني بنسليمان
إذا كان جل جنرالات الجيل الأول والثاني قد غابوا حاليا من الصورة ولم يعد لديهم أي تأثير، فهناك استثناء واحد، الجنرال حسني بنسليمان.
فالجيل الأول اضطلع بمهمة التأسيس، ومن رجاله إدريس بن عمر ومحمد بنعيسى وعبد الحفيظ العلوي، أما الجيل الثاني، الذي ينتمي إليه الجنرال حسني بنسليمان، برزت أغلب عناصره في حرب الرمال في فجر الستينيات أو في المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين بخصوص بعضهم.
في حين كانت الصحراء هي مجال بروز الجيل الثالث، ومن ضمنهم المفتش العام للقوات المسلحة وقائد المنطقة الجنوبية، الجنرال عبد العزيز بناني الذي يشكل بجانب الجنرال حسني بنسليمان الثنائي الأقوى بالمؤسسة العسكرية.
وهناك حاليا جيل رابع تميز بالأساس بنوع من التحرر من طابع السرية والانغلاق اللذين ظلا يطبعان المؤسسة العسكرية، وأبرز ممثلي هذا الجيل، الجنرال حميدو لعنيكري، أما الجيل الخامس، فقد برزت عناصره في وضع صعب، وتميزوا أساسا بالتخلص من الخوف والرعب اللذين طغيا وسط المؤسسة العسكرية، إذ تمكن بعض الضباط من فضح جوانب من الفساد المستشري في الجيش، وهي الطريقة التي دشنها ضباط شباب من أمثال أديب والجالطي.
ويعتبر الجنرال حسني بنسليمان من الجيل الثاني في تاريخ الجيش المغربي. وإذا كان أبرز عناصر هذا الجيل قد لعبوا دورا في حرب الرمال ضد الجزائر في أكتوبر 1963، فإنه (حسني بنسليمان) لم يسبق له أن خبر ركح المعارك، خلافا لجنرالات جيله من أمثال لوباريس وأشهبار والقادري وعروب وأوفقير والمذبوح. وكل هؤلاء إما أحيلوا على التقاعد أو خانوا فتمت تصفيتهم، ولم يبق الآن من هذا الجيل الثاني للجنرالات حاضرا بكل ثقله ونفوذه سوى الجنرال حسني بنسليمان، الذي ظل حاضرا بكل ثقله ونفوذه، محتلا أعلى رتبة عسكرية في المغرب الآن.
عسكرة كرة القدم
ساهم الجنرال حسني بنسليمان في عسكرة كرة القدم، الرياضة الأكثر شعبية بالمغرب منذ فجر الاستقلال.
وقد تأكدت هذه العسكرة (من جديد) عند اضطلاع الكولونيل المهدي بلمجدوب بمنصب ناخب وطني في التسعينيات.
كما أن الجنرال حسني بنسليمان عمل دائما على تسهيل مهمة العسكريين والأمنيين لاحتلال مناصب بارزة حتى على صعيد الفرق. وفي هذا الصدد يمكن استحضار أمثلة عديدة، منها الكوميسير عبد اللطيف المسفيوي بفريق رجاء بني ملال، والكولونيل العلام بفريق اتحاد سيدي قاسم، والكابتان الملياني المكي والليوتنان كولونيل محمد اعبابو بفريق الجيش الملكي، والكوميسير امحمد أحضاهين بالوداد والكوميسير محمود عرشان بفريق اتحاد الخميسات.
إن هيمنة الجنرال حسني بنسليمان على قطاع الرياضة أكثر شعبية بالمغرب لم يكن صدفة، وإنما كان أمرا مدروسا، حركه بالأساس الهاجس الأمني. لقد كان من الطبيعي أن تتحكم السلطة عن قرب، في هذا القطاع "الشعبي"، فمادام أن الهاجس الأمني هو الموجه الأول لتدبير الأمور بالبلاد، كان من الطبيعي جدا أن لا تترك السلطة قطاع الرياضة، ولاسيما كرة القدم، بدون تأطير "أمني" من الداخل اعتبارا للقوة التي كان يمثلها، وكان أقصر السبل هو إدماج عناصر عسكرية وأمنية في مجال التسيير الكروي، لذلك تم إشراك العسكريين في القيام على أمور العديد من الاتحادات الرياضية ولتسيير الكثير من الفرق القوية أو تلك المتواجدة في المدن الكبرى.
من هذا المنظور وجب النظر إلى فرض بلمجدوب كناخب وطني إلى حدود زعزعته بفعل الرجة التي أحدثتها هزيمة الفريق الوطني المغربي أمام الفريق الجزائري بالدار البيضاء بحصة ثقيلة جدا (خمسة أهداف لواحد) في نهاية سنة 1979 (تصفيات الألعاب الأولمبية). آنذاك بتعليمات صارمة من الملك الحسن الثاني عمل الجنرال حسني بنسليمان على إحداث لجنة مؤقتة سرعان ما ترأسها من جديد عسكري، الجنرال إدريس باموس.
