عماد عبد اللطيف سالم
الحوار المتمدن-العدد: 5379 - 2016 / 12 / 22 - 21:57
المحور:
الادارة و الاقتصاد
عندما لا تكفي الايرادات لتغطية النفقات ، ودفع الرواتب
الموظّفّون في القطاع الحكومي ، ومنهم الأساتذة الجامعيّون ، و من بينهم أساتذة الاقتصاد بفروعه المختلفة على وجه التحديد (وأنا ما زلتُ أعتبرُ نفسي واحداً منهم) ، يعرفونَ جيداً أن ايرادات الموازنة العامة الشهرية ، لا تكفي حاليّاً لتغطية نصف النفقات العامة الشهرية . وأنّ هذه الايرادات لا تكفي إلاّ لتغطية ثلثي الرواتب والأجور الشهرية للموظفين والمتقاعدين . ويعرف هؤلاء الموظفّون ، بما فيهم المتخصّصون بالاقتصاد ، كما يعرفُ المتقاعدون من الاقتصاديين (وأنا قد اصبحتُ واحداً منهم) ، كيف تقوم الحكومة بتغطية هذا العجز . ويعرفون أيضاً أننا قد نصلُ (مع استمرار هذا الوضع) ، الى مرحلةٍ قد تعجزُ فيها الحكومة ، حتّى عن دفع الرواتب .
ومع بقاء اسعار النفط ضمن معدّلاتها الحاليّة ، و تآكل احتياطيات النقد الأجنبي ، فإنّنا جميعاً نعرف ، بأنّنا قد نصلُ (بأسرع مما نتصوّر) الى مرحلةٍ لن نستلم فيها رواتبنا التي تعوّدْنا عليها ، أو أنّنا قد لا نستلم أيّة رواتبَ اصلاً .. أو أنّ الدولة ستتحاشى "شرّنا" المباشر ، و تلجأ الى "شَرِّها" المالي والنقدي غير المباشر ، وتستخدم معنا سياسة النقد الرخيص ، وتجعلنا ندفع ثمناً باهضاً لذلك . ثمناً شبيهاً بتلك الأثمان التي دفعناها في حقبة التسعينيات المظلمة ، من القرن البائد.
غير أنّ المشكلة الكبرى التي تواجهها الحكومة العراقية ، في سعيها لتطبيق اجراءات تقشّف صارمة ذات صلة بأزمتها الماليّة الخانقة .. هي مشكلة قناعة العراقيّين الراسخة ، وايمانهم الذي لا يتزعزع (كلّهم دون استثناء ، وعلى اختلاف فئاتهم الاجتماعيّة ، ومستوى تعليمهم) ، بأنّ "مؤسّسة" الفساد العراقية المتراميّة الأطراف ، والمتعدّدة الأوجهِ والأذرع والأبعاد .. هي مؤسّسة تدافع بشراسة عن حجم ، ونوع ، امتيازاتها وغنائمها الشاسعة ، ولا تقبلُ أبداً بتقليصها ، أو بالنَيْل منها . وهي "مؤسّسة" مُعفاة من الضرائب والرسوم والاستقطاعات ، مع أنّها "مؤسّسة" تستحوذ على أكبر حصّة ممكنة من الفائض الاقتصادي "الريعي" ، القابل للتوزيع .
أمّا المشكلة الأكبر من مشكلة قناعة العراقيين الراسخة بما سبق ذكره ، فهي اعتقاد العراقيّين الراسخ ، بأن "الفاسدين" أنفُسَهُم ، هُم الذين يعملون على تمرير هذه السياسات التقشفيّة . وهُم الذين يمنحون الحكومة شرعية تطبيقها ، وبالذات على غير الفاسدين من الموظّفين الطيّبين ، وعلى المتقاعدين المساكين ، وعلى غيرهم من عباد الله الصالحين .
و استناداً لهذه المُقاربة ، وبناءاً على هذا الادراك ، فانّ هؤلاء جميعاً يرفضون التنازل عن دينارٍ واحدٍ من "حقوقهم المُكتسبة " للحكومة المغلوبة على امرها ، بين مطرقة هذا ، و سندان ذاك .
ولـ "الدولة" العراقية في "خَلْقِها" ، وبما جنتهُ على نفسها بيدِها .. و في قناعات مواطنيها .. شؤونٌ ، و شجون .
أعانها الله ، وأعاننا ، على رفع هذه الغمّة ، عن هذه الأمّة .
آمين .
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