أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - أموية أقزام















المزيد.....

أموية أقزام


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1732 - 2006 / 11 / 12 - 09:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن الأسرار في الأغلب هي البقايا المتلعثمة لضمير يخشى البوح بها. وحالما تظهر للوجود بهيئة كلمة أو عبارة أو مقال صحفي أو إعلان سياسي أو أي إيحاء أو إيماء يمكن من خلاله فهم المراد بها، عندها تكف الأسرار عن أن تكون أسرارا. وهي الحالة التي نعثر عليها الآن في الصيحات والصرخات التي سبقت ورافقت ولاحقت إصدار الحكم الأولي بصدام. وهو حكم يمكن فهم قيمته بمعايير السياسة على انه حكم سياسي، وبمعايير الأخلاق على انه حكم أخلاقي، وبمعايير القانون على انه حكم قانوني. وهي جوانب يمكن خوض الجدل فيها. وفي كل رؤية وموقف وتبرير يمكن رؤية البقايا المتلعثمة للضمير. بمعنى أنها تكشف عن حقيقة الضمائر. ومن ثم تجعل "الأسرار" أمرا جليا. وهي أيضا أمور قابلة للأخذ والرد بوصفها جزءا من معترك السياسة والمصالح الحالية في العراق. وهي معارك لا يمكنها الانتهاء ما لم تنته أولويات بناء هياكل الدولة التي تشهد عملية درامية. لكنها أيضا عملية "طبيعية" عندما نضعها ضمن سياق الأحداث وطبيعة التغير الجذري في مكوناتها وآليات فعلها.
إن الحكم على صدام ليس إلا الصيغة الفردية للحكم على مرحلة وتركيبة وآلية في التحكم بالدولة والمجتمع والسلطة في العراق. وهي مرحلة ليس لها علاقة من الناحية الجذرية بتاريخ العراق. من هنا اندثارها السريع وخسة بقاياها الخربة في كل شيء، بما في ذلك في تلك الزفرات العنيفة التي تطلق من أفواه أجساد تموت وتلفظ أنفاسها الخربة.
بعبارة أخرى، إن الشيء الجوهري في كل ما يجري هو ليس السياسة ولا القانون ولا الأخلاق، بل حكم التاريخ الجديد. إذ تعاني السياسة والأخلاق والقانون في ظروف العراق الحالية من خراب فعلي وشامل هو النتاج الملازم لبقايا مرحلة زمنية لم تصنع غير صحراء الثقافة في كل شيء. وهي صحراء نعثر على آثارها في رياح الرمل العاتية التي تتعامل مع المستقبل على انه "شهور"، ومع الماضي على انه سلالات حاكمة. وبالتالي تجعل من التاريخ الفعلي زمنا في رغباتها السياسية الخالية من أية أبعاد حقوقية وأخلاقية. كما هو الحال على سبيل المثال، في تلك المقالات التي تعتقد، استنادا إلى معلومات "دبلوماسية" "لوزراء عرب" وما شابه ذلك، من أن "الشهرين المقبلين سيكونان من أصعب الفترات في تأريخ العراق المعاصر، لأنهما يحملان تطورات وتداعيات لها انعكاسات خطيرة علي حاضر ومستقبل العراق"!!
وعندما يتأمل المرء مضمون ما يجري التخطيط له، فانه لا يتعدى محاولات "القوات الأمريكية" إيجاد علاقة جديدة "بالمقاومة العراقية" و"حزب البعث" من اجل تحييد "الأطراف الشيعية المرتبطة بإيران وخصوصاً المجلس الأعلى وميليشيات بدر وحزب الدعوة ومنظمة العمل وقسم كبير من جيش المهدي"!! وهي "إستراتيجية" يجري تقديمها على أنها انجاز تاريخي قادر على قلب موازين العملية السياسية في العراق. ذلك يعني إننا نقف أمام نفس الجهل التاريخي بالوقائع والحقائق التي تحكم مصالح السياسة الدولية للولايات المتحدة وطبيعة التغير الذي حدث في العراق.
إن التغير الذي حدث في العراق مثير للالتباس وقابل للجدل والخلاف بوصفه جزء من مصير العراق الحالي والمستقبلي. والمهمة الكبرى بالنسبة للعقلاء تقوم في المساهمة الجدية من اجل البحث عن بدائل تذلل التركة الصدامية الخربة وتضعف صعود الطائفية السياسية عند الأطراف جميعا من اجل إرساء أسس عقلانية جديدة للفكرة الوطنية العراقية وليس بالسباحة المفتعلة في مياه آسنة. من هنا لا تعني مهاجمة "الشيعة المرتبطة بإيران" سوى الوجه الحقيقي للطائفية السنية السياسية، التي لم ولن يربطها بالعراق شيئا غير نفسية السلطة وسرقة التاريخ والحياة وهدية أراضيه بما في ذلك لإيران!!
إن توجيه العداء الصريح والمستتر، المباشر وغير المباشر ضد "الأطراف الشيعية" الحالية عبر تصويرها على أنها قوى صنيعة من الناحية التاريخية للبويهيين جرى غرسها في العراق عبر بناء مدينة النجف، ونتاج للصفوية عبر "إقامة حفلات لإحياء ذكري استشهاد الإمام الحسين والمبالغة فيها، وإنشاء مدارس شيعية طائفية فيها تحولت لاحقا إلي مرجعية"، هو ليس فقط عين الجهل بالتاريخ العراقي والعربي والإسلامي، بل واستعادة فجة لأرذل تقاليد الأموية في الصراع ضد أهل العراق! كما أنها تتسم بقدر من التشفي المريض بتقاليد الشيعة المتعلقة بما اسماه بعض المحترفين بهذا النمط من الكتابة السيئة بمراسيم "العزاء الحسيني مع ما يرافقها من عمليات لطم وضرب الصدور وشج الرؤوس وإطلاق صيحات فجة على وزن (يالثارات الحسين) للانتقام من العرب الذين ينظر إليهم كامتداد للدولتين الأموية والعباسية"!!