وبذلك ظل الجنرال حسني بنسليمان يتحكم في قطاع الرياضة الأكثر شعبية بالمغرب، منذ أن عمل على عسكرته.
كما أن احتفاظه بموقعه الرياضي يعكس، بما لا يدع أي مجال للشك، درجة نفوذه. إن الجنرال حسني بنسليمان يعتبر الوحيد "من ديناصورات" عهد الحسن الثاني الذي يتربع على كرسي القيادة في القطاع الرياضي، في وقت أبعدت الوجوه الأخرى من أمثال محمد المديوري.
ومهما يكن من أمر، فالغالب أن السلطة ظلت تحبذ مكوث عسكري يتحكم في قطاع كرة القدم، الرياضة الأكثر شعبية، وهذا من التعابير الجلية على استمرار حضور الهاجس الأمني في تدبير الأمور في مختلف القطاعات، وبالتالي فإنها حالة طبيعية جدا وليست نشازا.
وقد صدق من قال: "كم من قطاع عرف الإفلاس بالمغرب لأن المسؤولية فيه أسندت لغير أهلها".
في حين ظل خطاب الجنرال حسني بنسليمان حول الفكرة القائلة: "يجب أن نحافظ على تقاليدنا المبنية على احترام الفريقين المتنافسين والحكام والجمهور، وترسيخ فكرة اللعب".
فهل فعلا تم تكريس فكرة اللعب النظيف على صعيد إدارة الشأن الكروي وتدبير ماليته؟ هذا هو السؤال.
الجنرال والرياضة
ظهرت ميولات الجنرال الرياضية "بالكوليج الإسلامي" بالدار البيضاء، حيث كان يتابع دراسته الثانوية كداخلي. تألق بين أقرانه في بداية الخمسينيات في القفز العلوي. ففي سنة 1953 توج بطلا لفرنسا في فئة الفتيان بعد أن تمكن من اجتياز 1.93 متر، كما برز في رياضات أخرى، كسباقات السرعة ورمي الرمح، غير أنه فضل مزاولة كرة الطائرة في صفوف فريق "شارل نيتير" الذي كان يضم يهودا ونصارى، لكنه في نهاية المطاف التزم كحارس مرمى لفريق الجيش الملكي، إلى جانب المدافع الكولونيل مهدي بلمجدوب إلى حدود 1962.
كتب أحد الصحفيين الفرنسيين أن الجنرال حسني بنسليمان من الجنرالات الوازنين بالمغرب، ظل على رأس الجامعة الملكية لكرة القدم بالتصفيق وليس بالانتخابات الفعلية، ولأنه كذلك لم يسبق له أن أعطى توضيحات للمغاربة بخصوص القرارات التي يتخذها، كما أنه لم يسبق له أن عقد أي لقاء مع الصحافة أو نظم ندوة صحفية علنية، لأنه جنرال ولا يمكن محاسبته، لا بخصوص تدبير شؤون الجامعة ولا اللجنة الوطنية الأولمبية، فالجنرالات في المغرب لا يحاسبون وليسوا مطالبين بتوضيح القرارات التي يتخذونها.
ونفس هذا الصحفي تساءل عن مآل ملعب مدينة فاس قائلا.. في بلد يحتضن ملايين الفقراء وجيوشا من العاطلين حاملي الشهادات، أعطيت الأوامر سنة 2003 لتشييد ملعب مدينة فاس، وفعلا تم تشييده بأعلى المواصفات وصرفت عليه الملايير، وعندما تبين أن المغرب لم يحظ بتنظيم المونديال ظل الملعب مقفولا ولم يستفد منه المغاربة، بل أهمل إهمالا، وبعد سنتين أضحى خرابة، ولم يحاسب أي أحد بهذا الصدد، وهذا لأن رئيس الجامعة جنرالا، والجنرال بالمغرب، كما سلف الذكر لا يخضع للمحاسبة، بل تطاع أوامره فقط.
وظل البطل العالمي سعيد عويطة يجهر بعدائه البين للجنرال حسني بنسليمان، بصفته رئيسا للجنة الأولمبية المغربية، حيث ظل يرى فيه رأس الفساد في المجال الرياضي. بل ذهب به الأمر إلى اعتبار أن كل من "يتعامل معه فاسدا"، واستمر سعيد عويطة في التشكيك في سلامة تدبير الأموال الطائلة التي كانت تتقاطر على اللجنة الأولمبية، وفي هذا الإطار تساءل عن مآل مليار و800 مليون سنتيما، منحتها الشركة الأمريكية "نايك" للجنة الأولمبية، وكذا المبالغ المسلمة لها من طرف اتصالات المغرب وبنك المغرب وشركة سيدي علي وغيرها.

