أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سلام عبود - أول حرب جنسية في التاريخ















المزيد.....



أول حرب جنسية في التاريخ


سلام عبود

الحوار المتمدن-العدد: 1342 - 2005 / 10 / 9 - 09:24
المحور: حقوق الانسان
    


3
أول حرب جنسية في التاريخ
الديكتاتور يتآمر على نفسه!
(دراسة في التكوين النفسي لصدام حسين)
البعث يؤثث دهاليز الطفولة
اليتم المبكر, وقسوة زوج الأم المفرطة, والتشتت العائلي جغرافيا وأسريا, إضاقة الى قسوة البيئة والمعيشة, تركت أثارها العميقة على صفحة حياة صدام الطفل. تلك الظروف الاجتماعية, غير الرحيمة, كونت محتواه الشعوري أو الانفعالي الأساسي, الذي تطور لاحقا في مرحلة الصبا ثم الشباب الى ما هو أعمق من مجرد تعبير عاطفي عن مكبوتات نفسية. الوحدة وما يلازمها من فقدان للأمان الداخلي, والأنانية المفرطة الى حد الكره, والقسوة, هي العناصر البارزة في مكونات صدام النفسية, نلحظها بوضوح تام في كل ما يعرضه في سيرته وفي رواياته, من خلال عشرات الأمثلة. بعض هذه الأمثلة صادق والآخر مزيف, لكنها تكشف, كما سنرى, بصدقها أو زيفها, ما يعزز فعالية تلك المكونات في نشاط صدام العاطفي والسلوكي.
وقد تبدو تلك المكونات النفسية شيئا سلبيا, وهي كذلك في الظاهر, بيد أنها ليست صفات َمَرضّية, كما يظن كثيرون. على العكس, فهذه النوازع موجودة لدى ملايين البشر الأصحاء نفسيا. أما الأنانية, والحيادية السلبية في مواجهة القسوة, فهما تعبيران شعوريان ملحوظان في سلوك جزء غير قليل من العراقيين. وعلى الرغم من الإيحاء السلبي لتلك العناصر النفسية, إلا أنها ليست سلبية بذاتها. لكنها قد تصبح سلبية عن طريق استخدامها, وعند اتحادها بعناصر نفسية واجتماعية وعقلية أخرى. فبعض جوانب الأنانية, كنوازع الحسد, وهي صفة يعترف بها صدام من غير لبس, قد تكون مصدرا للمثابرة والابتكار والتنافس السوي. وحتى الوحدة قد تغدو عاملا من عوامل الإبداع والتفوق, إذا استخدمت كانشغال ذاتي ايجابي. لكن ذلك لم يكن متاحا أمام صدام. لقد جرى توظيف تلك المكونات عبرأربع مراحل توظيفا إجتماعيا ضارا. في المرحلة الأولى, الطفولة, من خلال زوج الأم والجماعات المحيطة به. وفي المرحلة الثانية, مرحلة الصبا, لعب الخال "طلفاح" دورا أساسيا في نقل وتطوير العناصر السلبية الى ما هو أعمق من حدودها العاطفية البسيطة, عن طريق تغذيتها ببعد إجتماعي وثقافي ذي جذور شوفينية متخلفة. وفي المرحلة الثالثة: مرحلة الشباب( البعث) جرى توظيف هذه الصفات سياسيا وعقائديا, بطريقة ترضي صدام نفسيا, وتنسجم مع خطوات سير المشروع البعثي. وفي المرحلة الرابعة, وجد صدام نفسه صانعا ومشرعا, لا مجرد مستهلك للخطط السياسية, فأطلق لسجيته وميوله المدربة العنان. وبذلك قلب صدام اللعبة رأسا على عقب, حينما وضع المشروع البعثي, برمته, في خدمة ميوله الشخصية, التي هي مزيج غير قابل للفصل بين تكوينه الشخصي وتجربة العنف البعثي, العراقي.
لم يخف صدام طبيعته الانطوائية. على العكس من ذلك راح يصفها في (رجال ومدينة) بنفس صراحته عند ذكر سيرة أمه وللدوافع النفسية ذاتها. فيذكر صدام أنه لم يكن ميالا الى الصداقات. فعدا ابن خاله عدنان وبعض الأقارب, لم تكن له صداقات عميقة. أما علاقته بعدنان فهي شديدة التعقيد ولا تقوم على عنصر الصداقة الخالصة, عند تحليل مكوناتها الداخلية تحليلا عميقا.
إن ميل صدام الى الوحدة لم يكن ناشئا عن الخجل, كما هو شائع لدى الانطوائيين, بل هو ناشيء عن عدم الثقة, وشدة الحاجة الى الأمان الداخلي, إضافة الى الفردية القوية التي تأسست في نفسه منذ الطفولة على يد زوج أمه. وربما تلقي علاقة صدام بعدنان خيرالله شيئا من الضوء على هذا الجانب من شخصيته. فقد ارتبط بعدنان مرغما, بحكم القرابة, وبحكم أنه كان يقوم بدور "الحامي" للولد الذي يصغره سنا ويتقدمه ويتفوق عليه دراسيا. وهو بذلك يقدم خدمة مزدوجة, لخاله يرد بها له بعض دينه: حمايته وإيوائه, ولنفسه يخفف بها من وحدتها ويقلل من حجم عدم الأمان فيها. وما تجدر ملاحظته هنا, أن ما يقدمه صدام وما يأخذه متساويان في الأسباب والنتائج من الناحية العاطفية. فالايواء يقابل الأمان الداخلي, والصداقة تقابل الوحده النفسية والفراغ العاطفي, ورد الجميل يقابل الميل الى التمرد المكبوت(المؤجل). فصدام يقدم للآخر فعلا اجتماعيا (سلوكا) مقابل خدمات عاطفية. كانت علاقته بعدنان تنطوي على إرغام خارجي وداخلي, اعتاده صدام وتدرب عليه منذ طفولته المبكرة. إلا أن مشاعر إرضاء الذات, الناشئة من دور الحارس, ودور الملبي لرغبات ولي نعمته, لم تكن خالية من النوازع المكدرة. فقد تخللتها مشاعر حسد قوية مكبوتة, ومشاعر منافسة غير متكافئة, صامتة, درب صدام نفسه على حسن إدارتها, لكي يحفظ للجميع مصالحهم المشتركة. لذلك كانت مدرسة طلفاح متنوعة الأثر سلوكيا ونفسيا واجتماعيا وثقافيا, إضافة الى ما قامت به من خدمات عظيمة الأثر في مجال التدريب العملي على إدارة الذات, في ظل علاقات خالية من التكافؤ. وتلك أهم ثمار مدرسة طلفاح على الصعيد العملي التي جناها صدام كفرد. ولم تكن علاقته بساجدة تختلف كثيرا عن علاقته بعدنان. فلم يكن من غير دلالة تصريح صدام بأن ساجدة قابلته بنفور وعدوانية حينما لجأ الى بيتهم, في سن العاشرة, فرأت فيه طفلا ريفيا مشردا. كانت ساجدة عنصرا أساسيا من عناصر الطمأنينة العاطفية لنفس قلقة مثل نفس صدام. لقد ظهرت تأكيدات مماثلة في رواية (زبيبة والملك) و(القلعة الحصينة) تشير الى ذلك الخلاف. وهي إشارات إرغامية, طفت على السطح, تحت تأثير ما هو مكبوت وما هو معلن, خاصة الصراع بين صدام الفرد وصدام الحاكم, بين الطفل الذي كانه والطفل الذي يهاجمه الآن في شيخوخته. لكنه استخدم ذلك الاعتراف, كما اعتاد أن يفعل, كتبريرات تجوز له الخروج من ورطة الزواج السري بثانية, عن طريق الاستحواذ القسري, التي تتناقض مع كونه رجلا يدافع عن شرف الأمة ويصون "أعراض الماجدات" من العراقيات! ومثل هذه الظاهرة - تجديد عش الزوجية بما يناسب واقع الحال- عاشها بعض الرؤساء العرب أيضا, ممن انحدروا من أصول ريفية وقبلية, كعلي ناصر محمد وعلي سالم البيض وأخيرا الياور, ولكنهم مارسوها في العلن, وبطرق شرعية سليمة.
