أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام عبود - شكر المحتل, وشكر صدام ! ؟















المزيد.....

شكر المحتل, وشكر صدام ! ؟


سلام عبود

الحوار المتمدن-العدد: 1161 - 2005 / 4 / 8 - 12:13
المحور: الادب والفن
    


شكر المحتل, وشكر صدام!
رد على مقالة "شكر المحتل" لعباس بيضون
سلام عبود
بتاريخ 23-3- 2005 نشرت جريدة السفير كلمة قصيرة لعباس بيضون بعنوان " شكر المحتل", ويبدو أن الكلمة وقعت موقعا حسنا في نفوس بعض العراقيين , فأعيد نشرها على موقع "كيكا", ثم تكرر نشرها في جريدة "الصباح" الصادرة في بغداد والمرتبطة بسلطة الاحتلال.
ما أهمية ما كتبه بيضون؟
قد يختلف القراء في تقدير أوجه ما هو مهم وغير مهم في مجال الأفكار, بيد أن ما كتبه بيضون عظيم الأهمية في نظر الجميع. فإذا كانت "الصباح" قد احتفت بالموضوع لعنوانه المؤيد للاحتلال, فإن بعضهم - وأنا منهم- استلفت نظرهم البعد العقلي للموضوع وصلته بقضيتي الإبداع والحرية. فبيضون أراد أن يكون أول من يسجل باسمه عملية تقييم للأدب البعثي في مرحلة ما بعد سقوط الصنم, وإن كان في هيئة "اكتشاف صغير", وقد تحقق له ذلك. لكنه وهو يحقق سبقه ويؤكد "اكتشافه الصغير" حقق سبقا آخر, لا يقل أهمية, يتمثل في أنه عاد بالنقاش الفكري الجاري في العراق سنتين الى الوراء. فمنذ مؤتمر لندن للمعارضة العراقية ضخ الإعلام الأميركي سيلا من الأحكام القيمية تتعلق بالمعايير الأخلاقية والسياسية التبريرية المِشرعة والداعمة للاحتلال, تستند جلها على قاعدة منطقية واحدة اسمها "نظرية أسوأ الخيارات", تم فيها مقارنة النظام الجاهل, الفظ, الدموي لصدام حسين بمشروع الغزو الأميريكي. حدث هذا قبل الغزو واستمر لفترة وجيزة تالية للغزو. كانت المناقشات والمقايسات تجرى وفق التقاطبات الأميركية الفاشية (من فشا): نحن أو ابن لادن, صيغت من خلالها الخيارات السياسية والاجتماعية, والأهم خيارات الحرية, التي ناقش بيضون بعضا منها في مقالته. ومن أهم التقاطبات التي طرحت كحجج عقلية تؤيد شرعيّة الحرب والاحتلال, تلك التي صيغت في هيئة تساؤلات ذات قطبين سلبيين: من يقتل أكثر صدام أم الحرب الأميركية؟ من يلحق الأذى بالناس أكثر صدام أم جيوش الاحتلال؟ من يسرق أكثر؟ ومن ومن...؟ الى آخر القائمة الطويلة من المحاججات السمجة, المفرغة من المضمون الانساني, التي تلقفها كتاب الاحتلال من هواة الى محترفين. كان التصور الأميركي يقوم على قناعة مفادها أنه لا يوجد ما هو أسوأ من صدام, حتى أننا رأينا أحدهم ينشر إحصائية جنونية في وحشيتها تتحدث بالأرقام عن أفضلية القتل الأميركي, قائلا إن صدام يقتل سنويا خمسين ألفا من الناس, فماذا نخسر لو قتل الأميركان عشرة آلاف عراقي؟ ويجيب الكاتب نفسه عن تساؤله قائلا: لوحدث ذلك سنربح "نوفر" أربعين ألفا.
بيد أن فضائع الاحتلال الاجتماعية والمالية والسياسية والأخلاقية فاقت كل توقع, وجعلت المقارنات تختل لصالح أشنع ديكتاتور عرفه تاريخنا.
اليوم, وبعد سقوط تلك المفاضلات المادية, الحسية,الشريرة, والمبتذلة, على أيدي الأميركان أنفسهم, يعود بيضون الى المنطق نفسه, ولكن من زاوية جديدة, من جانبها الروحي الذي لا يصلح للعد ولا القياس:الحرية والإبداع. وفي كلا المحورين: الابداع والحرية يسقط بيضون, وهو يسعى الى تأكيد أهمية الإبداع والحرية, في فخ المنطق النفعي: منطق أسوأ الخيارات, فيجد في قصائد سامي مهدي وحميد سعيد " رعفا وحرارة لا أجدهما في قصائد كتبوها يوم كانوا في رعاية الاستقلال". فبيضون يقيس الحرارة والرعف من خلال مقارنة الاحتلال بالاستقلال, ناسيا وهو في يقتطف ثمار "الاكتشاف الصغير" أن الشعب العراقي بأسره, عدا جماعة ضئيلة باعت نفسها للغزاة, تقاوم الاحتلال وترفضه وإن اختلفت أساليب رفضها ومقاومتها. وبالتالي فإن شرف صيانة الاستقلال ليس إرثا بعثيا, وليس خصيصة جوهرية من خصائص النظام البائدوالشخصية البعثية, كما توهم مقالة بيضون. كما أن حرارة الشعر لا تصنعها المقاومة البعثية للمحتل, إن وجدت حقا مثل هذه المقاومة.
لا أريد أن استرسل في شرح مقاصد بيضون أكثر, فأفكاره عن الحرية تعيدنا الى الوراء سنتين كاملتين, سنتين ملطختين بالدم والخيبات المتواصلة.
من كل هذه الاستهلالة الطويلة أود الوصول الى سؤال أساسي هو جوهر ما أريد الوقوف عنده في مناقشتي لعباس بيضون: هل حقا أن الاحتلال حرر الأديب البعثي؟ وإذا كان الاحتلال فعل ذلك, فمن أي شيء تم تحريره؟
لم يوفق بيضون في صياغة معادلاته. فلم يكن مصيبا حينما وضع تساؤلاته في صيغة تقاطب بين استقلال واحتلال, ليصل الى نتيجة حسابية نيِّئة بّينة البطلان: "شكر المحتل". إن وهم تحرر الأديب البعثي لا يقل فسادا عن وهم المقاومة البعثية للاحتلال. فلم يُسمع بعد عن أديب بعثي تكرم بتقديم كلمة اعتذار الى شعبه, ولم نسمع منهم بعد ما ينبئ بوجود بارقة ندم. وإذا كانت محارير ومسابر بيضون قد تمكنت من رصد حرارة ورعف الشعر البعثي, فإن أجهزة القياس هذه لا تستطيع أن تجزم بأن تلك الحرارة ناتجة عن مقاومة الاحتلال أم أنها ناشئة من تأصل شهوة السلطة والقوة والعنف في نفوس القياديين البعثيين؟ إن الأديب البعثي لم يقدم للعراق حتى هذه اللحظة شهادة حسن نية تثبت تخليه عن أوهام السلطة وأوهام العنف والقسوة. وربما تكون أغرب مراجعة للذات صادرة من أديب بعثي "كبير", هي تلك التي تكرم بها علينا حميد سعيد من خلال صحيفة الاشتراكي المغربية في 26 نوفمبر 2004, حينما قال واصفا معاناة الأدباء العراقيين المعارضين للدكتاتورية: "كما كنت باستمرار, فانني أحترم رؤى الآخرين, وأقدر الأسباب التي دفعت البعض منهم الى المنفى". تلك هي أعمق نوبة تسامح بعثية من أديب "كان باستمرار" حامل لواء الحوار السلطوي, ومخترع مصطلح "المسألة القندرية", أي الحوار بالأحذية. (لمزيد من الإيضاح حول "المسألة القندرية" راجع كتابي "ثقافة العنف في العراق" ص 19 )
## ## ## ##
حقيقة, لم يكن ما كتبه بيضون وحده هو ما حفزني للرد, بل كان ما سمعته "قناة العراقية" التلفزيونية, هو الذي جعلني أكون على يقين من أننا مقدمون على أزمان صعبة, فالخراب العقلي ينخر رأس المؤسسة الثقافية العربية. فمن على ٍ"العراقية" أعاد القيادي الجديد في اتحاد أدباء العراق: حميد المختار القول بأنه كتب وهو معتقل في سجن "أبو غريب" ثلاث روايات, وحينما نقل الى قسم الأحكام الثقيلة أكمل رواياته الثلاث وأضاف اليها ديوان شعر!
كانت تهمة المختار انه قام "بعصيان مسلح ضد أمن الدولة, وفق المادة 192", كما يؤكد المختار غير مرة متحدثا عن أنه قدم سلاحا ناريا الى جماعات المقاومة المعادية للنظام الديكتاتوري!
لو عدنا الى منطق المفاضلة والمقايسة, منطق مفاضلة أسوأ الخيارات, نجد أن سجن "أبو غريب" الأميركي, الذي كان متحفا خياليا لتأليف الروايات(!؟), تحول الى روايات عالمية بشعة عن هتك الأعراض والاستباحة البربرية لحرمات البشر.
فهل يحق لنا أن نقول شكرا لصدام!
إن منطق الأميركان, ومنطق بيضون في مقالته "شكر المحتل", ومنطق حميد المختار, و قبله منطق حميد سعيد المسكين, تُجوّز لنا قول ذلك بكل ثقة.
لكن الضمير والتاريخ ومنطق البشر العادل تقول لناعكس ذلك. فلا حرية صدام ولا حرية المحتل قادرة على بث الحرارة في جسد الشعر, أي شعر, حتى لو كان شعرا بعثيا عن مقاومة موهومة.
فلا صدام ولا الاحتلال يستحقان كلمة شكر على جرائمهما, حتى على سبيل التجاوز أوالمناكدة, أو حتى على سبيل التباهي الشخصي الَمَرضي.
لذلك, أتمنى من كل قلبي أن لا يظهر بيننا مثقف عربي عطوف يطالب أدباء لبنان, وفي مقدمتهم بيضون, بأن يعيدوا الاحتلال الاسرائيلي الى أرض لبنان(وربما الأميركي), كي يستطيع أدباء لبنان المستقلون أن يكتبوا شعرا أكثر حرارة من شعر مرحلة الاستقلال.
وإذا قدر لمثل هذا المثقف أن يظهر, فما علينا سوى التسليم بأن هذه الأمة فقدت رشدها تماما.
إن العجالة في إلقاء الأحكام قد تكون أقل ضررا حينما يتعلق الحكم بالشعر كقضية فنية بحتة, وبالحرية كموضوع فلسفي مطروح للمناقشة العقلية المحضة. لكن موضوع الشعر والحرية يغدو شأنا عظيم الخطورة حينما يكون جزءا من قضية كبيرة كالديكتاتورية والاحتلال, فهي قضية حياة ومصير أكثر منها قضية فن ودرس عقلي. لذلك فإن الروية والهدوء والتمحيص والتقصي, لا الاكتشافات الصغيرة, رغم طرافتها, هي القادرة على درء وقوع خطأ عقلي كبير كالمفاضلة بين شرور الاستقلال ومباهج الاحتلال.
باختصار شديد, إن القضية لا تتعلق بإلقاء" شبهة على حرية الأدب", كما يقول بيضون في مقالته, بل تتعلق بإلقاء شبهة على حرية الأديب وهو يقدم اكتشافاته الأدبية, صغيرها وكبيرها. فلا الاحتلال ولا صدام ولا الزرقاوي بقادرين على منح الشعر المتباكي على حقبة دموية زائلة حرارة أو رعاف الحرية.



