أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إلِكْترا: الفصل الثالث 3














المزيد.....

إلِكْترا: الفصل الثالث 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5865 - 2018 / 5 / 5 - 17:26
المحور: الادب والفن
    


عندما غادرتا الفيللا، قبل منتصف الليل بنحو ساعة، اتخذت " الرانج روفر " طريقاً مغايراً للعودة إلى مقر الإقامة الفندقية. طريق غيليز، عبرَ الشارع الملكيّ، يمرّ بالقرب من مسكن " زين ". هنالك حَذاء مسكنها، ستترك الفتاة لمعلمتها مقودَ السيارة كي تواصل هذه طريقها إلى الحيّ الشتويّ. إنه طريقٌ أطول من سابقه، إن كان على مستوى الواقع أو الدلالة الرمزية.. دلالة، مُحالة ولا شك إلى ما شهدته " سوسن خانم " خلال السهرة الفائتة من أمور تخص الأسرة الكريمة، الراعية للطفلة " خَجيْ ". بلى، كانت أثناء السهرة قد أنّبت نفسها، كونها امتنعت عن زيارتهم على الرغم من قصر المسافة بين الفيللا ومسكنها. الآن، أثناء إيابها، تعلمُ يقيناً أنّ ثمة مسافة شاسعة تفصلها عنهم لناحية العقلية والثقافة.
الليل، كانت نجومه تقطرُ عرقاً فضياً ينسابُ على عمارات المدينة الحمراء، المنتصبة كأشباح تتبارى مع أطياف العتمة في بث الرعب بأفئدة ساكنيها، المتطيرين والمرتعشين لمجرد ذكرها. والد " غزلان " الراحل، كان السبّاق في ترويع ساكني الفيللا برؤيته طيفَ ابنه الكبير. ويقال في هذا الشأن، أن الأب سبقَ أن منعَ الطعام عن ابنه شهراً ما تسببَ بموته في حجرةٍ معزولة. متوالية من الرؤى المشابهة، شغلت أهل الدار على الرغم من انتقال الرجل إلى العالم الآخر. ثم ما لبثت ابنته أن انتقلت مع رجلها إلى منزل، اشتراه في ضاحية " الحميدية ". إنه المنزل نفسه، الذي أقامت فيه مرافقة الخانم مع رجلها وابنتها. " للّا نفيسة "، يبدو أنها كانت قد زارت الفيللا ذات مرة، لرؤية حفيدتها ( أو ربما للتسوّل بحجّتها! )، حينَ جرى الحديث عَرَضاً عن منزلها المعروض للبيع. عند ذلك، أعربَ " حمو " عن رغبته بشرائه، هوَ من كانت علاقته بأمه في أسوأ حالاتها. سرعانَ ما ازدهرت ثمة مواهب امرأته، رسماً وكتابةً. يبدو أن المرأة، الصغيرة السن، امتلأت بإحساس جديد من الحرية لم تألفه قبلاً خلال وجودها أعواماً تحت وطأة الأم الصارمة.
الهواء، أضحى أقل سخونة مع ولوج السيارة في " درب الزيتون ". لكم سارت على هذا الدرب الأثير، نهاراً قي ظل الأشجار الخالدة الخضرة أو ليلاً تحت سماءٍ مرصّعة بلآلئ النجوم.. لكم تنقلت عبره سواءً في سيارة " الرانج روفر " أو في الكوتشي الخاص، المترنّح على وقع قرعة عجلاته وحوافر فرسيه. لوحة الليلة الحافلة، كانت السيّدة السورية تتملى تفاصيلها في ذهنها مع خلفيتها المبهمة، الحائلة الألوان. فجأة، قطعَ سيل أفكارها صورة " مسيو جاك "، وكان قد مضى زمنٌ مديد على زيارتها له في الضاحية. إذ جرى الحديث في الفيللا عن رسام فرنسيّ عجوز، بدأ في مساعدة زوجة ابنهم الموهوبة سواءً في بيع لوحاتها أو إعطائها نصائح مفيدة تتعلق بعملها. كانت " سميّة " هيَ من جاءت على ذكر الرجل، كون زوجها على معرفة قديمة به. فلما أنهت كلامها، هيمن على الصالة صمتٌ محمّل بمشاعر شتى، كانت الضيفة تتكهّن سراً بشيء منها على الأقل. وسط كل ذلك الجو من المجاملات، المخفي بين طياته ضغائن لا سبيل لمحوها، نأت ذكرى " الشريفة " عن ألسنة الحضور. لعل ذلك مرده وجود " خولة "، التي كانت آخر الحضور. لم يشاؤوا ثلمَ فرحتها بلقاء ابنتها المسكينة، بعد سنوات ثلاث من فقدان أثرها.
