أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدي المولودي - -ثيلوفا- ( بيان حكائي) - 8-















المزيد.....

-ثيلوفا- ( بيان حكائي) - 8-


سعيدي المولودي

الحوار المتمدن-العدد: 4526 - 2014 / 7 / 28 - 17:51
المحور: الادب والفن
    


"ثِيلُوفَا"
(بيان حكائي)

-8 –
" أحمد" الأخ الأقرب ل"حوسا" ويكبره قليلا، صفحة من كتاب مرشوق، كبر الجرح في سواقيه كرمانة عانس، وأغلقت ليلة القدر أبوابها في وجهه الغجري، انثال على شفة العمر مغموسا في الهباء، وتمرغ على مدار سنوات مجرورة في جامع الغباء، حفظ الستين حزبا وتسلق أفنانها، حتى أضحى ببغاء صماء تكنز قفارا وبحارا، وقرآنا عظيما واستفاق على نفسه طللا ملفوظا كتاريخ عربي، محمولا على رُطَبِ الذعر والرعب. حين تحتضنه الزرود الوثنية يشمخ صوته الجهوري ، يتعالى ، يتهادى، تنتفخ أوداجه وأدراجه، يعرق كرسي وجهه، ويكون آخر من يفتح سجل الدعوات، ويمسح المدعوون على نغماته شعار التخمة كما تمسح في وجوهنا البيانات ونشرات الأخبار التافهة.
تقلب بين زوايا قائمة وحادة حتى ابتلع الستين حزبا كاملة مشفوعة بمئات الأبيات من ألفية ابن مالك وتحفة ابن عاصم ، ومختصر الخليل، وغابات ابن عرفة ، وصحاري المكودي وسحنون القاهر.. وتشبع بالخسران والمتاهات. استهواه العلم/ البحر الذي لا ينفد فشد الرحال والرمال وهاجر إلى الديار الجنوبية ليعود عالما مسكونا بالإشراق، ضالعا في الفلك والتوقيت ومغاليق "الدمياطي" وشؤون الجن والإنس.وانقض على كتاب الرحمة وتسخير الشياطين والسحر الأحمر والنور الرباني يصنع منها التاريخ الذي لا يكون.
حين غاب عن القرية، أو يغيب، يدخل الرعب مفاصلها وأهلها وتأخذهم مهاوي الظنون وحبائل الشكوك، لكنه دائما يعود، يعود محملا بشحنات هذا الزمان الأعسر يقرأ الغيب والطالع ويتنبأ بمواقيت الساعة والقيامة والدوامة، يقصده الأهالي لقضاء مآربهم، يكتب الوصفات الطبية للوصل بين الأحباب وفك العقد الجنسية والتدليل على النشالين، والتعتيم على الزناة والمحصنات. لا يستقر بطلعته المقام، أبدا يتغذى على مائدة الحل والترحال، ينزل الجنوب أعاليه لاقتناء الأعشاب النادرة والشمال لاقتناء آخر المبتكرات، ويسهر الليالي الطوال ليقابل ملوك الجان وأقيال الشياطين، يباركون صبوته وينفخون فيه من روحهم رجة الهيبة والسلطان، وكان العباد يقدرون فيه الملكوت، ويهتفون باسمه، هذا السيد، المسود، الشرس، المفترس، السبع ، الضبع، النار، الطامة، يقرض الجميع احترامه، أي عابر يصادفه يكتوى بهيبته، ألَّف بين كثير من القلوب، وفكَّ جرَّاتٍ عظيمةً لم تستطع المحاكم العصرية أن تبت فيها، أبطل صور الطلاق البائن والكائن، وأحضر الحبيب الغائب، وحفظ الأطفال من عيون الناس وفضول الجان وكتب الرقى للسنابل والمناجل والكلاب والأنعام، ونعمت القرية زمانا بفضله بوفرة الإنتاج والهدوء، وما من دابة إلا وقد ألهمها حضوره وتقواه،واعتُبر حاكما بأمر الله له الفصل والوصل والمصل والدم...
