أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رضا لاغة - المشروع الوطني في تونس والسيادة الجديدة















المزيد.....


المشروع الوطني في تونس والسيادة الجديدة


رضا لاغة

الحوار المتمدن-العدد: 6299 - 2019 / 7 / 23 - 20:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حتى أساهم في توضيح الملامح النظرية للمشروع الوطني الشعبي ، يمكننا التأكيد ابتداء
إن التطلع إلى صياغته أضحى من القضايا المشتركة بين جل الأحزاب السياسية و مكونات المجتمع المدني بتونس ، وإن كانت التعبيرات عن هذا التطلع متفاوتة . إلا أنها تفرض في مجملها احداث إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية و ثقافية . حتى أنه أصبح خطابا شائعا بين قادة الأحزاب و لغة العصر لدى منظمات المجتمع المدني. فكان السؤال المركزي: ما هي آليات تنفيذ هذا المشروع في الواقع؟ و الأهم من ذلك ما هي ملامح المشروع الوطني؟ ما هي رهاناته ؟ وما هي عواقب التخلي عنه ؟
و في محاولة لإثراء هذا الحقل تتنزل رؤية حركة الشعب للحديث عن المشروع السياسي الوطني بوصفه مشروعا يتعلق برهانات المتغير السياسي الذي أطاح بنظام السابع من نوفمبر، وباعتباره ترجمة لطرح سياسي شامل لفصيل قومي يصوغ رؤية قطرية تحترم خصوصية الواقع التونسي؛
يرتكز المشروع الوطني في بعده السياسي على:
ـــ التزام الأحزاب السياسية الوطنية باستعادة سيادة الشعب وإرساء مبدأ المواطنة والحرية والمساواة بين كامل أطياف الشعب. أي أننا إزاء مشروع تتموضع فيه مجمل مكونات الشعب التونسي.
ـــ التأكيد بأننا لسنا إزاء ثورة ذات طابع قومي، لأن الأمر يتعلق بتونس شعبا وأرضا ونظام حكم. وهو ما يعني أيضا أننا لسنا إزاء ثورة إسلامية أو مذهبية، لأن الأمر يشمل كامل الشعب التونسي بجميع مكوناته. كما أننا لسنا إزاء ثورة ذات طابع طبقي من حيث أهدافها المطروحة والقوى المشاركة فيها، رغم واقع الهيمنة الذي مورس على الشعب قصد افقاره واستباحة موارده. وهو ما يملي على حركة الشعب أن تضع مطلب العدالة الاجتماعية ضمن أولوياتها.
ــ إن هذا المشروع في شقه الوطني يركز على صوغ إجماع تونسي جديد حول هويته ورموزه التاريخية.
وينطلق المشروع في بعده الديمقراطي من:
ــ إن الديمقراطية ليست هوية، فهي لا تعدو عن كونها رؤية لإطار العلاقات والتوازنات في المجتمع. وهي مرجع لتقنين الممارسات وآليات العمل بين القوى الاجتماعية والمواطنين من جهة وبين المواطنين وهياكل الدولة من جهة أخرى.
ـــ إن المعنى المحمول على تونس المستقبل هو أن يشارك جميع المواطنين في تقرير مصيرهم على صعيد ما هو سياسي و اقتصادي و اجتماعي و ثقافي و تربوي، و إدارة مثلى للعلاقة بين الأحزاب و مكونات المجتمع المدني بصرف النظر عن الاختلافات الأيديولوجية.
ــــ إن الاستناد إلى الآلية الديمقراطية كمفهوم ليبرالي لا يعني البتة تغييب المطالب الاجتماعية التي قامت عليها الثورة ضد نظام انتهج الليبرالية المتوحشة واستأثر بموارد البلد مقابل تفقير الشعب وهشّم البنى الإنتاجية فيه لصالح فئات مفيوزية عمّقت تبعية المنوال الاقتصادي للخارج.
