أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - جدلية الوحي والتاريخ (3)














المزيد.....

جدلية الوحي والتاريخ (3)


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 4447 - 2014 / 5 / 8 - 03:05
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


- التوحيد

إذا كان ’الوثن‘ هو التجسيد الحسي للفكرة عن إله معبود يكون الإسلام، كامتداد للأديان الوثنية المنتشرة بجزيرة العرب من قبله، ديناً وثنياً مثلها. هذه الأديان الأولى كانت تتخذ لنفسها ’مجسدات‘ حسية من حجر أو خشب أو معادن أو مأكولات أو خلافه لتقربها (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ-;-) إلى الله، أو بالأدق فكرتها عن الله. في الواقع، حين عاد الإسلام منتصراً من المدينة كان أول ما فعله المسلمون الأوائل هو تحطيم جميع الأوثان (الأصنام أو المجسدات الحسية) القائمة لله بمكة إلا مجسداً وحيداً وأكبرها جميعاً- الكعبة.

في الحقيقة، من اليوم الأول كان الوحي يناصب جميع آلهة العرب العداء إلا إلهاً واحداً وأكبرهم جميعاً- الله. منذ زمن بعيد قبل الإسلام كان الله هو نفسه الإله الأقدم والأكبر المعترف به من معظم القبائل العربية، وكان في الكعبة بمكة تجسيداً حسياً مباشراً لهذا الإله الأعظم. لكن كان لنفس هذه القبائل في الوقت نفسه آلهة فرعية تجسد الخصوصيات التي تتفرد وتتباهى بها كل قبيلة على أخرى، ومن ثم نشأت تعددية إلهية وتعددية مقابلة في المجسدات الحسية الواقفة لها. هذه الممارسة العربية لتعددية الألوهية تحديداً، لا فكرة العرب الجوهرية عن الله أو عن مقبولية تجسيده في شيء محسوس، هي التي كانت نصب عداء وحرب الإسلام من البداية ونجح بالفعل في القضاء عليها نهائياً بعد سنوات قليلة من عودته منتصراً من المدينة. لكن الإسلام قضى على آلهة العرب جميعاً وترك إلهاً واحداً، هو الله؛ وحطم جميع الأوثان الواقفة لتلك الآلهة وترك وثناً واحداً، هو الكعبة. في الحقيقة، الإسلام تبنى ومارس منذ البداية موقفاً عدائياً مغلقاً تجاه تعددية الألوهية- الشرك بالله- وما رافقها من تعددية الأوثان ولم يعادي الألوهية والوثنية من حيث المبدأ طالما انتهت إلى التوحيد- إله واحد ووثن واحد.

الكعبة، كمجسد حسي لله، تؤدي وظيفة مركزية في الإسلام. إذ تحوي جميع دور العبادة، المساجد، ’قبلة‘ متجهة ناحية الكعبة، ما يجعلها جميعاً تتبع الكعبة وتتحلق حولها كالكواكب السيارة حول مركزها الشمس، أو يجعل الكعبة مركز جاذبية للكون المسلم كله. وليست المساجد فقط هي المربوطة بهذا الشكل بالكعبة، جميع المسلمين مربوطين بها أيضاً بالطريقة نفسها، على مدار الساعة. في الواقع، العالم الإسلامي كله بفكره وشخوصه ومعماره، ماضيه وحاضره ومستقبله، مربوط بالكعبة ويسبح في فلكها، ما يجعل من الصعب تخيل كيف قد يكون شكل الإسلام أو العالم الإسلامي دون الكعبة مركزاً حسياً جاذباً له. لهذا السبب، لا يثير الدهشة أن يناصب إسلاميون معاصرون، بالضبط كما فعل المسلمون الأوائل تجاه الأوثان، الأضرحة والمزارات والحسينيات وما شابه عداءً لا هوادة فيه. السبب واضح ومباشر جداً، أن هذه المجسدات رغم كونها إسلامية إلا أنه قد تحولت بدورها إلى مراكز جاذبة ’فرعية‘ ينجذب ويطوف بها هؤلاء المسلمون المعتقدون في كونها تقربهم إلى الله (بالضبط كما كانت تفعل القبائل العربية في الماضي). هي نفس حال التعددية الدينية الفرعية التي وجد الإسلام نفسه وسطها في البداية؛ وكما حاربها وقضى عليها بالقوة آنذاك، يحارب الإسلاميون الأصوليون الأضرحة ويحاولون هدمها بالقوة هذه اليوم أيضاً.

