أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 18















المزيد.....

الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 18


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 5078 - 2016 / 2 / 18 - 14:43
المحور: الادب والفن
    



(أ3) أم سعد
هذه الرواية هي العمل الذي كلف غسان كنفاني غاليًا، فهي أسوأ رواية في الأدب العربي، إلا أن النقاد اعتبروها الجواب لمسار مليء بالشوك منذ الوقت الذي بدأت فيه معاناة الشعب الفلسطيني، وقالوا عنها إنها التجسيد الكامل لموضوعة المقاتل بكل دوافعها، والتعبير الشامل عن التطور الجدلي للمرحلة الثانية من تاريخ شجرة الثورة قبل اقتلاعها، فرواية "أم سعد" في نظرهم هي الرواية الجمعية، رواية الإنسان الجديد!
لماذا هي أسوأ رواية في الأدب العربي؟
الموديل البنيوي، حسب رولان بارت، يساوي في شكله الكَنَسي أقل مما يساويه بتحولاته المضبوطة ضبط الساعة، هذه التحولات التي يقرها هذا الموديل، مما يجعلنا نأمل في نموذجية فاعلية للرواية (النموذجية علم النماذج البشرية منظورًا إليها من حيث العَلاقات بين الطبائع العضوية والذهنية)، في تصنيفية فاعلية للرواية (التصنيفية علم دراسة الأصناف الذي يسهِّل تحليل واقع معقد ويؤدي إلى التصنيف).
أم سعد، كموديل بنيوي، على العكس تمامًا، تساوي في شكلها الكَنَسي، بمعنى الموافِق لأنظمة الكنيسة، وبالتالي لنظام إيديولوجي صارم، تساوي في شكلها الكَنَسي أكثر مما تساويه بتحولاتها المضبوطة، فإذا بشكلها قالَب من تسعة فواعل (الفاعل هو البطل الروائي)، عبرت عنها الفصول التسعة للرواية.
غير أن –يواصل عالم اللسانيات الشهير- عندما يكون للقالَب سلطة مُصَنِّفة (انظر التعريف فوق)، وهذه هي حال فواعل أم سعد، يعرض هذا القالَب بشكل سيء تعددية الإسهامات ما دام يتم تحليلها بمصطلحات عمادها الرئاية (فن الرسم المنظوري المستقبلي): رسم الصورة الأولى في العُنوان الذي أعطاه كنفاني (كنفاني كان رسامًا) للفصل الأول "أم سعد والحرب التي انتهت"، فلنلاحظ التركيز على القالَب "أم سعد"، لكن في السياق الذي نحن فيه، يبرز هذا التركيز صورة حرب 1967التي انتهت في علاقة منظورية مستقبلية بأم سعد التي تواجه الهزيمة بإرسال ابنها لينخرط في حركة المقاومة، وبزراعة دالية عنب.
عندما يتم احترام الرئاية، يتجزأ نظام الشخصيات، وهذا ما تعبر عنه الصورة الثانية الكامنة في عُنوان الفصل الثاني "خيمة عن خيمة تفرق"، خيمة البؤس وخيمة الفدائي، الفرق بينهما أكيد صوريًا، وبسبب هذا الفرق الصوري تنقسم الشخصيات فيما بينها إلى شخصيات "سَلبية" وشخصيات "إيجابية"، بينما نظام كل شخصية هو نظام السلبي والإيجابي، في اللحظة التي تقر فيها أم سعد بكون خيمة الفدائي هي الخيمة التي يجب أن تضم الجميع: "لو لم يكن لدي هذا الطفلان للحقت به (بابنها الفدائي)، لسكنت معه هناك. خيام؟ خيمة عن خيمة تفرق. لعشت معهم، طبخت لهم طعامهم، خدمتهم بعيني..." (82)
الصعوبة الحقيقية التي يطرحها تصنيف الشخصيات –كما يواصل بارت- هي مكان، وبالتالي وجود "الفاعل"، في كل قالَب فاعلي (بطولي)، مهما كانت الصيغة. من هو الفاعل (البطل) في الرواية؟ هل هناك – أو هل لا هناك طبقة محظوظة (بكل الامتيازات السردية) من الممثلين (الأبطال)؟ في رواية كنفاني هذه يتم التشديد بشكل سَلبي على أم سعد كبطلة إيجابية، فالتشديد سلبي دومًا حتى ولو كان على الإيجابي.