في تعريف المشروع الوطني الشعبي
يكشف البحث في معنى المشروع الوطني الشعبي عن ضياع هذا المشروع بعد نصف قرن من انطلاق الحركة الوطنية. فرغم التضحيات التي تم بذلها في سبيل الوطن إلا أن التجربة الراهنة تثبت أننا ما زلنا لم ننجح بعد في صياغة مشروع وطني لتونس المستقبل. فكما بينا سابقا ، فمنذ الخلاف الذي نشب بين الزعيمين: حبيب بورقيبة وصالح بن يوسف لم يعد من الممكن الحديث عن مشروع وطني لعموم التونسيين لا بالمعنى الجامع للكلمة ولا بالمعنى الاجرائي الذي يجيب عن الأسئلة الحارقة التي ولدتها قضية الاستقلال الوطني.
لقد كان في الواقع هناك مشاريع مختلفة ومتباينة لا يجمع بينها أي رابط لا على صعيد الرؤية السياسية المستقبلية ولا على مستوى تعزيز الرؤية الوطنية.
إن هذا المعطى يدعونا ابتداء أن ننتبه إلى أن مفهوم المشروع الوطني ليس مجرد تعبير عن رؤية ذاتية ، بقدر ما هو تعبيرة عن القضية الوطنية ذاتها . إنه يحيل الى الإجابة الموضوعية عن تلك الأسئلة الحارقة التي تعترض مسيرة تطور مجتمع ما. وفي اللحظة التي يعجز فيها عن الإجابة عن تلك الأسئلة يكف عن كونه مشروعا وطنيا ليقتصر على كونه مشروع سياسي يقوم على أدلوجة افتراض وضع مثالي لمجتمع ما دون امتلاك الوسائل الكفيلة لتحقيقه.
في حالتنا إذن ونحن نتحدث عن المشروع الوطني الشعبي لن تتوغل كثيرا في التاريخ لنتحرى عن ارهاصات المشروع الوطني وإنما سنعود من جديد إلى الخلاف البورقيبي اليوسفي الذي نجم عنه تشريد واعتقال مئات بل الآلاف من الحركة اليوسفية.
إن التحري في هذه الحقبة بالذات لصوغ المشروع الوطني لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يركن إلى تأثيم البورقيبية . فليس هذا مجال بحثنا وإنما حسبنا أن نبرز أن في الخلاف اليوسفي البورقيبي انكسرت الوحدة المجتمعية. لذا إن أي مشروع وطني ينبغي أن ينطلق بداهة من هذه النقطة.
إن تجاهل هذه الحقيقة يعني الانحراف عن مطلب صياغة المشروع الوطني، وبالتالي التكيّف إلى حد بعيد مع الرؤية البورقيبية التي تنظر لنفسها على أنها مشروع وطني تجسد ضمن لحظة تشكل الجمهورية الأولى. إن الانسياق وراء هذا الطرح الأيديولوجي قد يصل إلى أقصى مراحله تطرفا حين نعتبر أن البورقيبية نتاج حركة تحرر قومي.
إن هذا الإقرار يعتبر من منظور حركة الشعب أحد الأسباب الرئيسية لهزيمة و فشل المشروع الوطني.بل إن اختزال مفهوم المشروع الوطني ضمن البورقيبية يحوّلها إلى مجرد سلطة فرضت سياسة الأمر الواقع ، إذ هي من كسبت المعركة سياسيا غير أنها بتعبير أدوارد سعيد لم تنجح في السيطرة على المخيلة أو على الوعي بكون المشروع الوطني لا زال مشروعا مؤجلا . وهو معطى على غاية من الخطورة ، خصوصا عندما ندرك أن الانقسام السياسي البورقيبي اليوسفي تحول إلى انقسام اجتماعي و تنموي بين المركز و الأطراف . وهذا بحد ذاته كسر لمفهوم وحدة الشعب التونسي و تفريط لكتلة كبيرة من المجتمع، نعتقد أن حركة الشعب الممثل الشرعي و الوحيد لها.
إن حركة الشعب وهي تصوغ المشروع الوطني الشعبي كوثيقة عمل تطرحها على عموم الشعب دون تمييز و على الأحزاب السياسية و مكونات المجتمع المدني تدرك إدراكا عميقا أنه لا قيمة لأي مشروع وطني لا يثمن وحدة الشعب التونسي في علاقته بذاته كقطر عربي مسلم و في علاقته بالمغرب العربي كفضاء مغاربي ....