من البداية، قد أبى الإسلام أن يتعايش سلمياً وسط تعددية الألوهية الفرعية العربية، حتى لو كانت جميعها في النهاية تسلم العبودية لنفس الإله الذي أقر به الإسلام- الله؛ كذلك، لم ينتهج الإسلام وسائل اللين أو التفاوض أو التسوية معها، لكن قهر هذه القبائل بقوة السيف وقرر أن يتولى بنفسه تحطيم آلهتها بدل أن يترك لها الخيار لتقوم بذلك طواعية بنفسها إذا ما اقتنعت بوجاهة توحيد آلهتها المتعددة في الإله الواحد الأعظم، الذي لم يكن غريباً عنها أيضاً. الإسلام، في نظر القبائل العربية وقتها، لم يكن ديناً جديداً؛ هو كان ديناً موحداً لآلهتها الفرعية القديمة في الإله الأعظم والأقدم منها جميعاً- الله الواحد الأحد. هكذا، منذ البداية، لم يبتدع الإسلام إلهاً جديداً لكنه كان يرفض بشدة تعدد الآلهة، واستعمل العنف في فرض سيادة الإله الأعظم بالقوة على بقية الآلهة الفرعية الأخرى.

هنا تحديداً كانت جدلية الوحي والتاريخ في أجلى صورها وأنشط عملها، بحيث لا يمكن بسهولة تمييز ما هو ’وحي‘ عن ما هو ’تاريخ‘. فبينما تبنى الوحي ’فكرة‘ توحيد الآلهة العربية في إله واحد، انتهج التاريخ الإسلامي في الوقت نفسه ’ممارسة‘ توحيد القبائل العربية المتعددة والمتفرقة والمتناحرة في كيان تنظيمي واحد- الأمة الإسلامية. هكذا، منذ حمل المسلمون الأوائل سيوفهم لتحويل ’فكرتهم‘ عن الإله الواحد الأحد إلى ’واقع‘ بالقوة على بقية القبائل العربية، حتى على قبائلهم أنفسهم بمكة، اختلط الوحي بالتاريخ الإسلامي بما يجعل من المستحيل الفصل بينهما بعد الآن. فإذا كانت الدعوة لتوحيد الآلهة العربية في الإله الواحد الأعظم هي مرتكز الوحي وجوهره، كان العمل المسلح لتطبيق هذا الوحي على أرض الواقع هو التاريخ بامتياز. ومن هنا ترسخت جدلية غير منفكة بين الوحي والتاريخ، أو الدين والدنيا (السياسة)، في روح ولحمة الإسلام حتى يومنا هذا.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جدلية الوحي والتاريخ (2)
- جدلية الوحي والتاريخ (1)
- العقل الفقهي وتنصيص الواقع
- العقل الفقهي والسلطة
- ابن رشد ضالع في الإرهاب
- سحر الفقه
- ابن رشد: فيلسوف أصيل أم فقيه مستنير؟
- فيلسوف وفقيه وإرهابي (3)
- فيلسوف وفقيه وإرهابي (2)
- فيلسوف وفقيه وإرهابي (1)
- العدل الأعمى في اليوتوبيا الإسلامية
- الإسلام السياسي سكين مسموم في الجسم العربي
- إسرائيل العدو، الند، إلى الحليف
- المملكة والله والبترول
- إصلاح مراوغ تحت عباءة الدين
- تطور الدين مع الانسان
- المملكة المحافظة في واقع متغير
- لماذا انهزمت السعودية أمام إيران
- هزيمة الجهاد المسلح في سورية
- الأكثرية والأقلية في ديمقراطية الإسلام السياسي


المزيد.....




- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...
- حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
- تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر ...
- مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم ...
- البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ ...
- مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
- عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - جدلية الوحي والتاريخ (3)