أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - القيم الاخلاقية، بشرية أم إلهية المصدر؟















المزيد.....

القيم الاخلاقية، بشرية أم إلهية المصدر؟


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 6187 - 2019 / 3 / 31 - 08:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قد تكون شريعة حمورابي أم الشرائع في العالم. تم نقشها على ما يرجح المؤرخون عام 1754 قبل الميلاد، على قطع صخرية، واحتوت على 282 بندا، منها ما هو مقبول في كل العصور ومنها ما يبدو غريب الاطوار.مثلا نقرأ في البند 192 "ان قال ابن بالتبني لوالديه لستما أبي وأمي، يقطع لسانه"، كما نقرأ ما يوازي مقولة العين بالعين والسن بالسن في البند 196 "إن قلع رجلٌ عين نبيل يتم اقتلاع عينه". من الطريف في الامر اني كنت أدرس تلامذتي الاسبوع الماضي عن الحضارات القديمة. تطرقت الى شريعة حمورابي وقرأنا فيها انه اذا أُمسك رجل وامراة بفعل الزنا، يتم ربطهما بحبل ورميهما في النهر. وببراءة الاطفال (الذين هم في العاشرة من عمرهم) سألني بعضهم بعجب "وكيف لهما ان يسبحا؟" أجبت ضاحكا "هذا هو المطلوب، ألا يسبحا".

تعاقبت الشرائع في المجتمعات المختلفة لتعكس نظرة كل مجتمع للعدالة والقيم الاخلاقية والروحية التي طبعت نمط حياته، لكن معظم هذه الشرائع اما انقرضت مع انقراض المجتمع الذي اوجدها او تأقلمت مع عالم جديد فرضه التطور او الغزو او تطبيق شريعة جديدة بحد السيف. من الملفت للنظر ان الشريعة الموسوية هي واحدة من الشرائع القديمة التي ما زالت حية حتى يومنا الحاضر، بفعل تبني المسيحية لكثير من قيمها، وابرزها الوصايا العشر، مثلا: لا تقتل، لا تسرق، لا تزن، لا تشهد بالزور، لا تشته امرأة قريبك...". من الواضح ان الشرائع كافة تتفق على بعض القيم مثل "لا تقتل، لا تسرق" وإن كان بعضها يحلل القتل في ظروف محددة مثل الدفاع عن النفس او الدفاع عن الوطن. هنا يطرح السؤال نفسه "ما هو مصدر هذه القيم؟ أهي تركيبة انسانية اجتماعية يبنيها الانسان حسب تلاؤم ظروفه أم هي دفينة في عمق الضمير البشري نتيجة عوامل الهية؟

كنت أناقش صديقا لي عندما تطرقنا الى مصدر القيم الانسانية والروحية. أصر صديقي على ان القيم هي نتيجة مباشرة لعوامل التطور الجيني والتراكمات الاجتماعية، تصوغها التجربة البشرية حسبما تقتضي الظروف، ويتم تطويرها من خلال تبادل الخبرات وتقدم المجتمع. أشار صديقي الى تعدد واختلاف القيم في المجتمعات البشرية كدليل على بشريتها . اتفقت مع صديقي جزئيا، لكنني أؤمن أيضا ان مصدر القيم هي ما اصطلحنا على تسميته الله، أي هذه القوة الخارقة التي اوجدت المادة والحياة وزرعت فينا القيم المطلقة.