إن مبادرة حركة الشعب في صوغ وثيقة المشروع الوطني ، بعيدا عن التنظير و الحملات الانتخابية الظرفية و المشاحنات الأيديولوجية ، تراهن على تصحيح هذا الوضع السياسي كمقدمة لتأمين انطلاقة واعدة لتونس المستقبل. إن حركة الشعب تؤكد على الأحزاب السياسية و القوى الفاعلة في المجتمع على ضرورة تجديد مشروعهم الوطني. المشروع الوطني ليس أن نتمترس في الدفاع عن البورقيبية أو اليوسفية بحيث يتم المطابقة بين المشروع الوطني وإحدى المرجعيتين. إذ لا يمكن الحديث عن مشروع وطني يسقط عمدا أو سهوا رافدين أساسيين في الحركة الوطنية : البرقيبية و اليوسفية لا سيما إذا كان الأمر يتصل بالمستقبل.
إننا في حركة الشعب نرى أن تطوير الهوية الوطنية و انضاج الخطاب السياسي على نحو ما جاء في التصورات الأولية للمشروع الوطني يفترض العودة من جديد إلى الأسئلة ذاتها التي انبثق منها المشروع الوطني.
نحن هنا نتحدث عن الاستقلال بمفهومه الواسع ( السياسي و الاقتصادي و الثقافي ...). إن حل هذه الأسئلة لا ينبغي اليوم أن يتم باختلاق مشكلات أخرى من قبيل: اذكاء النعرات المذهبية و التشكيك في عقيدة المجتمع التونسي أو المزايدة بها على نحو ما نلمس ذلك عند الإسلام السياسي.
إن حركة الشعب تجزم يقينا أن إيجاد إجابات مبتكرة للقضايا ذاتها التي اصطدم بها المشروع الوطني في بداية تشكله ، هو ما يفترض أن ننشغل به و ليس بالغائها و افتعال قضايا طاحنة تأكل من وحدة الشعب بدل أن تسهم في تطوره. من هذا المنطلق تعتبر حركة الشعب أن المشروع الوطني يجد تمثلاته في دولة العدل و الحرية ؛ أي في نظام حكم سياسي يحمل في مضامينه الحل النهائي لــ:
ــ مشكل الاستبداد
ـــ مشكل العدالة الاجتماعية
ـــ مشكل التخلف الاقتصادي
ـــ مشكل السيادة الوطنية
ـــ مشكل الهوية الحضارية
من هذا المنطلق فإن المشروع الوطني يستمد مشروعيته من كونه الخيار الأمثل الذي يخاطب الشعب و يلامس همومه وفق رؤية وطنية ، واقعية ، تحررية ، ديمقراطية تتأسس على الحقيقة و العدالة.
من المهم هنا أن نلاحظ أن المشروع الوطني يستمد مشروعيته أيضا من تثمين دور الجمعيات المدنية التي تعنى بإشاعة قيم الحرية و المسؤولية و التسامح و الكرامة و المساواة كقيم عربية و عالمية.
في إطار هذه الرؤية يمكن تجديد معنى المشروع الوطني باعتباره لا يختصر القضية في مجرد عرض برنامج لحزب سياسي ، و إن كانت حركة الشعب ، و إنما باعتباره أفق مستقبلي يصحح حركة التاريخ و يمكّن الأحزاب الوطنية من استعادة طابعها الوطني بدل التعصب للانتماء الأيديولوجي.
أهداف استراتيجية
لأننا نتحدث عن مشروع وطني توقف منذ اندلاع الصراع البورقيبي اليوسفي ، فنحن اذن بحاجة إلى اغنائه بما يتلاءم مع واقعنا المعاصر. أي أننا نقر بضرورة الاستفادة من الدروس المستبطنة من الحركة الوطنية. لذلك فإن الأولوية التي تفرض نفسها اليوم هي تحديد الرؤية و التي هي بمثابة البنية التي سينهض عليها المشروع الوطني. في حالتنا هذه فالمطلوب العمل على توليد رؤية وطنية جديدة.
ليس من وليد الصدفة أن تتضاعف الأزمة السياسية منذ 17 ديسمبر إلى غاية اليوم . فما ينبغي ملاحظته أن المؤشرات الموضوعية تؤكد بأن الأحزاب السياسية الحاكمة و رغم التنازلات التي قدمها قياداتها ( علمنة حركة النهضة و التخلي عن الدعوي من قبل راشد الغنوشي أو شرعنة توافق النداء مع النهضة من قبل الباجي قايد السبسي)، فقط عملت على تجويف المشروع الوطني و ابتذاله في مفهوم التوافق المغشوش الذي لا يلب سوى المصلحة المتبادلة للطرفين بمسميات وطنية من قبيل حماية المسار الانتقالي .
