أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: مستهل الفصل السادس















المزيد.....

حديث عن عائشة: مستهل الفصل السادس


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6484 - 2020 / 2 / 6 - 20:46
المحور: الادب والفن
    


1
صباح اليوم التالي لوصول آكو، أرتفع صوتُ مؤذن جامع الحارة ذي الحجارة البيض، معلناً خبرَ وفاة عليكي آغا الصغير. الزعيم، هوَ مَن طلبَ في اليوم السابق من الشيخ البوطانيّ أن ينعي القريبَ، العاثر الفأل. كان الوقتُ خريفاً، خلّف للتو صيفاً طويلاً، حافلاً بالأحداث؛ وكان أهمها دخولُ العرب والإنكليز إلى الشام على أثر هزيمة العثمانيين. لكن حدث اليوم، هز الحارة، بالأخص لما عُلِمَ أن معظم أفراد أسرة الفقيد قد لاقوا نفس المصير في الوباء: عليكي آغا الصغير، كانت له أسرة أخرى من امرأة بدوية؛ ولم يبقَ حياً منها سوى ابنٌ واحد، كان في عداد المفقودين على خلفية نفيه إلى الأناضول بسبب حادثة ثأر تورط فيها مع زوج أخته غير الشقيقة، ريما.
على صلاة الظهر، تدفق الناس أكثر من المعتاد إلى الجامع بعدما نم إليهم أن الزعيم سيصلي ركعتين إضافيتين على روح قريبه وأسرته. دخلوا إلى ردهة الجامع، لتمتلئ أنوفهم بأنفاس أشجار التوت المباركة، المجردة من الثمار في هذا الوقت من الخريف. الكثير منهم، أرسلوا أبصارهم إلى جهةٍ من الرواق، جلسَ فيها الزعيم استعداداً للصلاة، وكانوا يأملون برؤية الذكر الوحيد الناجي من ذريّة عليكي آغا الصغير. لكنهم لم يميّزوا هنالك سوى أخا هذا الأخير، الذي عاد بدَوره من أتون الحرب مؤخراً. لاحَ الأخُ على حال بيّنة من الحزن الشديد، وقد التهبت عيناه من أثر الدمع المالح. لعله كان يستذكرُ الأعوامَ العشرة المنصرمة، التي مرت دونما أيّ خبر من جهة الأهل في مازيداغ، وكيفَ انتظر مع الزعيم مجيءَ حاجٍ من تلك الأنحاء كي ينقل رسالتهما إلى مَن أضحى اليوم في عداد الأموات.

***
في حقيقة الحال، أن الشاب آكو سقط مريضاً بالحمى عقبَ وصوله بساعات؛ وكان ذلك من حُسن حظه، بالنظر لما يُمكن أن يكونه مصيره لو أن الحالة دهمته في خلال الطريق الطويل. عند ذلك، استعادت امرأة عمه شملكان همّة أيام زمان، وقتما كانت بمثابة طبيب العشيرة، فراحت تعتني بالمريض وتسقيه من مغليات الأعشاب. كان ما يفتأ في مرحلة الهذيان، يُردد مفزوعاً: " دم، دم..! الطفلة الكافرة..! ". في مساء اليوم نفسه، استقبل منزلُ الفقيد المعزينَ من النساء. وكانت هذه هيَ المرة الأولى مذ يوم رحيل العم أوسمان، تُجرى تعزية هنا، مثلما أن الحضورَ كان مضاعفاً إن كان نتيجة ازدياد عدد الناس أو نوعية المناسبة الحزينة. ولأول مرة أيضاً، تضع السيدة شملكان الخمارَ الأسود فوق ثيابها؛ وكان رفضها له من أسباب حنق الحاج حسن عليها واعتباره لها قدوة سيئة لنساء العشيرة والحارة: الخمار، سيخلفُ منذئذٍ ملابسَها الكردية الزاهية، وكانت إذاك قد تعبت من المكابرة وتشبّه نفسها بأنها مثل الغراب الأبيض بين سرب من الغربان السود!
لم يكن بلا مغزى، أن يطلب الزعيم من أخي الفقيد إقامة التعزية في منزله. إذ كان واضحاً للجميع أن الحاج حسن كان يبغي التكفيرَ عن سوءته الأولى، التي كانت سبباً في قرار المرحوم عليكي آغا الصغير تركَ الشام والارتحال إلى موطن الأسلاف. مع إيمانه بالقضاء والقدر، كانت صدمته كبيرة غبَّ إعلامه أمس بما ذكره آكو، فورَ وصوله، عن موت معظم أفراد أسرته بالوباء. ولم تكن دهشته أقل، بالمعلومة الأخرى المفيدة بزواج عليكي آغا الصغير من امرأة بدوية وأنها كانت من الضحايا مع أبنائها باستثناء أكبرهم، المنفيّ إلى جهة الأناضول. في خلال العزاء، مال على أذن أخي الفقيد، الجالس بقربه في صدر الإيوان: " لن أدخر وسعاً في معرفة مصير ابن أخيك ذاك، المسرغن ". ثم استدرك بالقول: " ولو أن ذلك مهمة عسيرة، بالنظر إلى سيطرة قوات الكفار على معظم أراضي السلطنة ".

***
كانت السيدة شملكان ما تفتأ تعتني بقريبها الشاب، حينَ هُرعت ابنتها الوحيدة، " سلطانة "، على صوت قرع الباب الخارجيّ. كان نهاراً كئيباً، امتداداً لأيام سابقة، مفتقدة لدفء الشمس. وقد تضافرت الكآبة، ولا غرو، مع مجيء آكو وفي جعبته الأخبار المفجعة. وهيَ ذي الابنة ذات العشرين عاماً، تؤوب إلى مجلس والدتها في حجرة المعيشة لتقول في نبرة أقرب للحنق: " ثمة امرأة على الباب، تزعم أنها قريبة آكو "
" كيف قريبته..؟ "، تساءلت الأم دونَ أن تستوعبَ كلام ابنتها. لقد ظنت لأول وهلة أنها قد تكون إحدى نساء العشيرة، من الفرع الآخر المنعوت ب " زنكَلي "؛ تشنيعاً لجذوره النصرانية. ثم أردفت للفور: " أدخليها على أيّ حال، كي نعرف من هيَ ". على الأثر، وفيما السيدة شملكان تخرج إلى أرض الديار، كانت امرأة شابة غريبة عليها الملابس الكردية ما تنفك متسمرة وراء الباب الخارجيّ، وكان في يدها صرّة كبيرة نوعاً. برغم تعاسة مظهرها، لم تفتقد سحنتها للتناسق، ولو أنها قصيرة نوعاً وغير رشيقة. بنظرة واحدة، أدركت صاحبةُ المنزل أنها أمام إحدى نساء العشيرة من الأقارب الأصيلين. غمغمت المرأة، وكما لو أنها تؤكد حدسَ الأخرى: " أنا زوجة آكو، واسمي عزيزة. لقد تركني قبل ثلاثة أيام في خانٍ مع الخيل، وذهبَ كي يسأل عنكم. تركني في الشام، وأنا لا اعرف لغةَ الناس ولا الوسيلة لتتبع أثره "
" وكيفَ عرفتِ عنواننا، إذن؟ ثم أينَ خيل ابن عمي؟ "، بادرت سلطانة لسؤال المرأة. هزت الوالدة رأسها بحركة تحذير، وهيَ تكبت ضحكة ساخرة. ثم ما أسرعَ أن اندفعت نحو القريبة، لمعانقتها والتخفيف عنها بالقول: " آكو بخير الآن، وكان قد سقط مريضاً بمجرد وصوله إلينا ". ثم أومأت إلى ناحية ابنتها: " أما هذه الفتاة الثرثارة، فإنها سلطانة ابنة عمك، لكنها ستغدو صديقتك أيضاً ".

2
عند عودة عيشو مع والدتها من زيارة للسيدة شملكان، بمناسبة حضور امرأة آكو، قالت وضحكتها ترن في جوف الليل: " هل لحظتِ بأية ضراوة كانت تنظر إلى امرأة قريبنا العائد، تلك القطة الهارون؟ يقيناً إنها تود انتزاع عينيها بمخالبها، لولا أنها بحماية الأم ". ثم أردفت بنبرة أخرى: " هيَ هكذا دوماً، تعتقد أن كل فتاة متزوجة قد سرقت خطيبها! ومع أن خلّو غريبٌ، كان لسلطانة في أوان خطبتنا نفس النظرة الأنانية الدنيئة "
" كما قلتِ، الأم موجودة والحمد لله. إنها إنسانة مختلفة كلياً، طيبة ومحبة للآخرين. لذا علينا ألا نهتم لما يبدر من الابنة، وذلك إكراماً لامرأة عمك "، علّقت سارة. كانتا تسلكان دربَ الزقاق المجاور، الموصل عبرَ دخلةٍ مغلقة إلى منزل الجيران من آل " سلطانة عرب ". فُتحَ لهما الباب من لدُن الجارة، وما لبثت هذه أن نصبت السلّمَ المرفوع باتجاه فتحة منزل آل حج حسين. قالت الجارة: " الوقتُ مبكرٌ بعدُ، ولو تبقيان عندنا للسهرة؟ ". لكن سارة شكرتها مع قبلةٍ على كل خد، وكانت أول من صعدَ السلم.

***
أولئك الجيران، مثلما علمنا، كانوا من آل " لحّو "، الذين يُشنّع عليهم بلقب زنكَلي، ( قارع جرس الكنيسة )، على خلفية جذورهم النصرانية. كبير العائلة، سبقَ أن غيّرَ كنيته، واتخذ كنية عشيرة الايزولان، كي يبقى بمنجاة عن السوق للجندية. في واقع الأمر، أن عائلات أخرى اتبعت مخاتلة مماثلة في تسجيل نفسها. مع انتهاء العهد العثماني، وكان تاريخُه سلسلةً متصلة من الحروب، وقع على عاتق زعماء الأحياء وضع كل عائلة في نصابها الصحيح لناحية النسب والعشيرة. على طاولة الزعيم، كان السجل السميك عامراً بأسماء مختلف العائلات والأسر، كبيرها وصغيرها. مع اتساع الحي، زادت مشاغله وأرهق كثيراً بالعمل. كان ينتظر استتباب الوضع للحكومة الجديدة، أملاً في النظر بطلبه الإحالة على التقاعد.
علاوة على العمل المرهق، كان الحاج حسن مهموماً بمشاكل الأبناء. جرحه بعمق، ما تناهى إليه عن عزم ابنه سلو تطليق زوجته من أجل الاقتران بامرأة ما زالت على عصمة رجل؛ امرأة، ليسَ فيها من مزايا سوى النميمة واللسان السليط. لم يبدُر بعدُ من الابن أنه سينفذ رغبته، سوى أنه أضحى كمن هجرَ فراشَ امرأته، ناهيك عن سهراته شبه اليومية في أماكن اللهو بمركز المدينة. الابنُ البكر، هوَ بدَوره يبدو على خطى الآخر. لكنه معذورٌ، بما أن امرأته شبه مختلة عقلياً ولا تنفك عن تنكيد عيشته. ثم استعاد الزعيمُ مجدداً سحنةَ الابن الماجن، زافراً بسخط: " لكن ما عذره، سلو، وامرأته إنسانة عاقلة فضلاً عن جمالها ونسبها الرفيع؟ ". مع ذلك، ما كان راضياً عن الابن البكر: " مركزه كوكيل لأعمال ابن شمدين، جعله يشمخ بأنفه حتى عليّ؛ أنا والده. يتحجج بانزعاجه، لأنني اشتريتُ لشقيقتي منزلاً تأوي فيه مع أسرتها. كأنما رغبَ أن يستمروا مقيمين في المغارة، مع علمه بتلطيخ سمعتنا بالنتيجة؟ ". كان على هذه الحالة، حينَ ابتدأ أعضاءُ المجلس بالتوافد واحداً بأثر الآخر. بشّ لهم، وما أسرعَ أن سلا همومه الشخصية في غمرة التداول بالأمور العامة: كذلك كان الحاج حسن، لا يشعر بالراحة إلا إذا كان ضميره مرتاحاً لجهة تأمين حاجات الناس المعوزين وحل مشاكل للحارة.

***
بعد نحو أسبوع تحسنت حالة آكو، واستطاع أن يخرج من الحجرة لمعاينة أحوال الدار، وكان قد تركها وعمره خمسة عشرة عاماً. هذا أراحَ بعضَ الأهل والجيران، المتطيّرين من مرضه، فظنوا أنه عدوى الوباء، الذي أهلك أهله قبل أشهر قليلة. مع ضعفه بعدُ، الظاهر في فقدانه بعضَ الكيلوغرامات من وزنه، فإنه لم يستحسن أن تستمر بطالته. عندئذٍ قرر أن يتوجه إلى عمه، عليكي آغا الكبير، بغية مفاتحته بأمر تدبير عمل مناسب. لما أخبرَ السيدة شملكان بما عزم، استنكرت ذلك بأنه ما يفتأ غير معافى ويحتاج لأسبوع آخر من النقاهة. قال لها مطمئناً: " لن أبدأ العملَ من الغد، بطبيعة الحال، ولكنني يجب أن أسعى إليه منذ اليوم ".
عصراً، استقبل العمُ ابن أخيه وما لبثت دمعة أن لمعت في كل من عينيه الجميلتين. كان ما انفك غيرَ مستوعبٍ لحقيقة، أن هذا الشاب هوَ ما بقيَ من ذرية أخيه الذكور. ثم تذكّر، فجأة، موضوع ابن الأخ الآخر، المنجب من امرأة بدوية: " قلتِ لي أن اسمه، ‘ مُحّو ‘، وعمره لا يتجاوز دزينة من الأعوام؟ أم م م.. يلوحُ أنه داهية، طالما شارك بالتخطيط مع صهره لقتل زعيم عشيرة عربية. أليسَ صحيحاً؟ "، قالها كأنه يخاطبُ داخله. ثم أضاف: " في هذه الحالة، علينا الافتراض أن أخاك يدبّر نفسه في مكان نفيه بالأناضول، وربما يكون أيضاً في طريقه إلينا؟ "
" أتمنى ذلك، عماه. شقيقتي ريما تبكيه ليلاً نهاراً، كونها تعهدت تنشئته مذ كان طفلاً ثم جعلته يرافقها إلى منزل زوجها "
" ريما الجميلة؛ أذكرها كم كانت تشبه المرحومة... "، قالها العم ثم سكتَ عن متابعة جملته. لكن الشاب كان قد علمَ في الأمس بخبر وفاة شقيقته الكبيرة، نازو. فابنة شملكان، سبقَ أن ثرثرت عن الماضي مع امرأة آكو. تمتم هذا الأخير: " رحمَ الله نازو العزيزة ". فما كان من العم إلا تغيير مجرى الحديث، مستفهماً من ابن أخيه عن مشاريعه للمستقبل. قال آكو متحمساً: " لأجل هذا إنما جئت إليك، كي تعينني بنصائحك. أنا أُحسنُ أمورَ البيع والشراء، لأنني عملت مع المرحوم والدي في متجره بديريك مازيداغ "
" إذاً تحتاج لرأسمال، وأنا سأحاول تدبير ذلك في أقرب فرصة. لأنك تعرف ما فعلته الحرب بتجارتنا، بالأخص أنها ترافقت مع المجاعة العامة "
" عندي فكرة، وهيَ بيع حصة أبي بالمنزل "
" وأين ستعيش؟ "
" سأبني منزلاً في مكانٍ بالخلاء، يقع جنوب حارة الدروز. سأجعلهم زبائني. والدكان سيكون جزءاً من المنزل "
" يبدو أن أفكاراً رائعة حصلتَ عليها، وأنت في بحران الحمّى! "، قالها العم ضاحكاً في سرور وقد سلا أحزانه.

3
كانت سنة سعيدة على آكو، برغم أن النصف الأول منها كان حافلاً بالنوائب التي طالت أسرته. وكان سعيداً، لمجرد عودته للعيش في الشام؛ مسقط رأسه وملعب طفولته وموئل صباه. عندما أعلمَ السيدة شملكان بنيته بيع حصة أبيه في المنزل، أرسلت في الحال نظرة صارمة باتجاه ابنتها. نبر آكو بنفسه للتأكيد، أنه لا يشكو وامرأته من أي منغص والجميع عاملوهما بمحبة واحترام. ثم شرح لامرأة عمه جلية الأمر، بخصوص مشروع الدكان. هنا، قذفت سلطانة هذه الملاحظة: " لكنك لا تستطيع بيع منزل أبيك دونَ وجود أخيك ذاك، الغائب؟ "
" لا تتدخلي في أمور لا تعنيكِ، ولا علم لك بها "، تولت الأم الجوابَ. ثم تابعت تخاطب وجه القطة، كما كانوا يدعونها: " المنزل كان ملكاً لأم آكو وليسَ لأبيه، وعلى ذلك لا شأن لأخيه به ". ثم التفتت إلى المعنيّ، تسأله: " في هذه الحالة، علينا أن نرفع جداراً بين قسميّ الدار كي يسهّل ذلك أمر البيع؟ ". في الأثناء كان الابن، صالح، يتابع الحديث صامتاً. وإذا به مَن يجيب والدته: " لا داعي لرفع الجدار، لأنني أنا مَن سيشتري حصته في المنزل "
" هه! ومن أين لك المال، يا هذا؟ "، هتفت سلطانة وقد عقفت فمها. فصرخت بها والدتها: " كفى، واخرجي من الحجرة حالاً ". عقبَ مغادرة الابنة المثيرة للأعصاب، اتجهت الأم لتكرار السؤال السابق وإن بنبرة لطيفة. قال صالح، مداعباً شاربه المفتول بنبرة زهو: " لا يُسأل عن المال أولُ مَن أدخلَ سيارة إلى الحي؛ وبالطبع من خارج فئة الأعيان! "
" سألتك والسلام "، قالتها الأم عابسةً. وكادت أن تضيف، " لأنني اعتقدتُ أنك لم تقتصد شيئاً من المال، بما أن سهراتك الماجنة يومية ". هكذا حُلت مشكلة آكو بكل يُسر، وبقيَ أمرُ تدبير العمال للبدء بتعمير المنزل.
حينَ عاد إلى عمه من أجل بثه البشارة، كان في نيته الاستفهام عما لو يعرف أين يمكن إيجاد عمال. للمصادفة، وكان الوقتُ مساءً، مر خلّو على محل الماشية وتعرّف على ابن أخي صاحبه. سمعَ نتفاً من الحديث، فقال: " لقد استعنتُ مرةً بفاعل من أقاربكم، هوَ سليمان داوو ". ثم أضاف، عارضاً المساعدة بأعمال البناء: " وسأكلم النواطير، علّ بعضهم يرغب بالإسهام في ذلك ". شكره آكو بحرارة، وقال أنه يرغب في أن يكون صديقه أيضاً.

