وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 5617 - 2017 / 8 / 22 - 14:11
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
صراع الهويات :الجواري والغلمان نموذجا
فكرة المقال ماخوذة من كتاب الباحثة الدكتورة وفاء الدريسي المعنون (الجواري والغلمان في الثقافة الاسلامية : مقاربة جندرية )- ط1 -2016 –الناشر:مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع – المغرب – الرباط و بيروت – لبنان .
الكتاب في الاصل كان اطرحة دكتوراه اشرفت عليها الدكتورة امال القرامي في العام 2012 ,ويتضمن المقال وجهة نظري النقدية والعلاقة بين الماضي والحاضر في صراع الهويات .
الجندر كمقولة ثقافية تاريخية تقوم على التمييز بين الجنس باعتباره معطا بيولوجيا وبين الجندر وهو البناء الثقافي والاجتماعي للجنس,اي ان الجندر هو الجسد الذي صنعته الثقافة واوامر الثقافة واللاوعي وهي تملي لغة الجنس وتعريفه للجسد الانثوي واختلافه عن الجسد الذكوري.
لذا انطلقت المقاربات الجندرية , كما تقول الدكتورة وفاء الدريسي ,في سبعينات القرن الماضي وتفرعت عنها الدراسات النسوية التي كانت تسعى الى الكشف عن موقع المراة وتغيير ادوارها في المجتمع . وكانت الدراسات الجندرية قد بحثت الصلة بين (تاريخ النساء)الذي نشا كرد فعل على التاريخ العام الذي كان مقصورا على الرجال ,الا انه بمرور الزمن ادركت الباحثات المنتميات الى المدرسة الانجلو سكسونية ضرورة الاستعانة بمقاربة تشمل الذكورة والانوثة بالدرس والتحليل .
وتبين للباحثات والباحثين ان المشكل الاجتماعي لاينطلق من الرجل او المراة , بل من كل من الرجل والمراة معا,وفي العلاقة بينهما .كثرت التساؤلات حول اسباب الاختلاف بين الجنسين وتعددت الابحاث التي تحاول فهمها .فنشات الدراسات الجندرية لتقديم الاجابات وحل الاشكالات التي طالما شغلت المؤرخين وعلماء النفس وعلماء الاجتماع والانثروبولوجيين .
وتوصل الباحثون الى ان المقاربة الجندرية قائمة على ضرورة التمييز بين الاختلاف البيولوجي (الجنس )sex والعوامل الاجتماعية والثقافية المولدة للاختلاف,اي الجندر Gender .وهذا الاختلاف الثقافي والاجتماعي هو الذي يصنع كلا من الذكورة والانوثة ويميزهما بتعريفات يجب ان يخضع لها الانسان ليصير الذكر ذكرا , والانثى انثى . فعملية (الجندرة), كما تقول وفاء الدريسي هي (خلق اختلافات غير طبيعية ولا بيولوجية بين الذكر والانثى ).
تطرقت الباحثة الدكتورة آمال قرامي في اطروحتها (ظاهرة الاختلاف في الحضارة العربية الاسلامية : الاسباب والدلالات )الى دور (الجندر )في تكريس الفوارق بين العبيد والاحرار ودرست الاصناف الجندرية من مترجلة ولوطي ومساحقة وغيرها ..والى هذه الاجناس ينتمي العديد من العبيد ذكورا واناثا .
ان دراسة ظاهرة الجواري والغلمان تشير الى عديد من المجموعات البشرية الذين فقدوا علاقتهم باوطانهم الاصليةولم يقدروا على الاندماج كليا في مجتمع الاغتراب الجديد .الكتاب يبحث في وضعيات عبيد اخرجوا من محيطهم الاصلي لينتقلوا الى بيئة اخرى متباينة اشد التباين , جلب العبيد معهم عاداتهم وثقافاتهم وتم دمجها بعادات وثقافات بلاد الاغتراب , وهذا ما افقدهم الكثير من خصوصياتهم لينصهروا في المجتمع الجديد بعدما اثروا فيه وتاثروا به.
