أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سيومي خليل - عن الأخلاقِ والكَونِية















المزيد.....

عن الأخلاقِ والكَونِية


سيومي خليل

الحوار المتمدن-العدد: 4641 - 2014 / 11 / 23 - 08:56
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



------------------
غالبا مَا أجدني أصارع أسوارا صلدة وعالية حين آخذ موضوع الأَخلاق والقِيم بالنِّقاش ، كأني أُعارك في كولزيوم الأَفكار القبلية أسوأَها جاهزية وإطلاقية ، حتى يَبدو النقاش ضربا من الجنون المُؤدي إلى التشبت أكثر بهذه الأَفكار السيئة .

لا شيء يَجمع محاوري حول موضوع الأَخلاق ، ولاشيء يُمكن ترجِّيه من مثل هذه الحوارات ، ففي الأَخير يَختم محاوري النقاش باستنتاجات كانت نَفسها هي المُقدمات ، ويضيفون إليها ، بقناعاتٍ مختلفة ، فِكرة جنوحي عن الأَخلاق ، وتَجاوزي إيَّاها ،دون أَن تصرح أَلسنتهم بذلك، تاركين لأَعينهم مهمة التصريح .

إبتدَأَ النقاش ذات مساء غائمٍ حول مسأَلة القيم، استغربت أولاً الأَمر لعدم تحديد المفهوم ،ونبهتُ الكل إلى أَنهم جميعا يحملون معنى مغايرا لذاتِ المفهوم ، فكان الجواب أَن لا قيمة جدالية لتعريف المفهوم ، فكان استغرابٌ ثانٍ مني ،. وعن القيم سمعت كلاما كثيرا ،يمكن تلخيصه في فكرة الإِنحطاط القيمي ، والتي يُؤسفني أَنها شوهت لدرجة لم تعد تصرح عن أَي مضمون أو محتوى .

الإِنحطاط القيمي حسب مُحاوري ذلك المساء الغائم ،لا تخرج عن الصِفات التالية ؛ خروج واضح عن المعتاد ، فُجور بين في الهندام ،مُجون خمري وجنسي ، وسلوك مشين مع الَغير ... ليس لي إِلا أن استغرب مرة ثالثة أَمام ضيق هذا الوصف، والذي ،باستثناء ، صفة السلوك المُشين مع الغير ، يبقى وصفَا فَردانيا لا غير ، يمس اختيارات الأَفراد الشخصية ، وهي اختيارات لا أُدرجها على أَي حال في مسأَلة الأَخلاق أبدا ، وإْلا ستكون الأَخلاق بهذا المعنى مثل الأَلبسة القديمة التي نصر على ارتدائها مهما طال الزمن .

قلتُ في معرض إيضاح ما أَحمله عن مفهوم الأَخلاق ، أَن الأخلاق أَعمق من الإكليشيهات الجاهزة ، وإِلا ماكان مبحثا فَلسفِيا قائم النسق ، وأَضفت ، أَن تحليل المفهوم هو عقلي- كوني بدرجة أولى ،وليس تحليلا نقليا -محليا -وقوميا، وهذا يجعل صفة المُجون الذاتي، أو شرب الخمر ، أَو تناول المخدرات ، أَو ممارسة الجنس التوافقي عبر الحب أو عبر الدعارة ، سلوكات لا يجب النَّظر إِليها من النَّاحية الأَخلاقية على الإِطلاق ، بل من الواجب النظر إليها من نواحي المنفعة والضر والحريات الفردية وغيرها، وهذا ليس تأييدا لها أَو معارضة لها ،فهذا ليس مسار النقاش، بل هو وضعها في سياقها الذي يَليق بها .

أنْ تشرب الخمر أو الماء أو كؤوس من الزنجبيل ، وأَن تضع أَقرطة ً في أُذنيك أَو أن تزيل أذنيك بالكامل ...لا يستدعي البحث في مفهوم القيم والأَخلاق ، وربما هذا الإستدعاء والإقحام للأَخلاق في هكذا أمور هو ما جعل الإنحطاط القيمي يتعمق أكثر ، وجَعل مجتمعا بأَكمله يدقق في التفاصيل والهوامش وينسى الجوهر الأَساس في المفهوم ككل .

قلتُ أَن تربيتنا على سلوكات مُعينة والإِدعاء بأَنها الأَخلاق عامة هو مصدر العطب القيمي والأَخلاقي الذي نعيشه ،وللإِستدلال على ذلك أعطيتُ محاوري مثالا ظَننته عميقا ، وبدا لي من خلال أَعين محاوري أَنه لم يقنعهم ؛ فكيف يمكن لمثال مهما كان عَقليا أَن يقتحم سياجات دوغمائية بنيت بأيادي قوية ؟؟؟.

