رشاد جبار السعيدي
الحوار المتمدن-العدد: 1289 - 2005 / 8 / 17 - 09:50
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
في تاريخنا العراقي القديم والمعاصر حكايا وقصص, يمكن أن نستلهم منها الكثير من الدروس والعبر حتى في وقتنا الراهن. قصص تناقلتها الأجيال عبر السنين ورواها لنا الأجداد والإباء. نستمتع بها عندما كنا نتحلق حولهم مشدودي الانتباه لما يرووه عن أحداث الزمن الغابر التي عايشوها أو نقلوها عن آبائهم. وتحضرني هنا قصة كانت قد حدثت بالفعل في ريفنا وبالذات في احد مضايف عشائر الجنوب العتيدة.
دخل الشيخ مجيد الخليفة يوما في مضيفه وفوجئ بجلوس احد فلاحيه في مكان الشيخ المعتاد في صدر المضيف. فما كان من الفلاح إلا الإسراع بالخروج عند مشاهدته الشيخ مقبلا على مكانه للجلوس فيه. لكن الشيخ كظم غيظه في تلك اللحظات وبعث في اليوم التالي الى الفلاح بالقدوم إليه, لاستبيان سبب جلوسه في مكان الشيخ. فبادره الشيخ مجيد الخليفة بالسؤال عن السبب الذي دفعه لذلك. فأوضح الفلاح بان شئ ما يدور في خلده, شغله بحيث جلس من حيث لا يعلم في مكان الشيخ.
فاستطرد الفلاح قائلا (محفوظ.. ابن آدم يأخذوه للعباس إذا تسودن), فأجابه الشيخ بالإيجاب, ثم أكمل الفلاح سؤاله ( زين محفوظ..العباس إذا تسودن.. وين يأخذوه؟).
عند ذاك أدرك الشيخ إن هذا الفلاح يحمل هموماً في صدره, يريد البوح بها. فطلب منه التحدث بما يشغله وله (الرأي) والأمان في كل ما يقوله. فسرد الفلاح ما عنده, من إن أخوة وأقارب الشيخ يسرقون أموالهم وينتهكون أعراضهم ويعبثون ويمرحون بقوتِ الفلاحين الذين لاحول لهم ولا قوة.
هذا ما آلَ إليه حال العراقيين اليوم, فالسلب والنهب والفساد الإداري الذي استشرى بصورة غير معقولة في جميع مؤسسات الدولة, وأصبحت عاجزة عن تقديم ابسط الخدمات للمواطن لعدم توفر المال اللازم, الذي يذهب الى جيوب المسؤولين.
إن عمليات السرقة في فترة العامين المنصرمين, هي من اكبر العمليات في العالم قاطبة, فبالإضافة الى ما قامت به قوات الاحتلال من عمليات السلب والنهب المنظم, ونقلت ما استطاعت نقله الى خارج العراق. شارك بعض العراقيين في عمليات سرقة بلادهم, مما أدهش العالم الذي وقف متفرجا على ما يفعله هؤلاء بحق وطنهم ومواطنيهم.
وشارك في عمليات السرقة أناس ادعوا السياسة ومنهم من كان من المحترفين وأصحاب السوابق في اللصوصية والاحتيال. والمدعو مشعل الصراف احد رجال الاحتلال مثال صارخٌ على ذلك.