مما لا شك فيه، أن التقاليد الدينية من عادات وعبادات لا تخلو من مكونات لاعقلانية. وهي أمور كان يدركها كل أئمة الفكر الديني. وهو أمر جلي في تتبع كل "طقوس" الأديان وفرقها. ولا يشذ الشيعة عن هذا الإطار. غير أن هناك فرق بين " لطم وضرب الصدور وشج الرؤوس وإطلاق صيحات مثل: الثأر للحسين" وبين حزّ الرقاب باسم الإسلام وما يماثلها في الأغلب من تقاليد التيارات السلفية والأصولية السنية. الأولى تتوجه "بالعنف" ضد النفس من اجل إبراز مرارة الوجدان، والثانية ضد الإنسان من اجل إبراز بقايا الهمجية في التعامل مع الخصوم والأعداء، وذلك لأنها لا تعترف بفكرة الخلاف والاختلاف والتباين والتنوع. من هنا ليس في فكرة العزاء الشيعية أية أبعاد قومية أو مذهبية صرف. على العكس، لقد كانت من حيث نشأتها وتقاليدها واستمرارها تعبيرا عن ديمومة الذاكرة الحية والوجدانية في الموقف من النفس.
فمن بديهيات العلوم الانتروبولوجية والتاريخية المتعلقة بمختلف جوانب تاريخ الأديان والأساطير، هو أن الطقوس عادة ما تظهر في مرحلة تاريخية. ولا يمكن تصنيعها من فراغ والإبقاء عليها. إنها بحاجة إلى مكون تاريخي عقلي ووجداني تلقائي. وليس مصادفة أن تبقى بعض الطقوس ويضمحل الآخر ويتلاشى. وتقاليد الشيعة فيما يتعلق بالعزاء الحسيني هي جزء من تاريخ الوجدان العراقي الأصيل. وكل ما ادخل فيها مرتبط بطبيعة التاريخ الثقافي للعراق وتقاليده الكونية. وبالتالي، فان كل ما في تقاليد الشيعة وطقوسها هو تراكم أيضا لتقاليد المدن واللغة والفكر والوجدان الرفيع وليس البداوة والهامشية. وهي تقاليد تراكمت في مجرى مواجهة النماذج الأشد تشوها في انحراف الدولة عن مبادئ الحق والعدالة.
لقد كانت مقدمات العزاء الحسيني في السياسة الأموية وانحرافها عن تقاليد الخلافة صوب توريث يزيد. وهي حقيقة اقرب إلى البديهة لكل من يعرف ولو قليلا أبجديات التاريخ العربي وصراع الفرق والمدارس. وهي حقيقة تاريخية يمكن الرجوع إلى مصادرها الأولى فيما يسمى بحركة التوابين وزعيمها المختار الثقفي. فهي الحركة التي استعادت من حيث مكوناتها وأساليب تأسيسها للفكرة المناهضة للأموية سمو الفكرة العربية الإسلامية الأولى بوصفها فكرة عامة أممية محكومة بمبدأ "أكرمكم عند الله اتقاكم" وليس أكرمكم من أصوله قيسية أو كلبية، مضرية أو عدنانية. كما أنها رفعت مبدأ الانتقام من الأموية بوصفها فكرة جاهلية. فالأموية ليست عربية بل جاهلية. ومن ثم لم يكن الصراع معها سوى محاولة الرجوع للفكرة العربية الإسلامية الحقة. وهي الفكرة التي تمثلها التشيع العراقي منذ بدايات نشوئه وتراكمه التاريخي والثقافي والسياسي. وهي فكرة لا علاقة لها بالدم، بل بالضمير. وهو فرق جوهري يحكم الخلاف بما في ذلك في ظروف العراق الحالية. وليس مصادفة أن يقول العراقيون "اشرب مي والعن يزيد"، كما انه ليس مصادفة أن يجري تحول اسم مدينة الثورة إلى "مدينة الصدر" وذلك لما فيه من انتقام من صدام وليس من "الثورة". وهو مزاج وجداني يعيش بمعايير العدالة والإنصاف. بمعنى انه يرى في الصدامية استمرار لأموية مقيتة. وهو موقف أصيل يتمثل الحقيقة القائلة، بان الصدامية أموية وكلاهما لا علاقة له بالفكرة العربية. فكما أن الأموية جاهلية لا عروبة فيها، كذلك الصدامية ليست أكثر من هامشية اجتماعية وسياسية وثقافية، شأن الأموية التي حاولت أن تحكم العراق بأيدي الرذيلة المركزة بشخصيات لا اثر لها في العقل والضمير العراقي أمثال زياد بن أبيه والحجاج والمغيرة وأمثالهم. ذلك يعني أن المطابقة بين الأموية والعرب هو عين الجهل بالتاريخ والحقيقة والقيم الأخلاقية والروحية لكنها مفهومة بمعايير الطائفية السياسية السنية، التي لم يبق أمامها الآن سوى البحث عن عروة في جثة نتنة مثل صدام والصدامية، وبقايا خربة لذاكرة ليس بإمكانها أن تصنع شيئا غير الانغلاق والتبعية والعمل بمعاييرها. وهي معادلة لا يمكنها العمل. إنها تستطيع تأخير وتخريب الأبعاد الإنسانية فيه لفترة من الزمن، لكنها غير قادرة على إعادة تكوينه من جديد حسب مشيئتها، تماما كما اندثرت الأموية بعد قرن من الاضطهاد والقتل.
لم تحصل الأموية في مجرى محاولاتها الهائلة جعل سب الإمام علي بن أبي طالب وأتباعه (الشيعة) "مبدأ السنة والجماعة" على شيء غير إفلاسها التام. لقد تراكم صراع العراقيين ضد الظلم الأموي في حزب وطني عام هو تشيعهم للعراق وفكرة إرجاع الحق إلى نصابه. وهي أمور يمكن الجدل حول أبعادها السياسية، إلا أن حقيقتها الفعلية تقوم في ربط فكرة التشيع للعراق وفكرة الحق كما هو. ومنهما جرى صنع اغلب مرجعياته الروحية الكبرى التي بلورت صيرورته العربية وكينونته الثقافية. وهو سر مآثره التاريخية والعالمية. على عكس ما قامت به الأموية. وهي حقائق تاريخية تكشف عن أن "التسنن السياسي" في العراق هو صناعة أموية. لكن الفرق التاريخي نفسه يقول، بان أموية الماضي قد اندثرت مع تحول الخلافة إلى ملك، وأموية الحاضر ليست أكثر من أهواء أقزام!



