|
مجتمع آخر أو مجتمع الجناكا -11-
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4673 - 2014 / 12 / 26 - 22:15
المحور:
الادب والفن
في الأيام الممطرة يتوقف نورالدين عن البيع . ليس لحبه الراحة ، أو خوفا من بلل بضاعته ، فهو لايبيع الا معروضات القش التركي والصيني ، بل لأنه لايمكنه أن يفترش سلعته تحت فضاء مفتوح على امطار لاتتوقف . وحتى وان توقفت ، ثم استأنفت هطولها فان حركة الناس تكون قليلة . وسوق بني مكادة سوق الزحمة وتداخل الأجساد والازدحام . وفي فصل الشتاء ، وخاصة في الأيام الممطرة تقل حركة الناس . يتنفس الشارع من تلك الأجساد المترهلة التي تخرج من جحورها هاربة من سجنها الأبدي بين اربع جدران . يستعيد هدوءه واتساعه ، يتمكن من رؤية كل أبعاده . يطل ممر الراجلين على رصيف السيارات ، يهنئه على استعادته لدوره الأساسي . ويرد عليه رصيف السيارات التهنئة بأفضل منها وهو يوصيه بالمارة خيرا . يقضي نور الدين يومه في رأس الحي ، وبالضبط شارع 49 بين أصدقائه من الجيران . مختبئا مع أصدقائه تحت سقف الحي يمضون وقتهم في شرب دخان الكيف ونفثه وفي أكل لحم الأموات الذي يعشقونه حد امتصاص العظام . يمر عليه اليوم ثقيلا . ويحدث ان يتشاجر مع زوجته التي ألزمها المنزل بعدما تحركت تجارته شيئا ما ، وأصبح لايكف عن عد تلك الحزمة من الأوراق المالية الزرقاء من فئة 200 درهم . هي عادة تمكنه بحس الامتلاك . لايكف عن عدها دون مبرر ، سواء هنا أمام أصدقائه أو حين يكون منشغلا ببيع بضائعه . أخرج هاتفه الخلوي ، بحث عن اسم زوجته ، وطلب منها أن تعد له كأس شاي وترسله مع ابنته أروى . ولاسم أروى حكاية طويلة مع أفراد عائلته كلهم . فقد تشبثت زوجته بهذا الاسم وأصرت عليه اصرارا ، تيمنا ببطلة أحد الأفلام المصرية ، أحبتها بكل جوارحها وتمنت لو أنجبت طفلة جميلة مثلها . وحين استغرب زوجها الاسم وأنكره ، قالت له لايمكن للمصريين ان يسموا بناتهم بهذا الاسم اذا لم يكن اسما جميلا . أما أخته أسماء فقد رفضت الاسم جملة وتفصيلا متحججة بأن هذا الاسم لم تسمعه يوما وهو اسم النصارى ، وزوجته حمقاء ، ربما كان ضغط الوحم عليها شديدا فعشقت اسما نصرانيا . فرح نورالدين بانجابه طفلة ، جعله يرفض كل تبريرات أفراد عائلته ويتمسك برغبة زوجته . كان يدافع عن الاسم بنفس منطق زوجته ، ويصرخ في وجه أخته " ألم تتابعي فيلما مصريا اسم بطلته أروى ؟ هل المصريون نصارى ؟ " . هو الآن أب لمولودة من حر صلبه ، وهذا في حد ذاته حدث عظيم وانجاز اعجازي . لا أحد كان يتصور أن نورالدين كغيره من شباب حي أرض الدولة سينجب بنتا ، أو سيكون أسرة . العطالة سوس ينهش عنفوان شباب لأرض الدولة ، يسلبهم جميع حقوق الحياة ، يخلخل كل سنن الوجود الانساني . كيف لعاطل عن العمل أن يتزوج امرأة كيفما كان شكلها ونسبها ووضعها الاجتماعي . لم يقتنع أطراف الممانعة بتبرارات نورالدين وزوجته ، وأصر الفريق الأخير على رأيه ، خاصة حين قال لهم نوردالدين :"انها ابنتي وسأسميها ما شئت ، حتى لو أسميتها ماريا ، هل لأحد دخل في ابنتي ؟ " . كم كان رائعا وهو يلفظ كلمة "ابنتي " . لم يكن يتصور يوما أنه سينجب ، حين نطق لفظ ابنتي أحس بتعدده وامتداده . لا أحد بامكانه أن يقتلع هذا الاحساس بالتعدد والتمدد .خاصة اذا استوطن شعور اليأس والاحباط ذاتا انسانسية ردحا من الزمن . يقولون في المثل المغربي "سول المجرب ، لاتسول الطبيب " لقد فشلت كل محاولاته في ايجاد حرفة أو مهنة مستقرة . خدم نادلا ، ثم بائعا جائلا ، ثم باع الخضر ، وخاصة الجزر واللفت . لكنه لم يفلح في الاستفادة من اي مهنة ، كان يتوهم أنه كلما استقر على مهنة ما الا وتكاثر آخرون أمثاله فيضيقون عليه رزقه وينسحب منها . فقرر كما كثير من أصدقائه وجيرانه الانتصاب أمام جدران الحي والوقوف طيلة اليوم متكئين عليها أو جالسين على دكات المنازل والتظر الى المارة من الرجال والأطفال والبنات والنساء .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عودة الأنظمة القديمة
-
النفاق السياسي بالمغرب
-
تقبلي كوردة عطري
-
استسلام عاشق
-
مجتمع آخر أو مجتمع الجناكا -10-
-
من صدام الحضارات الى صراع الحارات
-
الفيضانات تجرف مصداقية مسؤولي الدولة المغربية
-
زينب الغزاوي ،أو كم هي الحقيقة قوية ؟؟؟
-
الانقطاع الزمني ووأد السلالة الفكرية المغربية
-
استعدوا أيها العرب ، عودة الديكتاتورية بكل عنفوانها
-
وزير الداخلية المغربي يحن الى زمن ادريس البصري
-
الفرق بين دولة السياسة ودولة القبيلة
-
أصلنا صفر
-
هل تتخلى قطر عن قوتها الاعلامية الجبارة ؟
-
مجتمع آخر أو مجتمع الجناكا -رواية -9-
-
نصوص تقابلية
-
هل يستطيع أوباما توريط ايران ؟
-
مجتمع آخر أو مجتمع الجناكا -رواية-8-
-
الدولة ضد الوطن
-
مجتمع آخر أو مجتمع الجناكا -7-
المزيد.....
-
مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم -
...
-
أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل
...
-
مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
-
دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي
...
-
بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي
...
-
رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم
...
-
إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا
...
-
أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202
...
-
الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا
...
-
متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا
...
المزيد.....
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
المزيد.....
|