أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سيومي خليل - أناقة الصعاليك














المزيد.....

أناقة الصعاليك


سيومي خليل

الحوار المتمدن-العدد: 4498 - 2014 / 6 / 30 - 16:04
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الكاتب : سيومي خليل
أناقة الصعاليك
-----------------------

أفرق جسمي في جسوم كثيرة *** وأحسو قراح الماء والماء بارد
عروة بن الورد .
------------------------

أظن أن ما سماهم تاريخنا الأكاديمي بالشعراء الصعاليك هم أول ثوريوا العرب ،وهم أول الفردانيين الذين ثاروا على أعراف وقوانين القبيلة الجائرة ،هكذا تخلصوا من كل ما يربطهم بالعادات البالية التي لم ترق لهم ، أو هكذا انتقموا لنبذ القبيلة لهم خصوصا من كانوا أبناء زوجات قيان / خادمات.

تعرف قواميسنا العربية الصعلوك بنعوت غير لائقة ،وإن كان مفهوم الصعلوك قبل من سموا بالشعراء الصعاليك يحمل دلالات مهينة ، إلا أنه بعدهم ستصير لها دلالة الشجاعة ومحاربة الظلم والتوحد مع الطبيعة ، إنهم لم يكونوا شداد آفاق ولا قاطعي طرق ، إنهم كانوا بلغة السياسة الحالية معارضين لنظام القبيلة ، كانوا مليشيات معارضة ومسلحة ، تشن هجوما على قبائل يسودها ظلم شديد ، وإقصاء ممنهج .

إن صياح مجموعة من الفقراء ،كما تحكي كتب التاريخ ، على الشاعر عروة بن الورد * أغثنا يا أبا الصعاليك * يعني أن الصعلوك كان له دور المنقذ ، دور المنجي من ظلم العديد من الطواغيت ،الذين يختبئون وراء قوانين القبيلة ومراتب المسؤولية فيها ،كما يختبئ الكثيرون الآن وراء المناصب .

لغويا الصعلوك هو الفقير الذي لا يملك مالا أو قوت يومه . ستلتحق بهذا المعنى معاني آخرى ستفرضها سلوكات العديد من الشعراء المسمون ظلما صعاليك ، لذا لنتفق على تسميتهم ب*الشعراء الثائرين على نظام القبيلة *. هؤلاء الشعراء سيغيرون معنى كلمة صعلوك التي عنت الفقير والعدم ، وباتت تعني ذلك الذي لا يهتم بجمع المال ، المغوار ، الذي يعاند القبيلة لأنها تمنع عنه تحقيق فرديته ، أو الراغب في رد الاعتبار لنفسه أمام قبيلة نبذته ...

سيعي الشعراء الثائرون على نظام القبيلة بأهمية فكرهم ، وبقدراتهم اللغوية ، والحربية ، لذا سيشكلون قبيلة معارضة ليس فيها نفس التراتبية التي تحكم قبائلهم الرافضة لهم ، ولا فيها تلك القوانين التي تجعلهم يشعرون أنهم غير واحد كما فعلت قبائلهم . سينظم الشعر رابطا بين هؤلاء الشعراء ، فهم اختلفوا في أشياء كثيرة ، لكن جمعهم عشق غير منتهي لديوان العرب ، لمهم هذا الجنون الشعري الذي ينفثون فيه وبه حر دواخلهم . يمكن اعتبار تجمع هؤلاء الشعراء ،كتجمع لأفراد ينتمون إلى المعارضة ، أفراد وصل بهم السخط إلى منتهاه فيما يخص سياسة قبائل نفتهم عنها ، فهاموا على وجوههم إلى أن جمعتهم الصدفة وسط الصحاري القاحلة وشديدة الحرارة ؛ إنهم يشبهون تجمع الثوار الماركسيين في أدغال امريكا اللاتينية وشنها هجوما على الكثير من البلدان الرأسمالية .

يسوق التاريخ الأكاديمي أن الصعلوك شخص فاسد يمكن أن يفعل كل شيء من أجل لقمة العيش ، هذا ما لم يمتثل له شعراؤنا الثائرون ، فهمهم لم يكن لقمة العيش على الإطلاق ، فهذا لم يكن ما يؤرق هؤلاء الشجان ، بقدر آلامهم الخاصة بالتهميش والظلم الذي عاشوه . لقد كانوا ذوي استراتيجيات حربية جيدة ، حيث كانوا يعرفون أوقات الإغارة ، وأماكنها ، ويعرفون من سينهبونه ،ولم يكن نهبهم ليمس الفقراء ، بل إنهم درجوا على توزيع ما يسرقونه على هؤلاء الفقراء ، بل إنهم لم يكونوا يغيرون على الأغنياء الشرفاء ، وهذا دليل على عدم حملهم حقدا لفقرهم أو ضيق حالهم ، بقدر ماحملوا حقدا على أولائك الأغنياء غير الأشراف الذين يسرقون ويفسدون في القبائل . يقول أبو خراش الهذلي في أخلاقه ، وهي أخلاق صعلوك ،وفي كرمه ، وفي عدم تهافته على الدنيا :
وإني لأثوي الجوع حتى يملني ***فيذهب لم يدنس ثيابي ولاجرمي
وأغتبق الماء القراح فأنتهي*** إذا الزاد أمسى للمزلج ذا طعم
أرد شجاع البطن قد تعلمينه*** وأوثر غيري من عيالك بالطعم
مخافة أن أحيا برغم وذلة*** و للموت خير من حياة على رغم.

