أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الأول من الرواية: ب / 3















المزيد.....

الجزء الأول من الرواية: ب / 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5319 - 2016 / 10 / 20 - 22:03
المحور: الادب والفن
    


الزمن، هوَ من يتغيّر. ولكن المكان ثابتٌ وقلّما يتحرك؛ كأن يكن بفعل زلزال مثلاً.
لقد وجدّتني في مراكش، في مكان لم أختره ولا حتى كنتُ لأفكّر قبلاً بوجوده. مثلما سلَفَ القول، فإنّ وجهتي كانت ستوكهولم. إنها مقصدُ كل الحالمين برؤية فردوس الله على الأرض، وخصوصاً المسلم الصالح، الهارب من جحيم أرضه الطاهرة والمقدسة. تسللتُ إلى ذلك الفردوس الموعود إذاً، مزوّداً بجواز سفر يوناني مزوّر، حصلتُ عليه في أثينا من قبل المهرّبين. كنتُ قد جئتُ إلى ستوكهولم، مُحمّلآ بالآمال الكبيرة. إلا أنّ للفردوس الأرضيّ شروطه، والتي لا تقلّ تطلّباً عن مثيله السماويّ. فما أن هممتُ بعبور الصراط، وصولاً إلى بوابة جنتي المأمولة، حتى هويتُ من علٍ مُجللاً بوصمة كوني كردياً بلا أوراق شخصية رسمية. على أنّ حراس الفردوس، وكانوا جدّ لطيفين ومهذبين، تلقفوني فيما كنتُ أتقلب في فضاء اليأس. فعلوا ذلك، لكي يفسحوا لي الطريقَ إلى وجهة أخرى في ملكوت الله: مراكش.
حينَ عدّتُ ثانيةً إلى الفردوس بعد نحو ثلاثة أعوام ( الزمن يتغيّر ثمة أيضاً! )، رأيتني مُحمّلاً بأوزار مدينة آثمة شبيهة بسدوم*. ولكنني للحق، لم أعرف سبباً لعودتي إلى ستوكهولم. لعل دافعي الوحيد، هوَ استعادة التجربة المراكشية على الورق.. أي استعادتها عن بُعد مناسب، في جوّ ملائم للكتابة. وهأنذا أفعل ذلك الآن، تحت أنظار " تينا " المواربة. كونها من مريدي " دستويفسكي "، مثلي سواءً بسواء، فقد ذكرتُ لها ذات مرة قوله: " أنا أكتبُ، كي لا أصاب بالجنون! ". وربما كان لديّ الدافع نفسه للكتابة، أو أنّ الأمرَ أكثر إلتباساً ـ كما ساعة الغسق هذه، حيث أشعة الشمس تسقطُ بأتونها على هامات الأشجار الصنوبرية السامقة، المتبدية خِلَل نافذة حجرتنا الوحيدة: هنا في الفردوس الأرضيّ، المحكوم بالوحدة والكآبة، يتمدد النهارُ صيفاً على حساب الليل.
صديقتي، تتمددُ بدَورها على السرير الحديديّ وهيَ محوّطة كما المألوف بأعداد قديمة من مجلة انكليزية مُتخصصة بالسينما. هذا السرير، دأبَ على إصدار أزيزٍ مُزعج عندما نتقلّب عليه ملتحمَي الجسدَيْن. وإنها جارتنا العجوز، الثرثارة واللجوجة، من أشتكت مرات عدّة من صدى الأزيز. كانت تفعل ذلك بلباقة، حين تكلّم " تينا ". أما معي، فإنها بالكاد تردّ على تحيّتي. لقد وددتُ لو أنها تكلمت معي، لكي أجيبها بالقول: " عادةً، فإنّ حاسة الشمّ هيَ من تشتد عندما يتقدّم الانسان بالعُمر وليسَ السمع. فلو أنك كففتِ عن إلصاق أذنك بالجدار، فلن تسمعي صوتَ السرير وهوَ يئنُ: زيق، زيق، زيق..! ".
