أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري رسول - صُوَرٌ في العتمة














المزيد.....

صُوَرٌ في العتمة


صبري رسول
(Sabri Rasoul)


الحوار المتمدن-العدد: 6285 - 2019 / 7 / 9 - 11:19
المحور: الادب والفن
    


بارتباكٍ قلقٍ كان ينظر بعينين كسيرتين إلى ضوء خافت يهطلُ من النّافذة المنثكمشِة على نفسِها، انزوى إلى حواره المتقطِّع مع بقايا صورٍ عالقة في داخله، الصّورة المتشظِّية تكتسبُ ملامحَ بليدة عند استعادتها من قاع الخوف، عندما أنجبَتْه أمُّه كانَتِ الشَّمس تعلو على قمة الجبل بأمتارٍ قليلة، ومع صرختِهِ الأولى عرضَتْه الدَّايةُ تحتَ خصلات شمس نيسان الذَّهبية المنسابةِ على الكونِ، قائلةً: يشرب الجسدُ الضوءَ، فيتحرّر من الخوف، يكسر الزوايا الضّيقة وينطلق مع الأفق المفتوح، إنّه الجسد البشريُّ يتغلْغلُ الضَّوءُ إلى داخله مع الجرعة الأولى من هواء الولادة، ثم أضافت بلهجةِ حكماءِ التَّاريخ: صرخةُ الطّفل الأولى في الحياة توقيعٌ منه على ميثاق الاستمرارية فيها، كان يتمطّط بأقمطته تحت دفْءِ نيسان، مستمداً منه قوةً تمسكه بالحياة، من قوة هذا الشَّهر في التَّجدد والانبعاث تحقيقاً للعرف المقدَّس السَّائد في ولادته المائية، أغمضَ عينيه على ألمٍ منتشرٍ في أصقاع الجسد، وابتلع آهةً كتيمةً لم تجدْ لها مكاناً في فمه.
تلمّس أطرافَه السّفلية ليُكذِّب خشبيةَ روحِهِ، لكنَّه لم يجدْ نهايةً لركبتيه، ولم يستطع تحديد الشَّكل الذي تنتهي به قدماهُ، نهاية لينة عجينية، شبيهة بغفوة طفلٍ بعد بكائِه على أمِّه، خانَه الإدراكُ من معرفة الزَّمن الذي أخذتْ فيه قدماه هذا الشَّكل، ولم يعلم أأكلتْهَا العتمةُ أمْ تضاءَلَتَا بفعل كثافتِها. كبساطةِ عذريةِ الرِّيف، كان ينظر إلى الآخرين بعيون النّبوّة، ويرى النَّاس كسنابل حبلى بالخير، لكنَّه لم يجدْ تفسيراً دافئاً لرفضِ ذواتِ اللّكنةِ الثقيلةِ لشكْلِه، ولطريقة نطقه لأحرف الحجل الشَّجية، جمع مواويلَ أمِّه وأغاني الحصيدة، وأعادَها كخرقٍ باليةٍ إلى مهده الخشبي، المزخرف، وربطَها في مكان نومِهِ بـ( دسْتْ بَنْدْكَا – DEST BENDKA) المهد قائلاً : أمي هذه مواويلُك وحكاياتُك من التَّكوين والعدم، وعن السّلالات المائية والصّخرية، أودعتُهَا في مهدي كي لا تجلبَ لي متاعبَ وأوجاع لا قوة لي بحملها، ونسي أنَّ الأم تتركُ صدى أغانيها عميقاً على ملامح الابن، فيبقى أسيرَ لونِها حتى القيامة؛ مع مرور الأيام استمدّ القلبُ قوةَ خفقانِه من صمتِ الجدرانِ الكتيمةِ المشبعة بعتمة السِّنين، فتسرَّبَت العتمة إلى داخلِه، ومع الزَّمن اعتاد الجسم على القوى الخفيَّة في العتمة، يسقط النُّور الخجولُ من أعالي الكوة، فتتنفّسُ الكائنات الخامدة، و الجمادات في الغرفة، وحدَه يتضاءل حجمُ الجسد باحثاً عن زاوية تحتفظ بعتمتها، كلَّمَا أخذتْ ضآلة الجسم شكلها الأقصى تحتاج إلى كميةٍ هائلةٍ من كثافة العتمة ليعود بها الجسم إلى حجمه المعهود قبل سقوط الضوء في فضاء الغرفة، تسرَّبت العتمةُ الصَّامتةُ إلى مفاصل الجسد، وتغلغل طغيانُها في عتيق الرُّوحِ، أصبحَ كائناً ذائباً في الظَّلام، يرتقي إلى معاني العدمِ، بنشوة الصَّمت، ويتلاشى مع فضيحةِ الضَّوء للكائنات، غابتْ عنه صورُ الحياة تحت النُّور، واهتزّ مخزونُها، احتضنَ ظلامَ الغرفةِ الرَّخو ولم يَعُدْ يذكر من مواويل أمِّه، وهي أعذبُ من مياهِ (كانيا بلك –KANYA BELEK). أغمض عينيه بقوة، وبدأ العدم التَّالف يصعدُ إلى أعلى جسمه.

قامشلي 28/11/2005م



#صبري_رسول (هاشتاغ)       Sabri_Rasoul#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- امرأة غامضة حتى الضّجر(ج2)
- امرأة غامضة حتى الضّجر(ج1)
- -وزنة حامد- سردٌ متعثّر ولغة محكية
- استنطاق المسكوت عنه ((ترمي بشرر))
- سوريا والعيش المشترك
- ذهنية الكردي
- أصبحْتُ نمْلةً
- هدية إيفا
- «وطأة اليقين» لهوشنك أوسي والتّشكيك بالتّاريخ
- لماذا يكتب الكرديّ باللُّغة العربيَّة؟
- وتغفو امرأة ج2
- وتغفو امرأة (ج1)
- الصّورة النمطية تؤطّرها محاذير مقدّسة
- الومضة الشعرية مع الرّيح والمطر والخراف في نارنج(1)
- الضّوء والصّمت (E)
- الضّوء والصّمت (D)
- الضّوء والصَّمت (C)
- الضّوء والصَّمت (B)
- الضّوء والصَّمت
- أبجدية الجبل لزهرة أحمد سرد طافح بالألم


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري رسول - صُوَرٌ في العتمة