أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 34














المزيد.....

سيرَة حارَة 34


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4654 - 2014 / 12 / 6 - 18:22
المحور: الادب والفن
    


1
" أبو طانيوس "؛ هوَ بالأصل من مدينة حمص، إلا أنه استوطنَ في الحيّ منذ فترة مبكرة من عمره. اسمه، كان يرتبط في زمن مراهقتنا بمحل بيع الخمور، الذي كان يملكه في منطقة رأس الحارة ( سَريْ حاريْ ). هذا المحل، أضحى مَعْلماً من معالم حارتنا، مثلما أنّ صاحبه صارَ من شخصياتها المعروفة بالطرافة والطيبة....!
" آدم "، صديق طفولتي وفتوتي، هوَ من قادَني لأول مرة إلى محل العم أبي طانيوس، وكنا آنذاك في شهر التحضير لامتحان الشهادة الاعدادية. في كلّ مرة، كنا نعود من المحل وقد أخفى أحدنا طيَّ ملابسه زجاجة بيرة من نوع " الشرق ". وكنا نختار الوصول إلى الزقاق عن طريق الحارات العليا، متجنبين الجادّة كي لا نلتقي بأحد الأقارب. صديقي هذا، كان من ناحية أخرى يتَسِمُ ببعض الخصال السيئة، كالمادية والمكر والاحتيال. أحياناً، كان يُخرج ورقة مالية من جيبه كي يدفع ثمن البيرة، غير أنه يعود ليلهي البائع بسؤاله مجدداً عن الموالح أو السجائر. هذا الأخير، يكون متناعساً نوعاً في تلك الساعة من الليل، فلا يلبث الآخر أن يدّعي بأنه أعطاه للتو مبلغ خمس ليرات. البائع المسكين، كان عندئذٍ يهز رأسه علامةً على التذكّر، قبل أن يناول الغلامَ المحتال بقية المبلغ المطلوب....!
ذات ليلة، وفي زمنٍ تالٍ، كان أبو طانيوس يهوّم فوق كرسيه، حينما وقفتُ أمام السدّة الخشبية، التي تفصله عن زبائن المحل. إذاك، كان الرجلُ بصحبة صديقه الحميم " أبو راشد "؛ وهوَ من أبناء عمومة الوالد. ناولني البائع مطلوبي، وكنت أهم بدفع ثمنه، وإذا بصوت بوق سيارة يصدر على غرّة مترافقاً مع ضوئها المبهر. أحد أبناء البائع الكبار، هوَ من كان في السيارة، ويبدو أنه أحبّ ممازحته بهذه الحركة. على الأثر، رأيتني أتأبط زجاجة المشروب ثمّ أغادر المحل. عندما صرتُ بأعلى ذلك الزقاق، تذكرت فجأة بأنني لم أدفع ثمن الزجاجة. عدتّ في الحال إلى المحل كي أعتذر من صاحبه، ولأسدّد المبلغ. عند ذلك، رفع قريبنا أبو راشد رأسه بفخر وطلبَ مني أن أسلّم على الوالد. فأجبته بنبرة متضاحكة: " سلامك يصل، عمّي. لكن لن أذكر له، بالطبع، أني التقيت معك بمحل أبو طانيوس "..!!

2
حفيدة كبرى عمتيّ، كانت أيضاً صديقة حميمة لشقيقتي الكبيرة. في صباها، كانت تتسم بملامح حسَنة فضلاً عن طبعها الهاديء وطيبتها. إلا أن قريبتنا هذه، كانت عاثرة الحظ شأنَ معظم أشباهها في العالم....!
مثل شقيقتي تلك، تعلمت قريبتنا الخياطة عند جارة لنا، كما أنها تزوجت مبكراً. يبدو أن أقاربنا، المقيمين في الأردن، هم من كانوا واسطة الخير في مسألة الزواج. ولكن، قدّرَ لقريبتنا ألا ترى خيراً أبداً. أسرة الزوج، وخصوصاً أمّه، بدا وكأنما لهم ثأر مع هذه الفتاة الرقيقة، المرهفة الشعور. لم يكتفوا بسوء التعامل معها، بل راحوا يتهامسون بأن فيها مسّاً من الشيطان. إلى أن سافرت أمها ذات مرة لزيارتها، وأدركت ما يحيق بها من دسائس وضيعة: ليلاً، كان يصدى أصوات صراخ وقهقهات من وراء جدران حجرة نوم الابنة؛ وكان مصدرها معروفاً، بطبيعة الحال....!
بعد طلاقها وعودتها من الأردن، صارت قريبتنا أكثر انطواءً ولم تعد ترغب بعمل أي شيء. هذا، على الرغم من اهتمام أبويها ورعايتهما لها. الوالد الملول، توفيَ في تلك الأثناء، ثم لحقته الأم المعروفة بحنوها. عندئذٍ، دخلت قريبتنا المسكينة في طور آخر، أكثر خطورة، من حالتها المرضية المتأزمة. غير أنها فقدت من يرعاها، على أثر زواج شقيقتيها اللتين يصغرانها. بعد ذلك ببضعة أعوام، تم الحجر على المريضة في مستشفى الأمراض العقلية. ولكي تصل المأساة إلى قمتها، قامت إحدى النزيلات بالتهجم على قريبتنا واقتلعت لها عينها. ثم أخرجت من المستشفى، لترمى في قبو بنايةٍ كانت فيما مضى منزلَ أسرتها الحميم، الذي لطالما حَدَبَ على طفولتها وفتوتها. ذاتَ صباحٍ شتويّ حزين، أطل أحدهم على المريضة، فوجدها قد حالت إلى جثة هامدة. وكالعادة في هكذا أحوال، ردد كثيرون بأنّ المسكينة ارتاحت وأراحت..!

3
" الوردة قد تخلّف شوكة "؛ إنه مثل معروف، يُقصد به الانسان في كل مكان وزمن. يمكن أن تكون الآية معكوسة، أيضاً. وهذا كان حال أحد رجال زقاقنا، ممن ابتليَ بالأنانية والنميمة واللؤم. كونه يكره كلّ من هم على نقيض ذلك السلوك، فلم يكن بالمستغرب أن يعتبِرَ أولادَهُ بمثابة الأعداء....!
" المُخبر "، كان لقبُ هذا الشخص، الصغير النفس. وقد تفرّد باللقب منذ نهاية السبعينات؛ حينما افتتحَ دكاناً في صدر الزقاق، لم يكن ليبيع فيه شيئاً تقريباً. قبل ذلك، كان اسمُهُ مَشنوعاً بين الناس بسبب سوء معاملته لعائلته وأولاده. ابنه البكر، تدبّر عملاً في الخليج وأقسمَ ألا يعود للشام ما دام أبيه حياً. أما كبرى البنات، التي أجبرت على الاقتران برجل سعوديّ مسنّ، فإنها سرعان ما آبت إلى منزل أهلها تاركةً ابنة وحيدة في تلك البلاد....!
قبل تقاعده، المبكر نوعاً، كان الرجلُ متطوعاً في الجيش، حيث فقدَ اصبعَ يده في حادث عندما كان يقود سيارة أحد الضباط. بعد ذلك، لم يعد يعمل شيئاً سوى مرافقة جاره إلى الصيد في بساتين الحارة. هذا الجار، المعروف بالزقاق بالسمعة الطيبة، كان عسكرياً من ريف الساحل ويعيش مع أسرته في منزل إيجار. أما بقية الوقت، فإنّ صاحبنا " المخبر " كان يتفرغ خلاله للتنكيل بعائلته. ها هوَ يراقبُ، المساءَ تلو الآخر وعبرَ زجاج واجهة دكانه، دخولَ وخروج بعض الشبان والفتيات من منزل ابن عمنا. لقد كانوا أفرادَ فرقة فنية، كردية، يتدربون على الرقص في منزل زميلتهم. حينما استدعيَ لاحقاً بعضُ أفراد الفرقة للتحقيق الأمنيّ، فقد كان شخصُ الواشي معروفاً للجميع. هذا الشخص، رفض قبل موته أيّ عرض بالشراكة مع جيرانه، لما بدأ المتعهدون بتحويل منازل الزقاق إلى أبنية حديثة. فتندرَ البعض على ذلك، بأن الرجلَ كان يريد الاحتفاظ بالدكان من شده اخلاصه للعمل كمخبر..!



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة حارَة 33
- سيرَة حارَة 32
- سيرَة حارَة 31
- سيرَة حارَة 30
- مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية 2
- مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية
- سيرَة حارَة 29
- سيرَة حارَة 28
- سيرَة حارَة 27
- سيرَة حارَة 26
- نساء و أدباء
- سيرَة حارَة 25
- سيرَة حارَة 24
- سيرَة حارَة 23
- سيرَة حارَة 22
- سيرَة حارَة 21
- سيرَة حارَة 20
- الرواية: الفصل الرابع / 2
- الرواية: مستهل الفصل الرابع
- سيرَة حارَة 19


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 34