نستنتج من ذلك أن حزب حركة النهضة و حزب نداء تونس شرعوا لا فقط في التخلي عن الرواية التاريخية ،تغييب اليوسفيين كفصيل أصيل في طرفي المعادلة ( التغييب مورس بكل الأشكال : اغتيال رموز ، تعتيم اعلامي ، ...) و استجلاب الإسلام السياسي كعنوان معتّم و مضلل للمشروع الوطني و اعتبار المصالحة بورقيبية / إسلامية؛ بل ، وهذا الأنكى ، في التخلي عن رؤيتهم لذاتهم وهو ما يفسر انسداد خيار المشروع الوطني مرة أخرى. مع ضرورة التمييز بين المرة الأولى و الثانية: في المرة الأولى الفشل يقترن يتباين الرؤى للمسألة الوطنية بين زعيمين لكل منهما باع في الحركة الوطنية ، أما في المرة الثانية فالفشل يعزى إلى تغليب المصلحة الحزبية على المصلحة الوطنية. على اية حال فإن عدم تنفيذ المشروع الوطني ليس مجرد خيار حزبي يحيل إلى تعثّر التسوية بين الزعماء ( وهو ما لم يحصل بين راشد الغنوشي و الباجي قايد السبسي) وإنما سببه الرئيس هو اختباره عن طريق أحزاب يبدو أنها فاقدة لأهليتها الكفاحية لأجل المشروع الوطني.
يتضح من ذلك أن النظام القائم على المحاصصة يؤبّد الفشل التاريخي القديم و يعوق تطور المشروع الوطني .نحن هنا نشير إلى والتحديات الداخلية والخارجية التي تقف عائقا أمام تقدم النظام السياسي التونسي باتجاه المشروع الوطني و هي في اعتقادنا تتفرع إلى المستويات التالية:
ـــ تأثير الخلفية الإيديولوجية للنخبة والأحزاب السياسية التونسية على عملية التنمية السياسية وبالتالي صياغة مشروع وطني جامع.
ـــ التوجه الليبرالي للنخبة والأحزاب السياسية التونسية الذي يتعارض مع مسار التحول الديمقراطي في تونس بوصفه مسار جاء ليكرس مطلب العدالة الاجتماعية.
ـــ تأثير العوامل الداخلية والخارجية على المسار الديمقراطي في تونس ( أجندات دولية)..
إن حركة الشعب من منطلق مسؤوليتها الوطنية حريصة على استمرار هذا المشروع و إعادة انتاجه تأكيدا منها على مكانتها القيادية و امتيازها الذي يجعلها من الشعب و اليه . و هي و إذ تضع هذه الوثيقة أما أبناء شعبنا الحبيب و كافة القوى السياسية ، فإنها تقصد من وراء ذلك توليد خيارات وطنية بديلة تعزز النماء و الرقي لشعب صنع معجزة الحرية في كنف السلم و المسؤولية.
من هذا المنظور فإن حركة الشعب تؤكد أن الشرعية إذا ما اقترنت بالمشروع الوطني ، لم تعد تتحدد بصناديق الاقتراع فحسب و إنما ترشيد المنافسة الديمقراطية خدمة للمشروع الوطني ، و بالتالي التنافس حول البرامج كأساس للعملية الانتخابية.
من المناسب هنا أن نتحدث عن جدلية التفاعل بين الديمقراطية والتنمية السياسية. وهي قضية تشكّل مدخلا صحيحا للمشروع الوطني.