الجنرال عبد العزيز بناني قرين الجنرال حسني بنسليمان في القوة والنفوذ
من الأمور التي ظلت تثار بخصوص الجنرالين حسني بنسليمان وعبد العزيز بناني، والتي أثارتها كذلك بشدة بعض وسائل الإعلام الإسبانية، إشكالية مراكمة الثروات عبر صفقات شراء اللحوم من الأرجنتين وأستراليا، وعبر الغرامات المفروضة على بواخر الصيد، لاسيما الإسبانية منها، التي تزاول نشاطها في المياه المغربية. وفي هذا الصدد، يقول كذلك محجوب الطوبجي إن كل من الجنرال حسني بنسليمان والجنرال عبد العزيز بناني وظفا مكرهما وخبرتهما في بلورة طرق وأساليب لمراكمة المزيد من الثروات، ولم يتركا أي سبيل إلا ومارساه، بما في ذلك التقليل من كمية الوجبات الغذائية المخصصة للجنود سواء في ساحة المعركة أو في الثكنات، وتهريب المواد المدعمة من الأقاليم الجنوبية (الزيت، الدقيق، البترول) لإعادة بيعها بالأقاليم الداخلية للمدنيين بثمن أعلى.
محطات موضع التساؤل
بعد اعتلاء الملك محمد السادس عرش البلاد، كان الكثيرون ينتظرون التخلي عن خدمات الجنرال حسني بنسليمان، لا سيما بعد خلع وزير الداخلية السابق إدريس البصري، لكن على العكس من ذلك، تبين أن الجنرال ازداد قوة ونفوذا.
فبعد فشل المحاولة الانقلابية الثانية في غشت 1972، تكلف الجنرال حسني بنسليمان بالتحقيقات مع العسكريين المتورطين الذين اختطفوا من السجن المركزي بالقنيطرة لإيداعهم بمعتقل تازمامارت الذي ظل مرتبطا باسم الكولونيل فضول، الذي عمل تحت الإمرة المباشرة للجنرال.
وكانت سلطة الجنرال واسعة، إذ اعتبر الكثيرون أنه كان في إمكانه تخفيف الوطأة على ضيوف آكل البشر تازمامارت، وكذلك تخفيف معاناة عائلة أوفقير إلا أنه لم يحرك ساكنا، فقد ظل الجنرال حسني بنسليمان يدبر أمور المعتقلات السرية بعد أحمد الدليمي.
فالجنرال حسني بنسليمان كان على علم بما يجري ويدور في المعتقلات السرية، لاسيما تلك الواقعة، خارج العاصمة الإدارية والعاصمة الاقتصادية، في تازمامارت وأكدز وقلعة مكونة وتاكونيت، وكانت كلها من قبيل مهام التدبير اليومي لديوان الجنرال.
وبخصوص قضية المهدي بنبركة، يقر محجوب الطوبجي في كتابه "ضباط صاحب الجلالة" أن حسني بنسليمان كان في المداومة "الكاب 1" يوم اختطاف المهدي بنبركة من أمام مقهى "ليب"، بباريس بفرنسا، في هذا الوقت كان عبد الحق القاديري ملحقا عسكريا بسفارة المغرب هناك، وقد أعرب القضاء الفرنسي عن رغبته في الاستماع لهما (بنسليمان والقادري) في ملف النازلة، وما يهم القاضي الفرنسي المكلف بالتحقيق هو اتصال الفرنسيين "لوبيرز" و "بوشيس" بالجنرال حسني بنسليمان بأمر من محمد أوفقير وأحمد الدليمي.
الجنرال والمجال الحقوقي
ظل اسم الجنرال حسني بنسليمان على رأس قائمة اللائحة السوداء للمنظمات الحقوقية بجانب حميدو لعنيكري والكولونيل فضول، بخصوص المسؤولية في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
ذكر اسم الجنرال حسني بنسليمان أكثر من أي اسم آخر من طرف ضحايا سنوات الجمر والرصاص. وقد أقرت أكثر من جهة أنه من 1973 إلى 1990، كان يذهب مرارا إلى سجن تازمامارت وكان هذا أمرا طبيعيا آنذاك باعتبار أن قيادة الدرك الملكي هي التي أوكل لها ملف ضيوفه. وكانت هذه المهمة الوحيدة التي تكلف بها فضول بجانب سجن عائلة الجنرال محمد أوفقير على امتداد مشواره الوظيفي، وتتبع خصوعهم للموت البطيء فضول هذا عمل تحت الإمرة المباشرة للجنرال حسني بنسليمان.