#سلام_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مزاد علني في الهواء الطلق
- وداعا زهرون...نم شفيف الروح يا بطل هذا الزمان!
- من يذكر طه حيدر؟
- صيادو رؤوس سويديون يتوجهون الى العراق
- إنهم لا يحصون الجثث
- أما آن الأوان لكي يعود طائر الثقافة المهاجر الى عشه؟
- أبو طبر
- النهلستي الأخير! دفاع مع سبق الإصرار عن سعدي يوسف, دفاع عن ذ ...
- زهرة الرازقي: رواية عن الحرس القومي
- أطفال الحرب
- ليس مباحًا أن يكون المرء طويلا في بغداد
- رحل فدائيو صدام, جاء فدائيو بوش!
- الاحتلال العراقي لأميركا
- ســقـط صــدام هــل يـســقـط الـحـزب؟
- مــوســيـقــيـو الـحــدائــق
- أيـفــنـد يـونـســون الـحــلـم الاوروبــي فـي الادب الاســوج ...
- القيادة الكردية العراقية الحاكمة بين خياري الفيدرالية والحرب ...
- صرخة من أجل العراق
- صـدام عـمـيــلاً تـمـحــيـص الـمــصطلـح
- منابع الديكتاتورية.. صدام نموذجاً هل صنعته الطفولة أم صنعه ح ...


المزيد.....




- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام عبود - شكر المحتل, وشكر صدام ! ؟