بدأْت المثال بفكرة التسامح كفكرة قيمية وأخلاقية ، وقيمة عقلية وكونية ، لا أَحد من محاوري أَنكر ذلك، والجميع اعتبر أن التعايش والتساكن لا يتم بدون هذه القيمة ، هنا صرحت بأَخلاقية التسامح التي يجب أن تَعلو فوق الشروط القاهرة، لكن تربيتنا المسماة أخلاقية تُصرح بهذه القيمة وتهدمها أَسوأ هدم في نفس الوقت وبشكل لا واع في الأَغلب ، فحين نلَقِن لأبنائنا فكرة فسق السكير ، وفجور الزَّانية ، والإتهَام الجاهز بكفر وفساد أخلاق المدمن ، نَكون قد ضيقنَا على المتعلم مفهوم الأَخلاق ، وحصرنَاه في جانبه النقلي لا غير ، وبالتالي نَهدِم فكرة التسامح الأَخلاقية الأَعم والأَشمل ،وحتى دون أن ننبه المُّتعلم إلى عدم ضرورة التسامح مع هؤلاء ، فهو يَستنتجها بشكل مباشر، ويفهم أن لا تسامح مطلوب مع هؤلاء ، فالفِكرتان متضمنتان في بعضهما بعضا ، وهنا أَكون قد ربيت جيلا لا أخلاقيا وإقصائِيا ، وفي أَحسن حالاته جيل يضيق الأَخلاق إِلى مجرد سلوكات صارمة ومُتزمتة لا تعني أي شيء على الإِطلاق ، إِننا نُحافظ على هوية ضيقة وندمر الهوية الكونية للإِنسان، وهذا يستتبع سلسلة من عمليات الهَدم للقيم الكونية الآخرى في سبيل إحياء سلوكات مخادعة لمفهوم الأخلاق .

قلتُ لمحاوري إن شئتم استعمال مصطلحات دينية سأقول ؛أن من لا يَشرب الخمر ملتزم دينيا وليس أَخلاقيا ، ومن يشربه غير ملتَزم دينيا لكن هذا لا يعني أَنه غير ملتزم أَخلاقيا ؛ الأَخلاق لا تهتم بما يَدخل الجوف ، بل هي سلوكات تمس عَلاقتنا بالجماعة وبالآخر المخالف، الأَمر مُماثل لحقيقة فيزيائية مُميتة في الطبيعة، ورغم ذلك لا يمكن لأحد أَن يصرح أَنَّها ليست حقيقة فيزيائية ، وهنا يتم الإِصرار على حقائق نسبية وأوهام متواطؤ على الإِيمان بها والتخلي التام عن مفهوم كونية الأخلاق والقيم .

أصرح ببعض الإِحصاءات لمحاوري علَّهم يتفهموان ما أقصده ، وما لا َيحتاج لشرح على أي حال ، فأَقول ؛ دولة مثل النرويح لا غضاضة عندها في تَعليم الثَّقافة الجنسية في المدارس للتلاميذ والتلميذات ن،ونحن نعتبر أَن الأَمر دونه جز الرقاب ، فَهو سلوك لا أخلاقي يَدل على فساد مجتمع ودولة ووزارة ومَسؤولين ، لكن النَّتائج تُخبرنا أَن الإِغتصاب يصل إلى حدوده الدنيا في النرويج ، كما العنف ضد النِّساء ، وكما الزواج المتكرر ، وكَما حالات الطلاق ، وكمَا العنف الجنسي ، في حين تصل عِندنا نفس هذه الحالات إلى حدودٍ قصوى ومفزعة ؛ فمن فَعَّل مفهوم الأَخلاق والقيم الإِجتماعية بين أَفْراد المُجتمع ؟؟؟ هم أَم نحن ؟؟؟... كأَننا نتحدث عن أولويات قيمية ، فإما أَن ننطلق نظريا وعقليا من كونية السلوك الأَخلاقي ليحدد فيما بعد ممارسات الأَفراد ، ، وإِما أن نفرض سلوكات أخلاقية نقيلة على الأَفراد ليشكلوا في الأَخير مُجتمعا مُتَعارضا مع الأَخلاق الكونية . البدء من الأَعم إلى الأَخص في هذا المنهج الإِستقرائي ضروري جدا ، فنحن لا ننطلق من سلوكات الفرد كي نبني أَخلاقا عامة ، بل نرى في الأَخلاق بشكل عقلي لا نقلي ، ونحدد إطاراتها العامة، وستأتِي في الأَخير السلوكات المطلوبة من الأَفراد منسجمة مع التنظير العقلي للأَخلاق ؛ هكذا أعطي مثال فِكرة التَّضامن كفكرة قيمية كونية ، فهي بالضرورة سَتتعارض مع رؤيتنا -مثلا - لمثليي الجنس ،ولاعتبارنا سلوكهم لا أخلاقي ،وهذا الإِعتبار سيهدم فكرة التضامن الكونية ، لأن من يعتبر المثلي الجنسي إِمرئ لا أخَلاقيا لن يتَضامن معه في كل الحالات التي يَتعرض فيها للاضطهاد ،حتى وإن كان الإضطهاد المُتعرض له بسبب آخر غير مثليته الجنسية ، وهنا سيتم التخلي عنْ مفهوم كوني مُقابل التشبت بمفهوم وعرف محلي وديني ، وزوال فكرة التَّضامن معهم تستوجب العنف ضدهم بالضرورة . إِني أؤكد على فكرة التضامن كقيمة إِنسانية تتجاوز الاعتبارات الضيقة ، فكرة ستجعل التضامن يتم دون اعتبار للإِختلافات القائِمة ؛ فيكفي أَن يَتعرض بُودي لظلم ٍما كي يتضامن معه مسلم او مسيحي أَو علماني ... فما يحدد قيمة التضامن هو الظلم الذي تَمجه الأَنفس ، وليس التقارب الفكري أَو الديني ، أو الإيديولوجِي ...