ويقر مدحت روني برويكات أنه أقتيد رفقة شقيقه يوم 2 شتنبر 1976 إلى مقر القيادة العامة للدرك الملكي بالرباط، وظلوا هناك وهم محتجزون أكثر من أربع سنوات ونصف في فضاء كان يمر عليه الجنرال حسني بنسليمان يوما قبل نقلهم إلى تازمامارت، ويقول بوريكات:" إن كان الجنرال لا يد له في الأمر باعتقالنا إلا أنه تحمل مسؤوليته بخصوص الوضعية المزرية التي عانينا منها عندما كنا في ضيافة بمقر القيادة العامة للدرك الملكي". ويضيف ..:" وكان من الطبيعي أن يتصرف الجنرال على هذا المنوال باعتباره أحد خريجي مدرسة أوفقير والدليمي الذين تمرسا تحت إمرتهما".
جلسة فطور مع الجنرال
بعد عودته إلى المغرب استدعى الجنرال حسني بنسليمان محجوب الطوبجي إلى إقامته بحي السويسي بالرباط في يناير 1986 واستقبله استقبال الأصدقاء المقربين في صالونه الفاخر، علما أن آخر لقاء بين الرجلين كان بزنزانة القاعدة الجوية بسلا في يوليوز 1984، بعد 18 شهرا من الاحتجاز القسري.
كانت طاولة الفطور تحتوي على كل ما تشتهيه النفس، دار الحديث حول مستقبل العلاقات بين الرجلين، مع رغبة الجنرال في الإطلاع على بعض من الأسرار التي يحملها الطوبجي.
وانتهى اللقاء بتحديد موعد مع الجنرال عبد الحق القاديري بمكتبه بـ "لادجيد"، في هذا اللقاء نصح رئيس "لادجيد" الطوبجي بتقديم استقالته لتكليفه بإدارة شركة بالدار البيضاء، وهي إحدى الشركات التي سبق للجنرال الدليمي أن استحوذ عليها تحت غطاء المغربة سنة 1973 لتمويل "لادجيد".
وانتهى اللقاء برفض الطوبجي لهذا الاقتراح.

من قتل الكولونيل بوعطار وابنه؟
يقرر محجوب الطوبجي أن سر مقتل الكولونيل محمد بوعطا وابنه، سنوات بعده، ليست بيد الجنرال حسني بنسليمان.
فالأب والابن لقيا حتفهما من أجل قضية واحدة.
وتعود القصة إلى عهد الجنرال أحمد الدليمي، الذي كان الكولونيل محمد بوعطار أحد رجاله، وهو المسؤول على وحدة صياغة ومراقبة آليات ومعدات الحرس الملكي.
كان بوعطار لا يحتمل محمد المديوري ويكن الواحد منهما العداء للآخر، وكان يتجسس كل منهما على الآخر ويتابع حركاته وسكناته.
تمكن الكولونيل بوعطار من وضع اليد على سر خطير يخص محمد المديوري، ورغبة في التخلص من غريمه أبلغ شخصيا ذلك السر الخطير إلى الملك الحسن الثاني.
وحسب أحد المقربين من القصر، إن نهاية الجنرال الدليمي الغامضة كانت بسبب ذلك السر الخطير الذي أبلغه الكولونيل محمد بوعطار إلى الملك. وبالتالي فإن اختفاء الدليمي لا علاقة له بمحاولة التهييئ للانقلاب كما انتشر بين الكثيرين، ما دام أن الجنرال أحمد الدليمي قد بلغ من النفوذ والقوة ما جعله يفعل ما يريد، ولم يكن في حاجة لمزيد من السلطة.
بعد علمه بالسر أمر الملك الحسن الثاني الكولونيل بوعطار بمراقبة محمد المديوري، ويبدو أن السر تأكد بفندق "كرييون" بباريس، وهذا ما أكده محجوب الطوبجي في كتابه الأخير.
وبعد مدة غاب الكولونيل بوعطار ولم يظهر له أثر، وحسب إدريس البصري أن فرقة الدراسات والأبحاث (B.E.R)، التابعة للدرك الملكي لها يد في هذه القضية.
بعد اختفائه قيل إنه محتجز بإحدى الضيعات القريبة من الرباط، وبعد ذلك فقد. وكانت حادثة الدليمي بمراكش.
وفي مايو 1999، بدأ ابن بوعطار، مهندس في الثلاثين من عمره آنذاك يتقصى حقيقة اختفاء والده، الكولونيل في الدرك.
وكان من الطبيعي أن تكون أول جهة يقصدها القيادة العامة للدرك الملكي والجنرال حسني بنسليمان، لكن بعد مرور بضعة شهور تم العثور على جثة ابن بوعطار بإحدى العمارات القريبة من سينما الملكي.
