سيومي خليل
الحوار المتمدن-العدد: 4538 - 2014 / 8 / 9 - 20:37
المحور:
الادب والفن
-----------------------
فجأة أسرق من شفتي حبيبتي قبلة ، وأضم ما بقي مني في غير خراب إلى شفتيها . كيف تجرأت على ذلك ؟؟؟ ربما دعتني صاحبة اللما إلى ذلك ، وربما لأني حزين جدا جدا ، والأكيد أن حبيبتي من خططت للسرقة .
في قضية الحزن أقول :
القبلة المسروقة سرقت بعضا من حزني ، فأنا الممتهن للكآبة كئيب بسبب الصور السيئة التي لا تنتهي ، فالأرض طالما توقفت عن الدوران لتشهد لقطة من فلم الرعب المستمر ؛ الأشلاء التي ترسم حدودا للقتل المرعب ، القيء الذي ينز من من أعين الضحايا وهم يستقبلون قدرا انفجاريا وجهتم ، والاختراعات الماكرة التي تسعى أن تحول الإنسان إلى زنزانة بحجم خرم امرأة ثيب .
حزين مع سبق إصرار وترصد لذا كانت القبلة المسروقة في ركن المقهى صوت آخر للاحتجاج ، ثورة داخلي ؛ لنحارب الظلم بأضواء القبل .
في قضية الحزن أنا دائما حزين جدا لذا أقول :
القبلة المسروقة مشهد مغاير لمشاهد التراجيديات التي لا تنتهي ، صورة بألوان زاهية ،بها تلميحات إيروسية غاية في الرقة ، تخالف صور تاتانوس المرعبة . داعشي جاهلي يسبي كوم من النساء ليعتقلهن في زنزانة جهاد النكاح ، ويروي بهن ضمأ محاربي الظلام ، تمحوه قبلة خاطفة ورقيقة وسريعة أسرقها من الزمن ، ومن صرامتي ، ومن الأعين الفارغة .
القبلة تلك محوت بها ألغاز الموت في ذهني .
القبلة تلك محوت بها كل صور الخوارج ، من اعتنقوا دين السيف والحيف ، ودانوا بالقسم العظيم لجوقة السافحين ،وصيروا قلوبهم قنابلا جمع فيها الديناميت بشكل رهيب .
ركن المقهى الدافئ يغري القلب على الحديث بلغته ، وينسي الذاكرة بعضا مما تبثه قنوات العالم ، ويهدئ الأفكار داخل جمجمتي العريضة . الكراسي الملونة ، وطاولات خشب الزان ،وكأس عصير الليمون ، وفنجان القهوة السوداء ، والسجائر ، ونقوش الجبس على سقف الحائط ، والكتب المنضدة بشكل غير احترافي أمامي ، استطاعت هذه الأشياء كلها أن تزاحم صور الشرق الأوسط الكئيبة ، أنستني صور العراق وسوريا ، سلتني صور غزة وهي تتساقط على ساكنيها ، وأنستني صورالكيان الصهيوني وهو يتبجح غرورا على جثث الشهداء ، ومشهد مصر تبحث عن هدنة ، وأمريكا توقظ النار أكثر ، وشرعية دولية يجب التبول عليها . ركن المقهى كان أرضا آخرى ، لكن لغير الحرب ، بل كي ينمو فيها بستان آخر يحتل الفراغ .
حين أعرت شفتي لشفتي حبيبتي ، وأمسكت رأسها برفق ،كانت صور كثيرة تجري هاربة من ذاكرتي ، تعلن ضعفها رغم قساوتها أمام قبلة حب صادق. تركض الصور هاربة لا تولي على شيء ، تستغيث أن انقذوها . صور بالأبيض والأسود ، أو بالآحرى صور سوداء لا غير ، كلها مظلمة .
في قضية الصور والمشاهد تنجح القبلة في التخفيف من قساوتها ، تحول يد مبتورة بسبب صاروخ إسرائيلي إلى وردة تينع كل لحظة ، تحارب جاهلا ومتجاهلا قاتلا ، يعب الدماء كما يعب العطاشى الماء ، ويعلن أنها ديانة السيف والتكفير والتجهيل .
تنسيني القبلة مشهد الرصيف ،والسيارة ، والحدث الفجائي ، والقدر المخطط له بشكل متقن الذي يهبط كصاروخ ، أو قذيفة أربيجي جهة المشهد ككل .
