أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام محمد المزوغي - (صغيرتي) الجميلة















المزيد.....

(صغيرتي) الجميلة


سلام محمد المزوغي

الحوار المتمدن-العدد: 6041 - 2018 / 11 / 1 - 01:21
المحور: الادب والفن
    


كان ينتظر قدومها مع الثامنة، غادر العمل السابعة، في الطريق استمع لعدة أغاني مفكرا في الغد؛ السبت، يومُ عملٍ صعب ينتظره وعليه النوم باكرا. منذ سنتين يعرفها ومنذ سنتين يعيش ما انتظر من امرأة، كان سعيدا ولم يكن يأمل أن يعثر على أكثر من ذلك..
لا يتكلم عن مشاعر لكنه يجسدها أفعالا، أغلب الأفعال جنس، ليس من المُتصلين ولا من المُهدين لكنه اعتاد وضع بطاقته البنكية رهن استعمالهن، ولسوء حظه لم تستعملها أيّ منهن.. بطاقته البنكية لم يستعملها أحد قط، وكل مرة يذهب إلى البنك ليستبدلها بأخرى يُسأل عن سبب عدم استعماله لها فيجيب أنه تعود التعامل نقدا..
كان يقول لهن قصة بطاقته، لكنهن رفضن كلهن، الأخيرة قالت له أنه إذا أراد أن تُستعمل بطاقته فليعطها لأحد غيرها، لشخص مجهول يمده برقمها السري فيحقق رغبته أما هي فليست في حاجة لأمواله.
كان يستغرب من سلوكهن دون أن يراهن فريدات، العادة تقول أن الرجل يُنفق والمرأة تأخذ كما هي المواخير، علاقته بهن كلهن كانت جنسية صرفة لكنها شذّت عن العادة فتساءل عن سبب رفضهن فوجد أنهن عاشقات، تذكّر عنهن كلاما عن الحب وعن العائلات وتذكّر استغرابه وفي لحظات اشمئزازه من أفكارهن الغريبة عنه وعن عالمه الذي تعوده منذ صغره، منذ أول قبلة ومنذ أول مرة.
الأخيرة كانت جميلة لكنها لم تكن أجملهن، كانت أكثرهن بكاء وسذاجة، سذاجتها المبالغ فيها جعلته عديد المرات يرى نفسه بيدوفايل بالرغم من أنها شارفت على الثلاثين، كان يطلق عليها "صغيرتي" ويقصد غباءها أما هي فأعجبها اللقب الذي كان يستعمله معها أبوها فقط وقالت أنه يشعرها بالثقة والأمان.. ابتسم وفي داخله تساءل باحتقار عن أي أمان تتكلم فهل هناك حرب ولم يتفطن لها؟ لاحظ معها أن حبها لتلك الصفة كان نوعا من الحنين لطفولتها، وكانت أيضا انعكاسا لطبيعةٍ عندها تدخل في إطارٍ مازوشي رآه مرارا عند ممارسة الجنس معها أو "ممارسة الحب" كما يحلو لها أن تقول عنه بالإنكليزية؛ كان تجنيا عليه ذلك الزعم لأن ممارسة حبٍّ تفترضُ أن يكون هو محبا لها، إلا أنه لم يحبها يوما بل كان محبا للجنس معها، كان يحب الجنس معهن كلهن؛ كن جميلات وفنانات، كل وميزاتها وكل واختصاصها..
البكاء لم يكن له تأثير عليه، البكاء سِمَةُ الجبناء والضعاف هكذا تعلم وهكذا عاش، كلما رآها تبكي شكر أباه الذي لم يسمح له بالبكاء عند صغره حتى عند أشد العقوبات كالحرمان من دراجته أو من زيارة أمه، شكر أمه أيضا وعقوبتها الوحيدة الفعالة معه: الحرمان من رؤية أبيه.. سمحا له بالبكاء يوم عاودا العيش معا، ثار في وجهيهما يومها وصرخ متجاوزا كل الخطوط الحمراء، إلى اليوم لا يزال في داخله يسأل لماذا انفصلا؟ ولماذا عادا لبعض؟ الأب والأم منفصلان، لا أحد بحث عن حياة جديدة، لا أحد قال أن حبه للآخر قد توقف لحظة، كانا على اتصال يومي ولم يقتصر ذلك على الطفل الذي بينهما بل كانا يتكلمان في كل شيء وكأنهما لم ينفصلا.. انفصلا فقط لكي يعيش هو طفولته مشتتا بينهما ولكي تكون أكبر عقوبة يخشاها هي أن يحرمه أحدهما من الآخر.. سألهما يوم ثار: "لماذا انفصلتما إذن؟" فأجاباه بكلام يُشبه ثقافة كل الجميلات اللاتي رفضن استعمال بطاقته البنكية، كلام غريب عن حب غريب رآه نفاقا، فإما أن تُحب وإما أن لا، هكذا يعرف وهكذا لا يزال وهكذا تعوّد أن يقول لكل جميلاته.
نصف ساعة بالسيارة بين عمله ومسكنه، مع السابعة والنصف وصل مدينة سكناه.. قصد مطعما وطلب كل ما يلزم للعشاء، كان يكره المطبخ ويرفض أن تطبخ له، كان يقول لها أن الوقت الذي يمضيه الناس يطبخون يجب استغلاله في ما أهم ويسكت، والأهم عنده: الجنس.