اختفى ابن بوعطار ولم يكن ذنبه سوى التقصي عن حقيقة اختفاء أبيه.

اعتقال محجوب الطوبجي
يقول الطوبجي في كتابه إنه التقى بحسني بنسليمان، كولونيل ماجور آنذاك، في الذكرى الأربعينية لوفاة أحمد الدليمي، بمنزل هذا الأخير.
طلب الطوبجي رخصة للسفر إلى فرنسا قصد زيارة طبيب اختصاصي في أمراض العيون، وأودع طلبه لدى الكولونيل برنيشي، رئيس المكتب الثالث بالقيادة العامة للقوات المسلحة الملكية، آنذاك كان لزاما عرض رخص سفر الضباط إلى الخارج على الملك بصفته القائد الأعلى.
لم يعد الطوبجي أنه سيتم ربط طلب رخصة السفر بموت الدليمي.
ويضيف الطوبجي، يوم 9 مارس 1983 صباحا، اتصل به أفروخ ليخبره أن الملك يرغب في رؤيته بفاس، كان أفروخ هذا يعمل بالحرس الملكي تحت إمرة محمد المديوري، وفعلا رافق الطوبجي المبعوث، وعند الاقتراب من مدينة فاس، اتصل أفروخ بالقصر، وقيل له إن عليهما الانتظار بفندق المرينيين، وفي الزوال زار اليوتنان كولونيل بلقديم، رئيس الدرك الملكي بفاس، الطوبجي بالفندق وأخبره أن الكولونيل ما جور (آنذاك) حسني بنسليمان على علم باستدعائه للقصر وأنه عليه التوجه إلى مكتبه لانتظار موعد الاستقبال. في نفس الوقت حضر فضول رفقة دركيين بلباس الميدان لإخباره بالالتحاق بالجنرال حسني بنسليمان بالرباط.
خلقت هذه التغييرات نوعا من القلق في نفس الطوبجي.
توجه الطوبجي رفقة فضول نحو الرباط عبر طائرة مروحية، وفي المطار نقل في سيارة إسعاف عسكرية إلى مقر القيادة العامة للدرك الملكي، هناك أودع في محل خاص رفقة دركي يحرسه بالداخل ودركيين بالخارج، بعد تجريده من الحزام وربطة العنق.
وفي هذا الصدد، يقول الطوبجي: ".. في هذه اللحظة بالضبط عرفت أن عهد خلف أوفقير والدليمي، أي حسني بنسليمان قد بدأ".
ومن المعلوم أن جريدة "لوموند" الفرنسية قد أعلنت في عددها ليوم 11 مارس 1983 خبر اعتقال محجوب الطوبجي، ويعتقد هذا الأخير، أن نشر هذا الخبر هو الذي مكنه من البقاء على قيد الحياة.
يوم الأحد 13 مارس 1983، في وقت متأخر من الليل اقتيد الطوبجي إلى مكان غير بعيد من العاصمة، ويعتقد أنه أودع بمكان بتمارة. وبعد فترة قصيرة اقتيد إلى مكتب، ووجد نفسه وجها لوجه مع إدريس البصري وحسني بنسليمان، في صالون لإحدى الفيلات.
كان الغرض من هذا اللقاء، حسب رواية الطوبجي، التأكد مما يعرفه من أسرار الدليمي المرتبطة بهما.
اهتم إدريس البصري بمعرفة الشخص أو الأشخاص الذين كلفهم الدليمي بمراقبته.
ظل الطوبجي ضيفا بالفيلا مدة أسبوع، وحسب روايته لم يدق فيها طعم النوم إلا ليلتين، إذ كلف دركي من منعه من النوم كلما نال منه التعب، وبعد أسبوع نقل إلى زنزانة بمطار الرباط – سلا (الثكنة العسكرية التابعة للقاعدة الجوية)، وعلم الطوبجي، من خلال حديثه مع الدركيين الذين يحرسانه، أنه ليس الوحيد المحتجز بالقاعدة، فهناك كذلك الكولونيل محمد الحايك، الذي عوض الدليمي على رئاسة فيلق "أحد" والكولونيل حسن واليد، رئيس المواصلات بالجنوب، وشقيقه الحسين، أحد مرافقي الجنرال الدليمي، والكولونيل الهواري في البحرية المكلف بالحساب البنكي المتعلق بالمخالفات البحرية بالجنوب والتي كانت تؤديها بواخر الصيد بالعملة الصعبة، وكان كذلك من المحتجزين بعض المدنيين، منهم الطيب حابي كوميسير سابق في عهد أوفقير والخياط متصرف، تابعين لـ "لادجيد"، وبوبكر زروال كوميسير بـ "ديسطي"، هؤلاء كانوا يتمتعون بامتيازات حرم منها الطوبجي.