قال مؤذن الجامع المهدور، الرقيب الضليل المتعلم في حاله: إنه يتوضأ ببوله، يكتب بماء الخراء المقطر، ينبش القبور، يأكل لحم الميتة، وفي ملكيته بقايا عظام وجماجم ورؤوس وعجائب ما أنزل بها الله من سلطان، قالت بعض نساء القبيلة إن زوجته أسرت بإنه يشرب دم الحيض. وقالت أخبار غير موثوقة إنه يجامع الشياطين وأن حبيبته المالكة تأتيه على رأس كل شهر قمري في شكل مختلف فترغمه على الجماع في المحراب قربانا إلى السدة المعلقة، لكن "أحمد" يقول: مأمور، مأمور، والحسود لا يسود.
في قلوب النساء، في كل مكان يمثل "أحمد" إسوة قاهرة، وكعبة هادرة، كن يأتين إليه محمولات على النعش مسعورات فيستبد بهن في بيت قاتم مختوم موصود المنافذ لا يكاد يرسو به هواء، يشعل سفينة البخور والهذيان ، يكون ما يكون وتخرج المرأة من صلبها معافاة، تهوي لقدميه تقبلهما كصبي مفطوم عاد للتو إلى متعة الرضاع.
أية أسرار، أية أوزار، يا "أحمد" هكذا تكون همة الرجال، اضرب الخط أيها الشيخ المزود بماء العرفان، وافتح محجاتك البيضاء، طلاسمك العمياء، وقل هذا حجاب للعالمين.
غالبا ما يستعين به أبوه لكتابة أشتات رسائل إلى أبنائه، اخيه الكبر في الجنوب الفاغر امام جبهة الأعداء، ينقش "أحمد" الرغبات على صفحة الرسالة ويذيلها:
(.. هذا حجاب يقي من لوعة الرصاص، لُفَّه في قطعة كتان بيضاء، وقطعة صوف عذراء.. وهذا حجاب يحفظ من عين العدو، ولو كنت في واضحة النهار، فإنه بحول الله وقوته يعمي بصره.. اغرزه في كتفك الأيمن ، وتوكل على الله...أبناؤك يقرأون لك السلام، وينتظرونك على ريح الجناح. وتقبل تحيات الأهل والقبور..)
ويكتب ل"حوسا" في بُعده: (.. أبي يسلم عليك كثيرا من السلام، وأمي تتذكرك في كل لحظة وحين.. ما رأيك أيها الجدول الصغير، إننا نقترح عليك ابنة عمك زوجة، فليكن الجواب في الحين.. هذا حجاب لك حين تذهب إلى عملك احمله وأنت طاهر، فإنه يحفظ من العين. وإذا سألت عنا فنحن بخير وعلى خير، ولا يخصنا إلا النظر في وجه القيامة العزيز.)
لقد غدا "أحمد" سيفا قاطعا في عالم السحر، يقارن برؤوس الفتنة في هذا المجال، قيل إنه أخذ الحكمة الربانية من يهودي شهير في مدينة وسط البلاد، وقيل من شبيه له في مدينة شمال البلاد، وقيل من فقيه جنوبي تخرج على يدهما معا، كان له الباع الطويل في باب تجميد المياه، وقيل إن يهوديا سلمه مفاتيح الحكمة وأسرار الكون والمهنة قبل أن يغادر البلاد في اتجاه أرض الميعاد.
