أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - المَهْزوز














المزيد.....

المَهْزوز


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 6519 - 2020 / 3 / 20 - 17:41
المحور: كتابات ساخرة
    


كالعادة، كان (أبو عبدو) آخر مُغادري الشركة التي يعمل لديها. فهو حريص حتى الدقيقة الأخيرة على الالتزام بالدّوام الذي تم إنقاص ساعات العمل فيه إلى خمس، وتقليص عدد العاملين في الشركة إلى 40%، فقد تم توزيعهم إلى فئتين تداوم بالتناوب إحداهما أسبوعاً وترتاح الأخرى. وذلك كأحد الإجراءات الاحترازية لمنع انتشار وباء «كورونا» الذي أقلق العالم، وبدأت تتسابق الدول في اتخاذ التدابير الوقائية للحيلولة دون انتشار هذا الوباء اللعين.
وفي طريق عودته إلى بيته استوقفته فجأةً مذيعة تعمل بالتلفزيون السوري وإلى جانبها مصوّر، وسألته عن التدابير المتّخذة من قِبَله للوقاية من خطر هذا الوباء. بُوغِتَ أبو عبدو لهذه المقابلة. فهذه أوّل مرة في حياته يتحدّث إلى التلفزيون. نظر إليها بعينين كعينَيّ طفلٍ بريءٍ في محنة، واختلجت أهدابه في انفعالٍ وحيرة. وكأنَّ بليّة كبيرة تنتظره. وطَفِقَ يُنقّبُ في دماغه المضطرب عن مخرجٍ لهذه المشكلة. سارع بقضمِ ظفر إبهامه، وأجاب بعد لحظةِ تفكير بنبرةٍ أرادها أن تكون حماسية وكأن وحياً هبط عليه:

«الحقيقة يا آنسة أنني ألتزم شخصياً بدقّة بكافة تعليمات الحكومة؛ من غسيل الأيدي الدائم، والابتعاد قدر الإمكان عن أماكن التحشّد. فمثلاً استغنيتُ هذا الشهر عن حصّتي التموينية المدعومة من "السورية للتجارة". وأقلعتُ نهائياً عن تناول الخبز بسبب الازدحام عند الأفران. وعافت نفسي من الذهاب إلى سوق الخضار درءاً للزحمة. صحيح أنه أرخص من الدكان وكنتُ أوفّرُ هديك الحسبة، لكني استغنيتُ عنه نهائياً أُقسِم بالله. ويقتصر غذائي اليومي على ما تبقّى لديّ من مؤونة الصيف الماضي. إضافةً إلى أنني اقترضتُ مبلغاً من أحد زملائي، سأشتري به الثوم واليانسون من أجل تناولهما يومياً كما نصحت به الحكومة، لترميم مناعتي الذاتية المتآكلة.»
صمت لبضع ثوانٍ، تاركاً لجوابه أن يفعل فعله قبل أن يضيف:
«ثم أنني لا أتحدّث بالسياسة مطلقاً الله وكيلك. لا قدَّرَ الله، فقد تضطرُّ الحكومة لاستدعائي لهذا السبب ويتمُّ حشْري في أحد السجون، حيث.. يا ربّي سترك! "بلا هالسّيرة كرمال ألله!".»
وصمت بُرْهةً مرةً أخرى وهو يُلقي نظرة خاطفة على المذيعة التي كانت تهزُّ رأسها على أنها تفهم. ثم أردف كمن تذكّر شيئاً غاب عنه:
«أه، نسيتُ أن أقول أنني لم أعد أركب باصات النقل الداخلي نتيجة الزحمة عند ذهابي وإيابي إلى مقرّ عملي. بل أستخدم المشي. على الرغم من أنني أعاني من التهاب شديد في المفاصل، ولكن يا آنسة آلامها المبرّحة، أرحم بكثير من الإصابة بكورونا والعياذ بالله! كما أنني ابتعدتُ تماماً عن القيام بكلّ واجباتي الاجتماعية حتى الملحّة منها. منذ يومين مثلاً تُوفّي عمّي – الله يرحمه ويرحم أمواتك – صدّقيني لم أشارك في جنازته! حتى إنني لم أحضر أيام العزاء! يا أختي إذا قالوا عنّي قليل أصل، أفضل من قولهم: "اسمعْتوا؟ يا حرام، والله أبو عبدو مصاب بكورونا!".»
أجال طرفه فيما حوله ومضى يقول بصوته الواهي: «كما ترَين يا عزيزتي، فإنني أنفّذُ بإخلاص ما أمرتني به الحكومة..»
بعد أنهى إجابته، عاد إلى قضم ظفر إبهامه من جديد وهو يرنو إليها مستطلعاً محاولاً أن يجتلي أثر كلماته. وسرعان ما طأطأ رأسه بخضوع العبد ورقّته، وهو يبلع ريقه منتظراً.
لم تستطع المذيعة كبت ابتسامتها، صوّبت إليه نظرة جانبية ساخرة، ثم عضَّتْ على شفتيها بدلع وقالت: «لا ريب في أنك مواطن صالح». وغادرت وابتسامة سعيدة تمرح على شفتيها.
شعر أبو عبدو بومضات خافتة من الفرحة، فسحبَ شهيقاً طويلاً وزفر بارتياح، بعد أن التقط أنفاسه وهو يرمقها تبتعد. وحثَّ خطاه مسرعاً لأقرب محلﱟﱟ لتناولِ جرعة ماء.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحُبُّ في زمن «الكورونا»
- قراءة في رواية «الواجهة»
- كهف أفلاطون والديمقراطية السورية
- حبيبتي حزينة!
- يا للهول! إنهم يتناسخون!
- العُنْفُ حلٌّ أحياناً
- الشَّمس
- «الكباش» الروسي التركي إلى أين؟
- لكلّ حصان كبْوة!
- براءَةُ الخصام
- أُمْنِيّة استثنائيّة
- «الأُمّ»
- عزف منفرد
- مَنْسَف لحم
- في حَضْرَةِ الغياب
- لماذا لم تُشكّل الحكومة الانتقالية في سورية؟
- قَصْرُ المُحافِظ
- من أين لك هذا؟!
- البَدْلةُ الزرقاء
- جُرْأة غير مسبوقة!


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - المَهْزوز