في منتصف يوليوز 1983 التقى هذا الأخير باليوتنان كولونيل (آنذاك) بلبشير (رئيس المخابرات العسكرية)، وكانت هذه الزيارة، حسب الطوبجي، محاولة لإعلان انصياغه وراء حسني بنسليمان.
وفي غضون شهر دجنبر 1983، أخبر الطوبجي أنه أعفي عنه رفقة باقي المحتجزين بالقاعدة الجوية، إلى أنه ظل معتقلا، الشيء الذي جعله يفهم أنها مجرد خطة للنيل من معنوياته.
وفي منتصف شهر مارس 1984 يتم نقل الطوبجي بزنزانة قرب باقي محتجزي القاعدة الجوية، وفي غضون شهر أبريل 1989 رأى الطوبجي من نافذة زنزانته قدوم إدريس البصري وحسني بنسليمان إلى القاعدة ثم مغادرتها لها رفقة محتجزين، الكولونيل الحايك والكولونيل الهواري، وفي اليوم الموالي أخلى سبيل الباقين، وظل الطوبجي محتجزا.
ويقول الطوبجي في كتابه إنه علم على لسان الدركيين الذين كانا يحرسانه أنه تمت مساومة المحتجزين بخصوص المبالغ الواجب دفعها لإخلاء سبيلهم.
ويضيف.. في 12 يوليوز 1984، زاره الجنرال حسني بنسليمان بزنزانته بمعية الكولونيل سربوت وبشره بقرب الفرج، كما أخبره أنه بإمكانه ممارسة الرياضة في انتظار لحظة الحرية، غير أنه مرت الأيام والشهور ولم يأت الفرج، فبدأ الطوبجي يخطط لهربه، وحدد ليلة عيد الأضحى لتنفيذه، وهذا ما كان، حيث تمكن من مغادرة زنزانته عبر ثقب حفره على امتداد شهور، ليلة 6 شتنبر 1984.
تمكن من الفرار واستطاع مغادرة المغرب، ومن فرسنا كلم إدريس البصري الذي بعث إليه مبلغا ماليا ووضع رهن إشارته تذكرة سفر قصد الرجوع بعد إخباره أن الملك صفح عنه ويدعوه لحضور حفل زفاف الأميرة لالة مريم.
وفي نهاية المطاف تمكن محجوب الطوبجي من مقابلة الملك بفرنسا في نهاية إحدى زيارته بعد أن أخبره الجنرال حسني بنسليمان برغبته في ذلك: وتمت المقابلة بحضور محمد المديوري والجنرال القادري، وكانت نهاية الحديث حسب الطوبجي بأن قال له الملك:
إن سألك أحد عن سبب غيابك، عليك القول بأنك كنت مريضا وأنا أرسلتك إلى الخارج قصد العلاج".
ويضيف الطوبجي.. بعد نهاية المقابلة سارع الجنرال القادري إلى الهاتف لإخبار الجنرال حسني بنسليمان بما جرى، آنذاك تيقن بأن هذا الأخير هو الذي أضحى يحتل موقع الجنرال أحمد الدليمي في المنظومة.
بعد نهاية المقابلة تقابل الطوبجي مع الكولونيل لعنيكري (آنذاك) الذي دعاه للغذاء بمطعم "لوفوكي" "بشان إليزي". إذ، حسب الطوبجي، لم يكتف بالجنرال القادري لتتبع الأمر، وإنما بعث بلعنيكري كذلك لنفس الغرض.
وفي 17 دجنبر 1985 عاد محجوب الطوبجي إلى المغرب.

حوار العسكري السابق والسياسي اليوم عبد الله القادري
قريبا سيتم إعفاء حسني بنسليمان

- وصلت بعض الأحزاب، في إطار مطالبها بتعديل الدستور، إلى ضرورة أن يراقب البرلمان الجهازين الأمني والعسكري بالبلاد، ما موقفكم من هذا المطلب؟
+ أظن أن احتياجات المرحلة بعيدة كل البعد عن مثل هذه المطالب، هناك أولويات لابد أن نفكر فيها اليوم، فالمواطن المغربي والمجتمع المغربي في حاجة إلى معالجة لمشاكله الراهنة وإلى اقتراحات ومطالب تصب في هذا الإطار. الدستور ليس بقرآن على كل حال، لكن المطالبة بتعديله لابد أن تتسم بنوع من الواقعية، نحتاج إلى تعديلات تتلاءم مع مسألة الجهوية، خصوصا موضوع الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية، كما قد نحتاج إلى تعديلات ترتبط بمهام واختصاصات مجلس المستشارين، أما ما عدا ذلك فلا أظن أن المرحلة تفرضه.
- هل هذا يعني أنه لا يمكن مساءلة الجهازين الأمني والعسكري؟
+ بلا، هذا ممكن طبعا، لكن في الحدود التي تسمح بها سرية هذين الجهازين، يمكن مثلا أن نسائل هاتين المؤسستين فيما يخص النفقات وفيما يخص بعض القضايا المسموح للعموم بالإطلاع عليها، لأنه وكما هو الحال بالنسبة لكثير من الدول، للأمن وللجيش أسرار لا يمكن إشاعتها، وإلا سنكون عرضة للا أمن كما قد نكون عرضة لإضعاف موقعنا اتجاه خصومنا.
لجلالة الملك وحده صلاحيات الإطلاع على هذه الأسرار والتنسيق مع المسؤولين بهذين الجهازين بخصوصها. وقد كنت عسكريا وأعرف أن المعلومات العسكرية بالخصوص، قد تكون أهم من طبيعة الأسلحة التي يتوفر عليها الجيش، بل المعلومات العسكرية هي سلاح من نوع آخر.
- خلال مشوارك بالجيش، هل تعرفت على حسني بنسليمان؟
+ نعم، تخرجنا معا من المدرسة العسكرية بمكناس، حيث كنا صديقين بحكم ممارستنا معا لكرة القدم، وإن كان لكل منا مهمة تختلف عن مهمة الآخر، حيث كنت ضابطا مسؤولا عن الدخيرة وكان حسني بنسليمان مسؤولا عن التموين، كانت كرة القدم هي أهم قاسم مشترك بيننا، لكن في الفترة التي التحق خلالها بنسليمان بفريق الجيش الملكي لكرة القدم، انسحبت من الجيش وتخليت عن مهامي حيث كانت لدي طموحات لممارسة التجارة.
- كيف تصف لنا شخصية حسني بنسليمان؟
+ حسني بنسليمان إنسان جاد في عمله، منضبط ورياضي حتى في عقليته، وأظن أن هذه هي الأسباب التي جعلت جلالة الملك يضعه على رأس الدرك الملكي.
- هل كانت له مواقف سياسية؟
+ من خلال معرفتي بالجيش، أقول لك أن كل الضباط وكل العسكريون يتمتعون بتكوين شامل، بمعنى أنهم يتوفرون على معلومات وأفكار تمس كل جوانب الحياة، بما في ذلك القضايا ذات الشأن العام، لكن، وبالنظر لطبيعة مهامهم العسكرية، لا يمكنهم التدخل في الشؤون السياسية للبلاد، لأن ذلك من اختصاص المدنيين فقط، من هنا أقول لك أن حسني بنسليمان لا يتدخل ولا يمكن أن يسمح لنفسه بالتدخل في الحياة السياسية، فهو رجل يحترم مهامه وحدود مهامه، ولا علاقة له بأية قرارات سياسية.
- من بين ما جاء في كتاب الطوبجي أن حسني بنسليمان متورط في مجموعة من الملفات (مقاطعة)؟
+ لا يمكنني أن أناقش أو أتكلم بخصوص ما جاء في هذا الكتاب لسبب بسيط، من هو هذا الطوبجي؟ وكيف يمكنه الإطلاع على كل هذه المعلومات التي أوردها في كتابه؟ هذا الإنسان كان ضابطا من الدرجة البسيطة حيث كان يحاول التقرب من الدليمي، كما كان يخدمه بشكل متملق، إنه من النوعية التي حاولت الاستفادة من أي شيء أو من أي موقع، فحينما لم يستطع، كما فعل آخرون قبله من المدنيين خصوصا، هاجر إلى أوروبا، ومن هناك ها هو يحاول أن يعطي لنفسه قيمة ونوع من التميز، قد يعتقد أن بإمكانه أن يجني خلف ذلك تعاطف بعض الخصوم، وربما بعض الهبات أو الامتيازات، هذا إن لم يكن قد كتب ما كتب تحت إغراءات ومطامع من جهات معينة. وباختصار، مكانة هذا الرجل في الجيش لم تكن في المستوى الذي يسمح له بمعرفة أو الإطلاع على كل هذه الحقائق كما يزعم، بدليل أن كل كلامه خال من الحجج والإثبات.
- كيف تفهمون إقالة حميدو لعنيكري من منصبه كمدير عام للأمن الوطني؟
+ ربما هذه إرادة ملكية وإشارة إلى أن جلالة الملك يتفهم الأمور بشكل عصري وحداثي، لأن العادي في الأمور هو أن يتغير المسؤولون ببعض المناصب الكبيرة على رأس كل خمسة أو ستة سنوات، وذلك لتجديد منطق تدبير هذه المسؤوليات، ولأجل إعطاء فرصة لكل من يستحق ولكل من أثبت جدارته، حيث لا يمكن أن يتولى شخص مسؤولية إدارة جهاز معين أو مؤسسة معينة إلى أبد الآبدين، لابد من الحين للآخر من التجديد.