تلك الليلة كسابقاتها كان موضوعا لها نفس التقسيم المثالي، بالنسبة له؛ الساعة الأولى عشاء، الثانية جنس، الثالثة جنس، الرابعة جنس.. تنتهي الرابعة مع منتصف الليل فينام ليستطيع أن يستيقظ عند السابعة، تتخلل الساعات الثلاث راحات قصيرة يُسميها "استراحة محارب"، تصلح للكلام في أي موضوع شريطة ألا يتطلب تفكيرا أو يَتسببَ في غضبٍ لتجنب تعكير صفو الساعة الموالية....
في بدايات معرفته بها، كان يقود نقاشات تلك الراحات القصيرة، كانت نوعا من دروس نظرية تُطبَّق مباشرة في الساعة التي تليها، كان مدرسا وكانت التلميذة.. منذ فترة تخرجتْ فاستراح، وصار يسمع منها في أغلب الوقت؛ في نفس الموضوع واصلت الكلام لكنها ومن حين لآخر كانت تُجهد نفسها في اقحام بهارات لم يكن في حاجة إليها، كأن تسأله هل عاش شيئا شبيها مع غيرها فيجيبها بنعم وبأنه رأى أكثر، كأن تقول بأنها أعطته أغلى ما تملك فيجيبها بأنها لم تعطه أي شيء وبأن ما تراه هي غاليا لا يراه هو كذلك ويذكِّرها بأنها ليست الوحيدة التي "أعطته".. كلها بهارات خبيثة تنطلق من الجنس لتصب في مستنقع عفن، نفس المستنقع.
تلك الليلة كانت جمعة، ولسوء حظه لم تنجُ من ساعاته الأربع إلا الأولى وبأضرار جسيمة.. تعوّد على أن يأكل معها كما يأكل الناس، لم يكن ممن يقولون "بسم الله" عندما يبدأ ولا "الحمد لله" عندما يُكمل فلم يتعود على شيء من ذلك منذ صغره، لم يكن ممن يثيرون نقاشات عقيمة كما يفعل أهل السياسة وجماعة الثقافة والفكر، ولا ممن يصرخون من أجل رياضة أو فن.. كان ممن يأكلون في سلام ساعتهم الأولى وهم يفكرون في سلام في ساعاتهم الثانية الثالثة والرابعة.
قبل ذلك، لاحظ أنها كانت مختلفة بعض الشيء منذ الإثنين، لم تكن كعادتها حيث لم تتصل به عديد المرات يوميا، ولم ترسل له عشرات الرسائل وحتى اتصالاتها لم تكن مطولة بالليل بل كانت لا تتجاوز الدقائق المعدودات.. لاحظ الفرق لكنه سعد به وقال في نفسه: "ليتها تظلّ هكذا".. كان يلقاها الجمعة ليلا السبت والأحد.. عندما غادرا معا صباح الإثنين لم يكن شيء، أقلّ من خمسة أيام وحصل معها كل شيء....
عند العشاء قالت له أنها ستفاجئه فليتأهب، ظنّ أنها تقصد الساعات الموالية فابتسم وواصل يأكل.. شرعتْ في الكلام عن الدين، قالت أنها تقريبا لم تنم منذ الأحد، صديقةٌ حاصرَتْها يوم الإثنين بتساؤلات كثيرة فحصلتْ عندها رجّة كبيرة، أمدّتها تلك الصديقة بعدة مقاطع فيديو لخّصتْ لها بسهولة "كيف خُدِعْنَا" إضافة إلى مواقع عديدة زارتها قرأتْ فيها الكثير واكتشفتْ فيها الحقيقة.. الحقيقة التي يجهلها ملايين البشر عبر العالم والتي اكتشفتها هي في أقل من خمسة أيام..
كانت على ثقة أنها "ستكبر في عينه" لأنها خرجتْ عن المألوف واكتشفتْ خديعة كبرى، كانت عازمة على كشف الحقيقة له وتحريره من تلك الخديعة التي لا يزال مخدوعا بها حتى وإن كان لا يهتم للدين كما تعرف عنه.. لكن جوابه خيب آمالها حيث انتظرت منه اهتماما وأسئلة، لكنه لم يفعل واكتفى بقول كلمةٍ..."جميل".
بعد جوابه، واصل استفزازها بلامبالاته، فلم يرَ في موقفها تلك "الصغيرة"، رأى "كبيرة" فزاد من استفزازها ليرى كيف ستفعل تلك الصغيرة بعد أن ظنتْ أنها كبرتْ..
أفسدتْ عليه ساعاته الثلاث وهي تحدثه عن الدين، كان يسمع منها القليل ثم يجيبها أنه لا يهتم فبالدين أو بغيره حياته لن تتغير؛ لا عمله ولا اهتماماته....حتى انقضَتْ ساعاته سُدًى..
في الغد غادر للعمل، عمل ثم عاد عند الثالثة بعد الزوال، الغداء أكله بالدين، ثم بعد ذلك.. لا شيء.. حتى العشاء.. بالدين.. ثم.. لا شيء.. نام واستيقظ يوم الأحد ليتواصل مُقام الدين بينهما طوال يومه.. قال في نفسه أن الدين غزاه وسَبَا ساعاته لكنه عزم على المواصلة.
بعد أسبوعين، وفي لحظةِ غضبٍ منها، حكمتْ عليه بأنه جاهل أحمق ولامبالاته لا يُمكن القبول بها وبأنها "لا تستطيع العيش مع الجهلة"، غضبها كان شديدا ولم تزن كلامها بالرغم من حبها له..