وإذا قمنا بتوسيع دائرة العلاقات الشخصية, من الأفراد الى الجماعات, نكتشف أن الوحدة وفقدان الأمان وجدتا تطميناتهما النفسية من خلال الشعور بالانتماء الى كتلة اجتماعية (الحزب), كتعويض مباشر عن الفراغ العاطفي العميق وقوة الإحساس بالحاجة الى الأمان الداخلي, بصرف النظر عن صدق وعمق إيمانه بمبادئ الجماعة. ولهذا يقول صدام في كتابه (رجال ومدينة) ص 181 " ولم يكن لي خارج الحزب إلا من أشرت اليه من الاصدقاء".
يخلط صدام خلطا متعمدا بين القسوة والبطولة. فالبطولة, أي الرجولة بمعناها العامي, صفة وراثية من صفاته الشخصية الرئيسة, كما يعتقد جازما. وربما يعتقد بما هو أبعد من ذلك, فهو يرى فيها صفة قدرية. أي صفة لسيقة, لا يقدر أحد على انتزاعها منه, أو حرف مسارها وإبطال مفعولها السحري. ويعطي مثلا مقنعا على هذه القدرية, حينما يقول إن أمه ألبسته الأقراط في طفولته, لكي تجنبه مصيره الذي رسمه القدر له: الرجولة الموروثة وعواقبها الخطيرة. لكن الأم لم تفلح في تغيير إرادة القدر. كان صدام يؤمن إيمانا لا يتزعزع بشخصين لا ثالث لهما, هما: صدام حسين الفرد, وصديقه الأبدي والوفي, القدر. كان صدام وما انفك يلعب مع الحياة لعبة الروليت الروسي, وكان القدر الرحيم حليفه, عند كل دورة من دورات بكرة المسدس. فصدام الشظف, القلق والمضطرب, لا ينام إلا بعد أن يستشير القدر, ويأخذ منه إشارة الأمان الخفية, التي لا يراها أحد غيره. وكان القدر وفيا ومخادعا في الوقت عينه, لا ينفك يتجلى له في كل شيء, من السيجار الكوبي الى ايماءة غامضة من السفيرة غلاسبي, من ابتسامة تشجيعية هاربة من شفاه طارق عزيز الى لطخة فأل في جبين غورباتشوف.
كان القدر, في حقيقته, هو شظف العيش وقسوة الحياة, كما كان التمرين الفظ,الذي مارسه زوج الأم على الطفل اليتيم. لذلك وجد صدام نفسه في العاشرة من عمره فارا من محل الإقامة في بيت الأم, متوجها نحو بيت الخال في تكريت, حافرا لنفسه أول خطوة عميقة في نفق القسوة والتمزق الداخلي. قرار الفرار هذا, الذي رتبته الأم الكسيرة, خفية, إنقاذا لحياتها العائلية وتخليصا لابنها من شر ماحق, يشير الى واحد من أخطر مواطن صدام الشعورية: العصيان الداخلي ومشاعر العنف المكبوتة, التي جعلت من وحدته لاحقا مصدرا جديا للخطر الاجتماعي. ويدرك صدام شخصيا خطورة هذا الحدث على حياته, لذلك حاول جاهدا في مذكراته إضفاء نوع من البهجة الثقافية والمسحة الرومانسية البطولية على قرار تشرده, تفوق في وصفه تفوقا مطلقا على الصورة السطحية التي رسمها له عبد الأمير معله في رواية وسيناريو (الأيام الطويلة). فصدام يرى أن هروبه , حاله كحال بعض البشر الاستثنائيين, كان بسبب رغبته الجارحة في تعلم القراءة والكتابة, التي لم ير حروفها السحرية حتى العاشرة من عمره! أما الجانب البطولي فيربطه بموضوع حصوله على مسدس, أهدي اليه من أقرباء له, التقوه مصادفة, أثناء هروبه. وتلك الرواية جزء من خيال صدام حسين الحاكم وليس صدام الطفل, أراد بها تجميل صورته الطفولية المفزعة. وهنا, يلعب الخيال دورا مؤثرا وحيّا, كفعالية نفسية. فالخيال هنا لم يكن مجرد تبريرعاطفي, بل هو حالة شعورية فاعلة (عاطفية) وسلوك ( أي مزيج من رغبات مكبوتة, وتلبيات مَرَضية للحاجات العاطفية, وردود أفعال). فصدام لا يكتفي بممارس العنف في الواقع فحسب, وإنما يتخيله أيضا ويتلذذ عميقا في صناعته ذهنيا. فهروب صدام كان بسبب قسوة زوج الأم, التي وصلت حدودا قصوى. أما الدراسة فلم تكن سوى فعل إرغامي, مثل صداقة عدنان, فرضها عليه واقع الحال, نظرا لكونه التجأ الى بيت رجل قدر له يوما ما أن يكون مديرا للتربية. إضافة الى هذا نسي صدام أنه تمرد على المدرسة, غير مرة, قبل إكماله الدراسة الابتدائية. بيد أن الجانب البطولي: المسدس, كان أكثر أجزاء رواية صدام شذوذا, كحدث وكخيال. فالمجتمع العراقي, الريفي خاصة, يتعامل مع سلاح كالمسدس تعاملا حذرا. فهو سلاح فردي خطير بشكل استثنائي. وهو غال, فضلا عن أنه سلاح محترفين, لا يمنح كهدية حتى للكبار, إلا لأسباب شديدة الخصوصية. لذلك فإن حصول صدام وهو في سن العاشرة على مسدس, كهدية من عابري سبيل, هو ضرب من الخيال التعويضي. أما سبب اختلاق هذا الوهم فلا يتعلق بالرواية أو بالفن على الإطلاق. إنه جزء من مخيلة صدام المليئة بالثقوب, التي يسيطر عليها الإحساس بفقدان الأمان, فتناضل, بصورة لا واعية, لكي تحصن نفسها بالعنف, الذي هو مظهر من مظاهر البطولة في نظر صدام. أما المسدس فهو رمز البطولة, وليس أداتها فحسب. كان المسدس في تقديري مجرد درع خيالية واقية صنعها عقل صدام الباطن, صدام الرجل, ليحمي بها صدام الطفل المشرد. كان وهم المسدس تأويلا حلميا نابعا من طبقة تقع تحت سطح الوعي, يقول لنا فيه: إن صدام الصغير لم يتعرض في رحلته الى مخاطر جدية, من تلك التي تعشش في رؤوس الناس عن الأطفال المشردين, لأنه كان مزودا بأداة البطولة: المسدس. كان صدام الرجل, يحمي طفولته القصيّة, ببراءة أب حنون. لكنه, في الوقت عينه, كان مطاردا ومهددا بعنف من قبل تلك الطفولة العنيدة, غير البريئة, والعدوانية.
وهنا, في هذا الحدث, يكشف لنا صدام عمق قلقه لا من الماضي فحسب, بل عمق تأثير ذلك الماضي البعيد على واقعه النفسي, وعلى حاضره أيضا. إن خيال صدام مشحون بالعنف الى الحد الذي يدفعه لأن يختلقه اختلاقا ويتلذذ باختلاقه إذا ما أعيته الحيلة عن ممارسته عمليا في الواقع. وربما يتساءل متسائل: كيف يتعذر على صدام ذلك؟ نعم, حينما يعجز. فالهاربون من قبضته يعجز عن اللحاق بهم إلا عن طريق الخيال. أما الموتى, فلا يقوى على قتلهم إلا في أحلام اليقظة! كان صدام يمارس الخيال لتنفيذ العنف ليس فقط على الحاضر وعلى ما سيأتي, بل كان يمارسه, بأثر رجعي, حتى على الماضي. إن صدام يحقق ذروة الهوس الخيالي الدموي, حينما يطمئن أو يشبع نوازعه العنفية عن طريق الحلم والتخيل, الذي ينمي فيه, بدوره, نزعة العنف حينما يستفيق من هوسه الخيالي. فصدام يعدل مسار طفولته, التي تدمن على مهاجمة حاضره بالتخيل, مثلما يرضي نزعة العنف المستحيل( غير القابل للتحقق أنيا) بالتمني, فيغذي ويسعّر هذا فيه نزعة العنف الواقعي الحسي. إنها دورة الكوابيس الشريرة وصولاتها الخفية, التي تطارد القائد ويطاردها خفية وعلنا!
ومن الأحداث التي يرويها صدام عن نفسه حدث مثير سينمائيا, وقع له في لحظة فشل عملية اغتيال عبد الكريم قاسم,أنقله حرفيا كما رواه: "عندما انسحبنا من مكان الحادث, بعد اطلاق النار على عبد الكريم قاسم, صرت امام ذلك الشعوبي الشتّام الذي كان يشتم القومية والبعثيين وعبد الناصر والدين في دكانه, والذي كنا نتسوق منه ونحن في شقة الانتظار...فتذكرت انني قلت مع نفسي, وربما امام رفاقي, انني سأتولاه بعد ان نطلق النار على عبد الكريم قاسم, بان اطلق عليه الرصاص ونحن في طريقنا الى شارع الجمهورية حيث السيارة, ولكن ما ان وجهت اليه بندقيتي حتى تسمر على الجدار, رافعا يديه الى الاعلى, مستسلما مرتعدا وهو يقول. (دخيلك).. وفي نظرة خاطفة كلمح البصر, وبعد ان رأيت منظره البائس, قررت أنه ليس هدفنا, فقد أطلقنا النار على هدفنا, ولا يجوز ان نطلق النار على غيره إلا دفاعا عن النفس" (رجال ومدينة, ص 288)
لقد أحس صدام المراقِب باضطراب رواية صدام الكاتب المتحمس الخيالية تلك, لذلك أرغمه صدام الحاكم على أن يضيف لها توضيحا وضعه بين قوسين يقول "عندما نكتب هذا نحتاج الى زمن, ولكن كل هذا الحوار مع النفس امام منظر ذلك البائس الجبان, وداخل سيد الكومبيوترات, الحاسوب الكبير, الدماغ, لم يستغرق الا لحظات فحسب". استدراك صدام هذا, يشبه التعديل الذى أجراه على طفولته وهروبه وحكاية المسدس الوهمي. لقد أحس صدام بافتضاح ما اختلقه, لذلك برره على طريقته. لكنه أخطأ للمرة الثانية. فالاعتراض على صدق المشهد السالف لم يكن بسبب طوله (زمنه), وإنما بسبب تناقضاته كأفعال ودوافع. وهو أمر لا يحسن صدام السيطرة عليه, لأنه غارق في فورة أوهامه. ففريق الاغتيال لم يكن لديه وقت لتصفية حسابات فردية مع بقال, بل كان مشغولا بتبادل إطلاق النار مع أحد عناصر الشرطة, ولو أن صداما فعل ذلك حقا لأثبت لنا أننا أمام رجل ملتاث عقليا. فقد كان صدام يتولى مهمة تغطية الانسحاب ومراقبة أحد الأزقة المفضية الى شارع الجمهورية, والأمر الأهم أن المجموعة كانت مشغولة بأمر الجريح "سمير" الذي كان يصرخ:" راح اموت, انقذوني, اسرعوا بي الى المستشفى", والأكثر أهمية من كل هذا, وهو ما أرغمه خياله المضطرب على نسيانه, أنه كان جريحا. حقا كان صدام يريد الانتقام من ذلك الرجل, وقد ظل فعل الانتقام, كصورة, مزروعا في خياله أعواما. فربما لم تكتف ذاكرة صدام بأن تحتفظ بالمشهد الخيالي كخيال. فليس مستبعدا أن يكون قد نفذه فعلا, بالصورة التي رواها, ولكن في وقت لاحق, في انقلاب رمضان, أو حينما أصبح قائدا. وبذلك حقق أمرين: استحضار الماضي وتعديل مساره بالخيال, وتنفيذ الخيال واقعيا عند المقدرة. كان صدام ينتقل, طوال حياته, بين الواقع والخيال عند ممارسة العنف. لقد مارس صدام الكثير من أفعاله تحت هوس العنف, الذي كان في أحوال كثيرة يمتزج بهواجس القلق والمكبوتات والرغبات والخشية من الآخر, فيغدو لديه ضرورة مبالغا فيها الى حد الإسراف. ومن سخريات القدر المرة أنه تفنن في ممارسة الوحشية على الذين شاركوه( معايشة أو خيالا) طفولته وصباه وشبابه. كان صدام بتلك الأفعال ينتقم من ماضيه, بانتزاع الأفراد انتزاعا من ذاكرته, كما لو أنه ينقي ذاكرته من كوابيسها. لكنه لم يكن ينتقم من الماضي كله. كان ينتقم من الأجزاء الأقل سوءا أو الأجزاء الأكثر نفعا له في حياته العملية كسياسي: عبد الخالق السامرائي (الثقافة), فؤاد الركابي (القيادة), حردان, عماش, البكر (المثل العسكري), مدحت (المقاومة الشعبية), ناظم كزار (الغريم والمساعد الأول في مجال العنف السري والعلني), عدنان خير الله ( الإله المحظوظ),عدنان حسين( أخ لم تلده أم), ساجدة (أمينة ارشيف التعاسة). وبإبعاد هؤلاء كان صدام يعيد, مرغما, تأثيث ذاكرته الشخصية وبيته العاطفي, قبل أن يقوم بتنظيف بيت السلطة ومقر الحكم. وفي حقيقة الأمر, لم يكن لصدام مقران, أحدهما للذات وآخر للحكم. فما هو شخصي وعام أمر واحد في غابة الديكتاتور العاطفية. كان صدام يهاجم أوكار ذاكرته, التي ما انفكت بدورها تشن عليه غاراتها العنيفة الدائمة.
