أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - موتُ الكاتب …. وازدراءُ الأديان














المزيد.....

موتُ الكاتب …. وازدراءُ الأديان


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6441 - 2019 / 12 / 18 - 15:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"يموتُ الكاتبُ فورًا بعد كتابة النصّ.” هكذا تذهبُ المدرسةُ البُنْيَويّة في النقد. فالنَّصُّ يصيرُ كائنًا مستقلاًّ. يدافعُ عن نفسه فيحيا، أو يُخفقُ في الدفاع عن نفسه، فيموت. وليس على الكاتب حقُّ حماية نصّه بعد خروجه إلى النور. فالنصُّ لم يعد له؛ بل صار مُلْكًا للتاريخ وميراثًا للإنسانية. النصُّ الجيد يُكتَب له الخلود، والفقيرُ يموتُ غير مأسوف عليه، تمامًا مثل نظرية "الاصطفاء الطبيعيّ" للأحياء. وعمليًّا، مستحيل أن يرافقَ الكاتبُ النَّصَّ طوالَ الوقتِ ليدافعَ عنه. فالنصُّ يعبرُ الجغرافيا بعيدًا عن موطن كاتبه بالترجمة، ثم يعبر الزمنَ فيعيش بعد موت كاتبه بمئات السنين. فكيف يمكن أن يعملَ الكاتبُ محاميًا لكلماته؟!
 La Mort De L auteur أو "موت المؤلف"، نظريةٌ ابتكرها الفيلسوف الفرنسي "رولان بارت" عام 1967، طالب فيها بالفصل بين النصّ وبين كاتب النص، الذي يُعدُّ ميتًا بعد كتابة ما كتب، ليتحرر النصُّ منه ويغدو كائنًا مستقلا، علينا التعامل معه بعيدًا عن شخص المؤلف. فربطُ النصّ بكاتبه إفقارٌ للنص. النصُّ نسيجٌ غزيرُ الخيوط. والكاتبُ خيطٌ واحدٌ فيه. النصُّ القوي يصمد أمام النقد، ويعيش وتتواتره الألسنُ مدى التاريخ. والضعيف يتهافت ويموت في ذاكرة الناس.
هنا نتوقّف لنضحك من أي قانون يسجن كاتبًا بسبب رأي قاله أو كتاب ألّفه! الكاتبُ ينفصل عن رأيه بمجرد قوله، و"يموت" أدبيًّا. فكيف يُسجن ميّتٌ؟! الأجدى محاكمة النصوص "الحيّة" وليس كاتبيها “الموتى”. والنصوصُ القوية لا تحتاج عكازًا تتوكأ عليها، ولا تحتاج من يدافع عنها لأنها تصمد بقوتها الخاصة. والنصوص الضعيفة لا تستوجب عقاب كاتبيها، لأنها تسقط من تلقاء ذاتها لخوائها وتهافتها. فحين أنتقدُ رأيًا للشيخ الشعراوي، فهذا ليس مساسًا بالشيخ، بل برأيه الذي صار كائنًا مستقلا منفصلا عنه.
كذلك الأديان؛ مفترضٌ فيها القوة في ذاتها، دون دفاع أحد عنها. فالله تعالى قادرٌ على حمايتها وحفظها لتعبر الأزمان والأمكنة؛ فتصل إلى آخر بشريّ يأتي في آخر الزمان، يعيش في آخر بقاع الأرض. هنا أتذكّر الكلمة العبقرية التي قالها عبد المطلب بن هاشم، جدُّ الرسول: “للكعبة ربٌّ يحميها.” الكتبُ السماوية هي ميراثُ البشرية بكاملها. ملكيةٌ إنسانية عامة. ليس لها وكلاء على الأرض يزعمون ملكيتها والوصاية عليها. ولا هي كتبٌ هشّة تحتاج من يدافع عنها، شأن القطع الإبداعية الركيكة التي يغضبُ مؤلفُها إن انتقدها ناقدٌ أدبي في مقال نقدي (وليس في ساحة محاكمة). النصوصُ الدينية تستمدُّ قوتها ليس بسيوف من يزعمون ملكيتها، بل من ديمومتها وقدرتها على عبور الزمن والمكان، ومن فاعليتها في الارتقاء بأخلاق الإنسان وتربية روحه وعقله. هنا يظهر تهافت ما يُسمى "قانون ازدراء الأديان"، الذي أراه أولَ المتهمين بازدراء الأديان! لأنه يتّهم الأديان بالضعف والهشاشة، والاحتياج إلى "عكاز بشريّ" تتوكأ عليه لتصمد أمام منتقديها! الضعيفُ يحتاج السند فيستأجر “بودي جارد”، على عكس القويّ الذي تنبعُ قوته من ذاته. هذا على المستوى النظريّ. كذلك على المستوى العملي؛ مَن بوسعه أن يحدد إن كان بهذه العبارة أو تلك ازدراءٌ لهذا الدين أو ذاك؟ بوسع قاض أن يزعم أن بعبارة ما ازدراءً لدين ما، بينما يقضي قاض آخر بأنها لا تحمل شبهة ازدراء. الأمرُ خاضع لنسبية وجهات النظر. وهذا يُدخلنا في ساحة "النقد الفكري" وليس ساحة القضاء؛ التي تجلُّ وتسمو عن الهوى والنسبية. فهل يُترك الأمر على عواهنه ليكتب كلُّ مَن شاء، ما شاء دون ضوابط؟ بالطبع لا. لهذا حدّد الدستورُ المصري ثلاثةَ محاذير تُخضعُ كاتبَها للعقوبة الجنائية: 1- التحريض على العنف، 2-إشاعة العنصرية، 3- الخوض في الأعراض. لأن تلك المحاذير تضرُّ الإنسانَ وتهدد السِّلم العام. فيما عدا هذا يظلُّ الرأيُّ رأيًا يموتُ إن تهافت، ويحيا إن صحّ. احترموا الأديانَ بإلغاء القانون المهين للأديان. قانونُ ازدراء الأديان، هو ازدراءٌ للأديان. و“الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فتحي فوزي مرقس … طبيبٌ برتبة فارس
- لفرط حضورك … لا أراك!
- حين حاورتني الصغيرةُ آنجلينا
- الإنسانُ … مفتاحُ السرّ في دولة الإمارات
- هل طفلُك أحمق؟ هل طفلتُك غبية؟
- أولئك كانوا صخرتي … في محنتي
- -وسام زايد- على صدر كل مصريّ
- نبالٌ في يد البرلمان … لقنص العقول!
- كُن متطرّفًا في إيمانك … وانبذِ التطرّف!
- أخطاؤنا الصغيرة .. هدايا وبركةٌ وفرح!
- الأيزيدية شيرين فخرو … العُقبى لداعش
- عيدُ الحبّ المصري … والڤالنتين الإيطالي
- 7 أرطال … من اللحم البشري!
- التذكرةُ قاتلةٌ … لأن القانونَ طيبٌ وأمّي
- سهير العطار … نجوى غراب … أكذوبةُ الخريف
- حتى لا تموتَ الشهامةُ في بلادنا!
- يراقصُ الزهراءَ فوق الثريا | إلى مازن ... فاطيما
- البابا تواضروس … والخاذلون أوطانَهم
- -بين بحرين”: بحر الظلام وبحر النور
- كيف عشتُ طقسَ -الحلول- مع فرجينيا؟


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - موتُ الكاتب …. وازدراءُ الأديان