أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (حساء الوطواط) ح3















المزيد.....

رواية (حساء الوطواط) ح3


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6523 - 2020 / 3 / 26 - 16:23
المحور: الادب والفن
    


لا جورج هو الاسم الحقيقي له ولا ماريانا كانت تعرف أنه أسم مستعار لأغراض العمل، حتى أوراقه الرسمية ما زالت باسم والده المتوفي من سنوات رغم أن ذلك مخالف للقانون إلا أنه يعمل كل ما يتطلب الأمر لتمشية الأمور على النحو الذي لا يسبب له إحراج أو مسائلة قانونية، هي تعرف أن هذا الوضع أصبح عاديا جدا وأكثر، لذا أشترطت معه عندما أقترح عليها العمل معه أن لا يناديها باسمها الحقيقي وأختار لها هو أسم ماريانا.
حاولت مرة أن تختبر علاقتها معه عندما عادا من سفرة أربيل قبل أشهر من أنها حامل، وقد راجعت الطبيبة جارتهم في الشقة المجاورة وقد أخبرتها بالنتيجة المختبرية (إيجابي)، ضحك بشكل هستيري ساخرا منها أما أن طبيبتك لا تفهم وهي كاذبة، أو أن ما أعرفه أنا بثقة تامة عن (صاحبي المتدلي) مجرد وهم كاذب فهو معبأ بالعتاد (الخلب).... وأجزم أن لا أحد لامسك غيري..... إنهضي أيتها الكاذبة فبندقية الكلاشنكوف بعتاد الخلب تستعمل فقط للتدريب، أما المحشوة بالعتاد الحقيقي فلا تستخدم إلا بالحروب، أنا أكره الحروب وما زلت أتدرب وأتدرب لأني أصلا غير مسلح.
أخبار الكورونا بدأت تأخذ الكثير من الأهتمام الجاد بها من وسائل الإعلام وما تنقله مواقع التواصل يوميا من أخبار، لكنها بالتأكيد لا يشغلها ذلك عن تفكيرها في البحث عن حل لمعضلة وجودها العبثي معه، إنها دوامة يومية تلفها ولا تنفك عن التغلغل في شعورها بأن أيامها معدودة مع هذا البدين المقيت، تحول تفكيرها منذ أسابيع نحو الخلاص من حالة فرضتها ظروف لم تنصفها وإن كانت هي من جعلت ذلك ممكنا، الآن وبكل جد تريد أن ترى نفسها بعيدة عن جو المال وتقلباته، ليس كرها بالعمل ولكن كلما مر أحد من أولئك الذين جعلوا منها فريسة سهلة يختفي الدم بعروقها وتصاب بالدوار.
كان شعورا أوليا عند الكنغ (جي جي) أن فتاته المدللة كما يظن قد طرأها طارئ جعلها تفكير لوحدها دون أن تشاركه بشيء، هذا الشعور يزداد كلما أخبره أحد بأن ميمي شوهدت في ساحة التحرير وأحيانا يلتقطون لها صورة من بعيد، كان الأمر لدية محل تفسير واحد أنها تشعر بالوحدة ومن حقها أن تذهب لترى ما يشغل الحال في البلد، مع هذا كان يسألها أحيانا عن سبب تأخرها عن العودة من باب الفضول ليس إلا، تجيبه بكلام واحد..... أنها كانت تبحث عن أشياء تخصها فتذهب حيث تتوقع أن تجده، في الحقيقة كان جورج يعرف أنها في حال نفسي مضطرب لكنه لا يفعل شيئا يمكن أن يبدد ذلك.
(صلاح خدمة) هكذا يعرف في المحيط الذي يعمل به رجل كل مهمة صغيرة كانت أو كبيرة هو الأكثر إلتصاقا بجورج في العمل، يقال عنه أنه مفتاح لمن يبحث عن فرصة أو صفقة في السوق شاب في أوائل الثلاثين من عمره فارع الطول نحيف لا يبدو لمن يعرفه غير إنشغاله المستمر بالرد والمحادثة المستمرة أحيانا بلا أنقطاع على مكالمات هاتفه المحمول، حتى أنه يحمل على الدوام ثلاثة أجهزة حديثة مليئة بالأرقام، إنه بالفعل لا يعرف أي حديث أخر غير لغة الأرقام والكلمات البذيئة التي يوزرعها أو يتلقاها من الجميع، العجيب في الأمر مع عصبيته المفرطة وشتائمه المتواصلة لكن لا أحد يمكنه الأستغناء عنه.