في ستوكهولم، كان عليّ استعادة مراكش، وكما لو أنّ الأولى هيَ مكانٌ للذكرى حَسْب. وإنني أفكّر في الفردوس الآخر، السماويّ، وما إذا كان أيضاً سيثير السأمَ برتابته. هنا وهناك، لا يفعل المرءُ شيئاً غير الأكل والشرب والنكاح. إلا أنّ السرير، ثمة في السمَوات العلى، لن يكون حديدياً بحيث يُزعج بأزيزه عجوزاً ممحونة. ما أن أنتهيتُ من تسجيل هذه الفكرة الأخيرة، الخرقاء، إلا وصورة " الحيزبون " تقتحمُ المشهدَ. أتكلّمُ عن والدة " الشريفة "، المُستحقة ذلك اللقب مع كونها لم تنهِ بعدُ عقدَها الرابع. إنها من قبيل الحشرات الطفيلية، اللواتي وُجدنَ لحكمة إلهية تفترضُ أنه من المحال على الإنسان التمتع بحياته دونَ منغصات. شعرها الأحمر ( وكان طبيعياً كما تزعم ابنتها )، يمكن أن يكون أكثر ما يلفت نظر المرء مع تينك العينين المقدودتين من فحم الجحيم. كوني أتكلّم عن وهلة لقائي الأول بهذه المرأة، فلا بدّ أن أشير أيضاً إلى هَجْسي لاحقاً بأنّ الإنتفاخ تحت كلّ من عينيها إنما عائدٌ إلى إدمانها على أنواع من المخدرات الشعبية كالكيف والمعجون. منذئذٍ، أعتدتُ على حركاتها كذلك. كأن تجلس قبالتي على الأريكة، فيما قدماها العاريتان تتململان بطريقة تذكّر بطفلٍ يُعاند حاجته للتبوّل. أعتقدُ أنّ الرعبَ أستولى على شقيقتي، حينَ سعتْ مرةً للقائي في منزل الحيزبون، وأنها في سيرتها المكتوبة منحتها لقباً آخر؛ " الساحرة! ".
مهما تكن هذه المرأة، فإنني مدينٌ لها ولا مِراء طالما أنّ منزلها كان المأوى الوحيد لي وأسرتي الصغيرة في وقتٍ صعب. مع أنّ " الشريفة " هيَ من كانت تملك المنزل، ومن سبقَ وتكفلت مصاريفَ ترميمه وفرشه بعناية وبذخ. ولكننا كنا بلا أيّ مورد، آن انتقالنا للإقامة لدى الوالدة. كانت هذه تعيشُ وحيدةً مع ابنٍ صغير، معاق ذهنياً، بالكاد يبلغ العاشرة من عمره. كان صبياً حلوَ السحنة، نضراً وذاخراً بالحياة، وكان فيه شبه كبير لشقيقته الوحيدة من ناحية القسمات الدقيقة وبهاء البشرة. إلا أنّ شقيقته لم تكن لطيفة معه دائماً، وبخاصة في فترة إقامتنا الأولى ثمة. كانت تُبعده بطريقة فظة، ولم تكن أمها تتحرّج من تشجيعها بالقول: " إنه يحدّق بالجنين من خلال بطنكِ، وهذا أمرٌ سيء! ". هكذا إعتقادّ إعتباطيّ، كان شائعاً بقوّة لدى العامة مع كمّ وافر من الخرافات الأخرى. فأنّما نقّلتَ عينيكَ على بسطات الرصيف أو الأكشاك في مراكش، ستلحظ كمية كبيرة من كراريس فكّ السحر وتجنّب الجنّ ووصفات الطلاسم والأحاجي والتعازيم.
المنزل، كان يقع في ضاحية الحميدية على طريق فاس، غير بعيدٍ عن مركز مدينة مراكش بأكثر من عشر دقائق بالسيارة. ويظهر الأساسُ القرويّ للضاحية من خلال توزيع بيوتها، المشكّل كلّ منها ما يُشبه الدوّار*. على أنّ أبنية حديثة كانت قد انتصبت مؤخراً، فضلاً عن فيللات يملكها أجانب من فرنسيين وأضرابهم. يتعيّن عليّ ألا أنسى الإشارة إلى أمرٍ، قد يكون لنا شأنٌ معه في سياق هذه السيرة: إنّ قصراً مُعتبراً، كان يقوم في مفرق الطريق العام المؤدي للحميدية. كان يبدو عن بُعد وسط مزرعة في غاية الإتساع، مُغلّفاً بالغموض والألغاز. ثمة، كانت تعيشُ " للّا عفيفة * "؛ وهيَ امرأة يتّصل نسبها بالأسرة العلوية المالكة. كان من الصعب معرفة عُمر الأميرة، فتارة تبدو صبيّة وتارة أخرى يتهيأ لكَ أنها تجاوزت سنّ الشباب. على أنّ كلّ شيءٍ يتعلق بها، كان مُحاطاً أيضاً بالتكتّم. على ذلك، لم يكن بالغريب أن تنتشر الأقاويل بين الخلق عن سيرة الأميرة، وبوجهٍ خاص علاقتها مع خدمها وطريقة تعاملها معهم. الحيزبون، حدّثتني بنفسها حكاية عن إحدى خادمات القصر. لم يكن هناك مناسبة للحديث، سوى أن " الشريفة " تباهت ذات مساء أمام والدتها، بأنني كنتُ فيما مضى أعرفُ صاحبة القصر وزرتها ثمة أكثر من مرة.
الحكاية، وعلى الرغم من أنها قد تكون خيالية، فإنها تلقي الضوءَ عموماً على إعتقادات الرعية ونظرتهم لأفراد العائلة العلوية. الشيء المُحقق في الحكاية، هوَ استهلالها بأنّ العادة جرت أن يعترضَ بعضُ العامّة موكبَ أحد أولئك العلويين وهوَ يرفع بيديه ابنته الصغيرة: " إنها منذورة لخدمتكم..! "، يقولها بحماس. لقد قُبلت الهدية، وهيَ ذي الابنة تُلحق بمدرسة ضمن أسوار القصر تناسب عُمرها ولحين أن تكشف مستوى ذكاءها ومسلكها. في الأثناء، بقيَ إتصالها مع والديها من خلال زيارات مُتباعدة بمناسبات الأعياد الدينية. ثم مرت الأعوام، وأضحت الإبنة من مرافقات الأميرة. كان كتمان أسرار القصر وأهله، من أولى واجبات المرافقة وأيضاً كل من يخدم ثمة. على أنّ تلك الفتاة، لسوء فألها، كانت مُبتلية بلسان ثرثار. هكذا بدأت الأسرارُ تُفشى من خلال تلك الزيارات الدورية أو أيّ سبيل آخر. إلى أن كان موعدُ إحدى الزيارات، ليروّع كلا الوالدين بمنظر ابنته وكأنما إنقلبت إلى مخلوقة متوحّشة هيئةً وملامحَ. قيل للوالدين، أنّ مسّاً أصاب الفتاة وأنهم في القصر لم يعودوا بحاجة لخدماتها.
.............................................

* سدوم، مدينة ملعونة ذكرت في التوراة
* الدوّار، منزل ريفي محاط ببستان أو مزرعة
* للّا، لقب إحترام للمرأة يُماثل " الخانم "











#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزء الأول من الرواية: ب / 2
- الجزء الأول من الرواية: ب / 1
- الجزء الأول من الرواية: أ / 3
- الجزء الأول من الرواية: أ / 2
- الجزء الأول من الرواية: أ / 1
- الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 3
- الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 2
- الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 1
- غرناطة الثانية
- الرواية: ملحق
- خاتمة بقلم المحقق: 6
- خاتمة بقلم المحقق: 5
- خاتمة بقلم المحقق: 4
- خاتمة بقلم المحقق: 3
- خاتمة بقلم المحقق: 2
- خاتمة بقلم المحقق: 1
- سيرَة أُخرى 41
- الفصل السادس من الرواية: 7
- الفصل السادس من الرواية: 6
- الفصل السادس من الرواية: 5


المزيد.....




- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الأول من الرواية: ب / 3