يقال عادة أن السياسة اللاّــــ وطنية لا تحلّ أعطاب الحياة اليومية و لا تضمن الحياة الكريمة للمواطن ، إنها تظلّ مجرّد تصنيف شكلي لا يتوافق مع تطلّعات الأفراد و الشعوب . من هذا المنطلق فإن الربط بين عمليتي تحقيق الديمقراطية و التنمية هو المعيار لقيس درجة وطنية النهج السياسي لحزب ما أو ائتلاف ما. فمثلما توفّر الديمقراطية الاستقرار السياسي والاجتماعي وتحقيق العدالة في ثمار التنمية وترشيد السياسات الاقتصادية ، فإن التنمية الاقتصادية تعبّئ الموارد البشرية لتحسين أداء الأجهزة الحكومية والمؤسسات الاقتصادية ، والكشف عن جوانب الخلل والقصور ومواطن الفساد والانحراف. معنى ذلك إن القضية المركزية للمأزق القطري التونسي تكمن في التنمية . يضاف إلى ذلك تخصيص مهم : التنمية القائمة على المشاركة الشعبية. وغنيّ عن البيان أن توسيع هذه المشاركة في عملية صنع القرارات يتطلّب تشجيع منابر الحوار وتبادل الأفكار والتعبير عنها بحرّية ، وإقامة قنوات مفتوحة بين المواطنين والدولة،وإفساح المجال أمام المواطنين لتشكيل منظّمات المجتمع المدني التطوّعية لتأتي تعبيرا عن خيارات المجتمع.
لا تضمن إذن الديمقراطية الاجتماعية الحقوق الأساسية المدنية و السياسية و الثقافية لأفراد المجتمع فحسب ، بل تضمن في نفس الوقت الحقوق الأساسية الاجتماعية و الاقتصادية . إنها تؤمّن المساواة التشاركية من خلال دمقرطة المجتمع.
لو أردنا أن نجسّم هذا التصوّر مقارنة بالتصور الليبرالي الكلاسيكي الذي يعتبر أن المصلحة العامة تتحقق من خلال المصلحة الذاتية لاعتمدنا على الشكلين التاليين:
شكل رقم 1
تتحقق المصلحة العامة بموجب تحقق المصلحة الفردية. وهو ما يعني أن الدولة هي إطار ناظم للحياة الاقتصادية.
شكل رقم 2
الصالح العام ليس سوى مجموع الأفراد.
تعليق
إن الأزمات الاقتصادية العالمية و الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية التي فجّرت نظام حكم بن علي، تجعل الاقتصاديون يشكّون في هذه القاعدة الاقتصادية الليبرالية. و يكفي هنا للعودة إلى مساهمة كارل ماركس في الاقتصاد السياسي لنصل إلى استنتاجات مغايرة ، فالاقتصاد الليبرالي لا يقود إلى ثراء المجتمع بل إلى تفاقم البؤس لدى الغالبية العظمى من الفئات الاجتماعية.
إن الأخذ بهذه المبادئ في السياسة الاقتصادية يمكن أن يطلق العنان لنمو نوعي للاقتصاد من شأنه أن يحقق الرّفاه العام.غير أن الممارسة الاجرائية من قبل الدولة ، لا تستطيع دوما أن تنجح في التصدّي للانتهاكات التي تمارس من قبل بعض ذوي النفوذ المالي و بعض الشركات الاحتكارية. ولو انطلقنا من التجربة التونسية لتبيّن لنا القدر الاستدراجي للحملة التي أطلقها يوسف الشاهد على الفساد.إنها عبارة عن طعم للجماهير لحشد التأييد دون انتهاج فعلي للمسار الوطني. فلئن كانت تدعم كنقطة مرجعية الاقتصاد الاجتماعي أو التضامني، إلاّ أنها تظلّ مناورة تكتيكية لجهة حكومية هي اصلا موطنا للفساد. إن محاربة الفساد يبقى مجرّد ضمانة شكلية ما لم يحتكم إلى سياسة مالية توجيهية للاقتصاد تقطع مع السياسة القديمة. نحن هنا نتحدث عن منوال تنموي جديد. لعل وثيقة قرطاج ، على صعيد الفهم و ليس التطبيق ، تمثّل إطارا هاما ، كان يمكن أن يضع البلاد في وجهة جديدة تنقلنا من الصيغة الشكلية للديمقراطية إلى ميثاق اجتماعي و اقتصادي يتّجه فعلا نحو تحقيق الرّفاه العام.
