أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زكريا كردي - - قطة الحَجّة -














المزيد.....

- قطة الحَجّة -


زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)


الحوار المتمدن-العدد: 5661 - 2017 / 10 / 6 - 21:58
المحور: الادب والفن
    


كانتْ أمّي امرأة بسيطة ، أميّة لا تجيدُ القراءة ولا الكتابة ، وكانتْ تبدو لمن يسمعها وكأنها لا تحفظ من كل بيان اللغة العربية سوى عبارة " الحمد لله رب العالمين " ..
وذلك لكثرة ما تستعملها في الثناء والرجاء والقيام والقعود والنداء والدعاء والعلاج والشفاء ..
والغريب في الأمر ، أن دعائها كان يبدو دائما لكل من حولها - من أهلٍ وجيرةٍ - دعاءاً مصداقاً عذباً أكيداً مُستَجَاباً ..
وكانتْ – رحِمَها الله - تُلقي به على مسامع كلِّ منْ تلقاهُ وتخدمه أو تُساعده ، وكانت بذكائها العملي وحدسها المبدع ودون أية دراسة أو علم مُحكم ، تستولد النساء في حيّنا والأحياء المُجاورة مَجّاناً ، وتتذكر بشكل غريب اسم الوليد وأمه ، حتى وإن رأته بعد حين يافعاً ،
وكانت من مواهبها الفاعلة أن تقرأ على عُصوصِ الأطفال ، أو تَمسح بالزيتِ على سرّة المفتوق فيهم ، و من كانت شكواه الإمساك الشديد ، لقرطه البذر أو شيئاً آخر ، فكانت تدسُّ له - بلا تردد - ( تحميلة ) من قطعة صابون الغار ، وأمّا عن حال الاسهال ، فكان حلّها الحاضر له دائماً هو سفُّ الزعتر وأكل البطاطا المسلوقة ..
كانت لها قطة رقطاء تسمّيها " الحجة أمينة " ، تغسلها وتُطعمها وتتحدّث إليها ، و تستفقدها في غيابها ، وتمنحها كثيراً من اهتمامها وكأنها أحدنا ..
وأما نحن اهل البيت وجميع سكان الحي فكنّا نُسمّيها : " قطة الحجّة "
و كانت أمّي – رحمها الله - تمنعنا من أن نُضايقها بسلوك فظٍ ، أو نتعرّض لها بمكروهٍ أو نهرٍ أو تخويفٍ أو شقاوة حتى ولو خفيفة .. وتقول لنا دائماً : إياكم أنْ تؤذوا قلباً صامتاً أو كائناً ضعيفاً لا يعرف ردّ النطق عن نفسه ..
وعندما كان الجيران يسألونها عن سببِ التسميّة لقطتها بـ الحجّة ..
كانت تقول أنها قد حجّت عنها ذات يوم ، لكونها – أي أمي - امرأة فقيرة ومريضة ، ولا تستطع الذهاب للحج أو تطيق عنائه ، ولهذا فقد أرسلتها بدلاً عنها .. وهي تثق كل الثقة أن القطة " أمينة " قد وفت لما أودعت من أمانة..
وكنتُ إذا ما تذاكيتُ عليها بسماجة المُتفاصح الغرّ، وسألتها من فتات ما أعرف و هزيل ما أقرأ وأفهم ، مُبتغياً إحراج فهمها :
هناك يا أمّي في الدنيا كثير من اليهود والنصارى ، وآلاف مؤلفة من أتباع الأديان المُختلفة المتخالفة ، وهم ليسوا مثلكِ بمسلمين ويختلفون معك في الإيمان والإله والدّين ..
تردُّ عليَّ بكل طمأنينة وهدوءٍ باسمٍ وحنون قائلةً :
بيتُ الله - ياولدي - له باب واحد وحيد ، هو الحُب ومفتاحه الأوحد هو الرحمة ، والحب له مكان واحد هو القلب الرضي ، وكل من ذكرتَ من الخلق قلوبهم متشابهة في الحياة ومتماثلة في الحب ..
طهّر قلبك – يا ولدي - بالرضا عن نفسك أولاً ..
وأذْهبْ حزنَك بمحبة الناس وعونهم في الضيق والملمّات ثانياً..
وانشغل عن الناس مع الناس بما يجمع لا بما يمنع ثالثاً ..
واعلم أن الدّينَ غير الموشح بالرحمة بدعةٌ لا لبْسَ فيها رابعاً ..
يا بُني ، لا أحد يختلف - في قلبه - على حبِّ الله من كل الكائنات ، وهم - ان وجدت - يختلفونَ في اسم من لا اسم له إلا هو ..
وكلّ ما ترى من اختلاف وتنافر ، إنما هو في ظاهر اللسان وليس حقيقة ما وَقرَ في الخلد و الجنان ...
الناس تهوى التنوع لكثرته وجاذبية حركته ، وتهرب من موات التشابه لندرته وبهتان سكنته ..
يا بني ، كل ما ترى من زهور المحبة في الحياة ، انّما هي تختلف في ألوانها وحسب ، لكن مرواها ومبتداها ومنتهاها في أرض الوداد الواحدة .. سمّها روح الله إنْ شئت أو سمّها رحمته إن أن أردتْ ..ولكن اجعل يا ولدي نافذتك عليها القلب مباشرة .. وامدد بصرك إليها بالحب والعطاء والرحمة..
يا بني المؤمنون الحمقى هم الذين يتركون الله ويتقاتلون حول رسائله ..وهم بذلك ، كالعقل الجهول الذي أعياه الكبر و أعدمت وسائله الغايات الفانية وقصر النظر..
و هؤلاء هم أنفسهم المؤمنون العُمْي ، الذين يَحْسبونَ أنَّ الربَّ يقف بجلالته إلى جانب أهوائهم فقط .. دونٍ عن العالمين ..
إنه ربُّ العالمين يا ولدي .. وليس ربُّ المسلمين وحسب
رحم الله أمّي فقد علمتني أنّ الإنسان حقاً فقط ، هو من يعرف الدَيّان ..
أما عن قطتها " القطة الحجة أمينة " فقد اختفتْ بعد موتها بيومٍ واحدٍ .. وتفرّقت منا الأسرَة .. وباتَ كلٌ فينا يعملُ على شاكلتهِ ..
وربما للحديث بقية ..



#زكريا_كردي (هاشتاغ)       Zakaria_Kurdi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا هيغل ..؟! (2)
- لماذا هيغل ..؟!
- الداعشية فكر في الدرجة الاولى ( 3 )
- قصائد - الغرق - عدَمية مُلفتة للنظر
- قراءة في ديوان ( قهوتي والتتار وأنت )
- دعوة للكتابة..
- هلوسات فكرية ..( 3 )
- عقول جلدية مُعارضة ..!
- بلى ، نحن مختلفون ..
- أفكار بسيطة حول مفهوم الدولة ..(5)
- أفكار بسيطة حول مفهوم الدولة ..(4)
- هلوسات فكرية..(2)
- - أدونيس - الثائر السوري الحقيقي
- أزمَةُ أفهَام لا أزمَة حُكّام ..
- لعنة الماضي ..
- ملاحظات على هامش كتاب - الدّين في حدود مُجرّد العقل - (3)
- ملاحظات على هامش كتاب - الدّين في حدود مُجرّد العقل- (2)
- ملاحظات على هامش كتاب - الدّين في حدود مُجرّد العقل (1)
- التَقَيّةُ الفلسفية عند كانط ..
- الإنسانية ودينُ المُسْتقبل


المزيد.....




- سرقة موسيقى غير منشورة لبيونسيه من سيارة مستأجرة لمصمم رقصات ...
- إضاءة على أدب -اليوتوبيا-.. مسرحية الإنسان الآلي نموذجا
- كأنها خرجت من فيلم خيالي..مصري يوثق بوابة جليدية قبل زوالها ...
- من القبعات إلى المناظير.. كيف تُجسِّد الأزياء جوهر الشخصيات ...
- الواحات المغربية تحت ضغط التغير المناخي.. جفاف وتدهور بيئي ي ...
- يحقق أرباح غير متوقعة إطلاقًا .. ايرادات فيلم احمد واحمد بطو ...
- الإسهامات العربية في علم الآثار
- -واليتم رزق بعضه وذكاء-.. كيف تفنن الشعراء في تناول مفهوم ال ...
- “العلمية والأدبية”.. خطوات الاستعلام عن نتيجة الثانوية العام ...
- تنسيق كلية الهندسة 2025 لخريجي الدبلومات الفنية “توقعات”


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زكريا كردي - - قطة الحَجّة -