كل مرة على هال جرة وطحينك ناعم

رشاد جبار السعيدي

الحوار المتمدن-العدد: 1335 - 2005 / 10 / 2 - 09:02
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    

كانت تجلس مع أبيها الطاعن في السبعين من العمر, بظل ضوء خافت ينبعث من التلفاز وشمعة صغيرة كانت موضوعة بينهما. الشمعة التي حصلت عليها كدعاية عند ذهابها للمركز الانتخابي للإدلاء بصوتها في الانتخابات الأخيرة. سمعت من المرشحين من قائمة الشمعة من الوعود, هي وغيرها الكثيرين, بأنهم سينعمون بأجواء الرومانسية المضيئة بالشموع.
أما أصوات الهدير القادم من خارج البيت, كانت قد اعتادت عليه. كان هديرا لا ينقطع معظم ساعات النهار وطوال ساعات الليل. هدير محرك المولد الكهربائي, الذي يولد القليل من الامبيرات الكهربائية, تكفي لتشغيل بعض الأجهزة المنزلية الضرورية. وبالكاد يتبقى من هذه الامبيرات لتشغيل جهاز التلفاز.
كان بيدها جهاز التحكم (الرموذ كنترول), ناقرة بين الفينة والأخرى على أزراره, لتبحر في بحر القنوات الفضائية من مغربها الى مشرقها ومن شمالها الى جنوبها, معللة النفس بخبر يطمئن القلوب ويريح الأعصاب ويبعث على الأمل. فجأة استقرت على أحدى القنوات, وما هي ألا لحظات حتى ظهر أسفل الشاشة(خبر عاجل) ومكتوب بخط احمر. أشار الخبر الى أن محاكمة (الجرذ صدام), ستبدأ قريبا.
شاطت غضبا ولعنت اليوم الذي ولدت فيه في هذا البلد, قائلة لأبيها المنصت إليها باهتمام وبدون أن يقاطعها على الدوام.
مللنا اللعب بأعصابنا...مللنا الكذب الذي يطلقونه كل يوم وكل ساعة...مللنا حتى أسم الجرذ صدام...يطلون علينا كل يوم في مؤتمراتهم الصحفية, جالسين تحت مكيفات التبريد, ليعلنوا أنهم سيحاكمونه قريبا جدا. كنا قد سمعنا الخبر منذ أول وزير للعدل بعد السقوط ألا وهو مالك دوهان الحسن وحتى أخر وزير في وزارة الجعفري. لقد أكملت التحقيقات, وجمعت الأدلة, واحضروا الشهود, لكن شئ جدي لم يحدث.( كل مرة على هال جرة وطحينك ناعم).
لقد عرض التلفزيون السويدي قبل ايام تحقيقا عن المحاكمة المرتقبة لصدام. يظهر فيها صدام بفيلم التقط بعدسة مصوره الخاص وهو يجري التحقيقات بنفسه مع مجموعة من شباب الدجيل, التي تعرض فيها صدام الى محاولة اغتيال. واجمع الخبراء القانونيين على أن هذه الأدلة كافية لإدانة الجرذ صدام. ألا ترحمون العباد والبلاد وتعدموه, ليكف أيتامه وأزلامه وفدائيه وبقايا مخابراته والمتحالفين معهم من خوارج العصر, التكفيريين السلفيين. ألا يمكن أن ترحمونا لننسى الماضي الأليم والمرير...ألا ترحمونا لننسى المقابر الجماعية وضحاياها...ألا يمكن أن تشفوا غليل الأمهات الذين فقدوا فلذات قلوبهم في حروب الطاغية.
لماذا هذا الانتظار؟...أهي صفقة جديدة تريدون عقدها لإطلاق صراح سفاح العصر؟
كفاكم وعودا ...نريد فعلا...نريد أن نرى جزارنا وقاتلنا وسالب حريتنا في قفص الاتهام..ووراء القضبان.
عندها ضغطت بكل ما تملك من قوة على جهاز التحكم لتنسى كل الآهات, ولتشاهد برنامج (ستار أكاديمي) بجزئه الثالث ومن بعده( لمن يجروأ).

#رشاد_جبار_السعيدي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات