أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إلِكْترا: الفصل الرابع 2














المزيد.....

إلِكْترا: الفصل الرابع 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5869 - 2018 / 5 / 11 - 04:31
المحور: الادب والفن
    


السيارة، تنحني مع قوس مزرعة اليهود ( المنسوبة لأحد المهاجرين إلى إسرائيل )، المُشكّلة جلّ مساحة عَرَصَة " الحارثي "، فتمرّ تحت الظلال البنفسجية لأشجار التين والنخيل، فتستمدّ راكبتها شيئاً من الهواء العذب في هذا الصباح المُلحق عنوةً بالصيف. لم تكن " سوسن خانم " تحبّذ تشغيل جهاز التبريد قبل حلول الظهيرة، المُرْهِقة بجوّها الحار ورطوبتها المشبعة بالغبار الزاحف من البوادي القريبة. ثمّ استقام مجدداً شارعُ " محمد الخامس " إعتباراً من مروره بمبنى بناء البريد، الناهض كعملاقٍ خرافيّ حارسٍ لبستان الإله " يهوّه ". بعد نحو مائة متر، كان على السيارة أن تترك الشارع الملكيّ، الذي يشقّ غيليز نهراً من عقيق، كي تنعطفَ إلى جهة اليمين. توغلت " الرانج روفر " من ثمّ في الدرب الضيّق، شبه المهجور في هذه الساعة المبكرة من صباح عطلة نهاية الأسبوع. هنالك في صدر الدرب، تقوم مجموعة من الأبنية الحديثة، متشابهة ومُتراصّة ـ كجرارٍ فخارية ذاتَ لون نبيذيّ، معروضة للبيع على طريق أحد المنتزهات.
دقائق على الأثر، وعادت السيارة أوباً متخذةً ذات الطريق، بعدما حلّ " آلان " خلفَ مقودها بمكان معلّمته. بالنظر لقلّة المركبات على الشارع، تمكّن بغير مشقة من التحوّل إلى جهته الأخرى، المطل عليها بناء الفيللا. ثمة كان بانتظارهم مجموعة أشخاص، تفاوتت قاماتهم مثل أصابع اليد. الذكور الثلاثة، بما فيهم ابن " سميّة " الوحيد، ظهرَ كلّ منهم ببذّة جديدة تناسب الجوّ الجبليّ المعتدل. في المقابل، ارتدت الشابات الثلاث فساتين خفيفة، قاتمة كلون بشرتهن، وقد غطينَ رؤوسهن بقبعات التنزّه الكبيرة المستديرة. أما عميدة الأسرة، فإنها لمّت هيئتها بجلابة بنيّة، فيما خمارٌ بلونٍ أخضر داكن غطى رأسها. كانت تحمل ربيبتها الصغيرة، " خَجيْ "، تناغيها وتقبّلها بين حينٍ وآخر.
" هيه، وهذه ماما سوسن هنا! "، هتفت إحداهن حالما دلفت السيّدة السورية من سيارتها. عرفت في صاحبة الصوت، " سميّة "، وأنها كانت تخاطب الطفلة الصغيرة. كررت هذه جملتها، ما أن اقتربت الخانم من موقف المجموعة كي تتبادل معهم القبلات والتحيات. لم يزعجها ما في كلمات الأخرى من مداهنة مقيتة، بقدَر ما فعلته رؤية الصهر العتيد: " عليّ تحمل صاحب السحنة الصفيقة طوال النهار، وفوق ذلك، كلامه المنمق وفلسفته وفذلكته "، قالت في سرّها وهيَ تومئ للمعنيّ برأسها عن بعد. على أنها سَلَت تلك المنغصات، مُقبلةً على الطفلة، لتتأملها لحظات قبل أن تهمي عليها فتقبل وجنتيها بحرارة ولهفة. رفعت الطفلة رأسها، المغطى بقبعة دانتيل والمتناثر من تحتها خصلات حمر متوهجة. فطفقت تتطلع بدَورها على المرأة الغريبة، مثبتة فيها عينين بلون الزمرد يشعان بابتسامتها الجذلة.