***
على الغداء في نهار اليوم التالي، سرد خلّو على مسامع امرأته كيفية تعرفه على قريبها، العائد حديثاً من موطن الأسلاف. تبادلت عندئذٍ عيشو مع حماتها النظرات، قبل أن تعرب ببعض الاضطراب عن سعادتها بهذه الصداقة الجديدة. الحماة، كانت تعرف أن الحاج حسن هوَ مَن أجبر أسرة عليكي آغا الصغير على ترك الشام بعدما فرض على الرجل مقاطعة قاسية. لكن عيشو كانت قد قررت سلفاً أن تخبر زوجها بالموضوع، كيلا يسمعه أولاً من آكو أو غيره. لما انفردت معه في حجرتهما، وذلك قبيل ذهابه للعمل، دخلت إلى الموضوع من باب السؤال عن إمكانية مد مياه النهر إلى المنزل المزمع إشادته في ذلك المرتفع من الخلاء.
" تبيّنَ أن الدروز استفادوا من قنوات ناظم باشا، الممدودة من صهاريج في جبل قاسيون، فجرّوا عبرها المياه الصالحة للشرب إلى منازلهم "، رد الزوج. ثم أردف متسائلاً، وهوَ ينظر في عينيها: " الحق أنني لحظتُ شرودك على الغداء، أثناء حديثي عن قريبك. كأنما ثمة شيء في سريرتك، تودين البوح به؟ ".
خلّو، كامرئ نابه وذي ذكاء، لم يخفَ عليه قلقَ امرأته واضطرابها. فكّرت عيشو قليلاً، ثم ما لبثت أن بدأت تقص حكاية الخلاف والرحيل. علّق الرجل على ما سمعه، بأن داعبَ أولاً وجنة زوجته: " الحاج حسن، رجل قدير ومحب لأولاد حارته؛ بله أهله وأقاربه. الحقيقة، أنه هوَ الذي طلب مني مساعدة آكو، وذلك في أول يوم أعقبَ التعزية ".
أشرقَ وجهُ عيشو، وأحست برعشة رقة أمام كلمات الزوج. كانت على خشيةٍ قبلاً، أن تؤثر تلك الذكرى المؤلمة في نظرته لأبيها. وهيَ ذي بنفسها يزداد احترامها للأب، بناءً على ما سمعته للتو.

* مستهل الفصل السادس/ الكتاب الرابع، من سيرة سلالية ـ روائية، بعنوان " أسكي شام "



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الخامس
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس/ 1
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع/ 5
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع/ 4
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الرابع
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثالث
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الثالث
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثاني
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الثاني
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الأول
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الأول
- سارة في توراة السفح: الخاتمة
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع عشر/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع عشر/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع عشر/ 3
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الرابع عشر
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل الثالث عشر
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الثالث عشر
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 5


المزيد.....




- باتيلي يستقيل من منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحد ...
- تونس.. افتتاح المنتدى العالمي لمدرسي اللغة الروسية ويجمع مخت ...
- مقدمات استعمارية.. الحفريات الأثرية في القدس خلال العهد العث ...
- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: مستهل الفصل السادس