و إذا كنا نقرّ بأن التحول نحو الاهتمام بالقضايا الاجتماعية و الاقتصادية يشكّل أحد الأعراض الطارئة على البنية السياسية للمسار الانتقالي التي ترمز إليها مبادرة قرطاج ، فإننا مدفوعين إلى أن ننظر أولا في أهمية العامل الاجتماعي و الاقتصادي الذي يزوّدنا ببعض المقدمات الأولية لفهم هذا الاختراع الشبابي.و هو ما يحيل بدوره إلى مفارقة . فهو طارئ في المسار السياسي و سبب في التحول الديمقراطي.ففي الحالة الأولى كان هناك تنافس محموم للوصول إلى السلطة ففهمت الديمقراطية فهما مجرّدا من محتواها الاجتماعي و الاقتصادي. أما في الحالة الثانية فإن المشاكل الاجتماعية تمّ تقديمها بوصفها مثالا نموذجيا لتلافي حالة الاحتقان الحزبي و الارتكاز على حكومة الوحدة الوطنية. هذا المفهوم ظهر بوصفه موضوعا مركزيا للنقاش حيث تمّ التأكيد على أن الدولة ستمارس وظائفها الأخلاقية إزاء المشاكل الاجتماعية و الاقتصادية المتفاقمة.
التنمية الاقتصادية و طوبوغرافيا الانتفاضات
للتمرّد في تاريخ تونس الحديث سمة مركزية ما لبثت أن عادت إلى الظهور ضمن هذا الاختراع الشبابي.و رغم أن مفهوم الثورة الشبابية يجلب بعض التجديدات النظرية المهمّة. علينا أن نتجنّب تحديد هذا المنجز الثوري من منطلقات سلبية خالصة تتجاهل خصوصيته النوعية لتنظر إليه في المقابل على أنه تكرار للقديم. رغم أن هناك شبه اجماع ، في الوقت نفسه من قبل بعض الدارسين، يتجلّى بقدر متزايد من الوضوح ، يعمل على إدماج ما حدث ضمن صيرورة تاريخية تستدعي العنصر الجهوي كركيزة لبلورة اقتصاد تضامني.
و تبدو هذه الفكرة حاضرة عند عائشة التايب التي تعتبر" أن التأّخر الاقتصادي لمحافظات الوسط الغربي و ادراك السكان لمدى الاختلاف غير المبرّر بين مناطقهم و مناطق الشّمال و السّاحل كان من أبرز عوامل تنمية احساس جماعي بعقدة اهمال من طرف السلطة المركزية " . ورغم أن هذه المقاربة تزوّدنا بطوبوغرافيا حركات التمرد التي تتحيّز كلها في الوسط و الجنوب الغربي (أحداث الخبز بقبلي سنة 1984 ، أحداث منطقة الحوض المنجمي بقفصة سنة 2008 ، أحداث مدينة بنقردان الحدودية في صيف 2010 ) ؛ إلا أننا نعتقد أن الامساك بالأبعاد الخصوصية لهذا الاختراع الشبابي تقتضي ضرورة التحرر من هذا الربط التاريخي الذي يمارس فعله اليوم .إننا نعتبر أن المسار الثوري هو لبنة لصياغة رؤية معاصرة لمفهوم الدولة ـــ الأمة لا فقط كإطار منظّم للحياة السياسية التي تقوم على الحق و إنما أيضا كفاعل أساسي في خلق سياسة مالية و اقتصادية تحقّق عدالة مواطنية و ليس مجرد انصاف تاريخي لجهات مهضومة الحق في التنمية.
هل معنى ذلك أنه يتعيّن علينا أن نفترض قطيعة بين الإطار التاريخي و الحاضر حتى نحلّ إشكالية الفهم الملحّة التي تتعلق بحقيقة هذا الاختراع الشبابي؟
ليست الاشكالية في كون هذا الاختراع الشبابي منغلق عن التاريخ بل هو منفتح تماما و مقولة التراكم الجدلي تظلّ ذات وجاهة في حدودها المعقولة التي غيّر هابرماس معالمها في كتاب>> بعد ماركس<<. و لكن التطابق الذي يقحمه ضمن قالب تاريخي هو ما يطرح التباسا.إذ يوجد تنافر زماني حاضر على الدوام عندما نقارن أحداث الخبز أو الحوض المنجمي أو مدينة بنقردان الحدودية...
