أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - شبابيك القدس1 / قالت لنا القدس5















المزيد.....

شبابيك القدس1 / قالت لنا القدس5


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 4840 - 2015 / 6 / 17 - 12:14
المحور: الادب والفن
    


تستدعي شبابيك القدس بعض التأمّلات، وتستثير في النفس رؤى وأفكاراً وانطباعات، وهي تنطوي على حقائق ومفارقات، لا يمكن أن تحدث إلا في مدينة مثل القدس، التي ما زالت تعاني من التراكمات السلبيّة للاحتلال الإسرائيلي، ومن وطأته على أهل المدينة وعلى العمران فيها سواء بسواء.
وأنا أتجوّل في البلدة القديمة من القدس، وفي بعض أحيائها الواقعة خارج السور، يحدث أن أتوقّف عند شبابيك المدينة، أتأمّلها. وأتذكّر ما كان يفعله كاتب أمريكي أظنّه جون شتاينبك، الذي قال ذات مرة، إنّ لديه شغفاً باستراق النظر عبر الشبابيك التي يمرّ بها وهو يمشي في شارع أو زقاق. رغبة شتاينبك هذه تعبّر عن فضول الكائن البشري لسبر أغوار الحيّز الذي قد تفصح عنه وقد لا تفصح عنه الشبابيك.
في حالة القدس القديمة، يقلّ وجود الشبابيك القريبة من متناول أيّ فضولي راغب في النظر عبر هذه الشبابيك، حيث تكثر في الطوابق الأرضية للبنايات، الحوانيت والمخازن والأفران والورش والمطاعم والمقاهي وما شابه ذلك، وتتعيّن الشقق السكنيّة في الطوابق التي تلي ذلك، ما يجعل الشبابيك أعلى من رغبات الفضوليّين. ثم إنّ المجازفة باستراق النظر عبر الشبابيك في مدينة مثل القدس، قد يجرّ وراءه إشكالات لا يقدم عليها إلا متهوّر أو مجنون.
وأتذكّر أيضاً، شبابيك الحارة القاهريّة كما صوّرتها بعض أفلام السينما المصرية، أو كما وصفها نجيب محفوظ في بعض رواياته، حيث الشبابيك متنفّس للفتيات المراهقات اللواتي يتلهّفن على رؤية الشباب، الذين تسوقهم الأقدار أو الرغبات المقصودة، للوقوف على مقربة من الشبابيك، التي تطلّ منها على نحو موارب أو صريح، فتيات راغبات في الحب. وحيث الشبابيك فضاء ملائم لنساء محشورات في البيوت، يمكنهن من خلاله، أن يسترقن النظر أو يقفن علانية لمراقبة حركة الناس في الأسواق، أو لتبادل الأخبار والإشاعات، وتسعير النميمة مع الجارات اللواتي لا يعرفن كيف يقضين أوقاتهن. كان هذا هو الحال في قاهرة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، ولا أعتقد أنه ما زال يجري على الوتيرة نفسها هذه الأيام.
في القدس القديمة، لم يعد الحال هو الحال نفسه كذلك. صحيح أنّ المزاج المحافظ عاد إلى التغلغل في ثنايا المدينة على نحو ما. غير أنّ تحت سطح المحافظة تكمن رغبات وممارسات، نابعة من الطبيعة البشريّة التي تتمرّد على السائد على هذا النحو أو ذاك، وهي نابعة كذلك من طبيعة المرحلة التي تجتازها القدس بغضّ النظر عن كلّ الضغوط والملابسات، فثمّة تجليّات للحداثة بأشكالها السلبيّة والإيجابيّة، بحيث تصعب إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بنجاعة تامّة، وتصعب محاصرة هذه التجلّيات وضبط تأثيراتها، وبخاصّة على جيل الشباب والشابّات.
لم تعد الشبابيك هي الفضاء الذي يجري من خلاله تناقل الأخبار أو تسريب الإشاعات. فقد أصبحت ممارسة هذه الرغبة ممكنة عبر الهواتف البيتيّة أو الهواتف النقّالة التي تقتنيها النساء، ويمارسن من خلالها ما طاب لهنّ من ثرثرة وكلام. وأصبحت ممارسة هذه الهواية ممكنة في اللقاءات المباشرة بين النساء، حيث لم يعد من الصعب على المرأة، حتّى وإن كانت تنتمي لأسرة محافظة، الخروج من بيتها، لملاقاة غيرها من النساء، في سوق الخضار أو في محالّ النوفوتيه أو في الوظيفة، أو في الشارع حيث يتمشّى الرجال والنساء في الأماسي العاديّة، حينما لا تكون المدينة واقعة تحت منع التجوال أو مغلقة بسبب إضراب.
وأما الفتيات المتعطّشات إلى علاقة مبكّرة قد تنتهي بالزواج وقد لا تنتهي بالزواج، فلم يعد صعباً عليهنّ استخدام الهاتف النقّال، وإرسال الرسائل على هذا الهاتف. لم يعد صعباً عليهنّ الخروج من البيت لأيّ سبب من الأسباب. يخرجن إلى المدرسة أو إلى الجامعة، أو إلى سوق العمل المأجور أو إلى الوظيفة، أو إلى الكوافيرة أو إلى محالّ النوفوتيه وباعة الأحذية، وغير ذلك من أمكنة. ذلك أنّ المزاج المحافظ لم يعد قادراً على ممارسة الشروط القمعيّة نفسها التي كانت تُمارَس على النساء في سنوات سابقة، لأنّ الزمان تغيّر، ولم يعد هو الزمان نفسه بشروطه القاسية نفسها.
هذه الطفرة الطبيعيّة في العلاقات وفي تفاصيل الحياة اليوميّة، نزعت عن الشبابيك طابع الرومانسيّة التي قرأنا عنها في الروايات، أو التي كنّا نشاهدها بأمّ أعيننا في الشبابيك المطلّة على تلك الحارة أو على ذلك الزقاق. انكفأت الشبابيك على نفسها، وأصبحت مجرّد فضاءات لأداء وظائف أوّلية صُمّمت الشبابيك أصلاً من أجلها، مثل تمرير الهواء إلى داخل البيت وكذلك أشعّة الشمس، أو تمرير شحنة من نور حينما لا تكون الشبابيك واقعة في مدى أشعّة الشمس، بسبب اكتظاظ العمران في القدس القديمة، ووجود حيطان مغمورة وفيها شبابيك مقموعة لا ترى الشمس ولا تراها الشمس.
مع ذلك، يظلّ المزاج المحافظ وطلب الستر ودفع الفضيحة قدر الإمكان ورفضها والتطيّر من وقوعها، يسم شبابيك المدينة بميسمه، حيث الستائر السميكة التي تجلّل الشبابيك من الداخل في أغلب الأوقات، وحيث السكون الذي يهيمن على الشبابيك، فلا تظهر أيّة حركة في فضائها ولا أيّ حضور بشريّ، كما لو أنّها لا تفضي إلا إلى عالم من فراغ.
ولمزيد من الحيطة والحذر، تبدو الشبابيك مزنّرة بحمايات من الحديد الصلب الذي يتّخذ شكل رماح عموديّة متوازية في أغلب الحالات، ويتّخذ شكل زخارف وأشكال هندسيّة بديعة في القليل من الحالات. هذه الحمايات مكرّسة لحماية البيت من اللصوص في الدرجة الأولى، وهي تعبير عن عدم الثقة في الشبابيك، حتى وإن كانت في أحيان غير قليلة، واقعة في الطوابق العليا التي لا يصل إليها اللصوص، بسبب الارتفاع الذي يكفي وحده لحماية البيت منهم.
ولعلّ المزاج المحافظ هو المسؤول عن قلّة أصص الورد والأزهار في فضاء الشبابيك. لأنّ ذلك يستدعي قيام ربّة البيت أو بناتها بفتح الشبابيك وبالعناية بالورد وتعهّده بالسقاية وغير ذلك من أسباب العناية والانتباه، ما يعني انكشاف نساء البيت على شبابيك أخرى لجيران آخرين، أو على أشخاص فالتين يتحرّكون في الأزقّة والحارات (يحفل الغناء العربي بأغاني الغزل التي تتحدّث عن الورد وعن الشبابيك، ما يجعل للأمر ظلالاً غير مريحة في نفوس المحافظين).
ولمزيد من الحرص والحذر، وللتأكيد على المزاج المحافظ، ولكي يكتسب البيت مظهراً متجهّماً لا يغري اللصوص أو العابثين بأيّ اقتراب منه، تبدو أباجورات الشبابيك مغلقة في أغلب الأوقات. قد يجري فتحها ساعة أو ساعتين في النهار، ثم تغلق بعد ذلك، ربّما لمنع الشمس من تخريب ألوان الستائر والكنبات وغيرها من أثاث، وربما لمنع الغبار من اقتحام البيت، وربما بسبب الرغبة في تحصين البيت ولو في شكل غير واع لذلك.
وفي كلّ الأحوال، تلعب الستائر الداخليّة ما هو منوط بها من أدوار. وهي تتكوّن في العادة من طبقتين: طبقة من التولّ الأبيض الخفيف للزينة ولأداء وظائف معيّنة في قلب الدار، وطبقة من الستائر الثقيلة التي تدعم الأباجورات في تناغم ضمنيّ معها، لحماية البيت من الشرور والمفاجآت.



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في مديح نساء القدس/ قالت لنا القدس4
- قالت لنا القدس3
- تمهيد ثانٍ/ قالت لنا القدس
- تمهيد أول/ قالت لنا القدس
- رقص/ قصة قصيرة جداً
- فراغ/ قصة قصيرة جداً
- لو/ قصة قصيرة جداً
- مفاجأة/ قصة قصيرة جداً
- غبش/ قصة قصيرة جداً
- الخالة/ قصة قصيرة جداً
- نبيذ/ قصة قصيرة جداً
- قطار/ قصة قصيرة جداً
- الطفل/ قصة قصيرة جداً
- عشاء/ قصة
- متجر/ قصة قصيرة جداً
- عري/ قصة قصيرة جداً
- مرور خاطف
- كهوف/ قصة قصيرة جداً
- الطائرة/ قصة قصيرة جداً
- الأم/ قصة قصيرة جداً


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - شبابيك القدس1 / قالت لنا القدس5