أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 17














المزيد.....

سيرَة أُخرى 17


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5079 - 2016 / 2 / 19 - 02:57
المحور: الادب والفن
    


1
في مراكش الحديثة، كأنما الحدائقُ ليستْ عنصراً ملحقاً بالعمارة بل هيَ أساسُها وهدفُها. فأحياء المدينة، الواقعة خارج الأسوار، كانت فيما مضى عَرَصاتٍ شاسعة، ذاخرة بالنخيل وغيره من الأشجار المثمرة فضلاً عن خمائل الأزهار من كلّ ضَرْبٍ. تنبثقُ الأبنية ثمّة، فيلات أو عمارات، متماهية مع ما يحيطها من أشجار وأجَمَات. فكما لو أنها أزهارٌ من حجرٍ يغلبُ عليها اللون الأحمر، المائل إلى البنيّ. إنه لون التربة المراكشية، المُعَدَّة مثالية للأغراس المُستنبتة والبرية على حدّ سواء. ترّاسات وشرفات الأبنية نفسها، لا يكاد أحدُها يخلو من شجيراتٍ مثمرة وتعريشاتٍ مزهرة وأحواضٍ زاهية. حتى منائر المساجد، المنيفة، فإنها تناطِحُ رؤوسَ النخيل الأكثر علواً.
المرءُ الزائر، الخارج من أحد أبواب المدينة القديمة، سيجدُ أسوارَها مطوّقةً بحدائق بديعة، حافلة بشتى الأشجار المثمرة علاوة على الخمائل المزدهية بأصناف الورود والرياحين. يسيرُ باتجاه الأحياء الحديثة، مثل " غيليز " و" الرويضات "، مُكتنفاً دوماً بأفياء الأشجار. أرصفةٌ من برتقال، جدرانٌ من زيتون، أنصابٌ من بلح. واحاتٌ مصغَّرة، متناثرة بين العمارات، تعانقُ حدائقَها الخارجية والداخلية. برك المياه بنوافيرها، تبدو كأنها بدائلٌ عن سواقي الزمن الآفل. على الرغم من كلّ هذا الإخضرار والإزهار، فإنّ مزيداً من الحدائق تظهرُ كلّ آونة لعينيّ المرء. " جنان الحارثي "، استحقّتْ ولاشك صِفَتَها. في مركزها، تنهضُ عمارةٌ على شكل قصرٍ تقليديّ، مُشرفةٍ على منظرة عالية تطلّ بدَورها على قناةٍ مشكوكةٍ بعدد من النوافير الفاتنة. ثمّة، داخل ذلك المكان الشبيه بقصر، تتآلفُ أزهارُ عرائش المجنونة مع فتيَةٍ من الجنسين؛ عشاقٍ من سليلي ليلى والمجنون.

2
حينما سافرتُ إلى المغرب لأول مرة، كان قد مضى عقدان كاملان على وجودي في أوروبة. لحُسن الحظ، كانت إقامتي في هذا البلد الجميل محصورة كلها بمراكش، علاوة طبعاً على جولاتٍ في مدنه الأخرى. أقولها، بالنظر إلى شبه هذه الحاضرة للشام ـ كمدينة إسلامية، داخلية. الشبه بين المدينتين، العريقتين، يَنسَحِبُ عموماً على الموقع والطقس والطبيعة. كذلك الأمر، فيما يخصّ فنون العمارة والزخرفة والصنعة. متاهة الدروب والأسواق في مراكش، تجعلك تشعر كأنك في دمشق القديمة. التيه، ليسَ مجازاً حَسْب بل هوَ حقيقة أيضاً. إذ نادراً ما كنتُ أسأل المواطنين عن عنوانٍ ما لأثر أو مَعْلَم، مُفضلاً أن أهتدي إليه بنفسي. المرء، عندما يطول طريقُهُ إلى مكان معيّن ـ كما يقول باولو كويلو في " ساحرة بورتوبيللو " ـ يكتسبُ مُتَعاً إضافية من المشاهدة والمعرفة.
لم يكن بالغريب، إذاً، أن أرمي نفسي دوماً في هذه المتاهة، تائقاً لإكتشاف المزيد من مفاتن المدينة. خِلَلَ شبكة من المَمرات المتداخلة، المُهيمن عليها الأقواسُ والبواكي والقناطر، يكاد المرءُ أن ينفصل من عالم المُعاصرة ويؤوب إلى ماضٍ لن يعودَ أبداً. في حقيقة الحال، فإنّ الإعتماد على الدواب ما زال ضرورياً في حاضرةٍ يتشكّل جلُّ سكانها من أناس ريفيين الأصل. ثمّة، نشهدُ استمرارَ أشكالٍ من الحياة البدائية، كما في استخدام وسيلة النقل القديمة؛ الكوتشي ( الحنطور ). كذلك سيُدهش الزائر حينما يرى عربة زبالة، يجرّها حمار، وهيَ تقوم بمهمتها في الشارع الرئيس لحيّ راقٍ، مثل " غيليز "، يقطنه الكثير من الأوروبيين. في هذا المقام، من المفيد ذكر ملاحظة معبّرة أوردها الأديب محمد شكري في أحد كتبه، تصوّر عقلية معظم الغربيين من سيّاح ومقيمين على حدّ سواء. وهيَ أنّ هؤلاء القادمين للمغرب، وكانوا قد وضعوا مُسبقاً في أذهانهم التمتعَ بحياةٍ بسيطة يفتقدونها في بلدانهم، لا يلبثون أن يبدأوا بالتذمّر والشكوى بسبب حنينهم لوسائل الراحة والرفاهية أو لصدمتهم حيالَ واقع المجتمع.