تبقى إذن شروط الطرح التاريخي بعيدة جدا عن تحديد ماهية هذا المسار الثوري الذي ولد كما لو كان أزمة وهو الذي يفسّر وجوده كمقاومة لأزمة. لذلك عندما تخلص عائشة الشايب إلى النتيجة التالية: " إن الناس بحكم عوامل عديدة يتوقعون من الدولة أن تكون مركز الادماج و التنمية ...و لكن عدم تغيّر الاوضاع التنموية و فشل الدولة في تلبية انتظارات الأفراد يجعل من عدم الرضى انطباعا سائدا لديهم " ؛ فإنها في الواقع لا تقدّم سوى وصفا كلاسيكيا لظروف خاصة ( الوسط و الجنوب الغربي) تثير الاستياء ، أي نعم و لكنها تفرض من حيث لا تدري فهما هو الذي وقف عليه فتحي المسكيني عندما حلل مفهوم الملة عند ابن خلدون. إي تلك " التي لا تتحوّل إلى خلق سياسي حضري إلا على نحو متأخّر و اضطرارا و في شكل هرم أو انقراض. وهي تعدد لا يؤلّف وحدة إلا بقدر ما يخترع خارجا لمهاجمته و فضاء لامتحان حدوده" . و من هذا المنظور أيضا فبنفس المنطق التحليلي ، فإن الجهات التي غنمت قدرا من التنمية و لها وجود اجتماعي و اقتصادي مختلف عن الوسط و الجنوب الغربي ليس من مصلحتها الانصهار في هذا المسار الثوري بل ربما تقتضي المصلحة أن تدخل في خصومة معه .و تمكننا هذه المحاجة التي قدمتها عائشة التايب من أن نتعرّف على الحل الذي تصوغه كالتالي:" لعله من المفيد التوقف في هذا النطاق عند مصطلح الاعتراف الذي أصبح يعتمد كمفهوم علمي من طرف عدد من علماء النفس و الاجتماع و أصبح البعض يتحدث عن نظرية الاعتراف بوصفها مدخلا نظريا يمكّن الدارس من استيعاب و فهم بعض المشاكل الاجتماعية و السياسية الكبرى ذات الصلة بإشكاليتي التهميش و الاقصاء" .
لئن كانت عملية الاعتراف التي تؤكّد عليها عائشة التايب ،مهمة. ففي ظلّها يتحقق اشراك لسائر الجهات الاجتماعية التي همّشها النظام السابق. غير أن الخطير في هذا الطرح أنه يقدّم لنا ديالكتيك معكوس للتنوير. فبدل أن نسترشد بتأصيل فتحي المسكيني للرهان الحداثي الذي يقوم على " إنتاج فهم جمهوري ، أي عقل عمومي كوني يحمي البشرية في كل مكان من الكوكب من أيّ تعصب هووي إزاءها مهما كانت طبيعته" ؛إذ بنا نرتدّ من جديد إلى لحظة عصبية جهوية. أي أننا بدل أن ننخرط في التدبير "لما بعد الهووي لأنفسنا الجديدة " نتفط أننا لم نقطع بعد طريق الهوية.
صحيح أننا قد نتفق مع عائشة التايب في توصيفها بأن هذا الاختراع الشبابي " لم يكن ثورة بطون جائعة، انها في ظاهرها انتفاضة من أجل الخبز ...ولكن تكمن خلفها كل وجوه الحرمان و الكبت السياسي و الاجتماعي الذي غذّته قصص استشراء الفساد و الثراء غير المشروع" . ولكن أشكال المقاومة ما كانت لتكون فعّالة لو لم يكن المجتمع المدني مستوعب من قبل الدولة ـــ الأمة. لقد كان يبحث عن سياق جديد ، عن أرضية ذات تعددية قصوى ، و لكنها ليست التعددية الجهوية المتباينة مع المجتمع المدني أصلا و إنما التعددية الديمقراطية التي رأينا أنها تبنى تدريجيا ضمن هذا المسار الثوري رغم ما حفل به من ضروب الاحتواء أحيانا و التعطّل و الانتكاس أحيانا أخرى.
التركيز على هذه المسألة و العمل وفق مستلزماتها يؤدي دورا هاما في إعداد المشروع الوطني و بنائه بناء سليما. نحن هنا نتحدث عن التكامل الجهوي الذي يبقى العنصر الأهم في برأينا لبلورة المشروع الوطني . و بعيد عن الشعبوية و في إطار الدرس العلمي نحتاج إلى قاعدة مادية اجتماعية تدعم آليات التكامل و تسهم في تكوين فئة اجتماعية واسعة تتخطى بنشاطها الحدود الجهوية و تؤكدها في آن . تتخطى من جهة كونها تتمسك و تدافع عن مكوّن الدولة و مركزيتها و مصالحها و تؤكدها من جهة كونها تجسد خليطا غير متجانس من المجتمع المدني و ذو سمات خصوصية .
