أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - جدلية الوحي والتاريخ (7)














المزيد.....

جدلية الوحي والتاريخ (7)


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 4457 - 2014 / 5 / 19 - 16:18
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


- الخالق والمخلوق (الطبيعي والاعتباري)

بينما لا يزال خالق الشخص الطبيعي موضوع جدل وشك ونزاع واختلاف وصراع بين الأشخاص الطبيعية بدرجة أكبر وأخطر بكثير من اتفاقهم عليه، خالق الشخص الاعتباري ليس كذلك. حين يقوم أربعة أشخاص طبيعية، مثلاً، بإنشاء شركة أو جمعية ربحية أو خيرية هم عندئذٍ يخلقون شخصاً خامساً بجانب شخوصهم الطبيعية الأربعة المستقلة، ويهبونه من أنفسهم اسماً وشخصية ومسؤولية قانونية محددة. بذلك تستطيع الأشخاص الطبيعية أن تخلق أشخاصاً اعتبارية في أي زمان ومكان، بشروط وقواعد تأسيسية وقانونية ولخدمة أغراض وغايات مختلفة. وكما يستطيع الشخص الطبيعي أن يخلق شخصاً اعتبارياً أياً كان، هو أيضاً يستطيع أن يفضه أو يحله أو ينهي وجوده متى شاء أو اضطر إلى ذلك. في المقابل، هل يستطيع الشخص الاعتباري أن يخلق شخصاً طبيعياً، وينهي حياته؟

ثمة حقيقة أخرى مرتبطة بكون الشخص الطبيعي هو فعلاً الذي يحي ويميت الشخص الاعتباري: لا يوجد شخص اعتباري دون شخص طبيعي سابقاً على وجوده. ففي حين يتمتع الشخص الطبيعي بالكفاية والاستقلالية الذاتية التي تسمح له بالوجود منفرداً بذاته ومستغنياً عن كافة الأشخاص الاعتبارية، في المقابل هذه الأخيرة لا تملك هذه الرفاهية؛ عكس الشخص الطبيعي، الشخص الاعتباري لا يتمتع بالكفاية والاستقلالية الذاتية لكن يبقى وجوده دائماً وأبداً مرتبط بوجود الشخص الطبيعي الممثل والمشغل والضامن والحامي له. في الحقيقة الشخص الطبيعي ليس هو خالق الشخص الاعتباري فقط، بل هو نافخ الروح فيه ومشغله ومطوره وصائنه أيضاً؛ لذلك، بمجرد غياب الأول يتحول الأخير إلى أطلال بلا حياة حتى تطويها عوامل النسيان والمناخ؛ وليست المعابد والآثار المهجورة حول العالم وتحديداً في مصر، كونها هياكل جسدية لأشخاص اعتبارية- آلهة؟- قديمة، غير أمثلة ميتة تشهد بذلك. هذه المعابد بعدما هجرها خالقوها الطبيعيون تحولت إلى أكداس من الحجارة المبعثرة في انتظار أن يدفنها الزمن وعوامل التعرية.

بجانب الأشخاص الاعتبارية، يستطيع الشخص الطبيعي أن يصنع من الأدوات والأسلحة المادية ما يفوقه هو نفسه قوة وقدرة تدميرية بكثير إلى حد امتلاك إمكانيات القضاء النهائي على كوكب الأرض والجنس البشري كله خلال ساعات معدودات، مثل القنابل الذرية والنووية والهيدروجينية والحرارية والفراغية...الخ. وبالمثل تستطيع الأشخاص الاعتبارية التي هي من خلق الشخص الطبيعي نفسه أن تفوقه قوة وأهمية إلى حد بعيد، إلى حد السيادة المطلقة عليه واحتكار شرعية قهره وفرض إرادتها (قوانينها/شريعتها؟) عليه بالقوة الجبرية وقتله إذا لزم الأمر (بتهمة الخيانة العظمى/الردة؟). رغم كونه في الأساس صنيعة الشخص الطبيعي ولا يتمتع بحياة أو وجود مكتفي ومستقل بذاته بمعزل عن الأول، هذا لا يعني بالضرورة أو في جميع الأحوال غلبة وسيادة الخالق (الشخص الطبيعي) على المخلوق (الشخص الاعتباري). في الغالب، تكون الأشخاص الاعتبارية التي هي صنيعة الأشخاص الطبيعية ذات قوة وأولوية، وفائدة، أعظم بكثير من خالقيها أنفسهم. لكن رغم هذه القوة الهائلة التي قد يتمتع بها الشخص الاعتباري مقارنة بالطبيعي، تبقى حقيقة مثبتة أن الأول يفتقر إلى الكيان المكتفي والمستقل والمستغني بذاته عن الثاني؛ إذ بينما وجود الشخص الطبيعي يبقى ممكناً من دون الشخص الاعتباري، وجود الأخير مستحيل من دون الأول.

رغم كون ’مصر‘ شخصاً اعتبارياً قد أنشأه من الأساس أشخاص طبيعيون ومن المستحيل أن يكون له وجود أو أن يرتقي ويتقدم من دونهم تحديداً، لا شك في كون هذا المخلوق الاعتباري يفوق في قوته وأهميته وشرعيته أي من هؤلاء الأشخاص الطبيعيين قديماً وحديثاً، منفردين ومجتمعين. علاوة على ذلك، رغم كون هؤلاء الأشخاص الأوائل والحاليين هم أنفسهم الذين قد أسسوه وأعطوه من أنفسهم رسمه واسمه ويحفظوه حتى اليوم هم الآن الذين قد أصبحوا يكتسبون هويتهم، جنسيتهم، منه؛ رغم أنهم هم الذين قد أسموه ’مصر‘ في الأول، هو الذي قد أصبح يسميهم ’مصريين‘ الآن. في قول آخر، رغم مخلوقية الشخص الاعتباري وافتقاره الكفاية والاستقلالية الذاتية هو لا يزال يستطيع إذا ما توفرت الشروط الملائمة أن يكتسب من خالقيه أنفسهم قوة وكفاية واستقلالية ذاتية جبارة أضعاف أضعاف ما لديهم جميعاً مجتمعين.

هذا هو ما قد يؤدي أحياناً إلى تصور خاطئ أن الشخص الاعتباري بالنظر إلى قوته الهائلة مقارنة بالشخص الطبيعي قادر على أن يخلق الأخير، أو على الأقل يملك من الشرعية ما يسوغ له التضحية به وسحقه بين سنون تروس ماكينته العملاقة.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جدلية الوحي والتاريخ (6)
- جدلية الوحي والتاريخ (5)
- جدلية الوحي والتاريخ (4)
- جدلية الوحي والتاريخ (3)
- جدلية الوحي والتاريخ (2)
- جدلية الوحي والتاريخ (1)
- العقل الفقهي وتنصيص الواقع
- العقل الفقهي والسلطة
- ابن رشد ضالع في الإرهاب
- سحر الفقه
- ابن رشد: فيلسوف أصيل أم فقيه مستنير؟
- فيلسوف وفقيه وإرهابي (3)
- فيلسوف وفقيه وإرهابي (2)
- فيلسوف وفقيه وإرهابي (1)
- العدل الأعمى في اليوتوبيا الإسلامية
- الإسلام السياسي سكين مسموم في الجسم العربي
- إسرائيل العدو، الند، إلى الحليف
- المملكة والله والبترول
- إصلاح مراوغ تحت عباءة الدين
- تطور الدين مع الانسان


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - جدلية الوحي والتاريخ (7)