بين صدام وماركيز
من الأمور الطريفة التي رواها ماركيز في كتابه ( رائحة الجوافة ) أنه لاحظ من خلال لقائه ومعرفته ببعض ديكتاتوريي أميركا الجنوبية, أن هؤلاء تجمعهم رابطة غريبة مشتركة: إنهم جميعا أبناء أرامل. أكان ماركيز يعلم بيتم صدام المبكر؟ لا أدري. لكن صداما يثبت الظاهرة العالمية بمثال عربي أسيوي.
من اليسير أن نجد أمثلة عديدة من الماضي, نتخذها كتنبؤات مبكرة لتأكيد نزوع صدام الى الديكتاتورية, ونثبت فيها طبائع صدام الاستبدادية, من خلال أمثلة مأخوذة من العائلة والبيئة والمجتمع, ومن سلوكه كفرد في الطفولة والصبا. لكن ذلك كله لا يجيبنا عن الأسئلة الجوهرية التي حاول كثيرون القفز عليها أو تزييف إجوبتها. فعوامل البيئة الاجتماعية والتكوين النفسي ما هي إلا خلفيات إجتماعية وعاطفية قد نجد ما يشبهها في آلاف البشر, ممن عاشوا في بيئة صدام. لكن صداما كان نسيجا خاصا, لم يتفتق كمخلوق ديكتاتوري إلا في ظل مشروع سياسي محدد, يجيز ويسمح بنشوء وتطور حالة الاستبداد. لقد ولد صدام ديكتاتورا من رحم حزب البعث العراقي, وفي مناخ الأحقاد والأنانية والجهل السياسي الذي ساد العراق ولم يزل. إن ديكتاتورية صدام نوع من الديكتاتورية العقائدية. فهي حالها كحال الفاشية والنازية, ديكتاتورية ترتبط بعقيدة سياسية محددة: حزب البعث. ولا يهم هنا مقدار فهم واستيعاب وحسن تطبيق النظرية العقائدية, بقدر أهمية عمل المؤسسة العقائدية على تهيئة المناخ الاجتماعي والعملي (التطبيقي) الذي يتيح إطلاق المواهب, واستخدام السلوك الفردي كمحرك داخلي لتحقيق الهدف العام, السياسي والاجتماعي. ومن الحقائق الخفية على الناس أن صدام حسين لم يكن عضوا في حزب البعث حتى عند اشتراكه في الحدث الذي قلب مصيره تماما: اغتيال عبد الكريم قاسم, بل كان مرشحا لعضوية الحزب. ولم يكن صدام عضوا أساسيا في فريق الاغتيال أيضا, بل استدعي على عجل قبيل التنفيذ بسبب تغيب أحد عناصر المجموعة. ولم يكن دوره في العملية قياديا أو هجوميا, بل أنيطت به مهمة ثانوية هي مراقبة شارع فرعي أريد له أن يكون المعبر للانسحاب بعد العملية, وهذا الأمر مثبت في الاعترافات التي سجلتها محكمة المهداوي أيضا. وقد أحس صدام وقتذاك أنه مستصغر من قبل رفاقه لأنه أقلهم تعليما, وأضعفهم ارتابطا بالحزب وأكثرهم هامشية في خطة التنفيذ. كانت مشاعر الحقد الدفين طاغية في سلوكه عند تعامله مع مسؤول العملية, ومع الطبيب الذي جاء لمعالجته, ومع رفاقه في العملية. لم يكن صدام يحمل مشاعر البعثي العقائدي عند تنفيذ الاغتيال, بقدر ما كان يحمل مشاعر شاب يوضع موضع الاختبار من قبل أناس يريدون تجريب كفاءته. وفي الوقت نفسه, كان هو أيضا متشوقا داخليا لمثل هذا التجريب, لكي يؤكد لذاته أنه قادر على التغلب على إحساسه المرهق بفقدان الأمان الداخلي والتشتت العاطفي. كانت هنالك مساحة لم تكتمل تماما وقتذاك بين صدام والايمان بالبعث كمشروع سياسي. كان صدام يراوح بين الشارع والحزب, بين الولاء لخاله أو التمرد عليه, بين اختيار الحرية الفردية أو البقاء ضمن محيط العائلة, بين الاحتماء بالتشرد أو بالجماعة. بيد أن سلسلة من المصادفات القدرية صنعت مصير الشاب الريفي, الذي وجد في المدينة عدوا جديدا له, بعد خلاصه من قسوة القرية, وفي الدراسة خصما عنيدا لم يقو على قهره, فلم يتمكن حتى هروبه من العراق من إتمام دراسته الثانوية. كان حلم العنف من خلال الجيش, وهو أمنية أغلب القوميين, بعيدا عن منال الشاب صدام, بقدر ما كان قريبا من منال ابن خاله عدنان. لذلك كانت مشاركته في إغتيال عبد الكريم قاسم نقطة التحول الجذرية في حياته. ليس لأنها زودته بشهادة خبرة ووثيقة تزكية لدى مصر أو لدى التيارات القومية, كما يظن كثيرون, بل لأنها , في نظري, جرّت الشاب اليائس, القلق, عديم الأمان,عصبي المزاج, المتكتم, من انزلاقات الشارع الاجتماعية الى رصيف السياسة. فقبل ذلك كان صدام يتأرجح بقوة بين أن يظل وفيا لتعاليم الخال المتزمتة مقابل خدمات إيوائه وبين أن يتحرر من ذلك القيد ويذهب الى حال سبيله, الى الشارع مباشرة, حيث يجد نفسه حرا, يمارس طبيعته على هواه.
كان الإغتيال نفقا سريا قاد صدام الى كرسي الديكتاتور عبر وسائط بعثية خالصة. ومن هنا تنبع أعمق أحاسيس صدام القدرية.
المستمع الأطرش
لقد عرف عن صدام حسن استماعه, وكثيرا ما قيل إنه مستمع جيد. وتلك واحدة من الأكاذيب الكبيرة, التي لصقت زورا بصدام. فصدام حسين هو أحد أسوأ المستمعين من بني البشر. وربما يصح القول أنه الرجل الذي لم يستمع الى أحد أبدا. فمنذ هروبه من بيت أمه في العاشرة من عمره لم يصغ الى أحد سوى الى صوت خاله طلفاح, مرغما, تدفعه الحاجة الى تصنع الاصغاء أكثر مما تدفعه رغباته الدفينة.
