أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - جدلية الوحي والتاريخ (4)














المزيد.....

جدلية الوحي والتاريخ (4)


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 4450 - 2014 / 5 / 11 - 17:05
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


- الشيخ المجاهد

لو كان المكيون قد نجحو في القضاء على محمد قبل أن يهرب منهم إلى المدينة، كان الإسلام- وحياً وتاريخاً- سيسلك مساراً شديد الاختلاف عما هو قائم اليوم. في مكة، كان محمد لا زال في طور الوحي، دعوة قومه باللين والحسني إلى عبادة الله الواحد الأحد وترك الشرك به في عبادة آلهة وثنية فرعية بدعوى كونها تقربهم من عبادة الله. خلال هذه المرحلة المكية البكر، لم يتخطى محمد حدود التكليف الإلهي بإيصال رسالة مزعومة من ربه إلى قومه بمكة وقبائل عربية أخرى بالجوار؛ ولم يثبت أن محمد قد انتهج أي وسيلة جبر أو غصب لفرض رسالته، بل هو الذي تحمل في سبيلها أشكالاً ووسائلاً كثيرة من التنكيل والتعذيب والاضطهاد لإثنائه واستعادته إلى إقرار العبودية والقداسة لآلهة قومه. السور المكية من القرآن قد عكست بوضوح هذا الدور الدعوي المتسامح. وفق الاصطلاح القديم في مكة كان محمد ’نبياً‘، أو داعية أو فقيه أو رجل دين أو شيخ طريقة جديدة وفق الاصطلاح الحديث. في مكة كان التأسيس لدين جديد.

لكن بعد الهجرة، التي أصبحت لاحقاً عن استحقاق نقطة البداية الحقيقية للتاريخ الإسلامي، تقلد النبي المكي تكليفاً جديداً بالمدينة- التأسيس من الصفر لدولة إسلامية. منذ ذلك التاريخ لم يعد محمد نبياً فقط يقتصر دوره على ’الدعوة إلى دين الله‘، بل أضيف له دوراً آخر سوف تكون له تداعيات جلية وخطيرة فيما بعد على الوحي الإسلامي والتاريخ الإسلامي معاً- ’المجاهد في سبيل الله‘. في المدينة كشف محمد عن وجه آخر شديد التباين والتناقض مع التبشيري الدعوي المتسامح حتى مع الظلم والغبن البين من أهله وعشيرته، لنجد أنفسنا أمام سياسي محنك ومقاتل صلد لا يتردد كثيراً قبل الإطاحة برؤوس المناوئين والخصوم والأعداء طالما كان في ذلك خدمة وتوطيد وتوسعة لمشروعه السياسي. النبي محمد نفسه الذي كان قد ذاق وتحمل وصبر على كل صنوف العذاب من أهله بمكة، عاد إليهم من المدينة قائداً عسكرياً على رأس جيش جرار يخيرهم بين ’الإسلام‘ لربه أو الاستسلام لسيفه، أو أن يبحثوا لهم عن وطن آخر كما فعلت يهود المدينة قبلهم.

نفس هذا الانقلاب المتطرف من ’النبي‘ إلى ’القائد‘، أو من ’الشيخ‘ إلى ’المجاهد‘، وعدم وضع مسافة بين الدورين بل الجمع بينهما معاً في تركيبة متنافرة ومضطربة، قد بقي سمة أساسية في الإسلام- وحياً وتاريخاً- خلال الطور الثاني من حياة الإسلام بالمدينة ولا تزال قرينة به حتى اليوم. السور المدنية من القرآن قد عكست أيضاً بوضوح هذا التداخل والاختلاط الشائك بين الوحي والتاريخ، النبي الدعوي والقائد العسكري، رجل الدين ورجل السياسة، الدنيا والدين، الشيخ والمجاهد. كذلك، هذه السمة تحديداً قد ظلت تحكم نظرية وممارسة كافة أشكال ودرجات الإسلام الحركي- تمييزاً له عن الإسلام الدعوي- وعلى وجه الخصوص ظاهرة الإسلام السياسي الحديثة. في كافة تجمعاته وتنظيماته، كان الإسلام السياسي ينطلق من الطور ’الدعوي‘ الناعم ليتطور بسهولة واستقامة إلى أطوار ’جهادية‘ خشنة وعنيفة، وحتى عدمية.

كتقليد إسلامي أصيل وموروث عن محمد نفسه، كان مبرراً خلال أحداث الفتنة الكبرى أن يرفع المتقاتلون القرآن فوق أسنة السيوف كملاذ أخير- الإقرار بالرغبة في تحكيم القرآن في أمر السيوف بعدما عجزت الأخيرة عن حسم الخلاف. وفي الأيام المعاصرة، لا يزال رسم القرآن نفسه محمولاً بين سيفين متقاطعين يتوسط شعار جماعة الإخوان المسلمين. علاوة على ذلك، لا يزال حتى أشد المسلمين تطرفاً وعنفاً من أمثال السعودي أسامة بين لادن والمصري أيمن الظواهري يبدئون أسمائهم بصفة ’الشيخ‘ قبل ’المجاهد‘.