الصورة الثالثة المتمثلة في عُنوان الفصل الثالث "المطر والرجل والوحل" تشير إلى صمود أم سعد في الوحل والمطر اللذين قضت في جرفهما طوال الليل، فهي الفاعلة، البطلة، وليست هناك طبقة محظوظة من الأبطال، بل بطل "بريشتي".
عوضًا عن الطبقة المحظوظة من الأبطال، لدينا خصمان يتصارعان حول رِهان من الرِّهانات السياسية، فتتساوى أفعالهما، كما يقع في الفصل الرابع تحت عُنوان "في قلب الدرع"، فالصورة الاستدلالية هي قتال سعد ورفاقه بعون أهل القرية كدرع يحميهم، سعد ورفاقه كمقاتلين، مقابل من يقاتلهم سعد ورفاقه.
اللعبة نفسها في الفصل الخامس، وصورة "الذين هربوا والذين تقدموا"، الخصمان هما أصحاب السيارات الأغنياء الذين هربوا وقت الغارات، والفقراء الذين تصدوا للطائرات، وصمدوا في أماكنهم.
الفاعل –أي البطل نكرر- هنا مزدوج، حسب الناقد الفرنسي، لا يمكننا إبداله، ربما كان شكلاً قديمًا شائعًا، وكأن الرواية، على منوال بعض اللغات، عرفت هي أيضًا مثل هذا الازدواج. إذن للعبة، بصفتها لغة، نفس البنية الرمزية التي نجدها في اللغة وفي الرواية، وهذا ما ينطبق على رواية أم سعد، لكن ما لا ينطبق على رواية أم سعد: أن الرواية، أية رواية، لا ترينا أي شيء، بينما رواية أم سعد ترينا كل شيء. في الفصل السادس الذي عُنوانه وصورته "الرسالة التي وصلت بعد 32 سنة"، هناك رسالة إنذار بالقتل من فدائي اليوم (بالنسبة لزمن الرواية) إلى إقطاعي خان الثورة عام 1936 بقتله فدائي الأمس، كيلا يكرر فعلته. كاتب رسالة الإنذار، التي كان من المفترض أن يكتبها فدائي الأمس منذ 32 عامًا (بالنسبة لزمن الرواية)، فيحول دون انطفاء ثورة 36. التضمين هنا واضح، نراه رأي العين، بينما الانفعال الذي يمكنه إشعالنا عند قراءة الرواية، أية رواية، في رأينا الذي هو رأي رولان بارت، ليس انفعالاً صادرًا عما نرى (في الواقع نحن لا نرى شيئًا)، وإنما انفعال صادر عن المعنى، أي من نوعٍ عالٍ من العلاقة، علاقة تمتلك هي كذلك انفعالاتها، آمالها، تهديداتها، انتصاراتها. ما يجري في الرواية، أية رواية، من وجهة نظر مرجعية (واقعية): لا شيء، كما يقول مالارميه نقلاً عن بارت: "يُبدي العمل الدرامي تتابع ما يجري خارج الحدث دون أن يحتفظ في أية لحظة كانت بالحقيقة، وما يجري، في نهاية المطاف، لا شيء." ما يجري، اللغة وحدها، مغامرة اللغة، التي قدومها لا يتوقف أبدًا عن الاحتفال، مثلما يختم الناقد الفرنسي، فلغة العمل الدرامي احتفال بالمعنى، والمعنى أساس كل انفعال.
لكن ما يجري لدى غسان اللغة والحدث والرسالة التي يسعى إلى إيصالها، على شاكلة الفدائي كاتب رسالة الإنذار، وخاصة إيديولوجيا الصورة "الشعبية" لأم سعد، ما توجزه الفصول الثلاثة الباقية تحت صورة "الإنسان الفلسطيني الجديد في المخيم الثوري الجديد": "عينك عالشباب في المخيم، كل واحد منهم يحمل مرتينة أو رشاشًا، والكاكي في كل بيت." (83)
وهكذا فقد:
1 – تحددت الحركة الاجتماعية على مستوى السرد بإدراك جمعي وإرادة شعبية: "وحدي؟ كل نساء المخيم وأولاده وشبابه خرجوا كأنهم اتفقوا على ذلك سلفًا، ووقفنا جميعًا هناك..." (84) "وبسرعة انتشروا كالأشباح على طول الطريق، ينظفونه من العراقيل..." (85) "أطفال المخيم وبناته ورجاله يقفزون عبر النار، ويزحفون تحت الأسلاك، ويلوحون بأسلحتهم." (86) الشيء ليس نفسه فنيًا.
