أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - الجينات الوارثية بين التطور العشوائي والتصميم الذكي















المزيد.....

الجينات الوارثية بين التطور العشوائي والتصميم الذكي


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 6279 - 2019 / 7 / 3 - 22:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"مدهش، رائع، سحري، مبهر، مذهل، معقد..."، هذه بعض العبارات التي تطالعك وانت تقرأ او تشاهد وثائقيا عن الحمض النووي او ما يعرف بدقة اكثر بالانكليزية بال "DNA". يعرّف موقع ال " Science Daily " الحمض النووي بما يلي "الشيفرة الوراثية هي مجموع المعلومات المشفرة والمخزنة وراثيا والتي تنتقل الى البروتينات عبر الخلايا". يمتلك كل انسان 3 مليارات قاعدة من الحمض النووي.

هذه الشيفرة الوراثية التي يتشاركها الناس هي مجموعة المعلومات التي تحدد صفات كل واحد منا بدأ بالشخصية وصولا الى الطول، لون البشرة، نوع الشعر، شكل العينين، الخ. يمكن تشبيه الشيفرة الوراثية او الحمض النووي بالكتاب او ببرنامج كومبيوتر (software). يقول بيل غاتس ((Bill Gates رئيس ومؤسس شركة ميكروسوفت ان ال" DNA " أكثر تقدما وتعقيدا من اي برنامج معلوماتي وجد حتى الآن". ويضيف رتشارد دوكينغ (Richard Dawking) "ال DNA هي شيفرة ذاتية الوجود. هي رقمية الطابع وتشبه الى حد كبير برنامجا معلوماتيا". ان كان يصح تشبيه الDNA بكتاب ذكي او بالبرنامج المعلوماتي المعقد، فمن المحتم السؤال "هل ان ال DNA هو "ذاتي الوجود وقد تطور جينيا وعشوائيا ليصل الى ما هو عليه اليوم" كما يقول دوكينع، ام انه برنامج ذكي تم وضعه بدقة واتقان على غرار البرامج الذكية التي اتقنها واوجدها مبدعون مثل بيل غيتس وغيره "؟

المعلومات المخزنة في الشيفرة الوراثية او DNA هي كناية عن اربعة عناصر كيميائية (Chemical Bases) تتشكل على النحو التالي:" A,G, C, T". في جسم كل انسان 3 مليارات من هذه العناصر التي يتشارك بها بنسبة 99% مع غيره من البشر. تسلسل هذه العناصر على شكل ما هو ما يحدد نوعية المعلومات المتواجدة في كل خلية. ان اردنا فهم تسلسل هذه العناصر علينا ان نتخيل احرف الابجدية وقد تم جمعها اولا بشكل معين لصياغة كلمة، ومن ثم جملة صحيحة التركيب، ومن ثم كتاب يمكن تحليل فكره ومعلوماته والهدف من كتابته وعمقه الادبي والفلسفي. لو اخذنا واحدة من مركبات الحمض النووي (molecules) المتواجدة في خلية واحدة، وبسطناها على خط مستقيم لفاق طولها طول الرجل العادي. يكتب موقع " Crash Course Biology" ان طول مجموع الحمض النووي المتواجد في خلايا الجسم والتي يقدر عددها ب 53 ترليون خلية يفوق المسافة بين الارض والشمس 600 مرة.

قد يطول شرح اهمية عمل الحمض النووي في جسم الانسان من ادارة عمل الخلية الى انتاج المعلومات التي تحدد هوية كل منا، لكن ما يعنيني هو "كيف استطاع الجسم البشري ان يكتب كتابا يفوق بعمقه ودقته ونوعية وكمية معلوماته كل الكتب التي انتجها الذكاء البشري حتى الآن؟ او كيف استطاع الجسم ان يبني معملا حيويا وحيا او برنامجا معلوماتيا متقنا، والمعلوم ان الكتابة او بناء المعامل والبرامج الذكية يتطلب كائنات ذكية تخطط وتفكر وتطور وتنتج وتصحح وتجرب وتعمل وتهدف الخ؟

كان يستهويني في طفولتي لعب الشطرنج وفي شبابي طاولة الزهر. ما يلاحظه اي لاعب للشطرنج ان كل حركة عشوائية تقود للخسارة الا اذا كان اللاعب في الطرف الآخر يمارس العشوائية ذاتها في لعبته. بينما الحركة الذكية التي تم التخطيط لها بدقة وعناية وذكاء تقود اللاعب الى الفوز. كذلك لعبة طاولة الزهر. كنت غالبا ما امارسها مع جدي. كنت استهوي اللعب معه لانه كان الرابح الاكبر معظم الاوقات، وكان ذلك يشكل تحديا لي لمحاولة مجاراته. من يلعب طاولة الزهر يدرك ان غباء اللاعب ووضعف الذكاء وقلة التخطيط وانعدام التفكير وغياب التخطيط الاسترتيجي وتوقع حركات الخصم تقود حتما للخسارة حتى لو كان الحظ حليف اللاعب. نحن نتحدث هنا عن لعبة بسيطة لا تتجاوز الاحتمالات فيها عدد اصابع اليد. لكن ماذا عن نظام متقن مثل الحمض النووي، يحتوي جسم الانسان منه على ما يفوق 53 ترليون عنصرا، دون التغاضي عن ان ال 53 ترليونا تعمل على مدار الساعة عملا منظما دقيقا معقدا لا يترك مجالا للحظة واحدة للحظ او العشوائية والا لانهار النظام باسره ومعه الحياة كلها؟

دعونا ننتقل للحظة من الحمض النووي الى النظام الكوني. الشمس تشكل توازنا دقيقا مع باقي الكواكب لا يسمح لاي منها للاخلال بهذا النظام للحظة واحدة والا لانهارت الحياة برمتها بطرفة عين. نور الشمس هو العنصر الاول الذي يسمح للنبات بانتاج غذائه (Photosynthesis ). يمتص النبات النور ويحوله الى طعام بمشاركة الجذور التي تمتص عناصرها الغذائية من الكائنات المتحللة في الارض. يشارك الماء النور والجذور بمد النبات بالحياة، فلا حياة على الارض دون الشمس والماء والغذاء. يستفيد الانسان من هذه الدورة اذ يعتمد على الحيوان والنبات كيما يستطيع البقاء على قيد الحياة. فلو انقرض عنصر عن الارض مثل نبات ما او حيوان ما، لاختل النظام الحياتي باسره واضر بكل الكائنات الاخرى.

ان كان الحمض النووي معقد التركيب وان كانت الحياة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالشمس والغيم والبحر والنبات والحيوان والمجرات، هل يعقل عندها ان ننسب كل هذا التعقيد لفطرات عشوائية ( Random Mutation ) ادت الى هذا الابداع؟ نحن ندرك انه كلما كانت الشيفرة (code) كثيرة التعقيد على مستوى الفكر (كتاب، برنامج معلوماتي، نظام سير، قضاء وشرطة، الخ) لاستنتجنا حكما ان المنظم اكثر اكثر ابداعا وذكاء وفهما. في المقابل لا وجود لشيفرة او فكر او نظام او حياة دون فكر ذكي مبدع خلاق. المعلومات لا تاتي الا من مصادر ذكية. فما بالك ان كانت هذه المعلومات تعادل بتعقيدها ما نراه في نظام ودقة وعمل ال DNA. كيف لنا ان نتخيل ان عنصرا مثل (Molecule) يصلح بذاته ان يكون مدونة او تصميما لما هو اكثرتعقيدا مثل شجرة او سلحفاة، ما لم يكن هناك مصمم وراء هذه المدونة او هذا التخطيط؟ لا بل كيف لنا ان نتخيل ان الحوامض الامينية تنتج من تلقاء نفسها البروتينات، والبروتينات تكوّن معا الخلايا الحية، والخلايا تصنع الانسجة والانسجة تصبح اعضاء بشرية والاعضاء هي انت وانا؟ العلم التجريبي يخبرنا ان هذا التسلسل لا يمكن ان ينتج ذاته بذاته في غياب اي تخطيط وتصميم وتفكير وابداع. لا يمكن للسنبلة ان تتحول خبزا على مائدتي ما لم يزرعها الزارع حبة قمح ويرويها ويفلحها كيما تصبح سنبلة. ولا بد بعد ذلك للفلاح ان يحصدها ويفصل الحبة عن الساق. من ثم يأتي دور العامل الذي ياخذها الى الطاحون. يخرج القمح من الطاحون الى المنزل او المتجر طحينا. تقوم ربة المنزل او الفران بمزج الماء والخمير والزيت والسكر والملح ويعجنونها مليا ويتركونها تختمر قبل ان يكوّنوها على شكل محدد ومن ثم يضعونها في الفرن لوقت محدد.

تطور حبة القمح من حبة الى رغيف خبز لم يكن تطورا عشوائيا فما بالك بتطور الحوامض الامينية من جزيئات غير مرئية الى مدونات معقدة تحمل بصمات الكائنات الحية على اختلافها وتنوعها؟ تطور الخلايا الحية يفوق تطور حبة القمح وصولا للرغيف بما لا يسمح بالمقارنة باي شكل من الاشكال. هل رايتم مرة حبة قمح طورت نفسها بنفسها عشوائيا لتصبح رغيفا؟



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الالحاد دين؟
- القيم الاخلاقية، بشرية أم إلهية المصدر؟
- نظام ذكي أم فوضى خلاقة؟
- لغز الوجود
- على خطى يسوع- 18- القيامة
- على خطى يسوع- 17- -يا يهوذا، أبقبلة تسلّم ابن الانسان-؟
- على خطى يسوع- 16- ساعة الحقيقة
- على خطى يسوع- 15- لن تغسل رجلي أبدا
- على خطى يسوع- 14-دعوا الأطفال يأتون إلي ولا تمنعوهم
- على خطى يسوع- 13-الموت والحياة
- من وحي عيد الميلاد
- الخرافة المسيحية والعقل
- على خطى يسوع-12- الأعمى
- على خطى يسوع-11- من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر أولا
- شبهة وردود 3- المسيح الارهابي
- على خطى يسوع-10- الرغيف
- على خطى يسوع-9- أسكت أيها البحر، إهدئي أيتها ا لريح
- سارق الحساء
- شحاذ سجائر
- على خطى يسوع-8- إنه سبت آخر


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - الجينات الوارثية بين التطور العشوائي والتصميم الذكي