هذا التداخل بين كلا الوظيفتين المتنافرتين والمتناقضتين بطبيعتيهما كان سمة أصيلة للبيئة البدوية البسيطة وغير المركبة حضارياً التي قد نشأ فيها محمد والإسلام الأول معاً. في مثل هذه البيئة، لم يكن ثمة بيتاً أو قصراً منفصلاً للحكم الدنيوي، ومن ثم لم يكن ثمة مسجداً أو دار إفتاء منفصلة للدعوة والإرشاد الديني. في الحقيقة، فور تأسيس أول بيوت الحكم الإسلامي في دمشق على يد الأمويين تأسست في مقابلها المساجد وبيوتات الفقهاء والمفتين ورجال الدين، لينفصل الدين عن السياسة بخلاف الحال في حياة محمد. المتغير هو أن الإسلام انتقل من بيئة بسيطة وبدائية في مكة والمدينة إلى بيئة حضارية ومركبة في دمشق وبغداد، الذي أدى إلى فصل حاسم ونهائي (منذ أحداث الفتنة الكبرى) بين الوحي والتاريخ، الدنيا والدين، رجل السياسة ورجل الدين، القرآن والسيف. وطوال التاريخ الإسلامي فيما بعد، لن يرتد الإسلام ثانية أبداً إلى بدائية العصر النبوي.

لكن إذا كان التاريخ الإسلامي تمسك بالحضارة ولم يقبل بالردة إلى البداوة، اليوتوبيا الإسلامية كان لها قول آخر. فبينما التاريخ مبني من تراكم الأحداث الفعلية بحيث يستحيل عليه أن يقفز فوقها متخطياً حاجز الزمن، اليوتوبيا لا ترى أحداثاً ولا تقر بانقضاء الزمن، لذلك هي تستطيع القفز في غمضة عين واحدة فوق أحداث قد تراكمت عبر أكثر من ألف سنة. هكذا لا تزال اليوتوبيا الإسلامية الحالية تعيش في واقع نبوي بدائي لم تتجاوز رقعته الجغرافية عدة أميال، ولم يتخطى زمنه بضع عشرات السنين امتزج فيه الوحي بالتاريخ والقرآن بالسيف، متغافلة في الوقت نفسه عن واقع إسلامي حضاري قد استوعب آلاف الأميال وامتد أكثر من ألف وأربعمائة عام افترق خلاله الوحي طريقه عن التاريخ، وسقط القرآن نهائياً عن سن السيف.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جدلية الوحي والتاريخ (3)
- جدلية الوحي والتاريخ (2)
- جدلية الوحي والتاريخ (1)
- العقل الفقهي وتنصيص الواقع
- العقل الفقهي والسلطة
- ابن رشد ضالع في الإرهاب
- سحر الفقه
- ابن رشد: فيلسوف أصيل أم فقيه مستنير؟
- فيلسوف وفقيه وإرهابي (3)
- فيلسوف وفقيه وإرهابي (2)
- فيلسوف وفقيه وإرهابي (1)
- العدل الأعمى في اليوتوبيا الإسلامية
- الإسلام السياسي سكين مسموم في الجسم العربي
- إسرائيل العدو، الند، إلى الحليف
- المملكة والله والبترول
- إصلاح مراوغ تحت عباءة الدين
- تطور الدين مع الانسان
- المملكة المحافظة في واقع متغير
- لماذا انهزمت السعودية أمام إيران
- هزيمة الجهاد المسلح في سورية


المزيد.....




- اقتلعها من جذورها.. لحظة تساقط شجرة تلو الأخرى بفناء منزل في ...
- هيئة معابر غزة: معبر كرم أبو سالم مغلق لليوم الرابع على التو ...
- مصدر مصري -رفيع-: استئناف مفاوضات هدنة غزة بحضور -كافة الوفو ...
- السلطات السعودية سمحت باستخدام -القوة المميتة- لإخلاء مناطق ...
- ترامب يتهم بايدن بالانحياز إلى -حماس-
- ستولتنبرغ: المناورات النووية الروسية تحد خطير لـ-الناتو-
- وزير إسرائيلي: رغم المعارضة الأمريكية يجب أن نقاتل حتى النصر ...
- هل يمكن للأعضاء المزروعة أن تغير شخصية المضيف الجديد؟
- مصدر أمني ??لبناني: القتلى الأربعة في الغارة هم عناصر لـ-حزب ...
- هرتصوغ يهاجم بن غفير على اللامسوؤلية التي تضر بأمن البلاد


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - جدلية الوحي والتاريخ (4)