كان صدام ميالا ميلا قويا الى الصمت. لذلك ظن كثيرون أنه يجيد الإصغاء , فعدّوه مستمعا كبيرا. كان صدام ,على الضد من ذلك, يخشى إبداء رأيه أمام الآخرين, حتى في أتفه القضايا. لكنه كان أميل الى استخدام يديه, بارعا فيها الى حد التهور, براعة يشهد له بها كثيرون ممن اقتربوا منه. وفي حلقات النقاش كان يميل الى الصمت خشية افتضاح ضعف مقدرته على التحاور وهبوط مستوى أفكاره. لذلك أختير وهو في أبرز فترات صعوده التنظمي عضوا في اللجنة الفلاحية. وهو منصب شكلي, تختاره الأحزاب كصورة دعائية, يمثلها فيه, غالبا, أشخاص ذوو طباع ولهجة ريفية, مناطقية, من قليلي الثقافة. كان صدام خلال فترة صمته لا يصغي وإنما يحدد, بانفعال مكبوت, مواقفه من المتحاورين. وكان يقوم يتصنيف المتحاورين الى جبهات أعداء وأصدقاء وهو ممعن في سكوته. وقد لازمته هذه العادة حتى بعد توليه مسؤولية القيادة. فجنى منها فائدة كبيرة, مكنته من تطوير ملكته على الحكم والإدارة في حزب يعتمد السرية والتصفيات الداخلية والتكتم والقرارات السريعة العنيفة, المباغتة, في التعامل مع الأفراد والجماعات. فقبل أن ينهي محدثه النقاش يكون صدام قد وصل الى حكمه النهائي الذي يقرر موقفه من محدثه, أي يقرر مصيره. لقد ساعدت موهبة صدام على التكتم, والتي هي جزء من مشاعر العزلة وعدم اليقين, على تخشيب عقله. فلم يعد صدام مشغولا بفحوى ما يقال أمامه, ولم تكن الموضوعات المعروضة عليه تهمه كثيرا, بل أضحى معنيا بترتيب موقف مسبق من محدثيه. لذلك كان حبيسا في داخل نفسه. وكانت عيناه هما الفاضح الوحيد لقلقه ونفاد صبره. لقد بدا صدام في نظر الآخرين حاسم القرار, قاطعا في آرائه, بسبب انغلاقه وانقطاعه عن التفكير, الذي يبدو لمن لا يفهمه فهما عميقا, كما لو أنه يقف أمام مستمع فريد. كان صدام مشغولا بنفسه, بنفسه وحدها فحسب. كان حبيسا في سجنه الداخلي المظلم. وقد مارس صدام مثل هذا السلوك حتى وهو يستمع, تصنعا, الى القادة العسكريين, عند عرضهم ومناقشتهم الخطط القتالية لأخطر مشاكل الوطن العسكرية. ولم يكن صدام حاضرا بعقله في تلك الاجتماعت كافة. كان بدن الديكتاتور يصغي, بينما كان عقله مشغولا بقراره الخاص, المسبق, المبني على الجهل والغرور والصلف, في الأعم. وفي هذه الناحية نجد تفسيرا منطقيا للكثير من الكوارث العسكرية المروعة, التي مني بها الجيش العراقي, والتي حيرت عقول الناس. لقد حاول صدام أن يجد تبريرات كاذبة لبعض تلك الكوارث في كتابه (القلعة الحصينة), لكنه لن يفلح في إقناع أحد. فهو ليس سوى كاتب سيناريو فاشل, يعيد تزوير مشاهد حققت فشلها على أرض الواقع, أمام أنظار الجميع.
نظرية الجيفة
وعلى الرغم من أن صداما, كجزء من منظومة حزب عقائدي, يوصف بأنه عروبي شوفيني, وأن نزعته القومية تجعله ينظر الى الآخرين باستصغار, إلا أنه في جوهره يميل الى نوع من الوضاعة الاجتماعية تتناقض مع فكرة الترفع القومي الشوفيني. وهذا الإحساس بالوضاعة المستترة هو في جوهره شعور شخصي, له بواعث نفسية, لا صلة لها بمبدأ وعقيدة. شعور حمله صدام معه من رحلة الطفولة المبكرة, وتم تأطيره بغلاف آيديولوجي غامض على يد خير الله طلفاح صاحب النظرية القائلة: "ثلاثة لن يدخلوا الجنة: اليهود والفرس والذباب". فالنزعات الشوفينية كالجرمانية مثلا كانت ترى في نفسها سيدة على غيرها من خلال مبادئ القوة والتاريخ والتفوق العرقي المزعوم, بينما كان صدام حسين يقيم تفوقه ليس من خلال التفوق العرقي بذاته, كقيمة خاصة, وإنما من خلال حط قيمة الآخرين العرقية. فالتفوق لديه مقرون بانحطاط الآخر لا برفعته هو. وهذا ما وجدناه في حقبة الصراع مع إيران, التي جرت فيها إشاعة تعابير المجوسية ضد أخطر تجربة إسلامية في التاريخ المعاصر. لقد نظر صدام النظرة الدونية ذاتها في تعامله مع سكان العراق الجنوبيين, حينما جوز لكتابه الطعن في عراقيتهم وفي أعراضهم الشخصية. وفي رواية (القلعة الحصينة) سعى صدام الى تطبيق الفكرة ذاتها: وضاعة الآخرين كدليل على سموه ورفعته. إن صدام يستمد رفعته لا من خلال التشبث بماض أو حاضر مشرف, وإنما من خلال تدنيس الآخر, وهي نزعة متأصلة وشائعة عند كثير من العراقيين, ومظهر من مظاهر الأنانية المفرطة والزهو الكاذب.
فقارئ (القلعة الحصينة) يصاب بالدهشة وهو يتابع العلاقة العاطفية المتقلبة والمحيرة بين العربي البعثي "صباح" والكردية "شاترين". لكنه يكتشف في نهاية الرواية أن "شاترين" لم تكن سوى رمز للشعب الكردي. ففي انعطافة مفاجئة, في الصفحات الأخيرة من السرد الروائي, يموت أبو صباح ويبدأ الورثة بمناقشة تقسيم الإرث:القلعة. وفي هذا الجزء نكتشف النيّات الانفصالية لـ "شاترين", التي تصر على تقسيم القلعة, كحل وحيد لاستمرار التعايش. لكن صوت أم صباح كان حاسما, حينما ترفض فكرة تقسيم القلعة. وهنا تنتهي الرواية. من يتابع محاججات الشخصيات, بطل الرواية خاصة, يخيل اليه أن "كاتبها", بحكم المنطق, لا بد له من أن يستخدم حججا عقلية مقنعة لإثبات أفضلية عدم تقاسم القلعة. كأن يجعل حصة "صباح", التي تشاركه فيها "شاترين" بحكم رابطة الزواج, غرفة داخلية لا مخرج مستقلا فيها, ولا فضاء يعلوها. وبذلك تسقط حجج "شاترين", ويسقط معها مشروع التقسيم والانفصال. لكن صداما يفاجئ قارئه حينما يشبه الجزء المتنازع عليه من القلعة بـ " المرافق الصحية", ويعيد تكرار التسمية من خلال المناقشة. وهو أمر يهدم, فنيا وعقليا, كل المشاعر التي ربطت البطل بالبطلة في الجزء السابق من القصة, كما انه يهدم بشكل تام المشاعر التي تربط العراقي العربي بالكردي العراقي. وإذا ما نظرنا الى الرواية باعتبارها نصا مكتوبا بقلم "كاتبها", الذي هو الرئيس, نقف على حقيقة مرعبة ومشينة في نظرة الرئيس الى أبناء شعبه, ونظرة الحاكم الى جزء كبير من مواطني دولته, سواء كانت تلك سقطة أم أنها فكرة ممحصة من قبل كاتبها. هنا, لا يجوز لنا على الإطلاق فصل النص عن كاتبه. فمثل هذه المحاولة جريمة أخلاقية وثقافية تهدف الى تبرئة المستبد, والتستر على مشاعره الحقيقية: إلحاق المهانة العرقية بشعب كامل. فالكردي أخ وحبيب لو أراد أن يبقى, لكن كردستان تغدو مرحاضا لو أبدت مشاعر الانفصال. تلك واحدة من أهم مواطن علاقة صدام بالآخر, الخصم. علاقة تقوم على تحقير الآخر وتدنيسه, بهدف التغلب عليه. إنها ضرب من شوفينية الانحطاط!
