أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيومي خليل - فرنكشتاين ينتقل من بغداد إلى الرباط















المزيد.....

فرنكشتاين ينتقل من بغداد إلى الرباط


سيومي خليل

الحوار المتمدن-العدد: 4439 - 2014 / 4 / 30 - 17:25
المحور: الادب والفن
    



بمناسبة حصول أحمد السعداوي على جائزة البوكر عن روايتة * فرنكشتاين في بغداد *
----------------
المؤلفة البريطانية ماري شيلي ستبدع سنة 1818، وسيأتي خيالها الواسع بشخصية تمثل المتناقضات ،وتضم ثنائيات لا حصر لها بشكل غير متناسق ،وتتراوح بين الشر المفزع والخير ، شخصية تشكلت من شخصيات كثيرة ، وجَمعت أعضاء منها لتكون أجزاء فيها ، وألحمت كما يلحم الحديد بالحديد ، وخيطت كخياطة الثوب بإبر مؤلمة ،ثم أخضعت الجثة المشوهة في الأخير لعملية إحياء ،ونُفخ الرّوح فيها ، ليخرج *فرنكشتاين * المسخ المشوه ،والذي لا يشبه أي شخص على الإطلاق ، باحثا عمن أساءوا ويسيؤون،وباحثا عمن سيسيئون .
فرنكشتاين ماري شيلي رواية رمزية بشكل كبير ،الإنسان فيها يحمل داخله هذا المسخ فرنكشتاين ، يمكن أن يكون بتشوهات أقل ، ويمكن أن يكون بتشوهات أكثر ، لكنه حتما موجود تحت رماد عنقاء خاصة تحتضن جثته المشوهة .
الرواية حزينة وكئيبة لأن العالم حزين وكئيب بشكل غير محتمل ،إضافة إلى أن العالم في الرواية لا يستحق كل مجهودات الخير التي تقام من أجل إصلاحه ، لأن ببساطة هناك من يسهرون أعمارهم كلها كي يروا خراب مالطة* وروما وبغداد ودمشق وباقي الأمصار *.ماري شيلي كانت تنطلق من التصور المانوي القديم لإلاه الخير والشر ، والذي ينتصر فيه إلاه الشر كما رأته من أحداث عصرها ، لذا تجاوزت هذا التصور كي تبتكر شخصية فرنكشتاين الذي يجمعهما معا . فرنكشتاين يضم إلاهين ،إلاه أول مهمته الإنتقام ،وإلاه ثاني يرغب في الحب الشديد .
أبدعت السينما الأمريكية في تقديم فرنكشتاين للمشاهد ،وفي نقله من مجهود القراءة الصعب ،إلى سهولة المشاهدة ، فقدمته الصورة والفيديو كشيء في الأول ، يضم أعضاء أموات وقتلى متعددين راحوا عمليات قتل غيلة وغدر ، لكنه بعد ذلك سيشرع في تشكيل شخصيته الخاصة ،وفي ممارسة حقه في الحياة ،وفي سعيه للحب وليس للإنتقام فقط .
الروائي العراقي أحمد السعداوي رأى أن العراق محتاجة لفرنكشتاين خاص في شوارعها ، فالشوارع التي تشهد انفجارات يومية ،والتي تختلط فيها أشلاء الموتى مع تراب الطرق وقمامات الأزبال ومع الحصى الصغير ، لا يمكن لغير فرنكشتاين أن يمشي في شوارعها ، ولايمكن لشخص عادي يحمل جسدا أضنته الهموم أن يخبط في ليلها متتبعا النجوم الكثيرة ، ولا يمكن لمرأة عاشقة لجسدها البض والجميل أن تتجول بين محلاتها ، هناك كائن / لاكائن واحد هو من يمكنه أن يقوم بهذا وبغيره ،وهو نفسه مجموع الضحايا والقتلى والمغذورين الذين لاعبت جثثهم عبوات ناسفة ترمى كما ترمى أعقاب السجائر على الأرصفة .