- لكن حسني بنسليمان احتل أكبر منصب منذ مدة طويلة، ولازال إلى يومنا هذا يمارس مهامه، فلماذا في رأيكم تم الحفاظ عليه في منصبه؟
+ حسني بنسليمان مقبل على التقاعد على كل حال، لقد بلغ السبعون سنة، وفي هذا السن من الصعب الاستمرار في مثل مهمته، وأظن أن قريبا سيتم إعفائه من مهامه وستسلم صلاحياته إلى الرجل المناسب، وأعتقد أن ما يؤخر هذا الأمر هو عدم بروز الشخصية المناسبة القادرة على أن تحظى بثقة جلالة الملك. وكما قلت، بنسليمان كان شخصا منضبطا، عمليا ويقوم بواجباته على الوجه الأمثل، حينما يقع اختيار جلالة الملك على من يتمتع بمثل هذه الصفات، أظن أنه سيقوم بإعفاء حسني بنسليمان من مهامه.
- هل لكم أية علاقة الآن بحسني بنسليمان؟
+ علاقتي ببن سليمان الآن هي علاقة صداقة، ولعل الماضي المشترك داخل الجيش هو الذي أسس لأن تستمر هذه العلاقة.
- هل تتقاسمان نقاشات سياسية، أو نقاشات بخصوص شؤون البلاد؟
+ كما قلت لك سابقا، المدني مدني والعسكري عسكري، حسني بنسليمان يحترم مهمته العسكرية ولا يسمح لنفسه بمناقشة الأمور السياسية، ومن جهتي، وإن كنت أمارس السياسة، أحترم تواجدي معه. بيننا ذكريات نستحضرها، كما أن صداقتنا لها طابع اجتماعي، فلا أعتقد أن كل من كان له صديق لابد أن يتقاسم معه المسائل السياسية للبلاد. هناك الجانب الإنساني والجانب الاجتماعي.
- هل تتوقع مستقبلا وجود وزارة دفاع بالمغرب على غرار بلدان أخرى؟
+ ولما لا، هذه مسألة ممكنة جدا، فإن كان من الضروري في يوم من الأيام أن نسائل مؤسسة الجيش حول بعض المواضيع، والتي كما قلت سابقا، لا تمس سرية وخصوصية هذه المؤسسة، فمن الأفضل أن تكون لدينا وزارة دفاع ترتبط وتنسق مباشرة مع جلالة الملك، على اعتباره أول مسؤول عن أمن البلاد،وتمثل مؤسسة الجيش أمام نواب الأمة.



#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فؤاد عالي الهمة رجل الدولة القوي الذي أنقذ العنيكري
- سبع سنوات من حكم الملك محمد السادس ، هل الملك في ورطة ؟ الجز ...
- إدريس البصري و مسؤولية قتل 5000 مغربي
- الدكتور المهدي المنجرة النص الكامل للقاء الذي أجرته معه قناة ...
- سبع سنوات من حكم الملك محمد السادس ، هل الملك في ورطة ؟ الجز ...
- النهب يرتبط أساسا بنظام الحكم في المغرب
- مافيات عهد الحسن الثاني الجزء 5
- مافيات النهب في عهد الحسن الثاني الجزء 4
- مافيات النهب في عهد الحسن الثاني الجزء 2
- مافيات النهب في عهد الحسن الثاني الجزء الأول
- المغرب النووي 3
- دعوة مغربية لمقاضاة و متابعة المجرم عميير بيريتز وزير الدفاع ...
- المغرب النووي 2
- المغرب النووي الجزء الأول
- حوار مع الاقتصادي نجيب اقصبي رئيس جمعية ترانسبرانسي
- الأخطاء الكبرى للملك الحسن الثاني2
- الأخطاء الكبرى للملك الحسن الثاني..1 من 4
- -المفاوضات مع البوليساريو- الجزء الأخير
- -المفاوضات مع البوليساريو- الجزء الثالث
- المفاوضات مع البوليساريو الجزء الثاني


المزيد.....




- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
- الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- -نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب ...
- العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية ...
- إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما ...
- انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس
- خفر السواحل التونسي ينتشل 19 جثة تعود لمهاجرين حاولوا العبور ...
- العراق.. إعدام 11 مدانا بالإرهاب في -سجن الحوت-
- السعودية ترحب بالتقرير الأممي حول الاتهامات الإسرائيلية بحق ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - إدريس ولد القابلة - الجنرال حسني بنسليمان رمز من رموز سنوات الجمر و الرصاص بالمغرب