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبرة الدجيل! لكي لا يظهر دجال أصغر من صدام
- قبر صدام أو القبور الجماعية للحق والحقيقة؟ من يرعب من؟
- صراخ السلطة ولغة العقل الوطني
- السيدة بيل + السيد بريمر= قدر التاريخ التعيس وقدرة التأويل ا ...
- المثقف المؤقت وظاهرة -الارتزاق الثقافي-!3-3
- المثقف المؤقت وظاهرة -الارتزاق الثقافي-! 2-3
- المثقف المؤقت و-الارتزاق الثقافي-! 1-3
- الدكتور كاظم حبيب السيدة بيل
- الميليشيا والدولة في عراق -الديمقراطية- والاحتلال
- البروتوكولات – الصورة المركبة للصهيونية الفعلية - 6
- البروتوكولات – الصورة المركبة للصهيونية الفعلية 5
- البروتوكولات – الصورة المركبة للصهيونية الفعلية - 4
- البروتوكولات – الصورة المركبة للصهيونية الفعلية-3
- المقاومة اللبنانية – نموذج المقاومة العربية الكبرى
- نهاية الأوهام الكبرى وبداية الأحلام الواقعية
- القوى الصغرى والأوهام الكبرى
- العلمانية العراقية – دنيوية المستقبل
- العلمانية العراقية – أوهام الأقلية وأحلام الأغلبية
- الشيطان - الملاك الضائع ودراما الوجود الإنساني
- كتاب جديد للبروفيسور ميثم الجنابي - الحضارة الإسلامية - روح ...


المزيد.....




- اصطدمت بسيارة أخرى وواجهته بلكمات.. شاهد ما فعلته سيدة للص س ...
- بوتين يوعز بإجراء تدريبات للقوات النووية
- لأول مرة.. دراجات وطنية من طراز Aurus ترافق موكب بوتين خلال ...
- شخصيات سياسية وإعلامية لبنانية: العرب عموما ينتظرون من الرئي ...
- بطريرك موسكو وعموم روسيا يقيم صلاة شكر بمناسبة تنصيب بوتين
- الحكومة الروسية تقدم استقالتها للرئيس بوتين
- تايلاند.. اكتشاف ثعبان لم يسبق له مثيل
- روسيا.. عقدان من التحولات والنمو
- -حماس-: اقتحام معبر رفح جريمة تؤكد نية إسرائيل تعطيل جهود ال ...
- مراسلنا: مقتل 14 فلسطينيا باستهداف إسرائيلي لمنزلين بمنطقة ت ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - أموية أقزام