ان عالم الجواري والغلمان اقليات عرقية واثنية شاركوا في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.من يدرس الحضارة العباسية يعرف مدى تاثير الموالي على الاسلام ,انه اعادة تصنيع للاسلام بنسخة ثقافية جديدة , ونعرف تاثير الموالي الفرس وغيرها من الاعراق والاثنيات .فاغلب كتب الحديث والتراث والفقه الاسلامي كتبها الموالي من غير العرب وضمنوها عاداتهم وثقافاتهم . وان كان العرب المسلمون انتصروا على هذه الشعوب والاقوام ,الا ان هذه الاقوام انتصرت على الاسلام العربي بحضارتهم وثقافتهم وتقاليدهم وانتجوا لنا مجموعة اسلامات مختلفة .
تكمن اهمية موضوع الجواري والغلمان بعلاقتا بمشكلات العالم المعاصر من استعمار,وصراع الهوية ,الصراع بين دول الشمال الغنية ودول الجنوب الفقيرة ,والصراعات العرقية والاثنية والدينية والطائفية والقبلية والعشائرية .كما نشهداليوم تفاقم مشكلات شحة المياه الصالح للشرب وللحياة وتصحر الاراضي خصوصا في افريقيا وازدياد البطالة مما ادى الى هجرات مليونية عبر البحر الى دول اوربا حاملين معهم ثقافاتهم وتقاليدهم الجندرية وسلوكياتهم ودياناتهم .ان الحروب الاقليمية والمحلية في الشرق الاوسط مثل الحرب في سوريا والعراق ادت الى التهجير القسري لاعداد كبيرة من السكان وهجرة اعداد كبيرة اخرى برغبتهم وخسارة العراق وسوريا للكفاءات العلمية والبشرية والاكاديمية والاقتصادية .
تضمنت الحروب الداخلية التغيير الديموغرافي ,فمثلا في العراق تتبع الحكومة مضمون الدستور الجديد القائم على ازدواجية الجنسية وبالتالي يمكن في غضون عقدين من الزمن ان تتحول الجالية الهندية في العراق,على سبيل المثال, الى اغلبية وتطالب بحق تقرير المصير والانفصال عن العراق والاندماج بالهند عن طريق الكونفدرالية.
سوق الجواري والغلمان
كان الجواري والغلمان يعرضون في اسواق خاصة للبيع , ولا تستبعد الباحثة تعرض الغلمان للجس والتقليب بغية التاكد من سلامة بنيتهم الجسدية .ولئن غاب الحديث في المصادر العربية عن كيفية شراء الغلمان المخصصين للمتعة ,فلانه امر مخدش للحياء وللضمير الجمعي .اذ يمكن ان يتغاضى الذين ينظرون الى المجتمع عن اعتبار هذا الصنف من الرجال بضاعة , لكنهم لايسمحون بان يصير موضوع تقليب مفضوح لقضاء الشهوة .
في الجانب الاخر الح الصحابة والفقهاء على ان الجارية بضاعة يحل مسها وجسها وتقليبها .راى ابن عباس ومجاهد (جمعا قد اجتمعوا على جارية يقلبونها ,فلما راوا ابن عمر تنحوا وقالوا :ابن عمر قد جاء ,فدنا منها ابن عمر ,فلمس شيئا من جسدها , وقال :
( اين اصحاب هذه الجارية ,انما هي سلعة ).يرجع التركيز على تقليب الجواري مقابل الاكتفاء بالاشارة الى تقليب الغلمان الى مافي العملية الاولى من بعد جنساني واضح وشرعي , والى الحرج الذي يسببه الحديث عن الجنسانية المثلية في الحالة الثانية.
لهذا شاءت المصادر ان تركز على تقليب الانثى اكثر من تقليب الذكرلما لهذه العمليةمن علاقة وطيدة بالجنسانية .الظاهر ان هذا التقليب فتح الباب واسعاامام النخاسين لممارسة اصناف من الغش تختلف باختلاف الجنسين وتسمح لهم بالترويج لبضاعتهم .لقد تفنن النخاسون في تزيين بضاعتهم مستعينيين بوصفات لتغيير لون الشعر ونوعه ولون العينين والبشرة . وتحكموا بواسطتها في الشكل الجسدي للجارية ليجعلوها ملائمة للذوق الجماعي للمتلقي.
وهكذا يجري تصنيع التانيث بواسطة الاصباغ والملابس والحركات ويجري اخضاع الجنس لشروط الثقافة .من هذا المنظور يمكننا فهم اسباب تركيز الغش على الجواري دون الغلمان انهن صناعة وتجارة في الوقت عينه ,ولابد للموضوع من صانع , وثمة فرق بين الذكر الصانع ممثل الثقافة وبين الانثى ممثلة الطبيعة والقابلة للتطويع .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