ولم تكن دوافع صدام التحقيرية ومشاعره التدنيسية موجهة نحو الجماعات العرقية والكتل الاجتماعية المكونة للشعوب العراقية فحسب, بل تتضمن, بشكل جوهري, استصغارا تاما ومطقا للفرد أيضا. فصدام يرى أن قانون الحياة ليس هو الحرية بل العبودية, وفق دستور للمواطنة هو أغرب دساتير العالم, يقوم على المبدأ القائل: المواطن مجرم حتى يثبت ولاءه!
فالفكرة الجوهرية عن المواطنة لدى صدام تقوم على المبدأ التالي: "ان يخلص (المواطن) لك ولا يخونك, وان يطيع أوامرك, وإذا دعا داعي القتال تطلب منه ان ينظم الى جيشك, وان يقاتل ولا ينهزم, وبذلك يحمل صفة الشجاعة, بل وتطلب منه ان لا يحتج عندما تأخذ ارضه وتمنحها للامراء, او توسيع قاعدة ملكيتك, ... تطلب كل هذا من المواطن ليحمل صفة المواطنة في مملكتك". إن صداما يرى في المواطنة منحة من الحاكم يقدمها للمحكوم, وهي منحة مشروطة بولاء تام, كولاء العبيد. تلك واحدة من الأفكار الكثيرة, المبثوثة في كتاباته, والتي تعكس طبيعته الحقيقية, التي تتصادم مع أفكاره العامة الدعائية. فالصدام بين أفكار صدام العامة وتكوينه الداخلي هو أبرز مميزات شخصيته.
بيد أن أكثر أفكار صدام مدعاة للتأمل, وهي فكرة ترتبط عضويا, من حيث منشئها النفسي وتأويلها الأخلاقي بالأفكار السابقة, هي ما يمكن تسميته بـ "نظرية الجيفة". وهي فكرة تسيطر على عقل الملك في رواية (زبيبة والملك) وتسحره. وخلاصة الفكرة أن الحاكم مطالب عند حدوث معارضة عنيفة ضده " ان يقبر اصحابها مثل الجيفة, حتى لا يتشجع آخرون" , ويوضح الفكرة أكثر من خلال "زبيبة": " اقترح عليك لو أذنت لي بذك ان تتحفظ عليها (الملكة, زوجة الملك) في مكان, وليس في سجن, فقضيتها تنطبق عليها فكرة الجيفة التي يجب ان تدفن, لذلك ارى ان تتحفظ عليها داخل القصر". فإذا كانت زبيبة قد حلت مشكلة تمرد الملكة على ضوء "نظرية الجيفة", فاقترحت حبسها في القصر, ثم جرى تنفيذ الأمر على الأمراء والاشقاء والأقرباء بالطريقة ذاتها, فكيف يمكن تطبيق هذه النظرية على انتفاضة شعبية يخرج فيها الملايين على حكم الطاغية؟
أن تحقير الآخر صفة ملازمة لشخصية صدام, فما من رجل اختلف معه لم يحصل منه على صفة" كلب", التي يعيد تكرارها بشكل مثير للاشمئزاز ضد خصومه. إن تعابيرالجيفة والمرافق الصحية والكلب يجمعها أمر واحد هو النجاسة, وهو وهم من أوهام صدام حسين النفسية, يشرعه من غير وعي ضد مخالفيه, لكي يمنح روحه القلقة والشكاكة والمثقلة بالخطايا حرية استخدام القسوة, بضمير مرتاح. لكن قلق الديكتاتور يتضاعف عقب كل "جيفة" تدفن, وتغدو الراحة النفسية حلما بعيد المنال. فحالما ينتهي الرئيس من دفن جيفة أو قتل كلب حتى تظهر له جيفة جديدة, في هيئة أخ أو ابن أو صهر أو زوجة. حتى باتت الجيف والكلاب والمرافق الصحية تحيط بالرئيس وتطوق غرفة نومه.
إن تدنيس الآخر عند صدام لا يرتبط بـ "طهارة" خاصة يتمتع بها هو شخصيا. فمثل هذا الطهر لم تش به أي من صفحات صدام الألف والثلاثمائة. إن التدنيس هو دفاع ذاتي, لحماية ذات قلقة, هشة, مضطربة, لا تجد فرصة كافية للنظر في ما يعتمل داخل كيانها, ولا تجد جرأة لمقارنة نفسها بما يحيط بها. ذات موصدة الأبواب, يحيط بها جيش من المنافقين المسلحين بخصلة موت الضمير.
خصائص صدام النفسية ومقدراته المهارية والعقلية لم يكن بمقدورها أن تنتج لنا, في أسوأ أحوالها, سوى بلطجي من مدمني السجون, وفي أحسن أحوالها, سوى نائب ضابط أو رئيس عرفاء في الجيش العراقي. لكن اتحاد صفات صدام بمشروع البعث السياسي, هو الذي جعل من الطفل اليتيم, الميال الى العزلة, المفتقد للأمان الشخصي, والمملوء بهواجس العنف, ديكتاتورا شهيرا, ديكتاتورا يجمع في شخصه صفات أفضل وأسوأ ما قدر له أن يكون: صفات رئيس العرفاء البعثي وبلطجي الشوارع المسيس.


أول حرب جنسية في التاريخ

ماذا أخذت المخابرات من روايات صدام؟
لم تمكنني قراءتي لروايات صدام من العثور على أسرار عسكرية, يمكن أن يفيد منها أحد. السر العسكري الوحيد الذي جرى استخدامه من قبل القوات الأميركية في معاركها الجوية والصاروخية عند قصف العراق, هو ما أفشى به صدام حسين في روايته (القلعة الحصينة). ولا يعرف المرء أكان ذلك سهوا من صدام أم مهارة واجهها الأميركيون بمهارة أعلى. ففي الرواية يصف صدام عملية تقدم رتل عسكري عراقي, ويشير بحذر شديد, لكي لا يسمعه أحد, الى أنه فعل ذلك لكي يضلل الأميركان. وما فعله هو أنه زج عربات الرتل العسكري بين سيارات المدنين, لكي يقلل من خطر الطائرات المغيرة. وقد أفاد الإعلام الغربي من هذا الخبر إفادة قصوى. فقد رافق عمليات القصف, على المدنيين خاصة, تعليق يأتي في مقدمة الخبر أو في نهايته, في وسائل الاعلام الغربية الحكومية كافة, يقول: حصيلة القصف كذا وعدد المدنيين كذا, ويختتم الخبر باللازمة التالية: ... والجميع يعلم أن صداما يخفي أسلحته وقواته بين صفوف المدنيين. هل كان صدام غبيا الى هذا الحد؟ لا أظن. فقد كان يريد أن يلعب لعبة مزدوجة, بمنح أعدائه معلومة ترغمهم على توخي الحذر عند القصف, إن استمعوا الى معلومته بعين الرحمة, أو تجعلهم يهاجمون كل ما يدب على الأرض, إن أرادوا أن يظهروا بمظهر البرابرة. لكن الأميركيين استخدموا خيالهم, فقرروا أن يجمعوا بين بربريتهم ووحشية وحمق صدام. فاستخدموا القصف التدميري من غير تمييز, وألحقوا به, في بياناتهم, معلومة صدام الخرقاء.