جاءه رسول ميمون ذات مساء من سواد القبيلة، أسر إليه أن زوجة الشيخ بحاجة إلى قوات تدخله السريع، فقد أعلن الشيخ عن جموحه، ويستهدف قتلها بزواجه من ثانية. و" أحمد" وحده يستطيع أن يوقف فيه نزوة الشهوة، أغرته المرأة بما يريد، ووعد الرسول بمهلة تفكير وتدبير، وانتهت الصفقة، كانت سرعة والشيخ تفوق سرعة السير، تزوج فعلا، وغرقت المرأة في بحر من اليأس وخليج العته.. هاجرت إلى حرمات " أحمد" بنفسها فقد بلغ السيل زباها، تهاوت أمام هيبته، ركعت ، سجدت، كانت عيناها تنهمران بسيل من الحقد الناقع، متقدتين ، مهزومتين، تمانع "أحمد"، في البداية، رفض، تظاهر بالشؤم، واستعاذ بالله من الوقت الرجيم، واستبدت به حيرة خانقة. غالب الحنق الزوجة المكسورة، وثبت إلى لحيته المهذبة ، قبلتها في لهفة الجنون، استعطفته، خشعت لمقامه، وارتجت فيها مقامات الدمع والانتقام، و"أحمد" يتردد، يترنح، ويتنازل قطرة ، قطرة، تدلت يداها المرتبكتان على عناقه، اهتز بركانه، زادها غروره إذلالا، وانهيارا، احتد في جسدها المغصوب سيف الندم، تهاوت عليه في خشوع كبير، مسحت دموع الكبرياء من مراتعها، ضمته في شوق محتدم، أحست بالدفء المجدول، بكت كشلال اصطناعي، واشتعل ألقها، زادته ضما على ضم، وضعت شفتيها في انطباق مع شفتيه، امتد الانطباق ، اشتد، زاد اتساعا، أحس بجسده على حافة التداعي، سقطت من هامته العمامة ، طافت يداها حول كعبة جسده، فركبته الرغبة، انتصب عموده، غاب ثلثا عقله، وتوكل على الله ، قلب الأوضاع تماما ، أطلق رصاصته في بئرها، نفض رمال اللذة، ثم خرج لظاهر البيت يتوضأ على شاكلة الأولياء الصالحين، قالت له:
- أهديك العمر كله، أفديك. أنت سيد هذا الموقف، فاجعل يا سيدي هذا الهم زهوقا..
اقتعد الأرض، بسمل، قلب ساحة الأوراق أمام عينيه، كتب لها حجابا، فاستعادت نبضها، وحين همت بالخروج قبلت يديه المبسوطتين، قبل أن تنسل في جنح الليل آمنة، تصاعدُ في قامتها ظلال من توق وإعجاب.
كان إصرار "الشيخ" كبيرا، وتم له ما خطط له وما عزم عليه، وجدَّ فيه، أضاف لركبه ثانية، سيستمتع بها ويواكب مقتضيات العصر. وفي الليلة الأولى سرى نبأ قاتل في سماوات القبيلة يؤكد أن "الشيخ" أصيب بجلطة جنسية غريبة لم يستطع من جرائها أن يركب حوريته العذراء، واتجهت أصابع الاتهام على التو إلى "أحمد" الفقيه المتطاول.
في السوق الأسبوعي ولم يكن ذلك عادة، كان " أحمد" بمظهره الجذاب فاتنا، متئدا، تشتعل في مسامه أمارات الوقار، لكن "المقدم" صدمه، والتمس منه مرافقته لتلبية الدعوة، سأله:
- أية دعوة.
- رجال الدرك يطلبونك...
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. تلا في داخلة آية الكرسي، ومختارات من سور عديدة، ولم يُبْدِ نفورا، وطول الطريق كان يردد آيات مهدئة للأعصاب..
جنبا إلى جنب اقتاده "المقدم"، سلمه للبناية الرفرافة، استقبله قائد الدرك بعنجهية، سائلا:
- أنت " أحمد".. الفقيه..
- نعم، أنا...
- أنت متهم بإهانة رجل سلطة، والمس بكرامته والكيد له..
ولم يطل الحوار، هبط " أحمد " القبو، وعينا القائد تثقبان معالمه الجذابة..
