تجاهل إضراب الحديد والصلب..جريمة

رياض حسن محرم

الحوار المتمدن-العدد: 4653 - 2014 / 12 / 5 - 17:38
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    

قد يمكن فهم تجاهل السلطة ورجال الأعمال وإتحاد العمال الأصفر لإضراب عمال الحديد والصلب بحلوان ولكن تجاهل قوى اليسار لذلك وإكتفاء معظمها ببعض البيانات الهزيلة فذلك غير المفهوم والذى لا يمكن تبريره أو تمريره، ويشمل ذلك أيضا النقابات المستقلة والقادة النقابيين عاكسا ضعف وتهافت هذه القوى.
مشكلة صناعة الحديد والصلب تمتد لعقود سابقة فقد تم إنشاء تلك الصناعة العملاقة فى تحدى تاريخى قادته ثورة يوليو 1952 للتنمية المستقلة بمساعدة واسناد الإتحاد السوفييتى السابق فى مواجهة حصار الدول الإمبريالية وسعيها لإجهاض حركة التحرر الوطنى فى مصر والعالم الثالث، فقد تم إفتتاح "مجمع الحديد والصلب" بحلوان تعبيرا عن هذا التحدى فى إحتفالات عيد العمال عام 1961 بعد إضافة مصنع درفلة الحديد وتم الإفتتاح بواسطة الرئيس جمال عبد الناصر ومهندس النهضة الصناعية "عزبز صدقى" على مساحة 1700 فدان والذى بدأت أول خطوات تشييده عام 1954 وتم أول إنتاج فعلى له فى 1961 حسب خطة تستهدف إنتاج مليون ومئتى ألف طن من الحديد الخام سنويا طبقا لأحدث المواصفات العالمية، وذلك فى إطار حلم إقامة صناعة وطنية تبنى بأيدى مصرية ووصل عدد العمال بمصانع الحديد والصلب الى 32 الف عامل "وانخفض العدد حاليا الى 6 الاف عامل فقط"، وقد بدأت الأزمة فعليا منذ العام 2006 حيث بدأ إنخفاض مشاركة قطاع الحديد والصلب الوطنى فى مجال إنتاج وصناعة الحديد الى ما يقرب من 3% حاليا مقارنة بشركات حديد عز التى تساهم وحدها بما يقرب من 62% ومجموعة بشاى بحوالى 12% ، وإستأثرت شركة عز بحق إستيراد الحديد وحق إستيراد الأفران وذلك بعد إستيلاء المهندس أحمد عز على شركة حديد الدخيلة.
تبدأ خطة الحكومة لتخريب الصناعة تمهيدا لبيعها بأبخس ثمن لمافيا القطاع الخاص بعدم إجراء الصيانة للمعدات المتهالكة وتخفيض احتياجها من المواد الخام ودفع العمالة الماهرة الى الخروج فى معاش مبكر مع عدم تجديد تلك العمالة تمهيد لخصخصتها وهذا ما حدث تحديدا مع صناعة الحديد والصلب "مفخرة ثورة يوليو" حيث تم تقليص إمدادها بالمواد الخام الأساسية للصناعة كفحم الكوك الى أقل من 400 طن يوميا من الحصة التى كانت تصرف قبلا والبالغة 2000 طن مما أدى فى النهاية الى توقف 3 من 4 أفران وبقى فى العمل فرن واحد بشكل جزئى، ذلك مع العجز عن تصريف المنتج وتخزينه عشوائيا بسبب إغراق السوق بالحديد المستورد"بما يؤدى الى تحويله لمنتج درجة ثانية بفعل العوامل الجوية"، حدث ذلك أيضا فى باقى قطاعات الصناعات المعدنية وعلى رأسها مصنع النحاس بالأسكندرية الذى تم بيعه خردة بعد تجريفه وبيع معداته وأفرانه بتراب الفلوس لصالح احتكار شركات عز، وهكذا يتم تخسير هذه الشركات تمهيدا لخصخصتها فقد بلغت خسائر شركة الحديد والصلب المصرية فى المدة من يونيو 2011 الى مارس 2012 حوالى 396,8 مليون جنيه ووصلت ديون الشركة للبنوك الى ما يقرب من 4 مليارات جنيه، ورغم أن العمال لا دخل لهم ولا ذنب فى تلك الخسائر فإنه يتم تحميلهم مغبّات ما وصل اليه قطاع الحديد والصلب ويتم تقليص دخولهم الضئيلة "التى تتآكل يوميا بسبب التضخم وارتفاع الأسعار" وذلك بعدم صرف ما يعتمدون عليه فى مواجهة تكاليف الحياة من مكافآت وحوافز وأرباح بحجة الخسائر والتى تتحملها إدارة الشركة والحكومة، ويتمسك العمال بأدنى حقوقهم فى الحصول على الحافز الاجتماعى الذى تم وقفه وصرف الأرباح السنوية بواقع 12 شهرا وصرف الثلاث شهور المجنبة من العام الماضى وارجاع نسبة ال 7% التى تم خصمها من الحافز الشهرى وعودة المفصولين والمنقولين من القيادات العمالية والتحقيق فى وقائع الفساد المتراكمة وإعادة تشغيل الأفران المتوقفة مع مطالبتهم بإقالة كافة المسئولين عن خسائر الشركة وسرقتها وفتح جميع ملفات الفساد، وبدأ العمال المضربين فى جمع التوقيعات لإقالة اللجنة النقابية بصفتها متواطئة مع الإدارة وتقوم بالعمل كمرشد لأجهزة الأمن على نشطاء العمال، وبعد عشرات المطالبات التى لم تستجب لها إدارة الشركة أو وزراء الحكومة وبعد العديد من الشكاوى والبلاغات للنائب العام اتخذ العمال قرارا بالإضراب عن العمل والإعتصام داخل الشركة بمنطقة التبين وقاموا بايقاف العمل فى قطاع الصلب بالكامل ووقف عمليات الصيانة الصورية للضغط على الحكومة لتنفيذ مطالبهم "ويشمل هذا الإضراب عمال الورديات الثلاث بالمصانع"، كما رفض العمال قرار الحكومة بصرف 200 جنيه كسلفة ونصف شهر كحافز باعتبار ذلك كمسّكن لشراء الوقت حتى يتدخل الأمن لإحداث انشقاق بينهم والإنقضاض عليهم وسط تهديدات بإحالة قيادات الإضراب للنيابة العسكرية وتقديم إدارة الشركة بلاغ للنيابة تضّمن أسماء 16 قيادة عمالية لقيامهم بتحريض العمال على الإضراب والإعتصام والتخريب، كما رفض العمال كذك مزاعم الحكومة حول ضرورة ربط الأجر بالإنتاج وتحقيق تطور فى المؤشرات الإقتصادية وذلك فى ظروف الشركة الحالية والتى تسببت الإدارات المتعاقبة والسياسات الرسمية فيها منذ 20 عاما ورفضوا أن يدفعوا وحدهم فاتورة الفساد الحكومى، كما أن رئيس الوزراء "ابراهيم محلب" قد أخلف وعوده أثناء زيارته للشركة عقب توليه المسئولية بصرف 50 مليون دولار لإنتشال الشركة من تلك الظروف التى تحيق بها، وقد أظهر العمال وعيا واحساسا وطنيا عاليا بوقف الإعتصام يوم 28 نوفمبر المتزامن مع ما زعم بجمعة الثورة الإسلامية المسلحة حتى لا يستغل الاخوان والاسلام السياسى ذلك للدعاية لأنفسهم.
من المعلوم أن شركة الحديد والصلب المصرية ساهمت بشكل جوهرى فى المجهود الحربى بعد هزيمة 67 وساهم إنتاجها فى بناء حائط الصواريخ ضد طائرات العدو اثناء حرب الإستنزاف، "علما بأنه لم يتم تجديد معدات الشركة منذ عام 1974 وحتى الآن"، كما كان عمال مصانع الحديد والصلب هم شرارة الإنتفاضة العمالية-الطلابية فى 1968 ضد أحكام الطيران ولكشف المسؤولين الحقيقيين عن الهزيمة كما كانوا فى طليعة القوى التى بدأت إنتفاضة الخبز فى يناير 1977 وأمدت الحركة العمالية بقيادات حقيقية صلبة كصلاح الأنصارى وصابر بركات وعاشور وشاهين وغيرهم، أفلا تستحق من قوى اليسار ومن يطلقون على نفسهم قيادات العمال وقفة حقيقية بالأفعال لا بالأقوال.

#رياض_حسن_محرم (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات