أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - موريس عايق - مشكلة الاعتدال العربي















المزيد.....

مشكلة الاعتدال العربي


موريس عايق

الحوار المتمدن-العدد: 1780 - 2006 / 12 / 30 - 12:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا يخاض الكفاح الايديولوجي على مستوى الافكار وحسب وانما ايضا على مستوى اللغة، فالاسماء والنعوت تكون ذاتها مجالا للصراع، فكل من الافرقاء يسعى الى تعريف نفسه والى تثبيت هذا التعريف، وهذا هو حال "الاعتدال" العربي.
يحيل الاعتدال الى الوسطية والنأي عن الغرائز والاندفاعات الجامحة، والى تحكيم العقل. المعتدل هو الحكم بين الجميع والضمانة لمصالحهم في مواجهة "المتطرفين" و "المغالين".
يسعى تيار الاعتدال العربي من خلال هذه المفردة الى تقديم نفسه على انه حماية من أهواء التطرف لدى الآخرين، وضمانة التعقل والوسطية وهي المفردة ذات التاريخ الطويل في الفكر الاسلامي وان كان خطاب الاعتدال غير اسلامي واحيانا مناهض له.
لكن من هم المعتدلون العرب؟
تيار الاعتدال العربي "السني" كما تم تعريفه امريكيا واعلاميا يتكون أساسا من السعودية ومصر والاردن وحلفائهم في مواجهة تيار "الممانعة الشيعية" المكون من ايران وسوريا وامتداداتهما كحزب الله وحماس (الشيعية باطنا والسنية ظاهرا كما يبدو)
ولكن ما الذي يميز هؤلاء المعتدلون عن الممانعين خلا الموقف من المشروع الامريكي؟
ليس وضع حقوق الانسان أو الشفافية أو نسب الفقر وسوء الادارة الاقتصادية وهي كلها ليست أحسن حالا في مصر منها في سوريا، ووضع الحريات السياسية و تقدم النظام السياسي السعودي لا يستحق مجرد المقارنة بنظيره الايراني، ولا مجال للموازنة بين الفساد والتسلط الذي ميز عهد فتح "المعتدلة" بنظافة كف حماس "الممانعة".
وحده الموقف من المشروع الامريكي هو فحوى التمييز بين الممانعين والمعتدلين. المعتدل هو الموافق على المشروع الامريكي بينما يرفضه التيار الممانع، ولكن حتى هذا ليس معطى بسيط كما يبدو للوهلة الأولى، فليس هناك ما يوحي في سلوك الممانعين برغبة في المواجهة والصدام وانما على العكس امتازت جبهاتهم بهدوء يندر وجوده على جبهات المعتدلين. ولكنهم يبقون في خندق ممانعة السياسة الامريكية في المنطقة.
اما لغة الحرب -والتي يفترضها البعض مقياسا للتمييز- فهي ليست بذات جدوى، فمصر والتي تخلت عن لغة الحرب مع اسرائيل لصالح لغة السلام لم تتوقف عن حربها الداخلية ضد شعبها وبشتى الذرائع كحال الممانعين وهذا يشمل جميع المعتدلين. فالتخلي عن لغة الحرب تم حصريا مع اسرائيل وليس بمواجهة شعوبهم.
ان كانت السمة الوحيدة لتحديد تيار الاعتدال العربي هي الموقف من المشروع الامريكي فما الذي يحدد تيار الاعتدال العربي ثقافيا؟
وما هو خطابه؟
من الصعب على المرء أن يحدد بدقة ما الذي يجمع هذا الكم الهائل من المتنافرين تحت يافطة الاعتدال.وهذه الضبابية- والتي يمارسها المعتدلون- في تعريف الاعتدال ستمتد الى المفهوم المضاد "الممانعين"، والذين سيبدو من الصعوبة بمكان ادراك ما يجمعهم.
ما الذي يجمع معتدلين ليبراليين مع معتدلين وهابيين -اليسار الديمقراطي مع الجامع الأزهر- ويضاف اليهم معتدلين قواتيين، أو على العكس ما الذي يحدد الممانعين وخاصة أن بعض المعتدلين (دلال البزري مثلا في مقالة "أيها الممانعون العرب" في الحياة 06|11|05 ) يرى أن الأحداث الأخيرة في القاهرة هي نتاج الممانعين، على الرغم من حصولها في بلد "معتدل"؟
هل يكون المقصود بهذا هيمنة ثقافية للممانعين على مصر؟
ولكن أليست هذه التيارات هي السند الفعلي للنظام المعتدل ومرتبطة بفكر الأزهر (مؤسسة معتدلة) وايديولوجيا النظام السعودي (المعتدل هو الآخر)، وأكثر من هذا أليس حضورها أضعف في بلد ممانع كسوريا؟
ان عدم وضوح المعتدلين في مفاهيمهم هو ميزة، فهم يستطيعون مخاطبة أمزجة مختلفة، ومسألة أخرى لا تقل أهمية هي ادعائهم الدائم بوجود "خطر محدق" من قبل الآخرين. الممانعون يحتكرون المجال العام.
لكن مع هذا هناك سمة أساسية يمكن لنا(كما هو مفترض) أن نحدد على أساسها ماهية الاعتدال، وهي التي تنطلق من اسمه "الاعتدال". ادراك الواقع وعدم المغالاة في دفعه بأي اتجاه. اي أن الاعتدال سياسة الممكن والتوسط في المطالب في مواجهة "ظفراوية" الممانعين. لكن ما يهمله الاعتدال في هذا السياق هو الواقع ذاته والجائر بظلمه والذي يستند اليه، تعريف ذاته كمعتدل لامعنى له أمام الواقع، انما أمام الممانعين، اما حال الواقع فتبقى مسألة مبعدة.
ان الواقع غير معتدل -وهذا هو المسكوت عنه من قبل المعتدلين- تتحكم به علاقات القوة والبطش والفقر، ومع هذا يطالب المعتدلون بالاعتدال في مواجهته.
هنا لابد لنا من ملاحظة سريعة عن الاصول الفكرية لعدد كبير من المعتدلين وهو اليسار الثوري سابقا. المعتدلون كانوا يوما ما ممانعين، ان أهمية هذه الملاحظة تكمن في أن المعتدلين أبناء تجربة انتهت بشكل مفجع اما الى هزيمة تامة أو الى أنظمة استبدادية تستدعي شعارات ثورية لتبرير وجودها. بدء الاعتدال العربي هو الاعتراض على هذه النتيجة، محاسبة ذاتية لتبرير المغادرة تاليا.
ينطلق المعتدل من أرضية مصيبة في نقده وهو واقع حال التجربة الثورية "الممانعة" وما انتجته، ولكنه ينتهي الى نتيجة غير منطقية وهي أن ما نحياه اليوم هو وحسب جراء هذه التجربة. ما يهمله هو أن التجربة ذاتها أتت ردا على ظلم أساسي موجود، على احتلال واقع، على استغلال وحروب مستمرة تشن علينا،على التجزئة التي فرضت. ظلم استدعى مقاومة وأيا كانت أخطاؤها -وهي غير قابلة للتبرير انطلاقا من الظلم الأساسي( الاحتلال، الاقصاء من المشاركة السياسية، القمع والفقر والفساد...الخ)- فانها لا تعني اننا هنا بسبب حصري منها. لم يكن الواقع الفلسطيني اليوم نتيجة لحماس انما لعشر سنوات من الاعتدال الفلسطيني والعسف الاسرائيلي ولعقود سابقة من الاحتلال والتشريد ويمكن القياس في جل الحالات على هذا الاساس.
من الممكن للمعتدل (وكان ليكون مكسبا) الانطلاق بنقده من واقعتين الظلم الأساسي والظلم الثانوي (وهما تعبيران استخدمهما فيصل دراج عند حديثه عن علاقة الصراع بين الانظمة والاسلاميين، حيث ظلم الأنظمة هو ظلم أساسي بينما الظلم الناتج عن رد رد الاسلاميين هو ظلم ثانوي) الذي انتجته تجارب المقاومة، وأن يؤكد أن أيا من الظلمين لا يبرر للآخر وجوده. لكن هذا ما لم يفعله المعتدل العربي، على العكس طالب بالعودة الى الممكن الواقعي، ضمن تصور ثابت وغير قابل للتغيير لموازين القوى، مماعنى أن الواقع الموجود هو الممكن الوحيد. هذا ما دفع في النهاية المعتدل الى التصالح مع الظلم الاساسي (القوي) والتطبيع معه اي انه حقيقي وموجود ولكنه طبيعي ولا يستحق بالتالي المواجهة والاعتراض بحكم كونه مستمر ودائم ويصبح بعدها خارج امكانيات التغيير. هكذا تصور لا يمكن أن ينتهي الا الى أن سبب المشكلة ليس الظالمين انما سياسات المظلومين، سبب المأساة ليس الاحتلال الاسرائيلي انما سياسات حماس،وليس التهديد الاسرائيلي واختراقاته المستمرة للبنان وقضايا الاسرى واحتلال مزراع شبعا، وليس حتى النظام الطائفي انما حزب الله وسلاحه.
المصالحة مع "العالم كما هو" تشكل جوهر الاعتدال وهو ما يحدده كايديولوجيا محافظة (وعي مزيف للواقع). لكن أزمة الاعتدال (تحديدا الحداثي منه) في هذه المصالحة هو واقع القوة ذاته، فهم سيكونون بعيدين عن الشارع الذي يعاني وهذا ما سيدفعهم الى تعزيز ظاهرة"الخطر المحدق" والليبراليون لن يروا أنفسهم في نظام كالنظام السعودي أو حتى المصري ولكنهم متوافقون معهم بالموقف السياسي لهذا سيكتشفون ممانعا في داخل النظام، ليس وزير الخارجية انما امام المسجد الحرام. الاول سيكون موضوعا للمدح والثاني للردح،الاول معتدل والثاني ممانع وبهذه الطريقة سيتم اكتشاف الممانعين وراء أحداث القاهرة. المعتدل يدرك تماما ضعفه وهشاشته،ليس لقوة خصمه انما لأن الواقع الذي يدعو الى الاعتدال على أساسه مفرط بظلمه ولا يمكن للذين في الأسفل أن يعتدلوا. واقع المعتدل أن يرى ممانع في كل مكان على الرغم من سيادته على وسائل الاعلام.
المعتدل والذي يدافع عن واقع "مغال" في سوءه سيندفع الى سياسات بعيدة حتى عن الاعتدال (الا في مواجهة الأقوياء). المعتدل اللبناني اليوم اقصائي في مواجهة "الشمولي والممانع" اللبناني. يرفضه كمعارضة ويمنعه من المشاركة ويصر على احتكاره التام للقرارات الوطنية الكبرى على الرغم من انها قرارات تفترض المشاركة من الجميع (التعايش المشترك) في الاحوال العادية، فما حالها في ظروف استثنائية. المعتدل يريد كل شيء ليطمئن ومن يطالبه بالمشاركة هو ممانع، وهذا مايثبت أن الممانعين مهيمنون وخطرون. هذه الاقصائية والتطرف لدى المعتدل ليس لها من تفسير-او احد اسبابها على أقل تقدير- شعوره بالضعف وان مرتكزات قوته لا تنبع منه،انما باستنادها على مشروع خارجي من ناحية، وعلى أنظمة لا تقوم على أية شرعية من ناحية أخرى. "الممانعة" و"الاعتدال" عندها لن يبدوا كمفاهيم لمقاربة الواقع العربي، انما على العكس أدوات لتزيفه، مفاهيم تسعى لانتاج تصور وظيفي للعالم الذي نحياه ولكن مشكتلها انها ركيكة في تركيبها وفجة في انحيازها( على سبيل المثال اكتشاف المعتدلين لعروبتنا وضرورة بناء استراتيجية عربية ضد ايران وليس ضد اسرائيل، حيث تصبح ايران خطرا يهددنا كعرب اما اسرائيل فمسألة في نظر) .
فعوضا عن اعتداله تنتهي في النهاية الى النفخ في قرب الانتماءات الطائفية والمذهبية، وعوضا عن موافقتها على المشاركة مع الآخرين، تتوق الى اقصائهم تحت شتى الذرائع (اسلامية، ممانعة، ارهاي..الخ). عوضا عن حوار مع شعوبها تنتهي الى تبرير مؤسسات القمع، ولا شرعية لها الا وظيفيتها ضمن نظام اقليمي
من خطاب الاعتدال هذا نتج مفهوم الهلال الشيعي، وطرح سؤال عروبة الشيعة، وانطلقت ماكينة الدعاية المذهبية في لبنان فأي اعتدال هو هذا الاعتدال؟



#موريس_عايق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صدمة حزب الله
- بين نصين
- الثوري الاشتراكي والثوري الديمقراطي
- ملاحظات سورية
- بيان ضد الشعب والتاريخ-2
- بيان ضد الشعب والتاريخ
- فرص الدولة بعد الحرب
- مسألة الدولة
- قليل من الجنون
- عيد وهذر المقال
- الاعتداء الاسرئيلي على لبنان
- الشذوذ السوري
- الطريق الثالث
- الديمقراطية والاجماع
- تعقيب على مقالة نحو جامعة متقدمة ووطنية - ياسين حاج صالح
- على هامش الشيوعية العربية
- ازمة اليسار العربي
- العداء للسامية
- أزمة العمل السياسي بين الشباب أم ازمة السؤال
- من أبو غريب الى الضاحية الجنوبية


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - موريس عايق - مشكلة الاعتدال العربي