أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: بقية الفصل الثالث















المزيد.....

حديث عن عائشة: بقية الفصل الثالث


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6477 - 2020 / 1 / 30 - 22:39
المحور: الادب والفن
    


4
قبل ليلة من موعدها مع العشيق، دفعت خاني البابَ الخشبيّ للإسطبل بقدمها. اندفعت هاربةً باتجاه الكرم، مستبقةً إفاقة أهل الدار على جلبة الباب المخلوع. في حقيقة الحال، لم يكن ثمة في المنزل سوى امرأة الخال مع ابنيه؛ " ممدوح " المتجاوز العشرين، وأخيه غير الشقيق " عرب "، الذي يصغره ببضع سنين. بقيت خاني مندفعة كعاصفة عشقها، لا تلوي على شيء، وكانت وجهتها البساتين، الكائنة تحت الكرم على الضفة الأخرى للنهر. اجتازت الجسرَ الخشبيّ، ثم توغلت بين أشباح النبات، وكانت بمعظمها أشجارُ جوز: في زمن طفولتنا، حينَ تم استحداث شارع ابن النفيس على أنقاض هذه البساتين، أطلق اسمُ " الجوزة " على موقف حافلات الأوتوبيس، المقابل للجسر المفضي إلى كرم آل عرب.
لفأل خاني الحَسَن، أنها كانت ساعة متأخرة من الليل، لم يتواجد فيها غالباً سوى الحيوانات المتشردة، كالكلاب والقطط. في أمكنة أخرى من المدينة، اختفت هذه الحيوانات، إضافة إلى القوارض؛ لأن السكان الجائعين التهموها. وإذاً، واصلت الفتاة سيرها بموازاة الضفة الجنوبية للنهر إلى أن عبرت الجسر الخشبيّ الآخر، المنتصب في مدخل الحارة من جهة زقاق الكيكان. في الظلام الدامس، بدت مثل الغلام بعدما أخفت شعرها بمهارة طيّ معطف رث، كانت امرأة خالها قد سبقَ ورمته لها كي يقيها برد الليل. كذلك سطّحت ما أمكن ثدييها ووركيها بأربطة قماش، تم تهيئتهم من مزق ثوبها الداخليّ. دقائق على الأثر، وكانت تقرع بقوة البابَ الخشبيّ لمنزل أبيها، عالمة بالطبع أن شقيقتها تقيم خفيَةً فيه. كون المكان خالٍ من الآدميين، المتطيرين من خرافة الطيف، راحت خاني تنادي شقيقتها باسمها. انفتحَ البابُ عندئذٍ على سحنة فاتي، وكان رأسُ العشيق يطل من خلقها.

***
ردة فعل فاتي على الخيانة المزدوجة، كانت بالغة الضراوة، حاولت في خلالها أن تنشب أظافرها تارةً بالشاب وبالشقيقة تارة أخرى. لكن حسّو كان من العزم، أن شل حركتها سريعاً. حدق فيها بعينين مشتعلتين، كانتا ترعبان أشحعَ الرجال في ظروف أخرى: " لنغلق هذا الموضوع مرة واحدة إلى الأبد، لو أردنا أن نكمل حياتنا في سلام "، وجه كلامه للفتاة الثائرة. همدت في مكانها على أريكة الإيوان، وكانت ما تنفك منهنهة بكاءً ومرارة. لكنها رفعت رأسها بعد وهلةٍ نحوَ الحبيب الغادر، لتتساءل: " أتريد أن تعاشرَ شقيقتين، فتجلب غضب الله علينا؟ "
" يا حمقاء! وهل يرضى الله معاشرتك لي بالحرام؟ "
" لقد وعدتني بالزواج، أليسَ صحيحاً؟ "
" نعم، ولو أردتِ سأجلب شيخ المسجد حالاً "، رد وقد خف انفعاله. ثم استدرك بالقول: " خيرٌ لنا جميعاً تأجيل مجيء الشيخ، لأن الجندرمة ما زالوا مستنفرين في الحي للقبض عليّ وعلى شقيقي "
" حيرٌ لنا جميعاً؟ هل سيكتب الشيخ عقد قرانك على شقيقتين؟ "، استفهمت فاتي وقد اتسعت حدقتا عينيها. هز حسّو منكبيه بحركة استهانة، غير أن إجابته خرجت مبهمة: " إرادتي لا راد لها، أكان من أمامي شيخٌ أو مفتيّ! ". عند ذلك، التفتت فاتي نحو شقيقتها وكأنما انتبهت فجأةً لوجودها: " وأنتِ؟ ما بك ملتزمةً صمتَ العقرب؟ ". رفعت الشقيقة الصغيرة رأسها، مدورةً نظرة عابرة بين الحبيبين اللدودين: " بلى، خير لنا أن نغلق هذا الأمر ونرضى بما قسمه الله "، رددت بتسليم وحزن قولَ العشيق.
في ساعةٍ متأخرة من الليلة التالية، قاد حسّو الشيخَ البوطانيّ إلى المنزل المعتلي الهضبة الصغيرة. جرى ذلك عقبَ صلاة الفجر، واضطر الشابُ لإظهار الطبنجة بوجه الشيخ كي يُدرك هذا أن الأمرَ جديّ. ثمة في المنزل، غبَّ الانتهاء من كتب كتاب الشقيقتين على حسّو، الواحدة بأثر الأخرى، أعاد هذا الأخيرُ وضعَ يد الشيخ فوق غلاف القرآن: " أقسمْ على كتاب الله أنك لن تشي بمكاني لكائن من كان، ولا بقصة اقتراني بابنتيّ حمّوكي "، أمرَ الشيخ بلهجة حافلة بالتهديد والوعيد. شعر الشيخُ باليد الجبارة على يده الهزيلة، وما كان منه سوى الإذعان.
خمسة أعوام على الأثر، لما تردد الملكُ فيصل بتوقيع حكمَ الإعدام بحق حسّو، بصفته أخطر قاطع طريق عرفته الشام وبرّها، ذكّره رئيسُ الديوان بجمعه لشقيقتين تحت سقف الزوجية. فهتف الملك بلهجته البدوية، مستاءً: " والله هذا فعل شين، لا يقبله دين ولا عقل! ". بعدئذٍ خط توقيعه على الحكم، دونما شعور بالشفقة.
5
بوصفه زعيم الحي، وضعَ الحاج حسن على جدول نقاش المجلس قضيةَ هروب ابنتيّ حمّوكي. بعد نحو ساعتين، اختتمَ النقاشَ بالقول في اقتضاب: " التجنيد الاعتباطيّ، كان سبباً في تقويض بنيان عائلة حمّوكي. عدا عن الشرور الأخرى، الناتجة عن الحرب؛ كالمجاعة والوباء ". وافق الأعضاء على تقييم الحاج، بهز رؤوسهم والتمتمة بلا حول ولا قوة إلا بالله. النسيم الجبليّ العذب، المحمّل على جناحي ليلة الصيف المتأخرة، حقّ له عندئذٍ أن يبعث قليلاً من النشاط والحيوية بين المتواجدين في المضافة. كمألوف العادة، كان الشيخ البوطانيّ قد انضم لأعضاء المجلس الثلاثة، وذلك بصفة الإجلال لمركزه الدينيّ. لم يخطر بباله قط، إفشاء السرين المستطيرين. الحلف على كتاب الله ألا يفشي أمرهما لأحد، مخالفته تعني أيضاً خسارة الدنيا. في المقابل، كان بعلمه غير المشكوك فيه قادراً على مخالفة قسمه؛ كونه اضطر إليه تحت تهديد السلاح. لكنه تذرّعَ بحديثٍ للرسول، يوصي بالتستر على المعاصي كي لا يحدث ما هوَ أمر منها. مع ذلك، بقيَ أثناء الجلسة كأنما تحته جمرٌ مشتعل؛ مرتبكاً مبلبلاً، محمرّاً حتى الأذنين. حالته، لم تخفَ على الحاج. بيد أنه قررَ في نفسه ألا يفاتحه بشيء، إلا عقبَ مغادرة الأعضاء الآخرين.
" هل لديك ما تقوله لي، يا سيّدنا الشيخ؟ "، ابتدأ الزعيمُ الكلامَ إبّان وجوده مع الرجل لوحدهما. كان قد استبقاهُ، بحجة مناقشة أمور تتعلق بالصدقات. كان ما زال ينظر إلى الشيخ بإشفاق، موقناً أنه يحمل هماً ثقيلاً. في الأثناء، لاحَ أن هذا الأخير استنفدَ صبرَه وقررَ الكلام. كان يثق بأخلاق الزعيم، بالأخص لو أؤتمن على أسرار خطيرة كالتي يكتمها هوَ. تنحنح قليلاً، بينما العرق لا يكاد يتوقف عن النبع من تحت جبته، مبللاً شاربه ولحيته: كان، ولا غرو، خائفاً على حياته.
" لا أستطيع إلا القول، أنّ من الواجب علينا مساعدة أحد الخاطئين وذلك بالنصيحة أولاً "، رد الشيخ بطريقة ملتوية مؤملاً أن يصل تالياً إلى هدفه دونَ الحنث بالقسم. أمام نظرات الزعيم، الموحية بفضوله المستثار، أردفَ الآخرُ: " أتكلمُ عن شاب يمتّ إليك نسباً بشكل ما، بلغ به الاستهتار أن يحلل ما حرّمه الله ". ثم ما لبثَ أن هتفَ، وكأنه على منبر المسجد: " بل إنها الجريمة بعينها، ما لو أعقبت الفاحشةُ ذريّةً "
" ليُهدِكَ الله، يا سيّدنا، هلا تكلمت دونَ مواربة؟ "، قاطعه الزعيم وكان بدَوره قد نفد صبره أمام هذه الأحاجي. عندئذٍ بادرَ الشيخ لإطلاق لسانه، بعدما أخذ على صديقه عهداً بكتم الأمر ريثما يصلان إلى مخرج مناسب للمأزق: كذلك تُفشى الأسرار، وقتما تنتقلُ من فم إلى فم مع القسم بألا يعلم بها شخصٌ ثالث!
على أيّ حال، فضّل الزعيمُ انتظارَ فرصةٍ سانحة لقدوم زوج ابنته عيشو، وذلك للتباحث معه بأفضل سبيلٍ لنصح حسّو بفض " زواج الجاهلية "ـ كما دعاه أمام صديقه الشيخ وبمزيد من السخط والاستنكار.