ساعتان كاملتان قضاهما "أحمد" في المناطق المعتمة من هذا الوطن، قرأ فيهما حزبين أو ثلاثا من الستين التي حفظها، نودي بعدهما عليه ليجد نفسه أمام قائد الدرك من جديد، أهدأ حالا هذه المرة، باشره في تؤدة واحترام مصطنع:
- يا "سي أحمد"، لقد تحرينا الحقائق والوقائع، وثبت لدينا أن ادعاءات الشيخ مغرضة.. ولذلك فأنت حر طليق..
وخرج " أحمد " من البناية متفائلا ببرج الأسد، لكن خطوات شبه عسكرية كانت تتسقط آثاره، حين استدار للتحقق من ذلك، كانت يدا القائد قد استقرتا على كتفيه، احتدت العين بالعين، الوجه بالوجه، وقف " أحمد" مضطربا، تراءت على وجه القائد سحب دكناء من الحياء العسكري، و"أحمد " مبهوت، لم يقل القائد شيئا ، لم يقل "أحمد" شيئا. مضى وقت فاصل يطفح بالخوف، وتلافيا للفراغ الدائر بينهما، بادر " أحمد" القائد متسائلا:
- لا حول ولا قوة إلا بالله، ماذا هناك أيها القائد..
تشابكت الأصوات في مخارج القائد، و تكلم بصعوبة واضحة:
- معذرة يا "سي أحمد" لقد بلغني سلطانك في عالم الاستشفاء، وأنا بالمناسبة أحب العلم والعلماء. وأنا بحاجة إليك، فامددني سيدي بعونك، بارك الله فيك.
- خيرا إن شاع الله..
- ا..م..ر..أ..ت..ي يا سيدي.
واستدرك القائد :
- .. ولك ما تريد..د.
اعتدل أحمد في وقفته، قال: لا أعدك بشيء أيها القائد، إنما الأعمال بالنيات، سأقوم بما أستطيع ، والكمال على الله.
وضربا موعدا ذلك المساء.
ذلك المساء هيأ " أحمد" عدته وأسلحته الاستشفائية، واقتحم رسميا ذلك البيت الرسمي، جلس على الطريقة الرسمية، شرب نكهة الشاي الرسمي، دعا بالخير والبركة واليمن وحسن المآل، وأحس بنخوة لا تضاهى. كان القائد المشدوه طوع يديه: نعم آ سي ... صحيح آ سي...
بدا خطو الليل بطيئا كالمياه الراكدة، وقرارة القائد تنصت للساعات العابرة في حذر كئيب. أعلن " أحمد" انطلاق موسم الاستشفاء، صلى ركعتين أو ثلاثا، قال : نحن بحاجة إلى فضاء خلو، مظلم وهاديء لا ينساب إلى عمقه أي خيط من نور، وطالب بإفراغ المنزل من كل الأحياء..
- باسم الله.. أوصدوا النوافذ والأبواب، المداخل والمخارج، وسبحوا بحمد سادتنا الأبرار، أوقدوا قليلا من النار..
استوى الطقس كما يشاء، فتح حقيبته السحرية ، أخرج منها ألوانا من الأعشاب والأحجار والبخور، ألقى بها في بهو النار، استدفأ ببخارها والدخان المتناثر، المطبق حتى الاختناق، ارتفع صوت قراءة الطلاسم وبعض الآيات ، زأر "أحمد"، تملكته الحضرة على شاكلة السعار، نادى : أن اخرجوا أيها الغرباء، اهربوا بجلدكم ، ليقتلنكم جنود سليمان ، انصرفوا ايها الغرباء ..آتوني بسيدة المقام، مولاتي.. مولاتي..
أتوه بامرأة القائد، استقل بالبيت المختوم، أغلق المنافذ من جديد، أحكم دورة الإغلاق، أطفأ الأنوار ومسارب الضوء، طرح المرأة أرضا وسط ظلام البخور والأدخنة الخانقة، وبدأ يهذي : ارفعوه... خذوه.. هاتوه.. افتحوه، بحق الأرواح الطاهرة...