هل كان يتذرّع بسبب لينتهي منها؟ أجاب أن لا، لأنه حتى تلك اللحظة التي قالت فيها ما قالت، لم يفقد رغبته فيها؛ رغبته الجنسية.. هل يستطيع أن يغفر لها ما قالت حتى وإن كان لحظة انفعال؟ أجاب أن لا، لأنه قبل بها لأكثر من سنتين ولم تستطع هي أن تقبل به لأكثر من أسبوعين ..

بعد أيام، وعند لقائه التي تلتها.. خطرت بباله فضحك وقال في نفسه: عجيب كيف لم تفهم وهي لم تسمعني أنطق يوما حتى سهوا حرفا فيه دين.. "صغيرتي" الجميلة ..



#سلام_محمد_المزوغي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرحى بالعهر
- شَاشِيَّة
- ملكتي، امرأتي، حبّي.
- كَهِينَا (10)
- حبيبتي اسمعي لِيّْ *
- أحبكِ (ملاكي)
- (صداقة) خطرة (3)
- (صداقة) خطرة (2)
- (صداقة) خطرة (1)
- حبيبتي متى ستستيقظينْ؟ (فل وياسمين!)
- كَهِينَا (9)
- حبيبتي متى ستستيقظينْ؟
- كَهِينَا (8)
- كَهِينَا (7)
- كَهِينَا (6)
- كَهِينَا (5)
- كَهِينَا (4)
- كَهِينَا (3)
- كَهِينَا (2)
- كَهِينَا (1)


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام محمد المزوغي - (صغيرتي) الجميلة