3
العاصمة المغربية، كانت زياراتي لها " عبورَ طريق " كما يُقال عادةً. وهيَ ذي أعوامٌ سبعة كاملة، تفصلني عن آخر مرة كنتُ فيها هناك. الرباط، امرأةٌ غريبةُ الأطوار. فاتنةٌ في النهار، كئيبةٌ ليلاً. أتذكّرُ وصولي إليها صباحاً في أول زيارة، قادماً في حافلة البولمان من شقيقتها المراكشية. فكم كنتُ منبهراً بسحرها عندئذٍ؛ هيَ المكتسية حلّة ناصعة بيضاء وزرقاء، كلون بحرها المحيط، ومزيّنة بلآلئ الأزهار. مدينةٌ نظيفة للغاية، أنيقةُ الأسوار والمداخل والأسواق، منظّمةٌ وآمنةٌ فوق كلّ ذلك. فطورنا في سناك صغير بمركز المدينة، المحروس بشجيرة موز مزدهرة، أستعيدُهُ كلّ مرةٍ كأنما هو لمحة من حلم. بعد دفعنا أوراقاً في السفارة السويدية، انحدرنا مشياً على الأقدام إلى مكانٍ مُجاور، فردوسيّ الصّفة، يُدعى " شالة ". إنه وادٍ واسع، مكتنفٌ بالأشجار المثمرة من كلّ نوع، يمرّ فيه نهرٌ عظيم. آثار رومانية وإسلامية، تتناثرُ بين الأشجار، فتزيد من إبهار المكان. من الجهة الأخرى للوادي، تطلّ مدينة " سلا " التاريخية؛ مهد السلالة العلوية الملكية.
الغداء، تناولناه في المطعم السوري، " بابا غنوج "، القائم بمقابل محطة القطار الرئيسية. صاحبُ المطعم، احتفى بنا بكل لطف خصوصاً أنه من أهالي حيّ " الصالحية "، المُجاور لحيّنا بدمشق. مساءً، صدفنا مطعماً فخماً كان معظمُ زبائنه من الأوروبيين. خرجتُ من المطعم، أتلمّظُ طعمَ النبيذ الأحمر، اللذيذ. كان الوقتُ إذاك على حدود الثامنة مساء، فكم أدهشني خلوّ الشوارع من معظم المارة. ففي مراكش، اعتدتُ على مدينةٍ تسهر أسواقها وساحاتها ودروبها حتى الخامسة فجراً؛ أي إلى موعد صلاة الفجر. بهكذا شعور من الوِحْشَة، والحنين، اتجهنا إذاً إلى فندقٍ يقع بالقرب من أسوار المدينة القديمة. ثمّة، أتحفنا الموظفُ المناوب بلائحةٍ تبيّن السعرَ الباهظ لليلة الواحدة. لما سألته عن موعد الفطور، فإنه أجابني بكلّ خفّة: " نحن لا نقدّم أيّ وجبة هنا ". لاحقاً، علمتُ أنّ هذا التقليدَ العتيدَ شائعٌ في أغلب فنادق المغرب. الأدهى، كان ينتظرنا في الغرفة الصغيرة. كانت خالية من الحمّام. أما التواليت، الإفرنجي، فكان مُنتصباً بجلالة قدره بين سريريّ النوم.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- امرأة سمراء
- سيرَة أُخرى 16
- المتسوّلة
- سيرَة أُخرى 15
- درهم
- سيرَة أُخرى 14
- خفيفاً كعصفور
- سيرَة أُخرى 13
- أقوال غير مأثورة 2
- شريحة لحم
- إغراءُ أغادير 5
- إغراءُ أغادير 4
- إغراءُ أغادير 3
- إغراءُ أغادير 2
- إغراءُ أغادير
- سيرَة أُخرى 12
- الجيفة
- قصتان
- سيرَة أُخرى 11
- سيرَة أُخرى 10


المزيد.....




- الحكم بالسجن على المخرج الإيراني محمد رسولوف
- نقيب صحفيي مصر: حرية الصحافة هي المخرج من الأزمة التي نعيشها ...
- “مش هتقدر تغمض عينيك” .. تردد قناة روتانا سينما الجديد 1445 ...
- قناة أطفال مضمونة.. تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 202 ...
- تضارب الروايات حول إعادة فتح معبر كرم أبو سالم أمام دخول الش ...
- فرح الأولاد وثبتها.. تردد قناة توم وجيري 2024 أفضل أفلام الك ...
- “استقبلها الان” تردد قناة الفجر الجزائرية لمتابعة مسلسل قيام ...
- مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت ...
- المؤسس عثمان 159 مترجمة.. قيامة عثمان الحلقة 159 الموسم الخا ...
- آل الشيخ يكشف عن اتفاقية بين -موسم الرياض- واتحاد -UFC- للفن ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 17