المواطن العراقي بطل الرواية هادي العتاك يمكنه أن يكون هو صاحب الراوية أحمد السعداوي نفسه ، فهما الإثنان أرعبتهما حالات الدمار التي تعرضت لها العراق منذ سنة2005 ، وهي سنة الزمن الروائي ولحظة بداية أحداث الرواية ،وهما الإثنان سيكتشفان عجزهما الواضح عن فهم ما يجري ،وعن إيقاف سيل الدماء بين شقوق بلاطات الطرق ، إنهما يريان العراق تأخذ مسارا مخالفا للذي كان يتصورانه . قام الكاتب أحمد السعداوي بأمر المواطن العراقي هادي العتاك بفعل اللازم ،والقيام بما يجب القيام به ، فتحرك البطل الروائي هادي العتاك إلى أماكن الإنفجارت الغاشمة واللاإنسانية ، وراح كمجنون إنساني نبيل ، يجمع الأشلاء ؛ جمع أصبع من قدم هذه الجثة ، وعين من جثة إمرأة لم تعد لها ملامح على الإطلاق ، قدم طفل لم يفهم أشياء كثيرة في الحياة ، دراع عامل ، لسان لجثة لم تقوى على نطقة الآهة الأخيرة ،جهاز تناسلي كان على موعد مع عاهرة ، ثدي إمرأة بدينة ، شفتين لوجهين مختلفين ...
والروح يا هادي العتاك ، الروح ...كيف ستجمع هذه الأشلاء كي تكون فرنكشتاين عراقي ؟؟؟. سيجد هادي العتاك روحا هائمة بدون جسد ، ستكون هذه الروح مناسبة لإتمام المهمة الأخيرة . نفهم أن الروح هنا هي روح كل المواطنين العراقيين الناقمين على ضياع حاضرة دجلة والفرات،ضياع بلد حمورابي ، بهذه التراجيديا غير المتوقعة ،وهي روح الذين لم يستوعبوا كيف نطيح بمستبد لنخلق مستبدين منتشرين كالنمل بيننا لا تمثل عندهم عبوة ناسفة أدنى وخز في الضمير . كأن فرنكشتاين المواطن العراقي هادي العتاك هو فرنكشتاين كل المواطنين العراقيين غير الراضين على حرائق بغداد ،والفلوجة ، والبصرة ؛ فأين هو نيرون صاحب هذه الحرائق كي ندينه بحرق المدن .؟؟
سيبحث فرنكشتاين عن قاتليه كي ينفذ القصاص بيديه ؛ إنها عدالة فرنكشتاين ،وعدالة كل أولائك الذين شكلوا جثة فرنكشتاين ،والذين رأوا أن هناك من يستهين بالحياة ،ومن يهن يسهل الهوان عليه،كما يقول البيت الشعري الشهير .
أبدع الكاتب العراقي أحمد السعداوي ، وأبدع بطل روايته المواطن العراقي هادي العتاك ،وأبدع صنيعه فرنكشتاين العراقي الذي يمثل فكرة التغيير ، التغيير الذي يراه الضحايا ضروريا ، والذين يرون أنه لم يكن على اختيارات الآخرين الإرهابية أن تمنع عنهم الحياة ، ولم يكن على الخلافات السياسية أن تضعهم وسط آلة رحى كحبات قمح لا قيمة لها .
أتخيل أن فرنكشتاين أحمد السعداوي سيلذ ذاتيا ، فبعد أن ينهي مهمته النبيلة في الإنتقام من كل كارهي الحياة ، سيزداد طموحه ،وستنبثق عنه جثث حية آخرى ، سيحدد لها هو بنفسه مهمات في بلدان عربية متعددة ، وسيضع أمام كل فرنكشتاين جديد خريطة وطبيعة البلد الذي سيذهب إليه ، وطبيعة سياسته ، وطبيعة الإنتهاكات التي فيه ،وطبيعة الملفات التي تؤلم شعبه .
سينتقل فرنكشتاين إلى الرباط ، لكنه سيكون مغايرا للذي إبتكره المواطن العراقي هادي العتاك ، ففرنكشتاين الرباط هو من صنيعة مواطن مغربي يمكن أن يكون ابن أحد المداشر الفقيرة ، أو إين أحد المجاري الصفيحية التي تسمى سكنا صفيحيا .فرنكشتاين هو صنيعة مواطن أرهق بكثرة الإنتظار ، واكره على عيش الباطلة ، وأرهق بضعف التعليم وفساده وبالتنميط الذي يفرضه على التلاميذ ، وأرهق بالصحة التي لا تهتم لصحته نهائيا .