***
صحَّ جانباً مما توقعه الشيخ، وعدّه بمثابة الجناية. برغم قِدَم عهد فاتي مع مَن أضحى قرينها، لكنها شقيقتها التي أعطت إشارات الحمل. هذه الأخيرة، حاولت ما في وسعها كي لا تلفت حالتها النظرَ. لم تكن من النوع المأخوذ بالخوف، غيرَ أنها آمنت كالكثيرات من بنات جنسها بأفاعيل العين والحسد وحتى السحر. كان لكل من الشقيقتين طابقٌ في البناء المكون من دورين، لا يجمعهما سوى حضور الزوج المشترك على المائدة. دأبَ على تزويدهما بالمؤن، وكان يفعل ذلك بنفسه كيلا يقرب أحدٌ من رجاله عتبةَ الحريم: مهابته، ما كانت قائمة على قوته وجسارته حَسْب، بل وأيضاً على ما أضفاه على نفسه من صفات خارقة أقرب للأسطورة. مع ثقافة حسّو شبه المعدومة، فكّرَ أن المرأة من الممكن أن تجعل أقوى الرجال مثاراً للسخرية والعار. لعله سمعَ مرةً حكايةَ شمشمون الجبار مع دليلة الماكرة؛ حكاية، ربما جعلها أمثولةً وعبرةً في آنٍ معاً، حكواتيُّ أحد مقاهي الشام.
مضى على علم الحاج حسن بالسر بضعة أشهر، لما بوغت بشخص ملثّم يقتحم عليه حجرةَ المضافة. الوقتُ، كان في ساعةٍ متأخرة ليلاً من أوان بداية الخريف، وقد تهيأ الحاج للذهاب إلى بيته. أفضح الملثم حالاً عن شخصه، بالقول وسط العتمة المطبقة: " أنا حسّو، سيّدي الزعيم ". نطقُ شخصٌ مثله اسمَ الحاج بتوقير وتعظيم، كان دلالةً على حاجةٍ ملحّة يأمل بها. هذا ما كان، لما استطرد للفور وبلهجة ملهوجة: " امرأتي، بحاجة ماسّة لمساعدة حرمكم القابلة "
" وأيّ من الشقيقتين، تلك المضرورة لعون القابلة؟ "، شدد الزعيمُ على المفردات. أدركَ قاطعُ الطريق أن سرّه مفتضحٌ، فما كان منه سوى الدمدمة بحقد من بين أسنانه: " إمام مسجد، ويحنث القسمَ على القرآن. ثم يطلبون الهدايةَ، بعد ذلك، لخاطئ في مثل حالتي! "
" سرّك محفوظٌ، يا هذا، وإلا لكنتَ من زمان في عداد الموتى "، قالها الزعيمُ بنبرة شديدة. كان لا يتصور بعدُ، أن مَن سينجبه هذا الأفاقُ الفاسقُ، سيكون ابنَ عم حفيدته هوَ؛ الحاج حسن، عالم الدين وزعيم الحي.
ليست خاني، بل شقيقتها الأكبر، فاتي؛ هيَ التي ستنجبُ، لاحقاً، الابنَ الوحيد لحسّو. ومثلما خشيَ الزعيمُ، فإنّ إحدى حفيداته ستتزوجُ مستقبلاً من ابن عمها هذا!



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الثالث
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثاني
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الثاني
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الأول
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الأول
- سارة في توراة السفح: الخاتمة
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع عشر/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع عشر/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع عشر/ 3
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الرابع عشر
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل الثالث عشر
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الثالث عشر
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ الحلقة 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 1
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 3


المزيد.....




- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...
- الجامعة العربية تشهد انطلاق مؤتمر الثقافة الإعلامية والمعلوم ...
- مسلسل طائر الرفراف الحلقة 67 مترجمة على موقع قصة عشق.. تردد ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: بقية الفصل الثالث