أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم بن محمد شطورو - الفردوس و الديناصور














المزيد.....

الفردوس و الديناصور


هيثم بن محمد شطورو

الحوار المتمدن-العدد: 5033 - 2016 / 1 / 3 - 23:39
المحور: الادب والفن
    


لو يتسنى اماتة الموت و قـتل الهرولة الزمانية التي تجرنا غصبا عـنا.
كلما صعدت على المدرج الاسمنـتي ذو الجدار الجانبي الأبيض كلما ترائت لي اجزاء الحديقة الشاسعة و رائحة الاشجار تأخذني الى الفردوس المفـقود. أنا الطفل و الهرولة و كرة القدم و الدراجة الهوائية الفردوسية و أبناء الخال الرائعين و خاصة هـشام. لمسات الوجود العذب و الصداقات تـترائى كأعظم ما يمكن للمرء ان يناله.
ما ان أفـتح عيني في الصباح الباكر حتى يأخذني النشاط المرح. اتسلل من الفراش الى الخارج كسارق مخافة ايقاظ الآخرين. الدراجة في غرفة المدرج التي تـتوسطه تماما.. أحرك ساقي ضاغطا على الدواسة و يا لروعة استجابتها الساحرة. ما أروع الارض تجري من تحتي.
الآن تبدو الاشجار صامتة و ليس مثل ذاك الزمان البعيد الذي غدا حلما و اطيافا بل ارواحا فردوسية. البيت الساحر الذي كان سكنا لأسرة خالي تحولت ملكيته مرارا حتى استـقر الآن عند هذه الجثة الضخمة التي يروق لي مناداتها بـ"الديناصور". التـقيته في احدى لحظات تأمله فـنطق قائلا:
ـ يمكننا تـنظيم كل شيء إلا قدرنا في اختراع الاه بما ان قدرنا هو اختراع الاه.
رمقـته مندهشا. عينان لوزيتان ضيقـتان غارقـتان في محيط جفنيه المتهدلين. وجه مستطيلي كبير الحجم و أنف كبير و شفتين غليظتين. كنت افكر في جعله صديقا لاستمتع بزيارة البيت الفردوسي. قلت بنبرة متهكمة:
ـ ربما هو اعظم اختراع بشري.
كائن غريب. يرسل قهقهاته متـتابعات. أمدني بكتابه و هو مجموعة مقولات صغيرة الحجم و متـفرقة باللغة الفرنسية. قال انه بعث نسخا الى عديد الرؤساء في العالم و منهم الرئيس الفرنسي "ساركوزي" و الى الاتحاد الاوربي. لم اعبر عن دهشتي و انما ادركت اني فعلا امام حالة مرضية استـثـنائية.
" الرئيس هو شخص يعرف كيف يحكم شعبا و يريد ان يتعلم كيف يمكن ان يحكمه شعبه".
قلت مازحا:
ـ اين وجدت هذا الرئيس الطيب؟
فاسترسل متحدثا عن شقاء الرؤساء و خاصة الدكتاتوريـين المسجونين بين الحراس، و انهم يريدون فعلا ان يحكم الشعب نفسه ليريح نفـسه من عديد الاثـقال التي تـنهكه.. ثم استـنجد بمقولة اخرى يقول فيها:
" حين يستـشعر الانسان ضعفا في نفـسه يخلق له عدوا". لذلك فحين يحكم الشعب نفـسه يريح الرئيس من احساس الضعف تجاه مسؤولياته الكبرى امام شعبه فلا يخلق من شعبه عدوا له.
و بعدما اشعل سيجارته تدافع في الكلام كسيل جارف و هو يمسك بذراعي :
ـ تبدأ رسالة السلام حين نبيد الجحيم من السماء لأنه يشعر الانسان بضعفه و عجزه مما يضطره الى ارادة خلق اعداء. لا يمكن للسماء إلا ان تعدنا بالفردوس. الخير و الشر اشكالات بشرية و ليس ربانية. عند الله لا وجود لأشرار لان فعل الشر هو نابع من الاسلاف اللذين ارتـقوا الى درجة في العالم غير المنظور و هم يحركوننا و ما نحن في الارض إلا دمى متحركة. حياة الارض مسرح دمى تحركه اصابع الاسلاف.
ثم يضحك و كأنه يداري تـناقضه ثم قال:
ـ تأتيني هذه الفكرة دائما. لا اعرف مصدرها.