كانت المرأة محمومة تعانق سرابا مشتعلا يخلب ذاكرتها، ويغزو مفاتنها.. تتراءى لها أشياء وأسراب من حكايات وأحداث تنهال تباعا، تتسع دائرة الأمل، تنفتح طاقة الإنجاب، يكبر الأبناء، يذهبون للمدرسة، يلعبون، يفرحون، يصرخون، وتأخذها نشوة جارفة، وظلال الدخان الجاثم تتخللها كأنما تداعبها وهي تشرب خيوطها في إصرار..
كان " أحمد" يرتديه بحر من العرق، وضع ملابسه الفوقية جانبا، احتدت به القراءة السرية والجهرية، جرع المرأة الماء السري الذي يحمله، ضغط قليلا على صدغيها، طافت يداه بكل شعرها ورأسها، امتدت اليد إلى باقي أطراف الجسد، نزع أرديتها واحدا بعد الآخر، أحست بدفء يديه ولمستهما تسبح بكل جسدها، وهو يدلك أرجاءه بلطف وحنان، استطال الدلك واللمس والضم، اشتعلت نار الفتنة، اعتراها ما يشبه الحمى و جنون صغير، هاجت الرغبة في مهاويها، شبكت قدميها على جسد " أحمد"، ضايقت أنفاسه، إلى أن غرقا في لذة الله، تيمم كل منهما صعيد الآخر، وارتوى الجمعان.
قالت: إني أرى قوس قزح يقترب مني، ونهرا يفيض على صدري ونجمة تحلق في دمي..
قال: إن ملوك الجان يباركونك. الآن تدخلين الجنة ويصعد الحلم بين يديك.
وفي الباب البراني للبناية تسلم "أحمد" أجره بغير حساب، وعده القائد بالكثير، وانفصل عن مركز الدرك وهو يقول في داخله:
- ( ما أجمل أن "تضرب" امرأة رجل دولة )
***
كان الشيخ قد عاد ذلك المساء مكسورا مهشما تماما، لم ينفع كيده امام " أحمد" العنيد، ارتمى في بهو خيمته الكبيرة، قال لزوجته القديمة:
- أقيمي لنا شايا أيتها.. الرقطاء
رمقته في نظرة عابسة، عابرة، وسألته:
- هل أنت متعب..
قال: نعم.
رقت لضعفه. في الليلة نفسها نام إلى جنبها، استعاد ثقته بنفسه وفحولته، اكتشف كنوز اللذة فيها لأول مرة، وعدها لآخر مرة بالتكفير عن أحزانها.أقسم الليل كله أن يطلق زوجته الوافدة، وأن يستغفر" أحمد" على ما بادر منه ويلتمس منه الصفح.
وفي الحفل الذي أقامه قائد الدرك بمناسبة ازدياد وليد، كان أحمد جنبا إلى جنب مع الشيخ يهنئان، ويباركان المولود الجديد على شاكلة الكبار الذين حضروا ذلك الحفل...
***
هنا وهناك، بدأ نجم " أحمد" يسطع ويشتعل باسمه الرعب و الخوف أو يرتد الأمل إلى غمده. قيل إن له خبرة في استبطان طبقات الأرض واستكشافها، وقد ركب مشاق رحلة مضنية إلى أحد الجبال الوعرة المغلقة، وقضى ثمة أياما وليالي سوداء في التعازيم والبحث والحفر والتنقيب للوقوف على كنز مخبوء، لكن تقنياته خانته، فرفع رفعا، وغضب عليه أسياده من الجن والأرواح المهيمنة، وألقوا به في أرض خلاء لا ماء فيها ولا هواء ، ولا نجم ولا شجر ولا مواء، وأحس هناك أن الدنيا جوفاء، ولم يشفع له غير صلواته الهوجاء وحسن طويته.
ولكل كبوة جواد. لم ييأس "أحمد"، عانق قطوف إصراره، لما جاءه النبأ مرة أخرى وشد الرحال إلى جبل آخر منسي في الأعالي، اعتصم به أياما وليالي، مارس فيها طقوس الاحتراق والانحدار، أطلق صفارة الخوض، ضاع منه رأس الخيط، أغضب أسياده من جديد، وطارت بعه العوادي حيث وجد مردوما في ربع خال تنهش باكورته هوام الأرض، وتوسل للعوالم القاهرة، فرقت لحنينه وأعادته حسيرا لمسقط رأسه.
وورد في تقرير شبه رسمي أن شركة أمريكية بدأت بالتنقيب عن النفط العزيز في هذه البلاد اختارته ليكون من بين خبرائها المقدمين، واعتبر أهل القرية ذلك فخرا لهم.
تحدث بعض حجاج بيت الله الحرام الرسميين في دهشة وريبة، أنهم رأوه في السعي بين الصفا والمروة يؤدي فريضته، جزم بذلك كثيرون، وإن تحفظ البعض، ونقل بعض العائدين من الآخرة، حيث ثبت موتهم خطأ، أنهم رأوه في الجنة على ضفة نهر من لبن، يشرب أنخابا من عسل. وادعى البعض أنه يتقمص حالات كائنات متعددة، وثبت أن معاملانه تتم مع أشخاص شبه آدميين لا ظل لهم، ولا لون لهم تماما، وكان ذلك يُرهب الناس.
(قال "أحمد" من لا تغويه الفتنة جماد، وإذا أنت وجدت الناس يعبدون الحمار، فكن حمارا. أي حمير نحن؟
خرج الموظف السامي من مكتبه غاضبا، وقال لملاقيه : يا صديقي ، أنا في الحقيقة حمار كبير... لم أكن أتصور المسألة بهذا الشكل. قال المعلم للطفل الحزين: حمار. وقال صديق الطفل : هذا المعلم حمار..، قالت الأم لابنتها : ألم أقل لك أيتها الحمارة... وقالت الخليلة لخليلها: لِمَ تأخرت عن الموعد يا حمار.. قال رب المعمل للعامل الكادح: ما هذا بشغل يا حمار.. وقال ضابط الصف لجندي الرتبة الثانية: يمين، شمال. قف.آالحمار. قال الرجل الشاخص في ركن المقهى: هذا النادل حمار، بينما النادل في كل لحظة يقول: كل الزبناء الكرام حمير. قال القاريء بعد قراءة العبارات الأولى من مقدمة الكتاب، هذا المؤلف/ الكاتب حمار.. قال كل الناخبين : ممثلوهم في البرلمان حمير، وقال كل نواب البرلمان : ناخبوهم في الواقع حمير. وقال أحد النظارة الكرام بعد نشرة الأخبار: أنا المشاهد الحمار...)

سعيدي المولودي



#سعيدي_المولودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -ثيلوفا- بيان حكائي. - 7-
- - البرد والسلام-
- بكائية للقامة العتيدة
- رسالة مفتوحة إلى وزير التعليم العالي (2)
- رسالة مفتوحة إلى وزير التعليم العالي
- -ثيلوفا-- بيان حكائي- - 6-
- - ثيلوفا- ( بيان حكائي) -5 -
- - ثيلوفا- ( بيان حكائي) -4 -
- إدارة كلية الآداب بمكناس والتحريض على العنف
- وزارة التعليم العالي: الإجهاز على حق الأساتذة الباحثين في ال ...
- - مغاربة العراء-
- - المستنقع الميداني-
- التعليم العالي : خبطة الإصلاح البيداغوجي الجديد
- - هولاند بن عبد العزيز-
- نقد- مفاهم حضارية- في الأدب العربي
- وزارة التعليم العالي: حافات الارتباك.
- كيمياء العدوان
- -ثيلوفا- ( بيان حكائي) -3-
- -ثيلوفا-.2.
- -ثيلوفا- (بيان حكائي) 1


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدي المولودي - -ثيلوفا- ( بيان حكائي) - 8-