تنسيني القبلة أن الكثيرين ينامون على السيف ويصحون على الكلاشينكوف ،منهم الرفاق ، ومنهم الأعداء، منهم من باسم الدين يقتل المتدينين ، ومنهم من باسم اللادين يقتل لادينيين آخرين ، ومنهم طيبي الملامح جدا كأنهم الملائكة وتحت آباطهم سكين للجز السريع، وللقتل الغيلة ، وللطعن من الوراء .
تنسيني القبلة متاهة الشك ، وفي قضايا الشك أقول :
عاد جدا أن أشك في وجود غرائبي بشكل غير مفهوم . عاد جدا أن ينز في ذهني خيط دم دافئ نتيجة التفكير في قضية بديهية ، فماهو الشيء البديهي في هذا الوجود ؟؟؟ هذا ما لا أشك فيه ، إنه القتل بدم بارد ،وبقناعة مبررة ،إنه القتل الذي يجيده الإنسان دون غيره من باقي الكائنات ، إنه القتل المادي و الرمزي .
لذا أقبل حبيبتي بلذة ،كي أنسى أن الإنسان ينتمي لصنف الكائنات عاقلانية القتل ، بل هو الوحيد فيها ، فهو يصنع الرصاصة ، تم يوجهها لصدر طفل صغير ، ثم يضغط على الزناد ، ويبكي ضياع الرصاصة ، لذا يصنع آخرى ، وآخرى ، وآخرى .
محوت بتلك القبلة الكثير من الشحوم التي تجمعت على المآقي ، فغرابة هذا العالم تجعلنا ننتبه لفتاة ترتدي الجينز الضيق ،ولمؤخرتها ، وللثدي النافر من جسدها ،ولا تجعلنا ننتبه للمتشرد العاري والكئيب الممدد على الأرض والمتسخ والجائع . الشحوم كثيرة بالأعين ، لدرجة أنها ترى الأشياء من أوجهها السخيفة ، وتتغاضى عن رأيت وجهة الحياة في الأشياء .
كانت شكل المقهى ذلك المساء بعيني غير شكل مشاهد الصور بنفس العين ، فالمقهى الهادئة ، ووجه حبيبتي ، جعلاني أنسى مقالا يتحدث عن كون الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت ،وجعلاني أنسى البحث عن جواب للسؤال التالي : كيف يشرعن الإنسان القتل ؟؟؟. لقد كنت أجيب هكذا: لأنه أكثر الكائنات بعدا عن الإنسانية ، أما الآن فأظن أن لا جواب شاف لهذا السؤال . ربما القتل موجود كما توجد الصخور وسط أرض مقفرة، أو كما توجد حدبة الجمل على ظهر الجمل .
هل يمكن أن تحارب القبل والأحضان صوت الرصاص ؟؟ أذكر ذلك اليوغسلافي ، الذي صمم أن لا يهرب من صوت الدمار والقصف والرصاص والقذائف ، وجلس فوق ركام المنازل يعزف على الكمان بهدوء وثقة كبيرين . هل مات اليوغسلافي بعدها أو أثناءها وهو يتلقى رصاصة غير رحيمة ؟؟؟ كلنا سنموت على كل حال ، سواء عشنا مرفوعي الرؤوس ، أو عشنا منحدري الرؤوس نهيم بالعبودية والذل ، لكن كم جميل ان تموت ورأسك عال .
حبيبتي كان لشفتيها طعم لم يستقر وصفه في ذهني إلى لدقائق قليلة ، وظل الإحساس قائما إلى الآن . لقد منحتني شفتيها كأنها تريد أن تقول لي : أنا الأخرى أاحتج على هذا العالم ، أحتج على كل النساء اللواتي وضعن في براقع سجنية سوداء ، احتج على كل تلك المشاهد التي تجعلنا أرقين للغاية ، والتي تجعل قلوبنا تكاد تتوقف من الحزن ، والتي تجعل عيوننا تدرف دمعا كشلالات عظيمة . تقول لي حبيبتي وهي تضغط على شفتيها ، إنها الآخرى ثائرة في دمها ، فالفقر لم ينجح في جعلها فقيرة العواطف ، والانتكاسات الكبيرة التي تخط جغرافيتها لم تنجح في جعلها عروس تنتظر يوم الزفاف لتبعث فيها الروح .
قبلة أم صفعة ؛ العالم كأنه مخير بين هذين الأمرين . القبلة تمثل الجمال والحياة ، تمثل التقدم والإبداع ، تمثل الانطلاق ، والصفعة كبح لكل مقومات الإنسان ، إنها القتل الذي يختبئ في ثوب إسرائيل وداعش وجيوش القتل النظامي وحركات التكفير والتهجير والتقتيل ...لندافع عن الحياة بالقبل .
#سيومي_خليل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