الصهر السعيد، " رفيق "، المندمج بجو النفاق منذ رضعَ من ثدي أمه حليبَ التقية، كان هناك إذاً بسحنته المتحفظة، الصفراء، متخذاً مظهراً متعالياً. دخلت غريمته الصالة، فأفسحوا لها مكاناً على كنبة مجاورة لمجلسه. بعدما فرغت الخانم من شرح ملابسات عثورها على ابنتهم، وما تبع ذلك من هرج عظيم، فإنها التفتت إلى " رفيق " فخاطبته بنبرة معتقة معادية: " تغيّر عليّ وجهك.. أهيَ المرة الأولى، أراك فيها بهذا الشارب؟ ". تحرك قليلاً تحفظه، تأثراً بتفاقم الشحوب في سحنته. لم يخفَ عليه سخريتها، طالما أن وجهه نما فيه لحية خفيفة حَسْب. إلا أنه تمكن من رسم ابتسامة على طرف شفتيه المسحوقتين، قبل أن يبرطم خللهما كلماته: " ربما هي المرة الأولى، ما يدريني. الضباط في الجيش العراقي، الذين يتفقدون صباحاً عساكرهم، يعاقبون كلّ مَن ترَكَ لحيته بدون حلاقة. ولكنني لا أعتقد أنك تفعلين ذلك مع المستخدمين لديك! ". انفجرت امرأته ضاحكة، هيَ من كانت مكشّرة منذ وقعت عيناها على الضيفة ومرافقتها. إذ لم يفتها ملاحظة رجلها، وكيف كان يرمق هيئةَ المرافقة بعينيه النهمتين. وكانت " سوسن خانم " قد عرّفته بمرافقتها، حالما مد لمصافحتها يدَهُ القوية والرطبة ـ كيد حفّار القبور.
" زين "، أحمرّت حتى أذنيها لما كان في ملاحظة الرجل من شطط يمسّها. معلمتها، المعروفة ببرودة الأعصاب، بادلت وقاحته بضحكة مقتضبة، متسامحة، قبل مبادرتها بالرد: " بالتأكيد لا أفعل ذلك، يا صديقي! وأعتقد أن ذكرياتك الحميمة، هيَ التي جعلتك تفكّر مؤخراً بالعودة إلى العراق؟ ". فلما قالت ذلك، فإنّ التكشيرة عادت لاحتلال سحنة امرأته. فيما " رفيق " بدَوره تلقى الوخزَ بابتسامة باردة، معقباً متفلسفاً: " المشرق، لم يعُد مكاناً صالحاً لعيش الإنسان الحر. لقد نقلت مشاريعي إلى هذه البلاد الجميلة، لأنّ الحياة صعبة في الغرب أيضاً بسبب العنصرية "
" لا تجربة لديّ في الغرب، كما تعلم. إلا أن أهل تلك البلاد، مثلما نمّ إليّ، يشكون من وطأة الضرائب المفروضة عليهم كي تتمكن الدولة من إعاشة الأجانب، العاطلين عن العمل "
" نعم، وهذا أيضاً شكلٌ من أشكال العنصرية لو تدرين. لأن النسبة الأكبر من العاطلين عن العمل هم أجانب، وذلك نتيجة إقصائهم وتفضيل مواطني البلد عليهم سواءً في الوظائف أو المصانع. أنا مثلاً، خريج كلية الحقوق في السوربون! لم أتمكن بعد تخرجي من العمل باختصاصي، مما أجبرني على دخول مجال الأشغال الحرة.. "، كذلك كان يتكلم الصهر العراقيّ حينَ أوقفه فجأة جلبة صادرة من الخارج. تلك كانت جلبة " خولة "، التي اقتحمت الصالة في اللحظة التالية، مهتاجة معولة.







#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سماءٌ منشقّة
- إلِكْترا: الفصل الثالث 2
- إلِكْترا: الفصل الثالث 1
- هيتشكوك المصريّ؛ مقاربة لأحد أفلامه
- إلِكْترا: الفصل الثاني 5
- إلِكْترا: الفصل الثاني 4
- إلِكْترا: الفصل الثاني 3
- إلِكْترا: الفصل الثاني 2
- إلِكْترا: الفصل الثاني 1
- إلِكْترا: الفصل الأول 5
- إلِكْترا: الفصل الأول 4
- إلِكْترا: الفصل الأول 3
- إلِكْترا: الفصل الأول 2
- إلكِتْرا: الفصل الأول 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 5


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إلِكْترا: الفصل الثالث 3