للأَسف نحن لا نربي الأَبناء على هذا النوع من التصور للأَخلاق والقيم ، ورغم تبجُحنا برغبتنا الشديدة في إِدراك معنى القيم والأَخلاق الكونية إلا أَن تربيتنا ومُمارساتنا وسلوكاتنا تنم عنْ كوننا نرضى من الغنيمة بالإِياب ، فنحن نؤكد عزمنا على المُزاوجة بين قيمنا النقلية والقيم العَقلية والكونية، وهذا الأَمر لا يمكن إِنجاحه على الإِطلاق، ولا يحتاج منا استيعاب هَذا التناقض الكثير من الجهد ، فيكفي أَن ندرك تعارض حقوق المرأة على سبيل المثال ، وتعارض قيمة الحب كسلوك أخلاقي نبيل، مع مبدأ تَعدد الزوجات للرجل، ولا يمكن بأية حال من الأَحوال البحث في توافقات لهذا التناقض ؛ لا يمكننا المناداة بحق المرأَة ،والحق في الحب، ونحن نصر على اعتبار آية تعدد الزوجات آية محكمة غير قابلة للتأويل ، ونحارب كل محاولة لتجاوزها ، ويجب في هذا الإطار الإنتباه إِلى التصور اللاواعي الذي يتم تشكيله إنطلاقا ونتيجة لهذا التعدد الذي يَهم دونية المرأة سواءا كانت في ذهن الرجل أو في ذهن المرأة نفسها



#سيومي_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صنَاعَةُ الخوف الثَقيلة
- التَّجربة الدِيمُقراطية في تَونس وحزب العَدالة والتَّنمية
- ابن ُ رشد حَزين ٌ
- فئران بالألوان
- آلو ...معكم غزة .
- سرقة موصوفة وقضايا الحرب والحب.
- الملائكة تبعث رسائل SMS
- صمتنا المريب أو حول الجرف الصامد
- محمد أبو خضير ومؤتمر شبيبة لشكر
- الياغورت والموت السياسي
- الاستعباد الاجتماعي والاستعباد
- أناقة الصعاليك
- بين الصوم الصحي والصوم التعبدي
- جحود
- منكم داعر ومنا داعر .
- النفي المنهجي أو عدمية نيتشه
- صورة وطن في منفى شاعر ٍ
- اقسم باليسار
- سيجارة آخرى مع الماغوط
- المرجو اعتقالي


المزيد.....




- شاهد: تسليم شعلة دورة الألعاب الأولمبية رسميا إلى فرنسا
- مقتل عمّال يمنيين في قصف لأكبر حقل للغاز في كردستان العراق
- زيلينسكي: القوات الأوكرانية بصدد تشكيل ألوية جديدة
- هل أعلن عمدة ليفربول إسلامه؟ وما حقيقة الفيديو المتداول على ...
- رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية يتهرب من سؤال حول -عجز ...
- وسائل إعلام: الإدارة الأمريكية قررت عدم فرض عقوبات على وحدات ...
- مقتل -أربعة عمّال يمنيين- بقصف على حقل للغاز في كردستان العر ...
- البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة -باتريوت- متاحة الآن لتسليمها ...
- بايدن يعترف بأنه فكر في الانتحار بعد وفاة زوجته وابنته
- هل تنجح مصر بوقف الاجتياح الإسرائيلي المحتمل لرفح؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سيومي خليل - عن الأخلاقِ والكَونِية