الصرّاف، من مواليد مدينة كربلاء, هاجر مع عائلته في بداية عقد الستينات من القرن الماضي الى لبنان ثم الى بريطانيا وبعدها عاد الى لبنان ثانية. ويحمل الجنسيات: البريطانية واللبنانية والعراقية. وحصوله على الجنسية البريطانية كان بعد مدة ليست بالقصيرة لاتهامه بالاحتيال المالي في بريطانيا. وعرف عنه فشله في جميع المجالات التي عمل فيها. لكن بعد عودته الى العراق مع قوات الاحتلال الأمريكية استطاع بطرق النصب التي يجيدها أن يعمل مراسلاً بين عضوة مجلس الحكم الانتقالي رجاء الخزاعي وحازم الشعلان الذي كان محافظاً للقادسية حينها. ولإجادته اللغة الإنكليزية التي يجهلها الشعلان, استطاع الصراف الوصول لمنصب وكيل وزارة الدفاع ومستشارا سياسيا للأخير في حكومة علاوي المنحلة. ولتتم واحدة من اكبر السرقات في تاريخ العراق الحديث عن طريق ما يسمى بإبرام عقد لتجهيز الجيش العراقي الجديد بمدرعات وتجهيزات عسكرية أخرى. وبلغت قيمة العقد الموقع 300 مليون دولار أمريكي, نقلت بطائرة خاصة الى لبنان وبموافقة رئيس الوزراء السابق اياد علاوي. وكان المدعي العام اللبناني كشف هذه الأموال المهربة وفتح تحقيقا بها وطلب من الجهات العراقية المسؤولة التعاون لتقديم هؤلاء للمحاكم العامة لينالوا جزائهم, لكن السلطات العراقية لم ترد على الطلب اللبناني الذي أغلق لظروف غير معروفة.
لكن القليل منا نحن العراقيين قد عرف بظروف هذه السرقة(الصفقة), نتيجة لاشتراك إطراف وشخصيات على مستوى عالٍ. وما كان من الشعلان ألا مغادرة البلاد بعد الانتخابات الأخيرة ليستقر هو وملايينه المسروقة في الأردن, ويكافح(الرجل) الآن من اجل تكوين ائتلاف من عدة أحزاب صغيرة للعودة الى الساحة السياسية والدخول في الانتخابات الجديدة نهاية العام الحالي. والغريب إن الحكومة الحالية ومفوضية النزاهة تعلم كل العلم بهذه الصفقة(السرقة) وتعلم أدق تفاصيلها, لكنها لم تكلف نفسها باستدعاء مشعل أو الشعلان. وتقف مكتوفة اليد أمام محاولاته الجديدة للعودة الى حلبة السياسة في العراق.
إن من السخرية حقا, أن تمنع الحكومة الحالية رغد صدام حسين من الترشيح والعمل السياسي بحجة حيازتها لأموال مسروقة من خزينة الدولة العراقية, والمعروف أنّ ابنة الدكتاتور الساقط لم تقم شخصياً بسرقة تلك الأموال بل آلت إليها عن طريق الحسابات الخارجية لوالدها وزوجها (مشعول الصفحة). بينما تسمح للشعلان، الذي عرف العالم كله بسرقته (صفقته)، بالعمل السياسي وتشكيل حزب للمشاركة في الحياة السياسية. اعتقد ان لا فرق بين حازم الشعلان، وكيل الأمن السابق والحرامي في العراق الجديد، وبين رغد صدام حسين التي تمتلك مواصفات قريبة من مواصفاته.
والأدهى من هذا أن شخصيتين من شخصيات العهد الجديد تصول وتجول في الساحة السياسية العراقية وتشترك بشكل ملفت للنظر في صفاتها مع الشعلان وبنت صدام, وهما وزير الداخلية الحالي باقر صولاغ وعضو الجمعية الوطنية مشعان الجبوري, المعروف عنهما نشاطهما المشبوه في تهريب اللاجئين العراقيين وبسعر 3000 دولار " للنفر" الواحد بين العراق وسوريا والدول الأوربية.
والسؤال هنا أين هي مفوضية النزاهة(المزعومة) عن كل هذا الذي يجري, وكيف سمحت لهؤلاء اللصوص والمهربين للوصول الى مناصب حساسة في الدولة؟.
لا نريد دولة مؤسسات كارتونية غير قادرة على مكافحة الفساد والفاسدين.
لا نريد دولة يتصدرها اللصوص ومهربي اللاجئين.. يا مفوضية النزاهة.
رشاد جبار ألسعيدي
[email protected]
#رشاد_جبار_السعيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