أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قاسم حسن محاجنة - توقف الذاكرة ..














المزيد.....

توقف الذاكرة ..


قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا


الحوار المتمدن-العدد: 5178 - 2016 / 5 / 30 - 18:01
المحور: الادب والفن
    


توقف الذاكرة ..
تنويه: هاتان قصتان حقيقيتان ،عرفتُ شخصياتهما حق المعرفة ..
القصة الأولى .
أبو جميل ، أو بلقبه الأكثر شهرة ، أبو الشوارب ،وذلك لأنه كان يحمل على وجهه الصغير شاربين كبيرين معقوفين الى الأعلى، مُنذ أن نبت له شعر فوق شفته العليا ، وكان يعتز بهما أيما إعتزاز .. وكان يمسدهما طيلة الوقت .. فأصبح الشاربان علامته المميزة في قريته ..
وربطت عائلتنا به علاقة مصاهرة، فهو متزوج من عمتي حليمة .. كان يعمل جمالّا ،ينقل على ظهور جمليه الأحمال مقابل أجر معلوم .
كان يُحب التأنق ويعتني بمظهره كثيراً ، وكان لا يخرج من البيت إلا بكامل عدته وعتاده ، ومن بين عتاده الشهير ،كانت علبة الدخان العربي وموسى حادة مطوية ..
وابو جميل عُمِرّ طويلا ،حتى أنه جاوز التسعين من العمر ، ولم يُقعده الكبر ، فقد حافظ على صحته ورشاقته ،إذ كان "دبّيكاً"* مشهورا ، ولم يمر عرس إلّا وكان على رأس الدبكة التي يُصاحبها المزمار أو الشبابة .
في نهايات عُمره ،علمنا بأنه قد فقد ذاكرته ، فذهبتُ معية أخوتي الكبار لزيارته والإطمئنان عليه ، فقد توفيت عمتي قبله ، مما أدى الى التخفيف من زيارتنا لبيته ..
-هل تعرف من هؤلاء؟ خاطبه إبنه البكر جميل ..
-نعم إنهم أبناء حسن !! أجاب بكل ثقة .
وحسن هذا هو أبي ، الذي توفي ولمّا يبلغ السبعين من عُمره ، وكان قد مضى على وفاته ، وقت زيارتنا لأبي جميل ، أكثر من عقدين من الزمان ..
تبادلنا أطراف الحديث مع جميل وأبيه ، وفجأة :
-لماذا لم يأت أبوكم معكم .. أريد أن أراه ، فمنذ أن هُجّرنا من البلد لم يدخل بيتنا هذا ولا مرة ..!!
وكان قد مرّ على التهجير ستة عقود كاملة ...
نسي أبو جميل كل شيء، إلّا التهجير ..
خُيّل إليّ حينها ،بأن ذاكرته قد توقفت هناك ..
القصة الثانية :
أبو أحمد ، إبن بلدنا الأصلية ، وهي قرية الكفرين ، من قُرى قضاء حيفا ،أيام الإنتداب البريطاني ... وأهل البلد الواحد "يحنون" على بعضهم في "الغُربة " ، ومع تهجير قريتنا ، زالت الحمائل وأختفت الصراعات ما بينها ، وأصبح أهل القرية "عائلة" واحدة ..
وأبو أحمد هذا ، لم يُرزق بأحمد ، وإنما هو إسم حمله ،على أمل أن يأتي أحمد .. لكن السنين تمر .. وشاخ وشاخت زوجته.. فقررت أن تزوجه وتختار له الزوجة بطريقتها ..
-لماذا بعد كل هذه السنين ،سعيتِ في تزويج أبي أحمد ؟ سألتها ..
-أن يرثه أولاده خيرا من أن يرثه أبناء أخوته ..!! أجابتني إجابة "مُفحمة " ..
عمل أبو أحمد طيلة حياته في التهريب ، كان يعبر الحدود خلسة إلى الطرف الأخر "حي العرب"* ،كما كان يقول كبار السن، يُهّرب تارة اقمشة ، وتارة مواشي وكل شيء قابل للتهريب ، من هناك، ويعود بها الى داخل القرية العربية الواقعة في اسرائيل ، بعد النكبة ..
وكانت مهنة التهريب من أشد المهن خطراً ، فمن يُلقى عليه القبض يُسجن فترات طويلة والذي يحاول الهرب ،يُردى قتيلا برصاص حرس الحدود ..
وتمر السنون ، وتختفي الحدود ، ويتزوج أبو أحمد بسيدة من خلف الحدود ،ليُرزق بولد أسماه محمدا.
وذات يوم صادفته في الطريق ، وبعد التحية والسلام ،

-وين عباب الله ؟ أي الى اين أنت ذاهب ؟ سألتُه ..
-إلى البيت ... أجابني بكل ثقة ..
لكنه كان يسير بالإتجاه المعاكس لوجهة بيته ، وكان قد ابتعد كثير عن بيته...
-لكن الطريق ليست من هنا ...!! قلتُ مستغرباَ

-بلى فالطريق الى الكفرين من هنا .. سأسير على الأقدام وسأصل قبل غروب الشمس ..
استوقفتُ سيارة وأوصلته الى بيته ..فشكرتني زوجتاه ..
-يُغافلنا ويخرج من البيت ، للذهاب الى البلد التي هُجّر منها .. يقول الأطباء بأنه يعاني من الألتسهايمر ..فهو لا يتذكر أسماء بناته ، لكنه يتذكر البلد فقط .. وحياته في البلد ..



#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجيل الثالث يقرأ.. في تل السمك .
- حقوق اللاجئين : مساهمة في الحوار مع الاستاذ عبدالله أبو شرخ.
- مفاهيم -عديدة- للثورة ..!!
- مبروك لكتاب وقراء الحوار المتمدن.
- بين العِظة والعَظَّة ..
- تداعي الذكريات ..!!
- دولة قومية ،إثنية وأرثوذكسية ..
- الدونكيشوتية في -محاربة- الأديان ..
- ذكرى الهولوكوست ..
- لا أراكم الله مكروها بعزيز ..
- ضيقٌ في الصدر .
- طبقتان عاملتان ..؟!
- ثقافة الثأر..
- أيها الموت، تباً لك ..!!
- شتائم نمطية ..
- غاندي الاسرائيلي ..
- شهر واحد يا استاذ أفنان؟!
- الحلم وشظاياه ..تداعيات على مقال الاستاذ افنان القاسم
- اللغة والثقافة .
- حقاً لماذا.. لا يحصل العرب على نوبل ؟!


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قاسم حسن محاجنة - توقف الذاكرة ..