من وجهة نظري، إن كانت القيم الانسانية بشرية المصدر فهي بالتالي هشة، غير مستقرة، متفاوتة ليس فقط بين مجتمع وآخر بل حتى بين انسان وآخر في المجتمع نفسه. على سبيل المثال، قام احد الدارسين باستفتاء الناس في الشارع الامريكي من خلال طرح السؤال التالي عليهم "أتجوز العلاقة الجنسية بين الرجل وأخته؟" اختلفت الاجابات حسب اختلاف التشريع الذي فرض على كل انسان قيمه الروحية. كانت اجابة المسيحي الملتزم لا بالمطلق، بينما اتفق العديد من الملحدين على فرضية انه "لا مانع من إقامة مثل هذه العلاقة ما لم يكن هناك اعتراض من أحد الطرفين عليها، بغض النظر عن قبول الآخرين او رفضهم لها". من هنا نرى ان قيم اليوم تصبح بالية غدا، لذلك لا يمكننا الاعتماد عليها في المطلق. خذ على سبيل المثال موضوع الزواج. كانت المجتمعات القديمة بما فيها الاوروبية تبيح زواج الفتيات بعمر الثانية عشرة واحيانا يتم تزويجهن لرجال في الاربعينات والخمسينات من العمر. أما اليوم فقد سنت القوانين الغربية تشريعات تمنع زواج القصار، دون الثامنة عشرة، رجالا كانوا ام نساء. كانت المجتمعات القديمة بمعظمها، إن لم يكن كلها، تبيح شكلا ما من تعدد الزوجات. كان بعضها يسمح للرجل بالزواج بالعدد الذي يريده من النساء، فيما كانت بعض المجتمعات الاخرى، مثل البابلية، تبيح له الزواج من امرأة واحدة مع إعطائه الحق بالحصول على المحظيات (زوجات من الدرجة الثانية). بعد اعتناق اوروبا وارجاء اخرى من العالم المسيحية تم القضاء على تعدد الزوجات لمئات وربما آلاف السنين. ما زالت الدول المتقدمة تمنع تعدد الزوجات، لكن شرائعها تطورت ايضا لتسمح ليس فقط بالطلاق، وانما ايضا بالزواج المثلي. وهناك اليوم من ذهب ابعد من ذلك في الغرب، ليطالب بحق الانسان بأكثر من شريك، فصرنا نرى بيوتا فيها رجلان وامراة او امرأتان ورجل، أو حتى مجموعة من الرجال او النساء يتشاركون الحياة الجنسية جماعيا.

ان كانت الشرائع متقلبة، فنحن بالتالي لا نستطيع الاعتماد عليها او الثقة بها كمعيار ثابت للخير والشر. لا بل ما هو شرٌ اليوم قد يصبح خيرا غدا، وما هو خير اليوم قد يكون اسوأ الشرور غدا (الطلاق، المثلية، تعدد الزوجات والازواج، دفن امرأة على قيد الحياة مع زوجها المتوفى، الخ.). بالتالي، ان كان الخير صناعة بشرية تفرضه الاوضاع الاجتماعية والثقافية، فلا بد له ان يكون متغيرا في طبيعته، وفاقدا لمعيار واضح يمكن للجميع القياس عليه. وهذا ما يطرح إشكالية كبيرة ليس فقط دينية وإنما فلسفية أيضا. إن كان مقياس الخير خاضعا للتجربة البشرية وحسب، كيف لي بالتالي ان أثق بأحكامي وأحكام الآخرين من ناحية القضاء والعدل والقيم الاخلاقية، في غياب مفهوم الخير المطلق الذي يمكن القياس عليه؟ كيف لي ان اصف حكما ما بالجودة او الانحطاط وأنا أعرف حق المعرفة ان ليس هناك معيارا مطلقا لما قد يكون جيدا أو سيئا بالمطلق؟ لا بل من اين ياتيني هذا الشعور انه علي ان أدافع عن حقوق المرأة والطفل وصاحب الاحتياجات الخاصة والاتجار بالبشر، والتي قد لا تكون مساوئ بالمطلق انما تبدلات وتغير في فهم المجتمع لما هو خير وشر؟ يذكر الفيلسوف الالماني الشهير فريدريك نيتشه "هناك وهم قديم لدى الناس واسمه الخير والشر" . كما يكتب المفكر البريطاني رتشارد داكين ما يلي "العالم الذي نحن بصدده (أو نراه)، يمتلك الخصائص التي نتوقع وجودها فيه. فهو في عمقه مجرد من التصميم الذكي، وخال من اي هدف، خير او شر. لا شيء فيه سوى لا مبالاة شديدة البؤس (أو عديمة الرحمة).

أقتبس هنا عن المفكر والفيلسوف المسيحي وليام لين كريغ قوله "إن كان الله موجودا، فلا بد للقيم الاخلاقية الموضوعية ان تكون موجودة ايضا، كون الله هو مصدر الخير. ذلك لا يعني ان المؤمن وحده قادر على فعل الخير، إنما كل ما يفعله الانسان من خير، مصدره الله، أكان فاعل الخير مؤمنا ام لا. إنما في المقابل، إن كان الالحاد على حق، فمن غير الممكن ان تكون القيم الاخلاقية موضوعية، لانعدام ارضية صلبة وثابتة تقوم عليها او لانعدام معيار أعلى، أسمى ومطلق يمكن للمرء قياس الخير والشر عليه. وبالتالي، ومع انعدام وجود الله، لماذا يترتب علي أو على اي انسان آخر الايمان او الاعتقاد بان الانسان كائن مميز أو ان القيم الاخلاقية موضوعية، راسخة وحقيقية؟ أو لنقل، ما الذي يحفزني او يلزمني بفعل الخير، إن كان الله غير موجود؟"