ميمي أو ماريانا هي الوحيدة التي يتعامل معها بأدب خاص بل ويظهر لها نوع من التودد الدائم كلما ألتقيا في مكتب الكنغ أو حينما يزور الشقة، قد يكون من باب الأحترام لصديقه أو لأنها تمنحه الأحترام المتبادل، على الرغم من هذه العلاقة التي تبدو أكثر رسمية إلا أنه في أحيان عديدة يجلس معها لدقائق ليسمع بعض هموها الخاصة، ما يعجب صلاح دوما في ميمي إنها أمهر طباخة عرفها في حياته خاصة تلك الأطباق الغريبة التي يتصدرها دوما ذلك الحساء اللذيذ المطعم بالتوابل، الكنغ يشاركه في هذا الأمر حتى أنه لا يتناول أي وجبة غذائية خارجية حتى لو كان شديد الإحساس بالجوع إلا ما ندر، وحتى في المناسبات التي تجمعه بضيوف أو أصدقاء فهو يتحجج دائما بأن لديه نظام صحي ملزم به، برغم شراهته للأكل وخاصة اللحوم أحيانا فقد يكتفي بالكثير من الحساء الذي تقدمه ميمي.
في لقاء تم منذ أشهر وحصل بسرية شديدة جمعت الكنغ مع شخصية يبدو أنها ذات وقع خاص بما يحيط به نفسه من إجراءات أمنية، أعدت ميمي مجموعة من الأطباق التي لم يألفها فيما يبدو الضيف ولم يعرف حتى أسمائها، تبرم منها وحاول الأعتذار من مضيفه، مع إصرار الكنغ شارك بالأكل متوجسا مما يشاهده على طاولة الأكل من غرائب، كان أقتراحه أن يكون العشاء كالمعتاد من مشاوي اللحوم أو حتى وجبة سمك مشوي تناسب ذوقه، مع التذوق ولذة ما تناوله نسي الضيق نفسه وتمادى في إلتهام الصحون واحدا بعد الأخر.
قد يكون مكتب الكنغ هو أكثر مكاتب الصيرفة في المنطقة بتعاملاته وكثرة زبائنه والأموال الضخمة التي يتعامل بها، إلا أن لا أحد شاهد يوما حراسة أو أتخاذ أحتياطات أمنية تتناسب مع الوضع عدا كاميرات التصوير المثبتة في داخل وخارج المحل، ولا أحد شاهد يوما ما أنه يحمل مبلغا من المال لا في دخوله ولا في خروجه، حتى العاملين معه ينصرفوا قبل إغلاق المكتب بنصف ساعة بعد جرد ذممهم المالية، فيما يسبقهم دوما بنصف ساعة باكرا ليرتب كل شيء، عالم أسرار مغلق لا يسمح لأحد فيه عن السؤال سوى ما يجعل العمل مستمرا دون مشاكل، البعض يتهامس بأن الكنغ ليس إلا واجهة لوجه مخفي هو من يتولى كل شيء لكن لا أحد يعرف تماما كيف تدور الأمور في هذا العالم المستووووووووووور.
رضاب واحدة ممن يعمل في المكتب خبيرة في التعامل مع تكنلوجيا المعلومات تجيد اللغة الإنكليزية والفرنسية وهي الأعلى أجرا بين الخمسة الذين يعملون معا على طاولات منفردة، الأكثر صمتا بينهم، تلقب بحاملة أختام الملك حتى أنها تتمتع بأمتيازات خاصة دون الجميع، لا يعرف أحد بالضبط أين تسكن ولا حتى رقم هاتفها المحمول إلا الكنغ، تأتي بها سيارة خاصة صباح كل يوم وتعود في الساعة الرابعة والنصف لتأخذها وكأن التوقيت هذا أشد دقة من ساعة بك بن.
أحداث التظاهرات وما سببته لبعض مكاتب الصيرفة القريبة من ساحاتها جعلت الكثير منهم يلجؤون إلى الكنغ، أو يتعاملون مع زبائنهم من خلال مكتبه، لذا ترى أعداد كبيرة منهم يتواجدون طول النهار فيه أو بالقرب منهم، تسمع ميمي الكثير من الأحاديث عن المال والصفقات وهذا (أكل بوري) وذاك (قفص وهرب) و الكثير من التوقعات والآراء، لكنها مازالت تركز في إنصاتها على قضيتين، تظاهرات ساحة التحرير ومستجدات وباء الكورونا، حتى كأنها حفظت تمما كل الأخبار عنهما، لم تنقطع أبدا من زيارة ساحة التحرير بل كانت ليلة أمس في قمة السعادة أنها صعدت إلى بناية المطعم التركي، ومع حقيقة ألمها مما حدث في ساحة الخلاني وجسر السنك، لكنها تفهمت أمرا واحدا هو ما يجري ليس بعيدا عن أيدي الحكومة ورجالها.
صلاح خدمة طلب من الكنغ أن يستطلع رأي رضاب في أن يتقدم لها كعريس فهما متناسبان بالعمر والاهتمام وكلاهما يعملان في مجال واحد، تعجبت ميمي من ردت فعل الكنغ الفورية وغضبه سريعا دون أن يسمع بقية كلام صديقه، شتمه وطرده من المحل في نوبة هيسترية لا معنى لها، تألمت كثيرا مما فعل فهي من شجعت صلاح على ذلك وهي من بادرت بالكلام مع رضاب أول مرة لكنها لم تتلقى أي جواب مطلقا وكأنها لم تسمع ما قالته، بدا لها أن هناك أمر ما وبغريزة الأنثى رسمت فكرة أنية بناء على هذا التصرف من أن يكون الكنغ طامحا بقلب الفتاة أو لربما على علاقة ما، هذا الوسواس أضاف لها أكثر من سبب للبحث عن بعض الأسرار المخيفة داخل المكتب.
عاد الضيف الذي أستطعم طبخ ميمي في أحد المساءات لزيارة الكنغ في شقته والذي تلقى منه مكالمة مستعجلة قبل قليل حتى من دون سابق إنذار، لم تكن ميمي حاضرة في المكان مما أتاح له الكلام بحرية ودون أستخدام الرموز والإشارات التي تجهل معانيها وهي عادة لا تتدخل في شؤون العمل الخاص ولا تسأل حتى عن هوية الضيوف، وأيضا ومن غير المتوقع عادت مسرعة وهي تلهث بشكل بان عليها أنها في خطر أو متضايقة من شيء، أستقبلها الكنغ ليطمئن عليها، قالت هناك أمر مريب رجال مسلحون في البناية يبدوا عليهم الشراسة وقلة الأدب.
نهض الضيف معتذرا وأتصل بشخص معين موبخا ما فعله بالسيدة، أغلق الهاتف وكرر الأعتذار فيما يده تخرج من جيبه بورقة فئة المائة دولار ليقدمها لها، كف الكنغ يد الرجل وقال هذه رأسمالي وشريكتي لا تحتاج لشيء وأنا موجود... متشكرا مرة ثانية لكن ما بدا على وجهه من علامات تدل أنه غير سعيد باللقاء هذا، شكرته هي أيضا بشيء من العصبية وعزة النفس وذهبت للمطبخ لإعداد الضيافة المطلوبة، كان صوت الكنغ تسمعه يطلب القهوة التركية مع كلمة حبيبتي، فيما يبدو أن زمن دلالها القديم قد تذكره اليوم أو أن في الأمر (أن وأخواتها).
على الأريكة وأمام المدفأة الزيتية الكبيرة كانت تتابع من على شاشات التلفاز الأحداث المؤلمة التي تجري في كل مدن العراق، صور الدماء وصرخات الشباب التي أختلطت بأصوات القذائف ومشاهد النيران المشتعلة بالشوارع من حرق إطارات السيارات، تثير فيها الحزن وتنزل دموعها من قلبها وليس من عيون تعلمت وأدمنت الحزن بسخاء، فيما الكنغ يتناول كأس الويسكي بكلتا يديه وكأنه يمارس دور الممثل البارع ليباغتها بكلام مرعب، يا ميمي ماذا لو طلب أحد منك للعمل معه وترك هذا المكان... كان سؤالا خبيثا جدا... نهضت بتثاقل من مكانها لتبتعد قليلا نحو النافذة المغلقة بستارة من القماش الثقيل تتفحص المارة القلائل في الشارع، أجابت بعد أن أعادت الستائر لحالها... لا يمكنني حتى تصور ذلك وخاصة أنك كل ما بقي لي في هذا العالم الغرييييييييييييب.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية (حساء الوطواط) ح2
- رواية (حساء الوطواط) ح1
- عالم ما بعد الكورنالية الراهنة. تحولات كبرى وأزمات متجددة.
- العراق .... بعين العاصفة.ح2
- العراق .... بعين العاصفة.ح1
- حسابات الوهم وحسابات الدم
- من يفكك الأزمة؟ ومن يؤزم الواقع؟ ح11
- كتابات يتيمة قبل الرحيل
- من يفكك الأزمة؟ ومن يؤزم الواقع؟ ح10
- من يفكك الأزمة؟ ومن يؤزم الواقع؟ ح9
- بيان المعتزلة الجدد ج2
- بيان المعتزلة الجدد ج1
- من يفكك الأزمة؟ ومن يؤزم الواقع؟ ح8
- من يفكك الأزمة؟ ومن يؤزم الواقع؟ ح7
- من يفكك الأزمة؟ ومن يؤزم الواقع؟ ح6
- من يفكك الأزمة؟ ومن يؤزم الواقع؟ ح5
- نصوص من دفتر خدمتي الضائع
- من يفكك الأزمة؟ ومن يؤزم الواقع؟ ح4
- حكاية الرب والكل
- من يفكك الأزمة؟ ومن يؤزم الواقع؟ ح3


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (حساء الوطواط) ح3