من هنا نرى المأزق الذي يواجه المشروع الوطني ، فالإسلام السياسي الذي اكتسح الدوائر البلدية لا يحترم الخط الفاصل بين طبيعة المصلحة الحزبية و المصلحة الوطنية. وهو ما يعني أن درجة المشاركة في تمثيلية المجالس البلدية تظل تمثيلية مفرغة من أي محتوى يراعي مبادئ الديمقراطية و أساليبها المتطورة التي يتعلم من خلالها أجيال كيف نبني المجتمع على أساس حر. غير أن النتيجة المستخلصة إلى غاية اليوم تثبت أن الإسلام السياسي لا تزال مسوّغاته و دوافعه لا وطنية . وهو أمر يعود بنا من جديد إلى إخفاق القوى السياسية التي سلكت طريق الثورية و أهملت الروح السياسية العملية التي تقوم على المناورة و التكتيك.
أن تعمل الأحزاب وفق منطق سياسي يستشرف مشروعا وطنيا يعني أن تعمل في إطار جبهة وطنية تقود العمل السياسي في البلاد.
هنا بالذات تتعاظم مسؤولية قيادة حركة الشعب لتفكّر بجدية في سبل تحقيق هذا الخيار . وهو أمر لا يتحقق بسهولة ، لأنه يستلزم تقوية الصلاة بين القوى القومية حتى تلك التي لم تنخرط ضمن هياكل حركة الشعب و من ثمة التخطيط ضمن طليعة نوعية للتصالح مع هياكل الدولة بأسلوب اصلاحي سلمي .(يتبع)



#رضا_لاغة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانتخابات في تونس وسفينة المصالح بين جاذبية المشروع الوطني ...
- ثقافة بدئيّة نحو فهم حركة الشعب و المشروع الوطني
- الخيار الثوري و أزمة المسار الإصلاحي في تونس
- تونس والوجه الآخر للديمقراطية
- ملاحظات تمهيدية : تونس بين رهان التحديث ومأزق الهوية
- عن بعض خصائص الأزمة في مفهوم الدولة الأمة كهوية وطنية
- ملامح أزمة الدولة الأمة في الفكر القومي العربي
- مفهوم الدولة الأمة في الفكر القومي العربي
- مأزق الدولة الأمة ومعالم التمييز بين الهويات
- الفكر القومي بين رهان الدمقرطة و التكيّف الانقلابي القسري
- التخطيط الاستراتيجي العربي: مهمّة تحتجب خلف مصالح الدول
- المرجع الهووي و رنين ملاعق التطبيع
- التفجير الإرهابي بشارع حبيب بورقيبة: رسالة مشفّرة تحتاج إلى ...
- المشروع الوطني لحركة الشعب و نظرية الثورة العربية
- المشروع الوطني لحركة الشعب: جدلية التفاعل بين الديمقراطية و ...
- حركة الشعب : الناصرية في تونس و أسس المشروع الوطني
- دقائق متكاسلة
- كش مات ... حكومة يوسف الشاهد و شهوة المتناقضات في فلك الاتحا ...
- المشهد السابع ، رواية ريح من داعش
- المشهد السادس ، رواية ريح من داعش


المزيد.....




- استطلاع يظهر معارضة إسرائيليين لتوجيه ضربة انتقامية ضد إيران ...
- اكتشاف سبب غير متوقع وراء رمشنا كثيرا
- -القيثاريات- ترسل وابلا من الكرات النارية إلى سمائنا مع بداي ...
- اكتشاف -مفتاح محتمل- لإيجاد حياة خارج الأرض
- هل يوجد ارتباط بين الدورة الشهرية والقمر؟
- الرئيس الأمريكي يدعو إلى دراسة زيادة الرسوم الجمركية على الص ...
- بتهمة التشهير.. السجن 6 أشهر لصحفي في تونس
- لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟
- ماسك: كان من السهل التنبؤ بهزيمة أوكرانيا
- وسائل إعلام: إسرائيل كانت تدرس شن هجوم واسع على إيران يوم ال ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رضا لاغة - المشروع الوطني في تونس والسيادة الجديدة