2 – تحددت الحركة السياسية على مستوى السرد بما توجبه الثورة من تغيير في الفعلين السياسي والعسكري يتفق مع مطامح الناس وآمالهم: "أما الآن فقد تغير كل شيء... (إنه يتحدث) عن الكلاشينكوف الذي كان يفضل أن يشير إليه بمجرد كلمة "كلاشن" مثلما يفعل سعد حين كان يزورهم." (87) "ترى ذلك الولد الذي يحمل المرتينة؟ -يقول أبو سعد- إنه ابني سعيد... وأخوه الكبير سعد مع الفدائيين في الأغوار... هذه المرأة تلد الأولاد، فيصيرون فدائيين... وتغير أبو سعد منذ تلك الظهيرة... قالت لي أم سعد: الحالة صارت غير، الزلمة قال لي إنه صار للعيشة طعم الآن... الآن فقط." (88) الشيء ليس نفسه لا فنيًا ولا واقعيًا، فلا علاقة لكل هذا بما يجري اليوم من انحطاط سياسي.
3 – تحددت الحركة الثقافية على مستوى السرد بذوبان المثقف في المقاتل والمقاتل في "جماهير" المخيمات: "إننا نتعلم من الجماهير ونعلمها... المعلم الحقيقي الدائم، والذي في صفاء رؤياه تكون الثورة جزءًا لا ينفصم عن الخبز والماء وأكف الكدح ونبض القلب." (89) الشيء ليس نفسه لا فنيًا ولا واقعيًا ولا حتى في باب الإنشاء، بل صف كلام وشعارات، لا شيء غير شعارات.
لم تنته بعد هذه المرحلة –تاريخ كتابتنا للأطروحة عام 1975- ولن يرافقها غسان كنفاني، ويتطور معها –أو يتقهقر- بعد أن انقطع إنتاجه الأدبي بمصرعه.


المراجع
(82) غسان كنفاني: أم سعد، المجلد الأول، دار الطليعة، بيروت 1972، ص ص 264-265.
(83) غسان كنفاني: المرجع نفسه، ص 334,
(84) غسان كنفاني: المرجع نفسه، ص 294.
(85) غسان كنفاني: المرجع نفسه، ص 295.
(86) غسان كنفاني: المرجع نفسه، ص 332.
(87) غسان كنفاني: المرجع نفسه، ص 332.
(88) غسان كنفاني: المرجع نفسه، ص 334.
(89) غسان كنفاني: المرجع نفسه، ص 231.


يتبع القسم الثاني أعمال غسان كنفاني
التمثيل الأدبي من المنفى إلى الثورة



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 17
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 16
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 15
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 14
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 13
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 12
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 10
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 9
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 8
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 7
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 6
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 5
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 4
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 3
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 2
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 1
- رعب - المشاهد الكاملة
- رعب - المشهد العاشر
- رعب - المشهد التاسع
- رعب - المشهد الثامن


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 18