أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سلام عبود - مزاد علني في الهواء الطلق















المزيد.....

مزاد علني في الهواء الطلق


سلام عبود

الحوار المتمدن-العدد: 1150 - 2005 / 3 / 28 - 08:01
المحور: حقوق الانسان
    


يعاني العراق من أزمة مزمنة في نظام الحكم وفي بنية مؤسساته السياسية, أزمة لا تزال مستمرة, على الرغم من أن بعض مظاهرها الخارجية تغيرت شكليا بعد سقوط النظام الديكتاتوري. فبدلا من حل أزمة نظام الحكم بانقلاب عسكري – كما جرت عليه العادة- ظهر شكل جديد لحل الأزمة السياسية بوساطة استدعاء القوات الأجنبية, كشكل مستحدث من أشكال التغيير السياسي, اعتبرته القوى السياسية "المغتربة" الحل الأمثل, الوحيد والممكن. بيد أن سير الأحداث أثبت أن ذلك الحل لم يكن سوى تحويل مموه لسبل حل الأزمة بطرق غير شرعية – عراقيا ودوليا- تتناقض بشكل صارخ مع المصالح الوطنية, وتتناقض جوهريا مع حقوق وحريات المواطن كفرد. وبذلك أثبت كثير من السياسيين الحاليين أنهم لا يقلون رثاثة عن سابقيهم من الناحية العقلية, ولا يقلون عنهم صلفا, ناهيك عن أنهم لا يختلفون عن سابقيهم في مجال خلو أياديهم من أي مشروع وطني عراقي كبرنامج للعمل, إضافة الى فقدانهم التام والمطلق للأسس والمعايير القانونية المتعلقة بحقوق الفرد العراقي ومصالحه الشخصية والاجتماعية ومشاعره كإنسان.
إن تقاليد ثقافة العنف هي السائدة الآن, وربما تكون هي السيد الفعلي المتحكم بمجرى الحياة. فالعنف يعاد إنتاجه بإفراط ومنهجية, وتقاليده الراسخة في ضمائر ونفوس السياسيين وقطاع واسع من المثقفين المرتبطين بهم هي المحرك الأول للمشاريع السياسية من تحالفات واتفاقات ومحاصصات. لقد امتدت واتسعت شراهة المتحاصصين لتخرج من حدود تقاسم مراكز السلطة الى تقاسم الجغرافية والأعراق والأرواح في "صفقات" علنية تذاع على الهواء!
لقد جرى تغيير طابع السلطة القديمة بانهيار النظام السابق. ولكن على انقاض العنف الديكتاتوري تم تشييد عنف أكثر تنوعا وتعددا من سابقه. فإضافة الى عنف قوات الإحتلال متعددsalamة الجنسيات, تم استيراد العنف السلفي الإرهابي, وتم ابتداع آلة عنف باسم الدولة مصحوبة بعنف المليشيات ذوات المشاريع الانفصالية والتجزيئية. إنه عنف منهجي مركّب تم انجازه باسم الحرية, لكنه في المحصلة النهائية يهدف الى تأسيس قواعد جديدة لمشروع العنف بصيغ أجنبية وعرقية وطائفية, إنه التمهيد النفسي والعاطفي والسياسي للمرحلة القادمة: مرحلة تمزيق الوطن.
فتحت شعارات الحرية الأميركية أيضا تم انتخاب العراق بوعي تام وتخطيط مدروس ليكون ساحة الصدام العسكري المفتوحة والمتقدمة في الحرب الأميركية على الإرهاب الدولي. وتلك واحدة من أكبر جرائم عصرنا خطط لها عسكريو البنتاغون وأعانهم على تنفيذها سياسيون محليون استرخصوا دماء أبناء شعبهم, التي سالت قربانا لتحقيق الحلم الأميركي وتحقيق الأطماع العرقية والمذهبية والفئوية. فالجميع يتسابقون لافتراس طريدة الديكتاتورالمخذولة والمنهكة.
اقرأوا التاريخ جيدا, ستجدون أن أميركا بجمهورييها وديموقراطييها لم تكن صديقا لشعبا قطّ, يوما ما, بل كانت على الدوام العائق التاريخي لتطلعات شعبنا نحو الحرية والتقدم, والعنصر الخفي والعلني الكامن خلف حروبه وانقلاباته وأزماته الدموية كافة. إن علاقة الساسة الأميركيين بالشعب العراقي علاقة مجرمين بضحايا على مر تاريخنا المعاصر, منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى اليوم.
لذلك, أرى أن ما حدث لا يعدو أن يكون مجرد تدويل للعنف وإخراجه من ثوبه المحلي الى صيغته العالمية. لقد غدا العراق أول تجربة كونية للصراع بين الإرادات الشريرة تحت راية العنف والعنف المضاد, بمساعدة قطاع طرق محليين مصابين بجوع تاريخي للسلطة وبفقر دم وطني وراثي. إن استبدال عصابة الديكتاتورية بعصابات المارينز والمتعاقدين والإرهابيين السلفيين ما هو إلا تطوير لدائرة العنف وما يرافقها من تقاليد وبنى ثقافية وأخلاقية لا إنسانية, لا صلة للمواطن العراقي بها لا من قريب ولا من بعيد. إنها ثمرة من ثمرات أزمة البديل السياسي المصطنع, الذي يراد فرضه على الشعب بالعنف والترويع والتجويع والتفنن في ارتكاب المجازر.
لذلك لا غرابة في أن يستهتر البعض استهتارا علنيا مشينا بإرادة المواطن العراقي, الذي ذهب رغم تهديد الارهاب لاختيار ممثلين له في هيئة قوائم لا تملك إحساسا بالوطنية, قوائم لا صلة حققيقة تربطها بتوق الموطنين العارم الى الحرية والاستقرار والأمان, فلا غرابة إذا لو طال زمن المزاد السياسي على حساب أمن واستقرار المواطن, وتحت لافتة الديموقراطية أيضا. أية ديموقراطية لعينة هذه التي يجري تشييدها على دماء المواطنين!
قضايا كبيرة تركت بصماتها القاتلة على ماضي وحاضر الوطن يجري إغماض العين عنها عمدا. فإضافة الى أزمة الديموقراطية, كبرنامج للعمل وكممارسة, يحفر خاصرة العراق جرحان مميتان, كانا وسيظلان المنبع الرئيس الذي يغذي آمال القوة ويبدد ويستنزف طاقات الوطن الروحية والاقتصادية والبشرية. جرحان متقيحان يكونان على الدوام العامل الخفي والعلني للأزمات السياسية الداخلية في المجتمع العراقي, ويمهدان السبل لحل الأزمات, في أحوال كثيرة, عن طريق مشاريع العنف السياسي( الانقلابات, الحرب, الاحتلال). جرحان عميقان, قاتلان, كانا خلف سلسلة الانقلابات الدموية والحروب الخارجية والداخلية والأزمات المستعصية وخلف تغييب النهج الوطني العراقي السليم. جرحان عميقان هما: الكويت والمشكلة الكردية. فدولة الكويت والمشكلة الكردية كانتا المَعبر التاريخي جغرافيا وماليا وعسكريا وإعلاميا لكل الحروب والانقلابات والأزمات, بما في ذلك بعض مظاهر الأزمات الشخصية والذاتية لشريحة غير قليلة من السياسيين العراقيين.
إن مشروعا وطنيا, ديموقراطيا, عراقيا, صادقا, لا يمكن له أن يستقيم ما لم يطرح عن كاهله أثقال المشكلتين الكردية والكويتية مرة واحدة والى الأبد. فمن دون ذلك سيظل العراق لعبة سياسية يتناهبها ويتجاذبها محترفو الأزمات. إن المشروع الوطني العراقي لا يستطيع تسيير قاطرة تقدمه الحضاري ما لم ينظف طرقاته من الألغام التاريخية التي كانت وما زالت تعمل عمل فخاخ المغفلين في حياتنا السياسية.
فلا يمكن لمشروع ديمقراطي حقيقي أن يتأسس على قاعدة العنف والأنانية السياسية والأحقاد التاريخية والمحصاصات الطائفية والعرقية وعلى قاعدة تصدير الأزمات الى كل صوب وحدب متفننين في استغلال مشاعر المواطنين ودماءهم..
لقد قاد مشروع العنف السياسي- كما حدث تماما في التقاطب السياسي الحزبي الأناني عقب ثورة 14 تموز- الى إلحاق هزيمة تاريخية منكرة بالتيار الوطني الديمقراطي العراقي, الذي كان من المفترض- نظريا وفي الأحلام- أن يصبح البديل الواقعي لثقافة العنف الديكتاتوري.
يرى كثيرون في ذلك نتيجة طبيعية ومنطقية, وربما عادلة أيضا.
لكنها , في حقيقة الأمر, نتيجة مأساوية لشعب عاني من قهر الديكتاتورية والحروب لأكثر من ثلاثة عقود.
ونتيجة أكثر من مأساوية لشعب مظلوم لا يستحق كل هذا القدر البشع من الإذلال والامتهان والابتزاز.

# هذا الموضوع هو جواب الكاتب سلام عبود في الاستفتاء الذي أقامته جريدة المدى العراقية لبعض المثقفين العراقيين حول ما يود المثقف إيصاله الى الجمعية الوطنية العراقية, والذي نشر في حلقتين. ولسبب غير معروف لم تنشر المدى وجهة نظر الكاتب.



#سلام_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وداعا زهرون...نم شفيف الروح يا بطل هذا الزمان!
- من يذكر طه حيدر؟
- صيادو رؤوس سويديون يتوجهون الى العراق
- إنهم لا يحصون الجثث
- أما آن الأوان لكي يعود طائر الثقافة المهاجر الى عشه؟
- أبو طبر
- النهلستي الأخير! دفاع مع سبق الإصرار عن سعدي يوسف, دفاع عن ذ ...
- زهرة الرازقي: رواية عن الحرس القومي
- أطفال الحرب
- ليس مباحًا أن يكون المرء طويلا في بغداد
- رحل فدائيو صدام, جاء فدائيو بوش!
- الاحتلال العراقي لأميركا
- ســقـط صــدام هــل يـســقـط الـحـزب؟
- مــوســيـقــيـو الـحــدائــق
- أيـفــنـد يـونـســون الـحــلـم الاوروبــي فـي الادب الاســوج ...
- القيادة الكردية العراقية الحاكمة بين خياري الفيدرالية والحرب ...
- صرخة من أجل العراق
- صـدام عـمـيــلاً تـمـحــيـص الـمــصطلـح
- منابع الديكتاتورية.. صدام نموذجاً هل صنعته الطفولة أم صنعه ح ...
- عــلّــوكــي


المزيد.....




- تعذيب وتنكيل وحرق حتى الموت.. فيديو صادم يظهر ميليشيا موالية ...
- الأمم المتحدة: أكثر من مليون شخص في غزة يواجهون انعدام الأمن ...
- الأمم المتحدة: أكثر من مليون غزي يواجهون انعدام الأمن الغذائ ...
- زاخاروفا تضيف سؤالا خامسا على أسئلة أربعة وضعتها برلين شرطا ...
- مقال بموقع بريطاني: هذه طريقة محاسبة إسرائيل على تعذيب الفلس ...
- الأردنيون يتظاهرون لليوم الرابع قرب سفارة إسرائيل ومسيرات بم ...
- أكاديمي أميركي: المجاعة في غزة قد تتسبب بإدانة إسرائيل بالإب ...
- حرية الصحافة في أوروبا.. بين القرارات البرلمانية والتطبيق عل ...
- اعتقال 3 أشخاص بعد اكتشاف مخبأ أسلحة في مرآب سيارات في شمال ...
- إصابات.. الاحتلال يشن حملة اعتقالات واسعة في الضفة والقدس


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سلام عبود - مزاد علني في الهواء الطلق