تساءلت، لإعجابي بالفكرة التي تـتساوق مع الحديقة الشاسعة المكـتـظة بأشجار الصنوبر و البرتـقال لبيت خالي القديم، قائلا:
ـ و قبل الاسلاف؟
كان آدم الذي علمه الله الاسماء. الاسماء هي الاشعة التي تسري في المكان و بفضلها نبع نهر الحضارة الانسانية. كل الاسماء دلالات تخلق عالم الانسان. انظر حولك. كل الاشياء اسماء فاعلة في الوجود البشري. الموت اسم و الحياة اسم..
بعد برهة صمت تابع قائلا:
انا مثلا اسمي "ناجح". أراد ابي ان ينجح فسماني بهذا الاسم الذي بقي يقيدني و يطلب مني ان اكونه. (ثم قال ضاحكا) ما اشقاه من يسميه ابوه بسعيد. الالحاح في طلب السعادة يجعلك لا تشعر بها وان تدحرجت ككرة بين قدميك.. حين كنت صغيرا، خاف علي ابي من ذكائي الحاد فكان ياخذني الى عائلة "الحمير" لألعب مع ابنائهم و لكي ابدو عند الناس حمارا و ليس عبقريا فأفـلت من حسدهم..
غرقـنا في قهقهة مشتركة قـلت على اثرها:
ـ انت اذن عبقري في شكل حمار. انت ديناصور..
بعد برهة من حديثي عن علاقـتي الشعورية بالبيت، قال الديناصور:
ـ لا تـتملكني الاحاسيس التي لديك تجاه هذا البيت. لا احبه مثلما تحبه انت. لا تجلله اشباح ساحرة مثل التي لديك.( انتفخ قليلا و تابع كلامه). انت مالكه الحقيقي بحكم الذكريات و الشوق و الاحلام. انت هرولت فيه كما هرول فيك. جسدك ممتلئ به و احاسيسك منطبعة على اغصان البرتـقال. في المرة القادمة ستجد عندي نسخة من مفتاح البيت و يمكنك ان تعتبره بيتك..
إلا انه لم يصمت بعد..
ـ انا تخنقـني الابواب المغلقة و مخاوف البشر و ما يسمى بقدسية الملكية الخاصة. انا لا تـتملكني ذرة احساس بالغربة تجاه اي انسان..لقاؤنا هذا قديم، او قـل انه ليس بجديد. انه لحظة التـقاء. نعرف بعضنا من قبل و لكننا لم نلتـقي فقط. هذا الاحساس يزيل الخوف من الآخر و زوال الخوف هو زوال العدائية التي هي في جوهرها احساس بالضعف. اننا جنس واحد و اخوة الانسان للإنسان ليست مجرد كلمات رجل متخم بالمثالية او الاخلاق او الدين او النفاق. الحقيقة ان الاخوة هي الأصل. اسمع هذه المقولة:
"اذا كنت تريد ان تكون محبوبا من الكل فافعل ما شئت إلا ان تجعلهم يخافون محبتهم لك."
ثم عند باب الحديقة الذي يبعد بنحو خمسين مترا عن البيت قال:
ـ لا تـقـل ديناصور. ارجوك. انصحك بذلك لصالحك، لاني لست بكائن منقرض. انا المستـقبل. انا الحياة التي لم تولد بعد و المنفـلتة من ارواح الأسـلاف...



#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الروح في عالم الزبالة
- انقضاء السنة الداعشية
- تموت الحرية حين لا تقرع اجراسها باستمرار.
- ما أنا إلا أبي
- الجمالي السياسي التونسي
- من رعود -شكري بالعيد- الى سيدني
- بين الدائرة الجهنمية و المائية عالميا و عربيا
- القيامة السعودية
- برامجنا تعليمية ام تجهيلية
- لمن تبكي سيدي الرئيس؟
- في مواجهة اوكار الارهاب الممتدة
- اسقاط المقاتلة الروسية في تونس
- ما وراء احداث باريس
- عمال صفاقس يؤكدون الثورة
- اتحد يا يسار العالم
- الاحتمال المفقود في هجمات باريس
- - حمه الهمامي- ، الزعيم النبيل
- اللحظات الحتفية على عتبات المطلق
- العنف و العاطفية
- بؤس الغد على وجوه الأطفال


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم بن محمد شطورو - الفردوس و الديناصور