فرنكشتاين الذي سيتجول في شوارع الرباط، وفي إداراته ، لم يتشكل من أشلاء الضحايا ، فلا قتلى عندنا ،ولن تكون بيننا تلك الرغبة المدمرة في أخذ الحياة من بعضنا بعضا ، لكنه تشكل من مآسي الكثيرين ،تشكل من قضاء بعض منا أجمل أعمارهم بين السجون ، تشكل من إحساس *الحكرة * الذي كان شعارا وطنيا بامتياز ، تشكل من أمور كثيرة ستعطي في الأخير فرنكشتاين حامل لقضايا وملفات كثيرة .
سيلف فرنكشتاين في الشوارع ،وفي الإدارات ،وفي المؤسسات ، وفي الجمعيات ،وفي كل الهيئات التي ترفع شعارات بحجم الجبال وتختبئ الأفعال كالجرذان في هذا الجبل . سيتجول فرنكشتاين للإنتقام كما فعل فرنكشتاين المواطن العراقي هادي العتاك ، لكنه لن يقتل مثله ،ولن يأخذ القصاص بالدم ،أنه سينتقم بواسطة الفضح والكشف ، سيظهر كل أولائك الذين كانوا مجرد ظاهرة صوتية ، يصيحون ، وفي الليل يجلسون مع من صاحوا ضدهم ، سيفضح من إستغلوا هموم الآخرين كي يضيفوا لبنة إلى لبنات عماراتهم الكثيرة ، سيكشف كيف يصير الكثيرون مجرد لعبة ورق في أيادي من يدعون أنهم ممثلي الشعب ،وأنهم لشعب ، وأنهم الأمل في تحسن مرغوب.
قدم أحمد السعداوي فرنكشتاين للرباط ، إنه لم يقدم الرواية ،ولم يقدم الأحداث والحبكة فقط ، إنه قدم فكرة عن المثقف المنفعل بما يقع أمام عينيه ، المثقف الذي تؤرقه مسألة الإصلاح ،والذي لا يرى غضاضة في أن يقوم مسخ كفرنكشتاين بتحقيقه ، فهؤلاء الأسوياء غير المشوهين و جميلي الهيئة لم يفعلوا شيئا ، بل قاموا بنشر الكره بين أفراد الوطن الواحد ، وقاموا بتغذية النعرات السياسية القاتلة ... لذا فلتقم يافرنكشتاين بمهمتك .



#سيومي_خليل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوصاني
- الجامعة والقتل وسوء الفهم .
- الهندام الديني
- صناعة المعتقد
- *لحسانة بلا ما * والإنتحار
- دراسة سيوسيولوجية لظاهرة التشرميل
- أنت أيها الطائِرُ لا تطير
- إنتحار الأمل
- الإنسان الديانة التي تسعى إليها الفلسفة
- لما نحب التخيل ؟؟؟
- علمانية أكثر
- معركة الأرقام في السياسة
- صناعة المجازر
- مشهد من مصر
- حق -واجب
- في إرتقاب إمانويل كانط
- عقد عن الإنفجارات
- طلاق الأغلبية
- الشيخ الحداثي جدا .
- سياسة الإستجداء والبكاء


المزيد.....




- فلسطين تتصدر ترشيحات جوائز النقاد للأفلام العربية في دورتها ...
- عُمان تعيد رسم المشهد الثقافي والإعلامي للأطفال
- محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يع ...
- -الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد ...
- بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب ...
- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيومي خليل - فرنكشتاين ينتقل من بغداد إلى الرباط