ليس هناك ما يشين في حياة هؤلاء الشعراء الثوريين ، فحياتهم كانت أطهر من حياة الكثير من الشعراء الذين ضربت بأشعارهم الأمثال . يكفي أن الشعر الذي يحفظه التاريخ لهم يدل على عمق أحاسيسهم ، يكفي أنهم رفضوا أن يقولوا شعرا يمدحون فيهم غيرهم ، أو يتذللون به لأمراء القبائل ، بل علينا أن نتذكر أنهم أول من كسر بنية القصيدة الجاهلية *واسم الجاهلية هو الآخر غير منصف ويخضع لتأثير أكاديمي لا غير * ،وما هذا التجاوز لقانون شعري صارم إلا رغبة في تجاوز القوانين المعمول بها ، القوانين التي لم تكن تمثل إلا جماعة الأسياد الأحرار لا غير ، أما الباقي فكانوا جنود القبيلة الذين يجب عليهم الإمتثال والطاعة .

الشاعر تأبط شرا في الواقع لم يتأبط إلا الشعر ومعارضة فاسدي القبائل ، لم يتأبط إلا حبه للفلاة ، تأبط الكرم ،وعزة النفس ... لكن يجب أن لا ننسى أن نظام القبائل كله اتحد لمحاربة هؤلاء الشردمة ، ومن بين أنواع المواجهة تغيير الأسماء، وتشنيعها ،وتمسيخها ،حتى ينسى الإسم الأصيل والأصل للشاعر الثائر ،والغريب في الأمر أن تعليمنا المعطوب دائما ما يعلن اللغة الرسمية كلغة واحدة لتقديم مفكري ومبدعي ثراتنا . هذه الأبيات التي قالها تأبط شرا ، ستجعل أي تلميذ كسول ، يسأل الأستاذ ؛ وهل يقول شاعر تأبط شرا مثل هذا الكلام الجميل والنبيل . يقول من لم يتأبط شرا :
يقول أهلكت مالاً لو قنعت به *** من ثوب صدق ومن بز وإعلاق
عاذلتي إن بعض اللوم معنفة *** وهل متاع إن أبقيته باق.

في النهاية يمكنني أن اعتبر ان الشعراء الثورييون هم اول من قام بإغارات ثورية على بؤر الفساد الذي مارسته مجموعة من القبائل .



#سيومي_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الصوم الصحي والصوم التعبدي
- جحود
- منكم داعر ومنا داعر .
- النفي المنهجي أو عدمية نيتشه
- صورة وطن في منفى شاعر ٍ
- اقسم باليسار
- سيجارة آخرى مع الماغوط
- المرجو اعتقالي
- يمشي كأنه يحلق
- بنكيران يستدعي الحجاج بن يوسف الثقفي
- بشار بن برد في مسيرات فاتح ماي .
- فرنكشتاين ينتقل من بغداد إلى الرباط
- أوصاني
- الجامعة والقتل وسوء الفهم .
- الهندام الديني
- صناعة المعتقد
- *لحسانة بلا ما * والإنتحار
- دراسة سيوسيولوجية لظاهرة التشرميل
- أنت أيها الطائِرُ لا تطير
- إنتحار الأمل


المزيد.....




- -صدق-.. تداول فيديو تنبؤات ميشال حايك عن إيران وإسرائيل
- تحذيرات في الأردن من موجة غبار قادمة من مصر
- الدنمارك تكرم كاتبتها الشهيرة بنصب برونزي في يوم ميلادها
- عام على الحرب في السودان.. -20 ألف سوداني ينزحون من بيوتهم ك ...
- خشية حدوث تسونامي.. السلطات الإندونيسية تجلي آلاف السكان وتغ ...
- متحدث باسم الخارجية الأمريكية يتهرب من الرد على سؤال حول -أك ...
- تركيا توجه تحذيرا إلى رعاياها في لبنان
- الشرق الأوسط وبرميل البارود (3).. القواعد الأمريكية
- إيلون ماسك يعلق على الهجوم على مؤسس -تليغرام- في سان فرانسيس ...
- بوتين يوبخ مسؤولا وصف الرافضين للإجلاء من مناطق الفيضانات بـ ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سيومي خليل - أناقة الصعاليك