ان نحن ألغينا فكرة وجود الخالق وحصرنا الوجود الانساني بالتطور الكيميائي والمادي المبني على فكرة بقاء الاقوى (The survival of the fittest)، عندها نكون قد شرّعنا لصراع الاجناس وما يترتب عليه من فلسفة "قاتل او مقتول"، وذلك من اجل البقاء. مع نظرية التطور وبقاء الاقوى يصبح كل شيء مشروعا: إبادة هتلر لليهود كونهم يهددون التقدم الاقتصادي للجنس الابيض عامة والآري خاصة، تهجير الشعب الفلسطيني على يد اليهود لأن لا بقاء للاضعف في صراع على الارض لا رحمة فيه، الارهاب الداعشي لأنه يعمل على استمرارية الاسلام ورفع يد الاستعمار عن الامة، ذبح الارمن والسريان على يد الاتراك لان وجودهم خطر على الامبراطورية العثمانية، استعمار الانسان للانسان من اجل استمرارية الاقوى ثقافيا واقتصاديا وعسكريا، الاتجار الجنسي بالبشر خاصة ان الكثير من العاملين في هذا المجال، لم يجبروا عليه، انما اختاروه بملء ارادتهم، الخ.؟

عندما نلغي فكرة وجود الله، يصبح الانسان مصدر التشريع الاعلى والاوحد للخير والشر. عندها تتداخل الايديولجيات والفلسفات والافكار والاطماع والرؤى والشهوات والقيم، متضاربة، متصارعة، متشابكة، متناحرة ومتناقضة لتحديد ما قد يراه البعض خيرا فيما يراه الآخرون شرا. في غياب مصدر أعلى للخير والشر (الله) يصبح كل شيء مباحا: لا عقاب او ثواب، لا مسؤولية او التزام. عندها تسقط مقولة المحبة والسلام والاخوة والتسامح في "حارة كل مين ايده إلو" أو في مستنقع الجشع والطمع والاغتصاب والسرقة والاعتداء. ولماذا لا؟ إن كانت نافذتي على الحياة صغيرة او ضيقة، فلماذا لا امتع نفسي واغرق في مشتهيات الحياة وملذاتها على حساب كائن من كان؟ وان أنا لم أمتع نفسي في هذه الحياة القصيرة الضيقة الخالية من اي معنى أو معيار اخلاقي ثابت، ألا اكون شديد الغباء، خاصة أنه لن يكون هناك، عندما يباغتني الموت، من يحاسب او يسأل؟


There is an old illusion. It is called good and evil- Frederich Nietzche

The universe that we observe has precisely the properties we should expect if there is, at bottom, no design, no purpose, no evil, no good, nothing but pitiless indifference.” ― Richard Dawkins, River Out of Eden: A Darwinian View of Life

William Lane Craig- Reasonable Faith



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظام ذكي أم فوضى خلاقة؟
- لغز الوجود
- على خطى يسوع- 18- القيامة
- على خطى يسوع- 17- -يا يهوذا، أبقبلة تسلّم ابن الانسان-؟
- على خطى يسوع- 16- ساعة الحقيقة
- على خطى يسوع- 15- لن تغسل رجلي أبدا
- على خطى يسوع- 14-دعوا الأطفال يأتون إلي ولا تمنعوهم
- على خطى يسوع- 13-الموت والحياة
- من وحي عيد الميلاد
- الخرافة المسيحية والعقل
- على خطى يسوع-12- الأعمى
- على خطى يسوع-11- من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر أولا
- شبهة وردود 3- المسيح الارهابي
- على خطى يسوع-10- الرغيف
- على خطى يسوع-9- أسكت أيها البحر، إهدئي أيتها ا لريح
- سارق الحساء
- شحاذ سجائر
- على خطى يسوع-8- إنه سبت آخر
- على خطى يسوع-7- هل يصير الحجر خبزا؟
- على خطى يسوع-6- نؤمن أن لا إله إلا السبت


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - القيم الاخلاقية، بشرية أم إلهية المصدر؟