حماقة عسكرية أخرى في هيئة سر عسكري أو سياسي لم أجد. لكنني وجت صورا متفرقة, يجمعا رابط واحد, مثل ذلك الذي جمع ديكتاتوريي أميركا الجنوبية, هو رابط الجنس. فالحرب على العراق من وجهة نظري هي أول حرب جنسية في التاريخ. وعلى الرغم من أنها محملة بالعنف التدميري, إلا أن الجنس (التدنيسي) كان ملمحا طاغيا من ملامحها.
فقد ابتدأت الحرب بلعبة كوتشينة, لعبة قمار( القمار من المحرمات الاسلامية), أبطالها مرسومون على أوراق اللعب. في إشارة من الأميركان موجهة الى جنودهم والى العالم أجمع تقول: إن أبواب الكازينو الدولي المسمى بالعراق قد فتحت على مصراعيها, وما على اللاعبين سوى تسجيل أسمائهم في قائمة الزائرين.
الإشارات الجنسية في هذه الحرب كثيرة جدا, أهمها مشاهد سجن "أبو غريب" الجنسية, ومشاهد سجون أخرى لا تقل عن مشاهد "أبو غريب" إثارة. وفي معارك الفلوجة حدث ما لم يحدث في تاريخ البشرية قط. فأول مرة في تاريخ الحروب يذاع بين الناس خبر تناقلته الصحافة الغربية, سربته المخابرات الأميركية, يعلن عن رغبة دولة حرة" أميركا" في استخدام قنبلة "جنسية", تنشر مشاعر اللواطة بين مستنشقيها! أما أول تصريح رسمي نطق به وزير حقوق الإنسان العراقي بختيار أمين عن صدام حسين, فهو ما أعلن فيه من أن لا صحة لمرض صدام, الذي أشاعته وسائل الإعلام, وأن الأمر لا يتعدى إجراء "جراحة في مكان حساس". وربما يكون هذا أول رد حكومي ثأري, ولكن بلغة جنسية, سوقية. ثم تسلسلت مشاهد الإعلام الجنسي تترى. أئمة مساجد يعترفون بممارسة اللواط في مساجد سنيّة. محافظ النجف ووزير الدفاع يعلنان عن وجود صناديق للكحول وعدد من العاهرات في ضريح الإمام علي, برفقة أنصار جيش المهدي. لاحظوا الشهوة التدنيسية, وثوبها الجنسي السافر! قوات الذيب تلقي القبض في المدائن على المدعوة "جمهورية", التي تعمل وسيطا عند الارهابيين, إضافة الى عملها الرئيس كقوادة وعاهرة! قوات العقرب, بمساعدة القوات الحليفة, تلقي القبض على إحدى جواري أبي مصعب الزرقاوي. جاسوسة "مشبوهة" مرسلة من سورية لاغتيال وزير الدفاع حازم الشعلان في غرفته. الديلي تلغراف تعلن: رغد تجري عملية تجميلية لصدرها. صدام حسين بملابسه الداخلية. صحيفة بريطانية تعلن أنها لن تتراجع عن نشر صور صدام عاريا. وفي اليوم التالي تلمح الصحيفة ذاتها الى أنها تحتفظ بصور لسجينات قياديات! هل حدث كل هذا عفو الخاطر؟ من رتب هذه الحرب التي شارك فيها وزراء ومحافظون وقادة جند وصحف عالمية؟ كيف اتفق هؤلاء على وحدة اللغة ووحدة الوسيلة؟
لنتأمل هذا العنوان الشعبي: "عاجل: 26 عالم (! ) سعودي(! ) يحللون الزنا والواط (اللواط) والقمار وشرب الخمر"
تحت هذا العنوان نشر أحد مواقع الانترنيت العراقية الخبر التالي:
"لاتتعجبو(!) من عنوان الخبر ولكنها الحقيقة نعم الحقيقة واليكم تفاصيل الخبر: الجميع يعلم ان 26 من مشايخ السعودية بما يسمى علماء الامة اصدرو (!) فتوى قبل حوالى السنة بجواز قتل الابرياء من ابناء الشعب العراقي بحجة انهم من منتسبي قوات الجيش والشرطة والعاملون(!) في مرافق الدولة وغيرهم"
حينما نقرأ الفتوى المذكورة في الخبر, نجد أنها تتحدث عن ثلاث كبائر, محددة بدقة بالغة هي "الزنا ولعب القمار وشرب الخمر"
وبصرف النظر عن تأويل الخبر وطريقة استخدامه الغريبة, وأهميته كخبر بعد مرورعام على صدوره, ودقته اللغوية, إلا أن ناقل الخبر, لم ينقل المحرمات الثلاث بدقة. فقد سها وأضاف اليها من عنده محرمة رابعة غير موجودة في الأصل, وهي "ممارسة اللواط". يقول الخبر "إذن الاستنتاج ان ال 26 عالم سعودي كان اهون عليهم إصدار فتوى بتحليل الزنا وشرب الخمر وممارسة اللواط ولعب القمار لانها منكرات والله تبارك وتعالى حدد العقوبات المترتبة عليها وهي عند الله ليست باهون من زوال الدنيا من قتل الابرياء"
من أين جاءت المحرمة الرابعة؟ وكيف تسربت الى النص؟ إن مناخ الحرب الأميركية وما يحمله من ثقافة جديدة, وأخلاق جديدة, هو المسؤول الأول عن مثل هذه الأخطاء اللاإرادية. فالحرب الأميركية أطلقت طاقات البشر الشريرة كلها, فأضحى كل شيء مباحا, من الفرهود والفساد والرشوة العنية واللصوصية الى القتل المصور بأحدث تقنيات التصوير التلفزيونية والسينمائية. أسوق هذا المثل لا لغرض تأكيد النبرة الجنسية للحرب الأميركية فحسب, بل لكي أشيرأيضا الى أن نزعة تدنيس الآخر ليست خصيصة ينفرد بها صدام وحده.
سنتوقف عند حدث جنسي آخر, هو الأشهر. في الجلسة الأولى للتحقيق مع صدام, التي راقبها العالم أجمع, لم يعلن من الجلسة سوى مشهد واحد شديد القصر, أثار حيرة صحافيي العالم ومحلليه, ولم يتمكن أحد من تقديم تعليل واضح له حتى هذه الساعة. لقد سمح الأميركيون ببث الجزء الجنسي من أقوال صدام حسين. الجزء الجنسي فحسب! وهو الجزء الذي يقول فيه إن الكويتيين أرادوا أن يجعلوا "سعر العراقيات بعشرة دنانير كويتية". لماذا هذا الجزء الجنسي المهين لعامة العراقيين, والذي قد يثير حفيظة الحلفاء الكويتيين أيضا؟ ( لم يثر الخبر حفيظتهم!) لا أحد حتى اليوم يستطيع أن يقدم إجابة مقنعة تبرر سبب بث ذلك الجزء اللا أخلاقي دون سواه؟ وأنا, هنا, لا أزعم أنني أملك مفاتيح السر. لكني أقول: لو أن إعلاميا عربيا واحدا قرأ كتاب صدام حسين (القلعة الحصينة), لوجد جوابا أكثر إقناعا من آلاف التخمينات المضللة التي سمعناها عن ذلك المشهد. ففي الصفحة 419 من الرواية يعيد صدام حسين ما قاله أمام القاضي حرفيا! وهو الجزء الذي هلل له الإعلام العربي الأميركي بنشوة, من دون أن يجرؤ على قراءة السطر الذي أعقب ذلك النص في الكتاب, والذي يؤكد أن ذلك القول ليس لصدام حسين شخصيا, وإنما هو قول نقله اليه أكبر حاكم عربي, عن طريق وزير نفطة. ولكي يكون صدام صريحا مع قرائه قال أيضا, جاء ذلك على لسان المبعوث الخاص للملك " السعودي", الذي كان "يشغل منصب وزير النفط واسمه هشام الناظر". هكذا قرأ رجال المخابرات كتب صدام, وبهذه الكيفية استخدمها القضاء العراقي, وبتلك الطريقة التشهيرية, المبتذلة, رددتها الصحافة العربية!
من يريد أن "يحرث" على طريقة المخابرات الأميركية, سيجد عند قراءة كتب صدام, أن صورة صدام بملابسه الداخلية, التي وقعت موقعا حسنا في نفوس كتاب عرب محتشمين, هي ذاتها, التي كررها صدام برعونة وسذاجة على صفحات عديدة من كتابه (رجال ومدينة), ص 165 وما بعدها! إن الحرب الجنسية الأميركية على العراق لم تكن سوى استعارة لعمليات التدنيس الصدامية, التي مارسها على الآخرين, أعادوا ممارستها عليه, ولكنهم أشركوا معه في "لعبة" التدنيس الأخلاقي أبناء الشعب العراقي كافة, الذين هم ضحايا دائميون للفريقين. إن هاجس العنف ومنطق تدنيس الخصم صفات مشتركة, يتحلى بها صدام والقيادة الأميركية, ويجيدون استخدامها بالطريقة المهينة ذاتها, لأنهما معا يغترفان من معين واحد: العنف والسادية المفرغة من القيم الانسانية السوية.
لقد حيّرت الصورة التي عرضت لصدام حسين عند وقوعه في أسر الأميركان العالم بأسره, لقوة تعبيرها وتركيزها ودقة إشاراتها الكثيرة الموجزة والمؤثرة. كثيرون ظلوا يتساءلون: كم من الوقت استغرق إعداد المشهد ذهنيا, قبل أن يقع صدام في الأسر ويطلب منه الوقوف أمام ألة التصوير, لتنفيذ المشهد الخيالي واقعيا؟
من دون شك, إن مشهدا على هذه الدرجة من التركيز والإيحاء تطلب جهدا وخيالا كبيرين, أنفقهما المصور أو المخرج أو المنتج أو من يقف خلف الفكرة. لكن قارئ رواية (اخرج منها يا ملعون) الفطن, يعثر على أوليات مرجعية تذكره بهذه الصورة. ففي الفصل الرابع من الرواية يظهر لنا رجل رسمه صدام بريشة ساخرة: أشعث الشعر, يملأ رأسه القمل, خارج من دهاليز العصور المظلمة. رجل يذكر تماما بصدام حسين في لحظة وقوعه في الأسر. هذا الرجل اسماه صدام حسين تحقيرا وتدنيسا: "حسقيل". ترى هل أفادت المخابرات, أي مخابرات, من ذلك الخيال؟
لا أملك جوابا مؤكدا على هذا السؤال! لكنني أؤكد أنني خرجت من قراءتي لروايات صدام حسين بثلاث ملاحظات, أولاهما: انني لم أقرأ كتابا واحدا في حياتي كلها, جعلني أشعر, من خلاله, أن كاتبه مستمتع بكتابته, كما شعرت وأنا أقرأ روايات صدام. وثانيتهما: اني وجدت أن الإعلامي العربي ملزم بأن يتعلم المبادئ الأولية لفن القراءة, قبل أن يقف أمام المشاهد أوالمستمع والقارئ. فذلك شرط أولي من شروط المهنة!
أما الثالثة فتتعلق بصدام شخصيا وصلته بالقارئ العربي, وفحواها أن كثيرا من الخطابات, التي كان صدام حسين يلقيها على الناس, كانت مخصصة له شخصيا. كان يلقيها على نفسه, ولكن بصوت عال. بيد أني وجدت, بين طيات صفحاته الألف وثلاثمائة وسبعين, بضع كلمات, حيرني أمرها, تقول:
"ألا يدفن الشريف نفسه حيا,ان لم يقاوم, ويموت شهيدا؟ فهذا أشرف له من ان يرى المهانة والذل"
ترى, لمن يوجه الرئيس خطابه هذه المرة؟ أو بمعنى أدق: من المتحدث ومن المستمع؟ أهو صدام الكاتب, أم الرئيس, أم السجين, أم المقاوم, أم الشهيد؟ أهو العزيز, أم المهان والذليل؟
حقا, لقد دفن صدام نفسه, حيا, في حفرة عميقة. لكنه فضل أن تكون حفرة مزودة بأنابيب للتهوية!
ذلك هو صدام الحقيقي, كما أراه, سواء كانت حكاية الحفرة خيالا أميركيا أو عراقيا, أو أنها حقيقة من صنع صدام نفسه.

سلام عبود



#سلام_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ارحلوا ايها الكلاب
- من كتب روايات صدام حسين؟ صدام يلقي خطابا على نفسه والذاكرة ت ...
- قراءة في روايات صدام حسين..دكتاتور كبير وقارئ كبير
- حكومة ننسحب, ما ننسحبشي!
- الله ساخرا!
- شكر المحتل, وشكر صدام ! ؟
- مزاد علني في الهواء الطلق
- وداعا زهرون...نم شفيف الروح يا بطل هذا الزمان!
- من يذكر طه حيدر؟
- صيادو رؤوس سويديون يتوجهون الى العراق
- إنهم لا يحصون الجثث
- أما آن الأوان لكي يعود طائر الثقافة المهاجر الى عشه؟
- أبو طبر
- النهلستي الأخير! دفاع مع سبق الإصرار عن سعدي يوسف, دفاع عن ذ ...
- زهرة الرازقي: رواية عن الحرس القومي
- أطفال الحرب
- ليس مباحًا أن يكون المرء طويلا في بغداد
- رحل فدائيو صدام, جاء فدائيو بوش!
- الاحتلال العراقي لأميركا
- ســقـط صــدام هــل يـســقـط الـحـزب؟


المزيد.....




- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سلام عبود - أول حرب جنسية في التاريخ