" حبيبتي، أتريدين أن تركبي مع ماما سوسن في سيارتها؟ "، عاد الثغاء يَصدى في سمعها. دونما أن تنطق بنأمة، نقلت الأم الطفلة إلى يديّ السيّدة السورية. ولكنها فعلت ذلك بحركة فيها ما فيها من ودّ وحنو واحترام. ذاكرة الخانم، لم تحتفظ بصورة هذه المرأة مذ رأتها مرةً قبل نحو ثلاثة أعوام. ولقد لاحت لها الآن كما لو أنها عجوزٌ وقورة فُجعت بعُمرها المنقضي بلا طائل، معتادة على مشاعر التعاطف. مع كونها، في حقيقة الحال، بالكاد قد اقتربت من سنّ الستين. إلا أنّ مسألة أخرى شغلت بال " سوسن خانم "، حالما انطلقت بها السيارة. إذاك كانت تجلس في المقعد الخلفيّ، مطوقة بيديها الطفلة الصغيرة، المتناعسة العينين، والتي لن تلبث أن تغفو: " يبدو أن عليّ الاستعداد لعرضٍ ما، طالما أنّ البعض يعتقد بحظوتي الكبيرة لدى الأميرة لدرجة أن تعهد إليّ بأمرٍ خطر، كانت حريصة على بقائه سراً مخفياً وراء أسوار قصرها العالية ". عندئذٍ ارتسمت تكشيرة ابتسامة على طرف فمها، دأبها في كلّ آونةٍ يدهم ذهنها فكرة ساخرة.
" وتلك الأخرى، القميئة، ما أقبحَ سحنتها المشتعلة بالغيرة! "، لاحظت ذلك ضاحكة السريرة. بلى، لقد تعمدت نصيحة مرافقتها بارتداء تنورة قصيرة تحت بلوزة بلا أكمام. فمَن تدعوه هيَ ب " الرجل الفاجر "، كادت عيناه تخرجان من محجريهما لما وقع نظره على هيئة الفتاة الفاتنة، العارية الأطراف مثل فتيات الرسام " رينوار "، المتنزّهات. وهيَ ذي مناظر الطريق تشغلها عن أفكارها، مع تناهي السيارة إلى النهاية الناعمة للطريق العام كي تسلك الدربَ الجبليّ، المضطرد الوعورة. تعددت مرات ذهابها إلى منتزهات الأطلس ( إمليل وأوكايمدن وأوريكا )، المتصلة بنفس هذا الدرب. بيْدَ أنّ المناظر الساحرة، كانت ككل مرة تتصيّد نظرَها. إنها تذكّرها بمسقط رأسها، جبل الأكراد؛ بسلسلة قراه ذات الأسماء الدخيلة على العربية. فإنّ غالبية القرى هنا أسماؤها غريبة.. أسماء أمازيغية، كفيلة ببث الرعب في فؤاد أيّ مشرقيّ يعتقدُ أنّ بلاد العُرب تمتد من المحيط إلى الخليج. كان الدربُ يصعد وينحدر تبعاً لمجرى الوادي، القليل المياه بعيد أشهر الجفاف الصيفية. وقفت أخيراً سياراتهم الثلاث وراء طابور من أخواتها، المصطفات على نسق واحد على يمين المنتزه. انتبهت الخانم لأول مرة إلى وجود الطبيب، " عبد المؤمن "، لحظة خروجه من السيارة بمساعدة صهر العائلة. لم تكن قد ألتقت به قبلاً، كون حضوره نادراً في أمسيات رواق الفنون. حتى إذا صار بالقرب منها، بادرت " سميّة " إلى تقديمه لها. أحتفظ العجوز بيد الخانم في يده الباردة اللزجة كضفدع، متمتماً بمفردات الترحيب في صعوبة؛ ربما بسبب أسنانه الصناعية، المخلخلة. ثم شاءَ ترويعها، حين أجابَ عن سؤالها بخصوص شقيقه الشاعر: " لقد أصيبَ منذ يومين بنوبة قلبية حادة، هناك في طنجة. حالته خطرة ما تفتأ، ومن المحتمل نقله اليوم أو غداً إلى مستشفى خاص في الرباط ".









#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلِكْترا: الفصل الرابع 1
- إلِكْترا: الفصل الثالث 5
- إلِكْترا: الفصل الثالث 4
- إلِكْترا: الفصل الثالث 3
- سماءٌ منشقّة
- إلِكْترا: الفصل الثالث 2
- إلِكْترا: الفصل الثالث 1
- هيتشكوك المصريّ؛ مقاربة لأحد أفلامه
- إلِكْترا: الفصل الثاني 5
- إلِكْترا: الفصل الثاني 4
- إلِكْترا: الفصل الثاني 3
- إلِكْترا: الفصل الثاني 2
- إلِكْترا: الفصل الثاني 1
- إلِكْترا: الفصل الأول 5
- إلِكْترا: الفصل الأول 4
- إلِكْترا: الفصل الأول 3
- إلِكْترا: الفصل الأول 2
- إلكِتْرا: الفصل الأول 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 4


المزيد.....




- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إلِكْترا: الفصل الرابع 2